السؤال الأدبي في الكتاب المدرسي
كتاب اللغة العربية للمدارس الثانوية،
الشعب
العلمية نموذجا.
[ألقي
هذا العرض بالمركز التربوي الجهوي، بدرب غلف بالدار البيضاء، يوم 13/04/01،
ضمن أنشطة فرع الجمعية المغربية لمفتشي
التعليم الثانوي. الفريق التربوي لمادة اللغة العربية، بأكاديمية أنفا]
تمهيد: الحاجة إلى التصريف البيداغوجي
يبدو أن أهل
المغرب، حققوا حاليا في مجال التربية والتعليم، كما هو الشأن في مجال اللغة ونظرية
الأدب، تراكما نظريا يَتشوف إليه أهل المشرق. غير أن هذا التراكم بقي في
حدود الاستعراض النظري، فلا نقترب من مجال التصريف البيداغوجي حتى نجد الاستفادة
منه لا تتجاوز التوصيات والوعود والموعظة الكسولة، والتقاط بعض القشور الجافة. ولا
أدل على ذلك من حال كتابنا المدرسي.
لنترك إذن
الاستعراض النظري جانبا، معرفيا كان أم بيداغوجيا، ولْنتجه إلى الواقع المتجسَّد
في الكتاب المدرسي انطلاقا من كتاب بعينه (اللغة العربي للسنة الثانية علوم)، وإلى
نصوص بعينها، لنرى كيف تعامل مؤلف الكتاب معها. (ولا أخفي أني سعيد بعدم معرفة من
ألف هذا الكتاب، كما لا أخفي أني اجتهدت كثيرا في إخفاء تأثري كأب يرى أبناءه يتجرعون ما يتجرعون من كدره و
وَدره. وكنت كتبت منذ شهور مقالا بعنوان مفسدات العقل واللسان في كتاب اللغة
العربية. وكان ذلك العنوان الصحفي المثير تصريحا بالسكوت عنه موقتا في عنوان العرض
الحالي).
هناك مسلمة لا
يجادل فيها أحد من المختصين، ولكنها تغيب عن أذهانهم حين يصيرون مسؤولين ــ فما بالك حين يكون المسؤول غير مختص ــ
وهي أن لكل مجال علمي أسئلة لا يمكن أن يصوغها غير المختص المستوعب المنتج.
1 ــ هوية النص الشعري ومدخله
ما هو المجال الذي
ينتمي إليه "كتاب اللغة العربية للسنة الثانية علوم" بالتحديد؟
لندع عنوان الكتاب
جانبا فهو أقرب إلى الاصطلاح إن لم يكن اسما على غير مسمى، ولننظر في المتن الذي
يحتويه ويدير أسئلته عليه([1]).
مدار الكتاب
المذكور على نصوص أدبية مع محاولاتٍ لتحليلها بلاغيا وتأطيرها ثقافيا. فيه نصوصٌ من
الشعر القديم والحديث، ومقالاتٌ ومقتطفات من أعمال أدبية مختلفة. وهذا اختيار لا
اعتراض عليه، غير أن وجود هذا المتن الأدبي
لا يعنى أننا بإزاء تخصص أدبي بالمعنى الحصري للأدبية، فسيكون من الخروج عن
الغرض البيداغوجي في مستوى الثانوي عامة، وفي شعبة العلوم والتقنيات خاصة، حصرُ
المعالجة في سؤال الأدبية بالمفهوم الشعري الحديث (أي الخصوصية الشعرية)، كما لا
يعني أن هناك اسما آخر يمكن أن نطلقه على المادة كلها غير اسم الأدب، فهي ليست
قواعد نحو وليست نظرا فلسفيا وليست تاريخ ولا تربية دينية أو وطنية. فكيف تكون
المادة كلها أدبا؟
هي مادة أدبية
وسؤالها أدبي لأنها تستهدف بشكل طبيعي معنيين للأدب معروفين تاريخيا منفصلين
ومتصلين نظريا:
1 ـ المعنى الخاص،ويعني الإبداع التخييلي
ومكوناته البلاغية.
2 ـ المعنى العام،
ويعني القدرة على المخاطبة السليمة لغويا(نحويا) ومنطقيا(حجاجيا)، والقدرة على
تمييز أنواع الخطاب وأسرار التراكيب في مناسبتها للمقامات.
ونحن هنا لا نكاد
نخرج عن المكونين الأساسيين للخطاب البليغ/الأدبي: الوظيفة التخيلية الشعرية
والوظيفة التداولية (الخطابية)([2]).
يؤكد كل ما ذهبنا
إليه أمران: 1) مصاحبة النصوص بدروس في البلاغة و(الأسلوبية) وذخيرة معرفية من
تاريخ الأدب والنقد. 2) محاولة تحليل النصوص بتلك الصفة (أو ادعاء ذلك).
ولقد اعتبر تحقيق
المعنى العام طريقا ضروريا لتحقيق المعنى الخاص. ولذلك فإن الأسئلة التي تطرح على
المتعلم في المستوى الأول تقوده حتما إلى المعنى الثاني. فالسؤال عن المكونات
النصية والخارجِنصية، أو الوصفية والتفسيرية، هو سؤال في القواعد البلاغية
والذخيرة المعرفية.
من البديهي أن لكل جنس أدبي خصوصية مهما التبست، ولكل عصر أدبي
مهيمنة أو مهيمنات، ولكل نص مدخلا بلاغيا يميزه كالبصمات.
ونحن نهتم هنا بالنص
الشعري. ومدخل النص الشعري لا يمكن أن يكون إلا من الراسخ في نظريته عبر التاريخ،
وهو أن بنيته اللغوية ليست مجرد وسيط شفاف يُنسَى مع الوصول إلى مُفترضٍ مَخبوءٍ
وراءَها. إن هذه المسألة المدخلية لا تبدو بديهية لا في تصميم الكتاب المعتمد متنا
للتحليل، ولا في تحليلاته، بل يبدو وكأن المؤلف يعمل ضدها بكل إصرار، كما سنبين.
بعد هذا يأتي
السؤال الإجرائي التطبيقي: هل يمكن تحديد خطة موحدة، بخطوات محددة، مناسبة لكل
النصوص الشعرية؟ كثيرا ما يعلق
الطلبة أملا كبيرا على هذا السؤال، فيصابون بخيبة أمل عندما يجيبهم الأستاذ ـ وهم
يرونه الأقدر على الجواب ـ بأن ليست هناك وصفة قابلة للتعميم standard. ويكاد الواحد منهم يحس بأن غياب الخطة المضبوطة يعني غياب
العلمية، والواقع بخلاف ذلك.
من الممكن الحديث
عن مستويات للتحليل في بُعدية الوصفي والتفسيري أما تمييز "الواصف"
المناسب و"المفسر" المناسب لهذا النص أو ذاك فمرده إلى سعة المعرفة
وتراكم الخبرة مع القريحة والحرقة، ولا شيءَ غير ذلك. ويؤسفني كمحلل وكأب وكمواطن
أن لا أجد في تأليف هذا الكتاب شيئا من ذلك، بل أجد مؤلفه أشبه بالطبيب الذي قتل
صاحبه من حيث أراد علاجه([3]).
حين يواجه المحلل نصا
تخييليا يكون كمن يأخذ بين إصبعيه حجرا بلوريا كريما يقلبه بعناية أمام أشعة الشمس
حتى يجد الزاوية (أو الزوايا) التي ينفذ منها الضوء إلى كل الجهات فتعطي أبهج
الألوان وأكثرها التباسا وسحراً.
وبعبارة أخرى فإن
وضع السؤال الأدبي بالنسبة لنص شعري رهين بأمرين: أولهما الكفاءة التحليلية
الكفيلة بالوصول إلى المدخل البلاغي للنص.. وثانيهما الكفاءة التفسيرية المستندة
إلى ذخيرة معرفية نسميها ذخيرة القارئ أو القراءة. وتبدأ العملية إجرائيا بتحديد
المدخل البلاغي للنص. وعدم وصول مؤلف الكتاب المدرسي إلى ذلك المدخل هو التيه
نفسه، هو العجز عن وضع الأسئلة المناسبة.
المدخل البلاغي إذن
هو العنصر أو العناصر المهيمنة التي تهيكل النص. هذا المدخل قد يكون مفردا أو
مركبا يسمح الدخول منه باستيعاب كل المكونات المساهمة معه في بلورة تجربة الشاعر.
فهناك نصوص يهيمن عليها التوازن الصوتي وما يتصل به من مقابلات دلالية، وهناك نصوص
يهيمن عليها التشبيه والاستعارة، وهناك نصوص مدخلها تناصبي لا محيد عنه([4])، وأخرى مدخلها
حواري أو سردي...الخ. والهيمنة لا تعني التقليل من فاعلية المكونات الأخرى، بل
نعني ـ مرة أخرى ـ وجود عنصر بارز قادر على استيعاب المكونات الأخرى.
سنحاول توضيح هذه القضية بالنظر في تعامل
الكتاب المذكور مع ثلاثة نصوص ممثلة للمراحل الأساسية من تطور الشعر العربي،
أحدهما قديم، لجميل بن معمر قدم بعنوان: داء الهوى([5])، والثاني حديث
لنزار قباني بعنوان الاحتفال، والثالث ينتمي لمرحلة العبور من القديم إلى الحديث
لمطران خليل مطران، بعنوان الحديقة المرشوشة. مع التعميم على غيرها من النصوص
كلما اقتضى الأمر ذلك.
يؤدي التحليل
البلاغي للنصوص الثلاثة إلى أن المكون البلاغي المهيمن في نص جميل بن معمر هو التوازن الصوتي
والتقابل الدلالي (في قالب الحوار)، والمكون المهيمن في نص نزار
قباني هو "البناء على التشبيه" (في قالب الوصف). والمكون
المهيمن في نص مطران هو التضمين العروضي الناتج عن امتداد (أو تسلسل) المعنى ورجوع التوازن (في قالب الحكي)، (وهذا أمر
وضحناه في تفكيك النص وتركيبه في تحليل بديل، بين أيديكم خلاصة منه). ولا شك أنكم
ستفاجئون حين تستعرضون المقترحة لدخول أدبية هذه النصوص فلا تجدون في الكتاب سؤالا
واحدًا يوجه الطالب إلى أي من هذه المداخل.
إن اكتشاف تلك
المداخل كان سيوجه الأسئلة إلى مكونات ملموسة يدركها التلميذ ويهتم بها. أما غيابه
فمن شأنه ــ كما وقع ــ أن يؤدي إلى الخلط والتشويش في مستوى التحليل وتوظيف
المعرفة البلاغية والتاريخية. أي ضياع الهدف البيداغوجي.
نركز على عرضين
منها: 2. 1 ـ تفكك "الوحدة"
البيداغوجية. 2. 2 ـ شرود الؤال.
من المفروض في عمل
بيداغوجي تَتكونُ كل وحدةٍ من
وحداته من ثلاثة عناصر( النص، البلاغة، الذخيرة المعرفية) أن يتم التفاعل والتكامل
بين هذه العناصر. وهذا يقتضي أن يتم اختيار عناصر الوحدة المعرفية/البيداغوجية
انطلاقا من الوعي بوجود علاقات مشتركة تخدم الاتجاه المعرفي الذي رُصدت الوحدة
لتنميته، وهو عندنا اللغة العربية وآدابها، (وليس الفلسفة أو الدين مثلا).
لقد كان نص جميل
مناسبة للحديث عن "التوازن" و"التقابل" في البلاغة، والتعميم
من هناك على فنون القول المختلفة، وربما على مجالات أخرى أوسعَ تثير فضول الطالب،
وتوسع مجال إدراكه، في حدود
الملموس. كما كان نص مطران مناسبة للحديث عن التمفصل الدلالي والتقطيع النظمي: بين
الحكي والترديد. ويمكن أن يمتد الحديث إلى مفهوم لسلني شعري عام: إسقاط محور
الاختيار على محور التركيب. كما كان نص نزار قباني مناسبة للحديث عن التشبيه
والتمثيل والبناء على المألوف منها
في فضاء بصري وتوازني قوامه التوازي.
أول آثار الشرود عن
مدخل النص ومُهيمنته اتخاذُ نص جميل مناسبة لتناول المجاز في إطار الدرس البلاغي،
ونص نزار قباني مناسبة للحديث عن الاستعارة. ونص مطران للحديث عن الغرض من
التشبيه.
فما موقع النقل (أو
الاستبدال) مجازاً من نص جميل بن معمر، واستعارةً من نص نزار قباني؟ وما دور التشبيه
في نص مطران؟
يلاحظ بسهولة أن
النقل الدلالي تشابها وتلازما (أو تجاورا) عنصرٌ خافت في نص جميل وفي أكثر نصوص
الغزل الأموي عذريا كان أوغير عذري، وهو مُستوعب في بنية التوازن والتقابل، مشغَّل
في إطارها، وملتبس بها. الاستعارة في نص نزار قباني عنصر تابع للتشبيه ومكمل له،
وقل مثل ذلك عن التشبيه في نص مطران.
من الدال على غياب
الوحدة مع وجود اسمها أن المؤلف نفسه سجل هذا الموقع الثانوي للمجاز في نص جميل من
خلال سؤال صريح الدلالة:
"بماذا تفسر
قلة الخيال في هذا النص؟".
فمن الأكيد أنه ذكر "الخيال"
وهو يقصد "المجاز" باعتباره المركبة المثلى للخيال. فكيف يكون النص
"قليل" الخيال ومناسبة للحديث عن المجاز؟! هذا فضلا عن أن القول بأن
النص قليل الخيال يوقع المتعلم في خلط. فالأدب هو أصلا عملية تخييلية؛ تلك هويته
منذ أرسطو والفارابي إلى اليوم. كما أن نعت القلة والكثرة ليس مناسبا في وصف
الهوية.
(نتعمد أحيانا طرح
هذه الظواهر الملتبس في مستوى الدراسات العليا المعمقة كنوع من اختبار الكفاءة
النقدية والإحاطة النظرية بالجزئيات والمزالق لدى الطالب المقبل على الاستقلال في
التخصص البلاغي. وقد يطرح بهذه الصيغة: "يقال اللغة الشعرية لغة تصويرية،
ومجازية بالتحديد. ما مدى انطباق هذا القول على النص المدروس؟".
المادة المعرفية "المساعدة" (وهي المكون الثالث للوحدة البيداغوجية)
غير ملائمة لا لمكونات النص
المنطلق، ولا للأسئلة المؤطرة على علاتها. ومن ثم استفحل طابعها التعجيزي.
يتجلى
التعجيز التربوي في طرح أسئلة غير مناسبة لا لتوجه التلميذ(أو تخصصه)، ولا
للواقع المادي والاجتماعي لـِ %99
من المغاربة بدوا وحضرا.
من ذلك بصدد قصيدة جميل:
"أذكر بعض سمات الحب لدى جميل التي
لم يرد ذكرها في النص". (ص 53).
"عاصر جميل
بثينة بعض مشاهير شعراء الحب العذري، عرف بأحدهم مقدما نماذج من شعره". (50).
"جرت عادة جل
العرب ألا يزوجوا بناتهم لمن تشبب
بهن، أسرد قصة من القصص التي وردت في هذا الشأن". (ص 50).
(وليس في الذخيرة
ما يجيب عن هذه الأسئلة على علاتها)
ومنه بصدد قصيدة
نزار قباني:
"بعد تعرفك
قيمة الحب لدى الشاعر في النص اكتب موضوعا من ثمانية أسطر تبرز فيه جديد نزار
قباني في هذا الصدد". ص 61.
(ليس في الذخيرة
إشارة لجديد نزار قباني)
هذه
أربعة أسئلة من بين عدد كبير مثلها مما طولب التلميذ بإنجازه. فما هو المتوقع
الآن؟ هناك ثلاث احتمالات: إما (أولا) أن تتوفر للطالب الظروف المادية وينجز
المطلوب، ولن يتأتى له ذلك إلا على
حساب مواد تخصصه: الرياضيات والفزياء مثلا. وستصير هذه (المعرفة!) الخبرية التي
قضى أكثر وقته في البحث عنها عمادَ تكوينه. وإما (ثانيا) أن يتعذر إنجاز المطلوب ـ
وهذا حتما هو حال الأغلبية ـ فيعتبر التلميذ مُهملا أو بليدا.
(
هذا ما جعلني أصرح مرة في مجلس الجامعة بفاس أن نظامنا التعليمي هو نظام لتبليد
الشباب المقهور المغلوب على أمره، قلت ذلك وأنا أشاهد نخبة تلاميذ العلوم الرياضية
وغيرها يُحولون بسبب التعريب العشوائي إلى "بلداء" يستهزأ منهم في شعبة
الدراسات الإسلامية واللغة العربية. إن من حق التلميذ الذي يقف درس غير مناسب من
هذا القبيل في طريق تفوقه ويكسر معدله دون تقصير منه أن يكره العربية أهلها، كما
من حق التلميذ الذي غمرته الفرحة في الثانوي بالتفوق المؤهل للرياضيات أو التقنيات
أن يسخط على العربية وأهلها وهو يذبح (ولا مبالغة) على أعتاب الجامعة بسكين تحمله
يد هوجاء سموه التعريب. )
وإما
(ثالثا) أن تهمل هذه الأسئلة وتعوض
بإملاء خلاصات محنطة لا يكون المسؤول عنها بأعلم من السائل، وفي الامتحان
يبقى الأستاذ والتلميذ معا في عمياء. وهذا ليس تخمينا بل حكاية لواقع. وقد قرأت
بعض الخلاصات التي أملاها بعض المدرسين على تلاميذهم باعتبارها أجوبة عن بعض
الأسئلة، فأشفقت لحال الطالب والأستاذ. والخطير هو أن يحاول الأستاذ والتلميذ
التلاؤم مع الكتاب في انحرافه عن الهدف فتعم الإعاقة.
إن الحد الأقصى
الممكن الآن (...حيث لا مكتبات ولا إعلاميات...ولا موسوعات) بالنسبة لطلبة العلوم
خاصة هو اشتغال الطالب ضمن مادة أولية تقدم له في متن الكتاب أو من الواقع
المَعيش. مع العمل الجدي للخروج من هذا المأزق من خلال إجراءات جديدة وجريئة
قوامها فتح المجال للتنافس واستغلال الوسائل الإعلامية.
إن عدم التكامل بين
الأطراف الثلاثة لوحدات اللغة العربية (النص الأدبي، والأدوات البلاغية، والرصيد
المعرفي المؤطر) ناتج عن انعدام الكفاءة في هذه الميادين. ولذلك بقيت البلاغة حدود
في التعاريف المكرورة المرتبطة بأمثلة بعينها مأخوذة من القرآن والأدب القديم، أي
من المتن الذي شغل القدماء، أما جمع صور بلاغية بعينها مع نصوص أدبية بعينها في
"وحدة" ما فمجرد صدفة. والحال أن الفكرة الكامنة وراء
"الوحدة" هي التكامل والاشتغال النقدي بين النص والقاعدة والمعرفة
المُحايثة. لقد استعير شكل الوحدة ذات النواة والامتدادات لغرض تكامل التطبيق
والنظر في تكوين مهارة علمية فاعلة، وغابت الكفاءة العلمية البيداغوجية فظل الشكل
فارغا يملأ المكان بدون وظيفة.
2.2. 3 ــ تعويض السؤال الأدبي بسؤال المحتوى
في غياب المعرفة
الأدبية المشار إليها التمس انسجامُ
"الوحدة" في المحتوى الفكري، في التيمة على وجه التحديد. فقسم الكتاب
إلى "قيم إنسانية" و"قيم جمالية"، وهو تقسيم لا يستوعبه منطق. وداخل القيمتين أربع وحدات سميت بأسماء
لا تبعدها كثيرا عن الأغراض الشعرية من وصف وغزل وغيرهما. والذي يهمنا من هذا
العرض في المقام الأول هو هيمنة الموضوع لدرجة يكاد فيها كتاب اللغة العربية يصبح
نسخة باهتة لكتاب الفلسفة.
نحن لا نجادل في أن
"المحتوى" مهم في الأدب أيضا، لكنه ملتبس بالشكل، لا فكاك له عنه.
والسؤال هو سؤال الموضوع في الشكل لا سؤال الموضوع في النظر الذهني المجرد أو
الواقع العملي. ومن هنا لا محل للسؤال عن "الطبائع"
و"المفاهيم" ,"الأدوار" في دراسة نص شعري:
ـ "حدد طبيعة
حب الشاعر". (ص60).
ـ "ما طبيعة
حب الشاعر كما يقدمها النص". (ص 60).
ـ "ما رأيك في
مفهوم الحب عند الشاعر؟". (ص61).
ـ "دور الحب
في توطيد العلاقة الإنسانية". (ص 52)
أضف إلى هذه
الأسئلة تقديم خلاصات يُدعَى التلميذ إلى تذكرها ـ لا قدر الله له تذكرها ـ وهي
مسعى فاشل لتقديم جواب مركز عن هذا الصنف من الأسئلة. وهذه خلاصة الحديث عن نص
نزار قباني:
"تذكر أن الحب
لدى نزار قباني قيمة إنسانية نبيلة، تتحول من مجرد تجربة شخصية إلى نبراس يضيء
الطريق، ويهذب النفس، ويحرر الفكر، ويبشر بكل خير.
إنه مادة شعره
الأثيرة التي تذكي الق الإيحاء بكل ما هو جميل، وتضفي على الحروف والكلمات نفحة
الإشراف وبسمة الأمل، فتغدو القصيدة لديه معزوفة رقيقة الإيقاع، خفيفة في ألأسماع،
وهذا ما حبب شعره إلى النفوس، وجعله يغنى بأعذب الألحان التي تسمو بقيمة الحب في
مراقي الطهر والنبل". (ص 61).
إن هذا النثر
الركيك المنتمي إلى تقريظات عصر الانحطاط بعيد عن إعطاء معرفة دقيقة وملموسة عن
تجربة نزار قباني. وهذه الخلاصة تمزق آخر قناع يختبئ وراءه الفراغ المعرفي والبؤس
الذهني للمؤلف.
لقد انقلبت
المفاهيم في هذا التعليق فصار الموضوع شكلا والشكل موضوعا؛ صار الحب يبرز الإيقاع
والإيحاء، وليس الإيقاع والإيحاء هما مبرزا الحب في حلته الأدبية، ورافعا شأن
قباني في أجواء الشعرية. ولطالما هوجم الشاعر بسبب توجهه الغزلي، وحاول الكثيرون
نزع الشعرية عنه، ولكنه انتصر على خصومه دائما بغنائيته الآسرة القائمة على المزج
بين القديم الجديد، غنائية لم يهتد المؤلف إلى مفاتيحها. فجعل الحب سببا للشاعرية،
ولم ينتبه إلى أن المحبين في العالم بعدد النمل والحصى، والشعراء يعدون على رؤوس
الأصابع! هل كان القدماء واهمين حين سموا الشعر الدائر حوا الحب غزلا ونسيبا
وتشبيبا، ولم يسموه حبا! هل الحب مبحث من مباحث اللغة زائد على النحو والصرف، أم
هو مبحث من مباحث الأدب غاب عن بال
منظري الأدبية قدماء ومحدثين ؟
2 ــ الخلط المعرفي/البيداغوجي
2 . 1ــ
انعدام المناسبة البيداغوجية
(أسئلة تعجيزية)
نعيد هنا مثالا
سابقا لنستغله من زاوية أخرى، يتعلق بقصيدة جميل. ونصه :
"بماذا تفسر قلة الخيال في هذا
النص؟".
على افتراض الاتفاق
ـ كما سبق ـ على أن المقصود بالخيال هنا هو المجاز والتمثيل عامة، فلست أدري ما هي
الإجابة التي يمكن أن يُدلي بها الطالبُ أيُّ طالب ـ دعك من طالب العلوم والتقنيات
ـ فأنا مقتنع بأن المختصين في شعرية النص القديم سيشرقون ويغربون في تفسير الحضور
المجازي في النص في مستوى الكثافة والبناء على حد سواء. فالمسالة تستوجب تخصصا
بلاغيا دقيقا مقرونا بقراءة تطبيقية مستقصية لبنيات النص القديم مع المقارنة بآداب
الأمم الأخرى، ما أمكن ذلك.
هل الطالب مهيأ
للخوض في الفرق بين "طبقات الفحول" من شعراء المشهورين بمد والتشبيه
والمثيل وشعراء المدر غير المرتبين في سلم الفحولة، هل هو مهيأ للخوض في علاقة
الغزل بالغناء، وعلافة الغناء بالترديد، وعلاقة الترديد بالموازنات والمقابلات...الخٍ بدون مساعدة مسبقة أو
توجيه ومراقبة ؟
جاء في تقديم
المؤلف لنص جميل وتأطيره تاريخيا مساعدةً على فهمه:
ــ "وهكذا آمن
شاعر البادية بفكرة التوحيد في الحب". ص50.
ــ "بقيت
بوادي الحجاز محافظة على قيمها، متشبثة بالعفة والزهد في الحياة". ص50.
المعروف أن هذه
الآراء الساذجة التي صدرت ـ منذ أكثر من نصف قرن ـ عن حِس قومي وديني وظف في غير محله قد تعرضت
للنقد على مدار عقود. فهي لا تمثل، في أحسن الأحْوال، أكثر من وجهة نظر واحدة! وما
دام المقام لا يسمح بإيراد الآراء الأخرى فقد كان من الأجدر عدم اعتمادها بصيغة
حاسمة في تفسير الظاهرة. وأضعف الإيمان أن يشار إلى وجود اجتهادات في تفسير
الظاهرة تتكامل أو تتعارض. وقد أدى غياب الحس النقدي هنا إلى انزلاقات ساذجة، من
ذلك.
قوله بأن الوازع
الأخلاقي الإسلامي "كان يحول بين الشاعر وبين تسخير شعره للتشبيب بنساء
كثيرات". (ص50).
فهل معنى ذلك أن
الإسلام أباح للشاعر التشبيب بما دون الكثيرات؟ ما الفرق شرعا بين التشبيب بواحدة
أو بعشرة، خاصة حين يكون التشبيب بمتزوجة معروفة كما هو الشأن في الكثير من أخبار
وأساطير العذريين؟
أين
موطن الانزلاق هنا؟
أولا، هناك انزلاق
بالخلط بين رؤية العالم من منظور توحيدي إسلامي، كما حاول إبرازها بعض منظري
البنيوية التكوينية، وبين الموقف الأخلاقي العملي في الإسلام، الموقف الذي يضبط
المعاملات العملية. وشتان ما بين التصورين: فالتصور القائم على رؤية العالم يجعل
التجربة رمزية تأخذ المحبوبة فيها صفات الألوهية، لأنها تملأ كيان الشاعر فتجسد
المطلق، في حين أن الحديث عن التقاليد البدوية والوازع الأخلاقي الديني يجعل
التجربة واقعية. فهناك خلط بين تفسيرين متعارضين لا يلتقيان أبدا: تفسير وضعي
تاريخي مبني على واقعية الظاهرة، وتفسير بنيوي تكويني مبني على رمزيتها.
ومِما أدى إليه هذا
الخلطُ الإغمائي التنويهُ ب"التوحيد" دون النظر في محتوى الموحَّد: هل هو
مشروع أم لا؟ ودون النظر من حيث الشكل إلى أن التنويه بالتوحيد في هذا المجال
سيعارض قيمة إسلامية أخرى، هي التعدد في مجال العلاقة بين الرجل والمرأة: الزوجات، وما ملكت اليمين.
2.2 ــ الأغلاط العلمية
من
المفترض في كتاب مدرسي، في مجال الأدب خاصة، أن يكون محلَّ تدقيق ومراجعة عند
تأليفه وفي كل مراحل إخراجه، ثم يتابع بعد ذلك مع المربين والمدرسين. فالخطأ
والخلط غير مغتفرين في الكتاب المدرسي بوجه من الوجوه. والواقع أن كتاب اللغة
العربية مليء بالكبائر[a]. أكتفي بمثال واحد.
من الأغلاط
المعرفية غير المقبولة استخراج الاستعارة في قول البحتري يصف قصرا شامخا:
شرفاتُه قِطعَ السحابِ المُمطر |
|
ملأتْ جوانـبُه الفضاء، وعانقت |
حيث نقرأ في تقديم المثال هذه العبارة: "... الشرفات التي قصد
بها الإنسان". ونقرأ في شرح المقصود من ذلك: "استعير لفظ "الشرفات"
"للإنسان" ".
بعد كل هذا يفاجئنا
باقي الشرح بالنقيض في جملتين صريحتين، الأولى: "تخيلَ أن
"الشرفات" تمثلت في صورته (أي في صورة الإنسان)، ولذلك فهي تشبهه، ولا
تكاد تختلف عنه"([6])، والثانية :
"في المثال الثاني ذُكر المشبه وحذف المشبه به (الإنسان)"([7]).
هكذا انقلب الإنسان من موقع
"المشبه" (بـِ "الشرفات") إلى موقع "المشبَّهٍ به"
والشرفات مشبه. وهذا تناقض يوقع الطالب في عمياء.
والمناسب للتحليل
البلاغي نقيضٌ لذلك تماما. فالشرفات هي الشرفات: شرفات القصر الموصوف. ولم يشبه
بها الإنسان لكي تستعارَ له، بل هي التي شبهت بالإنسان في هيئة من هيئاته، هي هيئة
العناق. فالعناق "مخالطة" جسم لجسم آخر مجاورة ومسامقة، ولذلك فحين لاحظ
الشاعر أن شرفات القصر سمت لدرجة مخالطة السحاب (رمز العلو)، وخلق ذلك نشوة في
نفسه حضر مشهد العناق، فقال: "عانقت". فالمستعار هو لفظ "العناق"
بعد تخيل معناه. نقل على سبيل الادعاء من معجم العشق ومقامه إلى مقام الاتصال بين
مكونات الطبيعة، [وهو في أضعف الإيمان من باب "جعل ما للإنسان للموات
والحيوان"، كما قال القدماء]. ولتبسيط القاعدة وتعميمها تقررت البلاغة
العربية هذه العلاقة على النحو التالي: شُبِّهت الشرفات بالإنسان، فحذف الإنسان
واستعير شيء من لوازمه للدلالة عليه. على أن اختزال التجربة الشعرية التي أنتجت
الصورة الاستعارية في العلاقة بين الإنسان والشرفات هو الذي أوقع
"المؤلف" في وهم المشابهة الشكلية بين صورة الإنسان وصورة الشرفات.
إن تركيز النظر على
لفظي "الشرفات" و"الإنسان" والانشغال بالمشابهة بينهما في
الشكل يُضع معنى الاستعارة نفسَه، إذ يقف عند خطوة من خطوات العملية التخييلية/ثم
الـتأويلية. ويمكن بيان ذلك بشكل مبسط يستوعبه التلميذ، ويستفيد منه في تأويل
الصور الاستعارية المختلفة، وذلك عن طريق التفكيك والتركيب:
النوع/والوجه/والغرض |
المشبه به |
المشبه |
|
تأويل الشكل: تمثيل (تشبيه حالة
بحالة) |
1. الإنسانُ مُعانقـــــا إنسانـــًا 2. معانقة إنسان
لإنسان |
1. الشرفات مخالطةً
للسحب 2. مخالطةُ
الشرفات للسحب |
|
تأويل المحتوى
الحجاجي: ـمادامت
هذه المخالطة معانقة. ومادام المعانق
محبا = فهذه المخالطة
حب (خالطت الشرفات
السحاب مخالطة المحب للمحبوب، أي معانقته) |
المعانقة المعانق محب المحب المحبوب خلفيات: الشفوف تداري وجه
العروس في معرضها. |
المخالطة المخالط محب (أي خالطتها
مخالطة حب). الشرفات السحاب خلفيات: غلالة السحاب
تداري أشعة الشمس. |
|
البدائل
المرجِّحة للمعنى الزائد عن مجرد "الكناية عن العلو" التي يشيرُ إليها
السحاب عادة. |
بدائل
"عانقت": سامَقَتْ .
خالطَتْ . نازعَتْ ... الخ (بدائل ممكنة
عروضيا وكنائيا). |
||
المستعار منه |
المستعار له |
المستعارُ |
الإنسان المُحب |
مخالطة الشرفات للسَّحاب |
المعانقةُ |
من المعلوم أن
الحديث عن: المعاني والبيان والبديع. أو عن: علم المعاني، وعلم البيان، وعلم
البديع، هو حديث عما سماه المؤلفون المتأخرون "علوم البلاغة"، وذلك في
أعقاب تصنيف السكاكي وشراحه للتراث البلاغي العربي([8]). والخروج عنه
يقتضي تقديم تصور علمي مقنع ـ كما نحاول من سنين ـ وحين لا يثير ذلك التصور
اعتراضا من المختصين المستوعبين للإشكالية في بعدها التاريخي والتنظيري الآني يصبح
قابلا للتبني في المجال التربوي. والواقع في الكتاب االمدرسي الذي بين أيدينا
بخلاف ذلك تماما، فقد فصل "علم المعاني" عن "علم البيان" و
"علم البديع" وأدرجه تحت مباحث "الأسلوبية". والمستوعب لتصور
السكاكي للبلاغة كما بيناه في كتابنا: البلاغة العربية، يدرك أن مركز البلاغة
وقاطرتها هو "علم المعاني". بل إن منظري البلاغة الجديدة أنفسهم يرون ــ
كما هو شأن هنريش بليت في: البلاغة والأسلوبية، وهو من أدق الاجتهادات في تصور
العلاقة بين البلاغة والأسلوبية ـ أن البلاغة القديمة متفوقة على الأسلوبية في
المجال التداولي، وعلم المعاني هو المكون اللساني لهذا المجال.
3 ــ الحشو والخلل الحجاجي
من المفترض في كتاب
تربوي أن تكون عبارته دقيقة محكمة خالية من الحشو. وأن تكون أفكاره مبنية حجاجيا
بناء سليما. وبعبارة أخرى أن يكون مبنيا بحس نقدي. والواقع أن هذا الكتاب
مليء بالحشو والخلل التركيبي. من
ذلك:
- "اختر بيتا
شعريا، وانثره بأسلوبك الخاص". (ص53).
ليست هناك وظيفة
للنعت ("شعريا"). ويمكن اعتبار كلمة "اختر" وكلمة (الخاص)
أيضا من الحشو. والعبارة الأقرب للدقة هي: انثر بيتا من القصيدة المدروسة. والأدق
من ذلك عندي: حاول نثر بيت من
القصيدة. إشعارا للطالب بأن المسألة لا تعدو المحاولة.
-
اقرأ النص فستجده يشمل مجموعة من المعاني المتعلقة بعاطفة الحب..." ص 52.
من الأكيد أن
المؤلف لا يقصد جعل القراءة سببا
لوجود المعاني، ولا للقدرة على إدراكها، ولذلك لا وظيفة للفاء هنا غير تشويش
العبارة. فالمقصود لا يعدو الإعلام بوجود المعاني، أو طلب القراءة مع ملاحظة
المعاني. والعبارة الأقرب للدقة في كل حالة هي، على الترتيب: في النص مجموعة من المعاني المتعلقة بـِ ...الخ ، أعد
قراء النص ملاحظا المعاني المتعلقة بـِ ...الخ. وهناك فرق بين "يشمل"
و"يشمل" أيضا..الخ
ونجد
بعد السؤال السابق مباشرة هذه العبارة:
"يلوم العاذلُ ابنَ عمه الشاعر مقدما
له النصيحة فيرشده بأن يُفيقَ من غفوته". ص52.
لست أدري كيف
أُتبعَ الفعل "أرشد" بحرف الجر(؟!)
"فاكتسب
منها (أي من البادية) الفصاحة ورواية الشعر". (ص50)
المعروف أن الرواية
مقدمة على الفصاحة لأنها سبب من أسبابها، إن لم تكن السبب الأساسي. والعادي أن
يقال: روى الشعر فاكتسب فصاحة. أو عاشر الأعراب الفصحاء وروى الشعر فاكتسب فصاحة.
أضف إلى كل ذلك أن الرواية مجرد ممارسة تعليمية، وليست مهارة تكتسب. إن مثل هذه العبارة
تدل على سبات ذهني، ونحن حين
نصادفها في أبحاث الإجازة نحذر الطالب من المنحدر الذي سيصل إليه إن هو أطال تعطيل
حسه النقدي.
وهناك مستوى أقل
استفزازا للحس النقدي من الأول ولكنه غير مقبول في المستوى التعليمي، منه قوله:
"تهذيب الوازع الأخلاقي". (ص 50).
فالمعروف المتداول:
تهذيب الأخلاق، أي تنقيتها من الشوائب، أما الوازع فالمطلوب تقويته وإيقاظه. وقد
تمت عملية انزلاق كلمة "التهذيب" ـ في غياب الرقابة النقدية ـ من
الالتصاق بكلمة "الأخلاق"
إلى الالتصاق بكلمة "الوازع" لوجود الصيغتين (أو المركبين) معا
في الذاكرة: "تهذيب الأخلاق"، و"الوازع الأخلاقي". وهذا مما
يقع في الخطاب الشفوي وفي لحظات العياء، وفي الكتابة الصحفية المطاردة بالزمن،
ولكنه مكروه في العمل الأكاديمي
ومحرم مجرم في التأليف البيداغوجي.
أتمنى أن يكون هذا الجهد
الذي بذلته قد نبه إلى مستويين من القصور في الكتاب المدرسي:
- المستوى الأول
الذي يتعلق بالخطأ الصراح "الفُضاح"،
= والمستوى الثلني
المتعلق بانعدام الاجتهاد في التقريب بين المعرفة العلمية والإجراءات التصريفية
البيداغوجية.
وما كان لمثل تلك الأخطاء أن تقع، ولا
لذلك التقصير أن يشوب الكتاب المدرسي لو اتبعت في تأليفه الخطوات الضرورية الكامنة
في التكامل بين الأكاديمي والبيداغوجي، مع اعتماد المُراجعة والاختبار درسـا
درسـا. وبعبارة أبسط وأكثر وضوحا: لو قُرئ هذا الدرس من طرف خبيرين، على الأقل، في
البلاغة ونظرية الأدب، وروقب من طرف مرشدين تربويين مستوعبين للنسق التربوي من
الإعدادي إلى الجامعي، وأخذ فيه رأي أستاذين ناجحين في المستوى الذي أعد له، ثم
أنجز عمليا في قاعة الدرس بملاحظة
ومحضر جميع الأطراف في جهات وأقاليم متعددة بتعدد الخصوصيات لما كان لمثل هذا
الخلل وهذا النقص أن يقع.
وهذا الذي نقترحه
حد أدنى لعمل جدي خال من الفواحش. ولكنه يتناقض مع عقلية سادت عقودا. وقد سمعتُ،
كما سمع غيري، في برنامج حول التعليم والكتاب المدرسي بإحدى الفضائيات مقارنة بين
كتاب مصري ونظيره الأمريكي، حيث ذكر خبير في الموضوع ــ عل الهوى ــ أن الكتاب
المصري مؤلف من طرف ثلاثة أشخاص، والكتاب الأمريكي مؤلف من طرف ستمائة متدخل، وقد
ضاعت من هذا الباحث فرصة المقارنة بالعجب العجاب: كتاب مدرسي بدون مؤلفين، معتمد
من طرف وزارة التربية الوطنية بالمغرب!!!
لقد سألت السيد وزير التربية الوطنية في ندوة
عامة هنا بالدار البيضاء، منذ شهور قليلة، في هذا الشأن دون أن أتلقى جوابا. كما تساءلت عن سبب انقطاع
القنوات بين البحث العلمي والتنمية البشرية مستدلا بالكتاب المدرسي، فكان الجواب
أن "القنوات تفرض نفسها". الله أعلم كيف تفرض نفسها، وأين ومتى كان ذلك؟
[1] ـ لعل هذه التسمية (اللغة العربي) آتية من زمن ما قبل تعريب العلوم
الاجتماعية، حيث كانت العربية مجر قواد بدون علوم. ويراد الآن استمرار هذا المفهوم
بجعل مصطلح اللغة العربية غير مستوعب للعلوم. وشبيه ب"اللغة العربية" في
هذه الوضعية الغريبة مادة "الثقافة العربية" في مقررات شعب اللغات
الأجنبية بكليات الآداب..
[2] ـ انظر كتابنا:
البلاغة العربية أصولها وامتداداته.
[3] ـ شبه حازم
القرطاجني مُدعي المعرفة البلاغية بالمتطبب الذي قضى ليلة كاملة في تصفح كتب
الطب، ثم قدم من غده وصفة لصديق له مريض فكان فيها حتفه.
[4]
ـ مثل الباروديا (المحاكاة الساخرة)، والمعارضة والمناقضة...الخ.
[5]
ـ
اللغة العربية. السنة الثانية الثانوية. (الشعبة العلمية واللتقنية). ص 51.
[6]
ـ (ص
63).
[7]
ـ (ص64.).
[8]
ـ وهذه قراءة وضحنا موقعها في كتابنا: البلاغة العربية أصولها وامتداداتها.
وفي مناسبا أخرى كثيرة.
[a] ـ
من الأخطاء غير المقبولة الأخطاء العروضية. من ذلك وضع "بثينة"| محل "بَثْنَة" في قصيدة
جميل، وفي ذلك إخلال بنظام البحر
(الطويل):
ولا تُبْدِي؟ //0/0/0 مفاعيلن |
تُعيدُ //0/ فعولُ |
ـــةَ؛ فيهـــا لا //0/0/0 مفاعيلن |
بِبَثْنـَ.. //0/ فعولُ |
|
..ت هائــمٌ //0//0 مفاعلن |
متى أنـ.. //0/0. فعولن |
أَفِقْ! حتى //0/0/0 مفاعيلنْ |
فقال: //0/ فعولُ |
|
ببثينة ///0/ |
|
موضع الخلل
= |
...........