محمد العمري

 

 
الإِعْنات والمغالَطَة  في مقام الأخذ والعَطَا

 

 

تنسيب بلاغي للخطاب المُناهِض ل"الخطةّ"

 

"الحقُّ لا ينقلبُ باطلا لاختلافِ الناس فيه،

 ولا الباطلُ يصيرُ حقا لاتفاقِ الناس عليه.

وليس في وسع الحقِّ قهرُ الأنفس على الإقرار به،

 وتسخيرُها للاعتراف بصدقه،

 ولكنه شيءٌ محقَّق يُنوِّر العقلَ بعد الرَّوية والبحث،

فيظهرُ به المُحق، ويمتازُ به عن المُبطل.

وسلامةُ الإنسانِ عن الخطأِ رأسًا ليس بمطموع فيه،

 ولكن الطمعَ في أن يكثرَ صوابُه".

العامري. الإعلام بمناقب الإسلام. 193.

 

 

1 ـ المقام الخطابي

 

اِنحرافُ مَسار الحِوار من النص إلى المرجعية

 

تمهيد: المتن الخطابي

أنتج الاختلاف حول "مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية" متناً خطابياً جديراً بالتأمل والنقد. فنظراً إلى أن المقترحات لم تقف عند الأدبيات العامة من صنف: من كرَّم ومن ظلم، بل تعدته إلى اقتراح إجراءات عملية؛ إجراءات من شأنها أن تغير مسارَ العلاقات بين الرجل والمرأة  من وضع "التبعية والافتقار" إلى وضع "المشاركة والاختيار"، ونظرا للغة الحديثة التي استعملت في صياغتها بناءً على مرجعيات كونية، فقد أحدثت رجَّةً ثقافية في صفوف المحافظين، رغم أنها لا تناقضُ فلسفة الإسلام وتوجهه التحرري، حسب ما ورد في صياغتها، خاصة حين استغلتها أطراف متعددة لأهداف متباينة: فئة منها طامحة اعتبرتها فرصة للتعبئة و"تكثير السواد" (طيف ألوان الإسلام السياسي، والسَّدَنَة )، وفئة موتورة حاقدة تسعى منذ حين لإرباك الخصوم السياسيين (من هذه الفئة الإخوة الأعداء، والخصوم الأعداء، والأعداء الأعداء)

من الديني إلى السياسي

تبين التطورات المتلاحقة أن هدف "الحوار" كان مُحدداً سلفاً، وهو رفض المشروع وإفشال الخطة، غير أن عملية الرد عليها لم تدرس منذ البداية بعمق يُراعي كل الاحتمالات. ولذلك طُعن، في البداية، في جزء من الخطة باعتباره غير منسجم مع صريح النصوص الدينية، وهو الجزء الذي يمس مدونة الأحوال الشخصية. وكان يُعتقد أن زعزعة لبنات من أساس المدونة كفيلٌ بتقويض بناء الخطة من أساسه. وهذه هي المرحلة التي اضطلعت بها وزارة الأوقاف، واستنفرت لها أجهزتها "العُلمائية": لجنة "وزارة الأوقاف" والمجالس العلمية..الخ. وانخرط خطباءُ المساجد في عملية التبليغ والتحريض. وهنا بدأ أنصارُ الخطة من جانبهم ينفضون الغبار عن أصحابهم من العلماء والفقهاء والباحثين، ويتذكرون فتاوى السَّلفيين من أمثال "محمد عبدُه وعلال الفاسي"، وأظهروا نشاطاً وحيوية في هذا الميدانَ فَتَّتْ من عضد علماء وزارة الأوقاف، وعرضت آراءهم للكثير من الحرج. بدأت مواقفهم تبدو متأخرة عن الواقع العلمي الحديث، خاصة حين تبنى علماءُ مصر الخلعَ، وطلبَ البعضُ النجدة من الفقيه الذي لا يزايد عليه حسب عبارة "التجديد": القرضاوي([1]). في هذه الظروف، وحتى قبل أن تغرق سفينةُ الفتوى القطعية، حولَ الولاية، في بحر الخلاف الفقهي بين أكابر الأئمة، جاء خطابُ الوزير الأول أمام البرلمان ليؤجل النظر في القضايا الخلافية، ليطلق بذلك سراح الخطة فيما يتعلق بالأمية والفقر والصحة الإنجابية...الخ.

وهنا سُقط في أيدي الرافضين للخطة رفضاً مبدئياً باعتبارها إنجازاً سياسياً ثقافيا يهدد منابت الأصولية، فبدأوا في توسيع دائرة المرفوض من خمس قضايا إلى ثمانٍ، إلى أربع وعشرين، مقرونة بالرفض المطلق، حسب نص كلام الأستاذ الفرقاني: “هذه الخطة غربية علمانية، تصادم الإسلام في أربع وعشرين نقطة... وعلى هذا الأساس فإن الموقف الوطني هو الرفض المطلق لهذه الخطة جملة وتفصيلا"([2]).

وبهذا انتقل الاحتجاجُ ضد الخطة من تهمة "مخالفة النصوص الشرعية" إلى تهمة أكثر رحابة ومرونة وهي: "اعتماد المرجعية الغربية"، بل لقد صُرح بأن طرح القضية في حدود مخالفة النصوص الدينية كان خطأ. وإذا كان خطاب الوزير الأول قد أربك خطة وزارة الأوقاف فإنه لم يغير شيئاً بالنسبة للمناهضين باسم الدين. بل أمدَّ نارهم بحطب جديد.

يقول عبد الباري الزمزمي ـ وهو إمام وخطيب مسجد الحمراء ـ متدرجا من طلب الحوار إلى التشكيك في جدواه، وسد باب الاجتهاد:

أ ـ "إننا لا نرفض الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية برمتها، بل فقط ما يخالف منها صراحة تعاليمَ الشريعة الإسلامية..."([3]).

ب ـ ثم قال، بعد ذلك، في الجواب عن سؤال حول مقترح الوزير الأول بفتح باب الحوار في المسائل الخلافية:

 "هذه الدعوة جاءت متأخرة... أما الآن بعدما وصل السيل الزبى، كما يقولون، أو بعد أن خربت البصرة، يبقى الحوار الهادئ كلمة جوفاء ؛ فلا يتوقع أن يكون بعد هذه الضجة وبعد هذه الفتنة حوار هادئ بين الأطراف، لأنه ظهر الصراع وظهرت المشاحنات وظهر الشجار والجدل، فالحوار الهادئ سيكون أمرا غير متوقع، أو سيكون أمرا عسيرا...

"...الحوار الهادئ ؟ حوار ماذا؟ الخطة شملت 11 مبدأ تقريبا تطالب بإحداثها في مدونة الأحوال الشخصية 5 مبادئ منها غير قابلة للحوار ولا للتشاور في منطق الإسلام، وبالنسبة لكل مؤمن لأنها أمور قطعية؛ بت في القرآن والسنة، وفيها حكم الله حاسما"([4]).

ثم تطورت الأحداث وأعلن الوزير الأول عن تشكيل اللجنة التي سَيُوكَلُ لها النظر في الخطة فجاء الرد "خارج الاتفاق والاختلاف" بسد باب الحوار. وأخذ الأمر هنا صيغة رسالة إلى الوزير الأول فالخطة في نظر الشيخ الزمزمي  "رُفضت شرعا ورفضت شعبيا". أما الرفض الشرعي  فقد تحقق من طرف "العلماء "(كذا)، و"خطباء الجمعة في كافة مدن المغرب" (كذا). أما الرفض الشعبي فقد تحقق في مسيرة الدار البيضاء!([5]).

وتعتبر هذه الرسالة مثالا لحوار الصم، حيث تجاهل الشيخ كل ما قيل وما يقال في الموضوع، وعاد إلى نقطة الصفر، إلى فتوى لجنة الأوقاف التي تجاوزتها الأحداث بعد تدخل علماء الفقه والأصول، وإظهار مدى قابلية القضايا المتحفظ بشأنها في البداية للنقاش والأخذ والعطاء عند القدماء والمحدثين. إن هذه الرسالة نموذج مرة أخرى لحوار الصم والهروب إلى الأمام.

وعموما فليس الحجاج الفقهي وحده ـ وهو محرج حقا لخصوم المرأة ـ هو الذي دفع بالرافضين  للخطة باسم الإسلام إلى تغيير وسائل الحجاج، بل لقد اكتشفوا أن خطابهم يتجاهل (أو يوحي بتجاهل) مآسي ملايين النساء المضطهدات، والتمادي في ذلك الخطاب ينطوي على مجازفة سياسية. ولذلك وصل التراجع أحيانا إلى ضرورة تسليم الحكم في بعض القضايا للتطور الطبيعي، كما هو شأن قضية التعدد التي ستختفي من تلقاء نفسها، المهم ألا يدوَّن التخلي عنها([6]).

ومن الدال في هذا السياق ما ذكره الأستاذ عبد القادر أعمارة وهو يتحدث عن ظروف انتخاب المؤتمرين للمؤتمر الوطني السابع للنقابة الوطنية للتعليم العالي حيث قال :"وقد صاحبتْ عملية الترشيح للمؤتمر إشاعة مغرضة ضد الأساتذة المنتمين للتيار الإسلامي، حيث أقحمت قضية خطة إدماج المرأة  في التنمية في موضوع الانتخابات بغرض إحراج الأساتذة الإسلاميين، وتأليب الأستاذات ضدهم"([7]).

فالذي يقتضي التوضيح هو: لماذا لم يقدم هؤلاء الزملاء للأستاذات البيانات والحجج التي يقدمونها في خطب الجمعة والتظاهرات الجماهيرية (أي العمومية) لدفع ذلك الحرج ؟ فلو كانوا فعلوا لربما جاءوا إلى المؤتمر بأغلبية مثل التي حشدوها في بيئات أخري. أمْ ترى رؤوس الأستاذات "قاسحات"، لا يكفي لإقناعهن ما يلتقطه هؤلاء الزملاء "العلوميين" من أفواه خطباء علماء من عينة الشيخ الزمزمي؟ ذاك واقع آخر.

2 ـ في دائرة الحوار

دون الدخول في تدقيقات علمية تشغل عن الغرض من هذا المقال، وهو رسم الحدود على الإجمال، يمكن القول بأن الحوار بالمعنى الحصري الذي يهم العمل الاجتماعي هو: توجيه خطاب (أوتخاطب) من أجل الالتقاء في موقع على المسافة الفاصلة بين المتخاطبين . وفي تركيز على ما يهم توجيه الرأي مباشرة،  يمكن أن نميز بين أصناف ثلاثة من الحوار مُتمايزة في طبيعتها، وكثيراً ما يتم الانزلاق من أحدها إلى الآخر عند الممارسة وظيفياً، أو غفلةً، أو بسوء نية، وهي:

1 ـ المشاورة، و2 ـ المناظرة، و3 ـ الاستهواء (والمشاحنة)

ويهمنا في هذه المناسبة التطبيقية أن نبرز طرفين: طرف المشاورة والمناظر ككل، وطرف الاستهواء والمشاحنة وما يؤديان إليه من انزلاقات ككل، مع الارتباط بمتطلبات المتن وبأسبقياته. أما التقنين العلمي النظري لتصورنا لدائرة الحوار فسيطلع عليه القارئ في المستقبل القريب في إحدى المجلات العلمية.

2 .1

المشاورات والمناظرات

2. 1.1 ـ    المشاورات:

 وهي مستويان: استشارة وتشاور.

الاستشارة طلب رأي مشير (خبير) في موضوع اختصاصه. والخبرة تقتضي أمرين: المعرفة والنزاهة. ولذلك قد يكون هذا المجال محل ضوابط أخلاقية وقانونية تتعلق باليمين أحياناً (المحلفون). ومن الخلق أن يقف المستخبَر عند حدود معرفته، وأن يحيل على الاختصاصات الأخرى إذا بدَا له أن الأمر يتجاوز اختصاصه أو يتطلب تدقيقات لا تتسع لها خبرته. وقد يدخل المستشير في حوار وظيفي مع المشير، ليس في جوهر المعرفة التي هو صاحب الكلمة فيها، بل في الملاءمة بينها وبين مجال الاستعمال الذي يشغل المستخبِر، أي المعضلة التي يسعى إلى حلها، وقد تكون ذاتَ أبعاد وتعقيدات تخفى على الخبير أو لا شأن له بها، والخبرة قد تتلوها خبرةٌ مضادة وإجراءاتٌ للملاءمة ..الخ.

وكما أن المستشير لا يستطيع أن يقوم بدور الخبير المستشار فمن المنطق ألا يسعى المستشار للحلول محل المستشير فقد يكون تدخلُه مجرد جزءٍ من الإجراءات اللازمة لحل معضلة. لنتخيل هنا عالماً كيميائيا جليلاً في مختبر لتحليل الدم، لم يقف عند تسليم نتيجة التحليل، بل سلم معها الوصفة العادية المرصودة للمرض الذي أسفر التحليل عن وجود أعراضه، دون أن يتحرَّى في حال المريض، ومدى تقبله للوصفة لسببٍ من عشرات الأسباب الممكنة. من الأكيد أنه سيضره من حيث سعى إلى نفعه. قد يقضي على حياته وهو يسعى بحسن نية للتخفيف عنه.

ورأيي أن الفقيه، في أحسن أحواله، أي المشير الخبير بأمور الدين، لا يمكنه اليوم أن يتجاوزَ دورَ الخبير حين يتعلق الأمر بشؤون المجتمع ومعضلات تلاؤم الإنسان مع النظم الحديثة في التربية والصحة والعمل والمال، لأن هذه المعضلات صارت مجالَ اختصاص علومٍ أخرى ابتعد "الفتيةُ" عنها وابتعدت عنهم، بل لم يعد أحد يجرؤ على الإفتاء خارج اختصاصه الضيق إلا أن يكون غرضه خطابيا تحريضيا صرفا، لا غيرةَ فيه ولا خوف من سوء عاقبة فتواه. ولذلك أجد من الجرأة المجانية، وقلة الحكمة، وانعدام الحيطة استهتاراً بمصائر الآخرين حديثُ الشيخ القرضاوي عن حاجيات المجتمع المغربي، وهو بعيد عنه في الزمان قبل المكان، قال: "وإذا نظرنا إلى المجتمع المغربي نجد أن الولاية في الزواج أصبحت عرفا اجتماعيا مسنودا بالشرع، لكن حينما تطرح الخطة تغيير(كذا) تبين أن أصحابها ينقلون عن الغير، ولا ينطلقون من حاجات المجتمع، فلا توجد حاجة ضرورية لذلك إلا تقليد الآخرين"([8]).

وما ذهبنا إليه في تحديد دور الخبير  ـ وقد يبدو غريبا في نظر "العلماء" الذين يصرون على أداء كل الأدوار ـ ليس رأي أنصار الخطة وحدهم بل هو أيضا رأي أول من قاومها: وزير الأوقاف، الذي اعترف بحدود دور الفقيه في الشأن الذي يهم المجتمع فقال (في سياق السجال والمزايدات طبعا):

 "إن هذه الأمور (الشرعية) لا يعالجها إلا المختصون. وهذا ليس معناه أن كل ما يتعلق بالدين هو من اختصاص الفقهاء وحدهم ، بل العكس هو الصحيح، فهو من اختصاص الأمة كلها، لأنه يهمها، ولكن هؤلاء الفقهاء لهم دور تبيان حكم الشريعة، فعندما نطرح مشكلا ما، ويتحدث فيه الاجتماعي من الناحية الاجتماعية، والاقتصادي من الناحية الاقتصادية، والسياسي من ناحيته ثم يحتاجون جميعا إلى معرفة رأي الشريعة فيه، يتكلم الفقيه، ويحاول الكل أن يحقق مصالح الناس دون أن يختلف مع الشريعة"([9]).

ملاحظتان جوهريتان:

1 ـ انصرف نظرنا فيما تقدم إلى الشكل، إلى قواعد اللعبة، أما إذا دخلنا في الجوهر ورفعنا الغطاء عن محتوى الإناء فسنواجه معضلة الكفاءة فالخبير المشير في الشؤون الدينية أي المفتي مقيد بشروط معرفية وأخلاقية ليست في متناول كل "خطيب". بل ليس المفتي هو الخطيب أصلا كما وقع في روع الشيخ الزمزمي وهو لا ينفك يحتج بممارسة الخطابة.

2 ـ لا بد من التذكير، وإعادة التذكير دون كلل أو ملل، بأن الأمر في مجال الخبرة في الشؤون التشريعية أمر اِجتهاد وترجيح. ولا أدل على ذلك من اختلاف القدماء والمحدثين اختلاف تباين أحيانا في قضايا بعينها مثل قضية الولاية وقضية الخلع وسن الزواج بل وقضية التعدد([10]).

لو وقف الأمرُ عند حدود التأكد من عدم مصادمة مُقترحات الخطة لصريح الدين وروحه لهان الأمر، بل الذي وقع هو الانزلاق من مستوى الخبرة إلى مستوى تدبير المعضلة التي تضطلع بها الحكومة!

ومن هنا انتقل الإشكال من قضايا المدونة إلى علاقة المغرب بالمنتظم الدولي وبقضايا الحداثة، وابتعد عن الخبرة الفقهية الشرعية.

وقد تمت عملية الانتقال من الخبرة إلى تدبير المعضلة في تصعيد ساخن. وهكذا أفلتت خيوطُ اللعبة من يد وزارة الأوقاف واقتربت من القطب الآخر للأصولية، ذلك القطب الذي يرى أن الأنظمة الحالية أنظمة عضد كافرة. لقد تحول "الخبراء" من دعم أطروحات المخزن التقليدي إلى صف التكفير الديني.

ولم يلبث قناع الخبرة أن سقط من تلقاء نفسه حين أُنكرَ حقُّ الوزير الأول في تدبير الحوار من خلال لجنة متعددة الأطراف، إذ طولب بإعطاء هذا الحق (التدبير بالحرف) للجنة يكون "العلماء" فيها أرجحَ كفةً وأكثر عددا يبتون في المسألة بعد الاستماع للخبراء في النفس والاجتماع والاقتصاد. هذا ما صرحت به افتتاحية التجديد في عددها 66 (بتاريخ: 26/04/00). قال:

" أما عن تكوين اللجنة فكان من المفروض أن تتسع فيها المشورة، وأن لدى الوزير الأول، إذ هو نفسُه طرفٌ في القضية، فكيف يكونُ خصماً وحكما في نفس الوقت الآن؟!

"ـ ثم إن طبيعة الموضوع ليست سياسية بل إن أغلب جوانبها التي أثارت الضجة المعروفة لها صلة وثيقة بالدين، ولذلك فالحديث يكون عن الصواب والأصلح المنضبط بضوابط الشرع، وليس عن التوافق والبحث عن رضى الأطراف، وهذا يقتضي أن تكون كفة علماء الشرع راجحة من حيث العدد. ومن حيث البت بناء على ما يقدمه المختصون الآخرون من خبرة نفسية واقتصادية واجتماعية وغيرها قصد الاستئناس بها في الاجتهاد من باب فقه الواقعتكون لها صيغة جامعة وفاعلة مؤهلة لتدبير الحوار، لا مجرد لجنة استشارية ".

هكذا تَحولَ "الخطباءُ" إلى "علماء"، ثم تحول "العلماء" إلى مدبرين ينوبون عن الحكومة! إنه انقلاب سلمي يتسنَّم فيه الفقهاء صهوات كراسي التدبير، ويتحول الوزراء إلى مستشارين لهم.

التشاور

إن التشاور يكون بين المتشاركين في تدبير شأن من الشؤون في الغالب. وعامة عاهات تدبير شؤوننا في المغرب أن المشاورات تتحول دائما إلى استشارة زائفة. زائفة لأن المشاوَر ليست له صفة الخبير والمشاوِر ليست له صفة المدبر المطلق اليد، وهذا هو الشأن في جميع مجالس المؤسسات، وهي "مجالس استشارية". فالرؤساء يحولون سلطتهم الإدارية الصرف إلى سلطة تدبيرية، ويحولون أعضاء المجالس إلى مُستخبَرين بدون خبرة. لأن هؤلاء الرؤساء يحتكرون المعلومات المالية والتقنية، كما يحتكرون وصف الوقائع (إنشاء المحاضر حسب ما يشتهون)، فترى الواحد منهم يضع كاتبه العام أو نائبه تحت إبطه ـ أثناء الاجتماع ـ  ويهمس في أذنه: "سجل هذه، لا تسجل تلك". إن رؤساء مجالس المؤسسات يفهمون عبارة “استشارية” في مقابل "تقريرية"، أي "كف اليد" "إطلاق اليد". وليس بمعنى التعاون من أجل الوصول إلى احسن صيغة لتدبير المرفق. ويكاد لسان الواحد منهم يقول: "فَلِمَ كُنْتُ إذن إماماً" إذا كنت سأُمنع من المرعى؟!

ومن المعلوم أن خطة إدماج المرأة قد أُنجزت في إطار تشاور بين أعضاء الحكومة، ومن المعلوم كذلك أن منسق عمل الحكومة أي الوزير الأول ملتزم بما انتهى إليه التشاور. والخطة سائرة في طريقها نحو أجهزة الدولة الأخرى لاستكمال التشاور: نحو البرلمان وربما يُطرحُ جزءٌ منها على أنظار الملك، بصفته أمير المؤمنين. يبدو هذا المسار طبيعياً، غير أن النشاز قد ظهر مع ذلك حين خُرقت هذه المسطرة، وشوش هذا المسار  من طرف وزير الأوقاف الذي استبق الأحداث، وأصدر المذكرات تلو المذكرات، عن طريق المجالس التابعة لوزارته، واحدة تلو الأخرى، ثم انتقل إلى الصحافة، ثم إلى المساجد. ثم أفلت الزمام من يد الجميع، فانزلقنا من نوع حواري إلى نوع آخر: من المشاورة والمناظرة إلى التحريض والمشاحنة. وها قد أعيد المختلف فيه إلى التشاور فهل سيحترم كل موقعه؟

2. 1. 2

المُنـاظـرة،

 أو الحِوار النَّقدي

المناظرة حوار نقدي تعاوني محتوى أو شكلا، عمادُه استعمال العقل وإعادة النظر في قضايا خلافية أو غامضة مع مُراعاة مبادئ ومسلمات متفق عليها. وللمناظرة أدبيات قديمة وحديثة لا مُناسبة لشغل القارئ بها في هذا السياق، فالمهم أن تكون هناك مراعاةٌ ضوابطَ خطابية من أجل الوصول إلى الحقيقة أو ترجيح رأي على أساسٍ من نظرٍ سليم مؤسس على قواعد وشواهد مقبولة لدى الطرفين.

"يكون المتحاجان في تواصلهما الحجاجي(والعبارة للأستاذ حمو النقاري) إما متعاونين وإما متغالبين. ويكونان متعاونين إذا كان لهما هدف مشترك يتعاونان فيما بينهما لبلوغه، (وهذا من المشاورة عندنا) ويكونان متغالبين ومتنافسين حين يكون هناك تعارض في المقصد بينهما وتضاد في الهدف، فيعمل كل واحد منهما على الوصول إلى هدفه الخاص من جهة ومنع خصمه من هدفه من جهة أخرى"([11]).

ولا شك أن هذا الطابع الإيجابي للمناظرة باعتبارها بحثا عن الصواب هو الذي جعل لسان العرب (نظر) يعتبرها عملا أخويا: "المناظرة: أن تناظر أخاك في أمر؛ إذا نظرتما فيه معا كيف تأتيانه".

مع الاعتراف مُسبقاً بأن هناك تقصيراً كبيراً من طرف الحكومة في توظيف الإمكانيات الفكرية والإعلامية المتاحة فقد أنتج الحوارُ حول الخطة مجموعة من المناقشات حول قضايا معينة: دينية واجتماعية وسياسية، ستكون لها نتائج إيجابية إذا ما وجد هذا التوجه دعماً إعلامياً وتعبوياً ليحتل الكثير من المساحات التي تحتلها المشاحنات التي مآلها الانحسار، لأنها دوران في فراغ كما سيأتي.

وقد قطع "النظرُ" في الموضوعِ عمليا، لحد الآن، أربعَ جولات متلاحقة ومتداخلة.

1 ـ تتمثل الجولة الأولى في واقع مدونة "الأحوال الشخصية" وما شاكلها من مُقنِّنات إقصاء المرأة من جهة، ويشمل من جهة أخرى المواثيق الدولية الساعية لتخليصها من كل "صور التمييز ضدها"، وغير ذلك من العناصر التي تحاورها الجولة الثانية المتمثلة في خطة إدماج المرأة في التنمية. وهذا المُحَاوَرُ الأول ليس مجرد أرضية مرجعية جامدة بل هو كيان حي بمعنى ما، راصد للخطوة الثانية؛ يرصدها وقد يجدد معها الحوار قبولا و رفضا. ولذلك فمن المفروض أن يكون بناء الخطوة الثانية مؤسَّسا على معرفة جيدة بالمحاوَر. وألا يتعامل معه كجثة تؤخذ منها قطع غيار في أحسن الأحوال، وإلاَّ كان ردُّ الفعل عنيفاً.

2 ـ تـمثلت الجولة الثانية في خطة إدماج المرأة في التنمية. ومن يقرأ هذا العمل الضخم بتجرد وروح نقادة؛ بعيدا عن المسائل الخلافية من وجهة نظر الشرع، سيشهد للمشرفين عليه بعلو الهمة، والقدرة على الاستشراف الشمولي للموضوع وللمستقبل. والمستقبل سيقول كلمته، سينصفهم رغما عنا جميعا، سواء أنجزت هذه الخطة إجمالا أو على مراحل؛ لقد سُجل الهدف. أقول هذا اعتمادا على الأسس الحجاجية للخطة ـ بقطع النظر عن التوفيق في الدفاع عن هذا الإجراء أو ذاك ـ فهي تستهدف محاربة الفقر الجيبي والفكري، وتوفير شروط الحرية والكرامة لكائن اسمه الإنسان. نعم الإنسان، لأن الخطوة الثالثة للحوار ستبدأ من هذه العقدة التي عقَدتها الخطة. سيكون جوهر السؤال هو: هل نتحدث عن الإنسان، أم نتحدث عن الذكر والأنثى؟

3 ـ في إطار إثبات شرعية التمييز ضد المرأة أنجزت الجولة الثالثة من هذه المناظرة وما تزال ذيولها ممدودة. أول منجز ملموس كان تطبيقيا من خلال  فتاوى لجن وزارة الأوقاف وبيانات المجالس العلمية الملحقة بها. حيث تم وضع الإصبع على بعض القضايا التي اعتبرت قطعية لا تقبل التبديل والتغيير لكونها نصية . وقد تراوحت هذه القضايا بين خمس وثمان كما سبقٍ. والملاحظ أن هذه الفئة من المفتين تجاوزت بيان دلالة النص القرآني إلى إبداء الرأي في الشؤون الاجتماعية والنفسية التي تؤول إلى اختصاصات وعلوم ذات قواعد وضوابط بعيدة عما هو متاح للفقهاء، كما أصدرت أحكاما على الواقع غير مؤسسة على دراسة ميدانية.

ولأن الموضوع ذو حساسية وعلى درجة كبيرة من التعقيد فإنه لم يُتناول فلسفيا في هذه الخطوة. بل كثيرا ما لجأ المعالجون لجوهر القضية، (مثل الشيخ القرضاوي)، إلى الانزلاق السفسطائي من "التمييز ضد المرأة" إلى "التمايز بين الذكر والأنثى". وبإحلال "بين" محل "ضد" والأنثى محل المرأة (أي وضع الفزيولوجي الحيواني في مكان الاجتماعي  الإنساني) يصبح التمايز مدخلا للتمييز ومبررا له. وربما كان مقال الأستاذ محمد يتيم "المقاربة حسب النوع ؛ أصولها الفلسفية وانعكاساتها على النظام الأسري" المحاولة الوحيد ـ فيما اطلعت عليه ـ التي خاضت في المسألة من الوجهة الفلسفية. والمقالة عرض للحوار الذي يجري في الموضوع في فرنسا وحدها ومن منظور فئة معينة، مغالية. وهذا يجافي الخلاصات العامة المتصلة بالمؤتمرات الدولية التي ينزلق إليها الباحث في الخلاصات. فحالة فرنسا واحدة من الحالات التي تؤثر في المؤتمرات الدولية إلى هذا الحد أو ذاك ليست الموجه الوحيد. ولذلك احتاج الباحث إلى "استثناء" قوي للخروج من الروح السلبية التي أشاعها في مقاله اعتمادُه على الأوجه السلبية وحدها، فقال: "غير أن ذلك لا ينفي أن هناك صوابا كثيراً فيما تطرحه الحركات النسائية الغربية، والمؤتمرات الدولية، وأن هناك إجحافا في حق المرأة ناتجة عن تصورات ثقافية مغلوطة للمرأة والرجل ولدور كل منهما"([12]).

وهذا الجانب من الصواب هو الذي أعطى تلك الدعوات قبولا وصدى في العالم، ولكنه في نظر التحليل الفلسفي عند الأستاذ يتيم أشبه بحال الخمر والميسر؛ "فيهما إثم كبير ومنافع للناس". والدليل على أن تلك الحلول زائفة في نظره هو "واقع الأسرة في المجتمعات الغربية". ولعله لم يفكر هذه اللحظة في واقع الأسرة في العالم الإسلامي، أو نسي ما قال عنها منذ لحظة: فهل هي الأخرى حجة على الخيار الإسلامي؟! الله أعلم ما يفكر فيه "الفلاسفة" حين ينطلقون من الدين؟

 وفضلا عن هذا الخلل الحجاجي فسرعان ما جمح الخيال بالباحث إلى عوالم التخييل،  قائلا: "وليس ببعيد ذلك اليوم الذي سنسمع فيه عن المناصفة في القيام بأعباء الحمل ... أو عن المناصفة في الأدوار الجنسية بالشكل الذي يتم التداول على أدوار الذكورة والأنوثة في المجال الجنسي من خلال العمليات الجراحية". وهذا الجموح الجميل في مجال الكاريكاتير والمسرح التجريبي، ورواية الخيال العلمي، أي في إطار خطاب ذي خصوصية يُـفقد الحديث الفلسفي الرصين في الموضوعات الحساسة هيـبته، ويحوله إلى حلية زائفة. وليس الحديث عن الذكورة بهذه الطريقة إلا هروبا من المقتضيات العلمية للموضوع (معرفة والتزاما)، ومما تطرحه الذاكرة العربية من إحراجات حقيقية؛ ذكورة مخصية؛ لم يعد بينها وبين "الفحولة" نسب.

4  ـ لما تقدم كانت المرحلة الرابعة من النقاش مرحلة الرد على خصوم الخطة ذات بعدين فقهي وفلسفي اجتماعي.

في الجانب الفقهي تناول مجموعة من الفقهاء القضايا التي اعتبرت خلافية من زاويتين: النظر النصي من خلال القراءات (الاجتهادات) السابقة في الموضوع قبل ظهور الخلاف. من هؤلاء الأستاذ إدريس حمادي، أستاذ الأصول بشعبة الدراسات الإسلامية بكلية الآداب بفاس([13]). ومحمد الهبطي المواهبي وعبد الهادي بوطالب وأحمد الخمليشي ومحمد المرابط. والنتيجة العامة لهذه الآراء على تفاوت فيما بينها تنسيب المسالة، وإخراجها من مجال القطعية إلى مجال الاجتهاد، ومن ثم ترك خيار أوسع للمدبر في اختيار ما ينفع الأمة في واقعها وضمن مقتضيات تطورها. من العناوين الدالة في هذا الصدد عنوان مقال الأستاذ الخمليشي، وهو أكثر المذكورين تحفظا، لدرجة أن كاتب الدولة في التنمية لم يتبين بوضوح فيما إذا كان مع الخطة أم ضدها خلافا لما ذهب إليه الصحفي المحاور (من جريدة التجدييد)، في برنامج في الواجهة. والعنوان المقصود هو: " الحوار لا يجري كما كان ينبغي أن يكون، مع أن كل الموضوعات التي تتناولها الخطة كلها قابلة للمناقشة"([14]). وهذا العنوان ليس قراءة للصحفي المخرج بل هو مأخوذ من متن الحوار: "الموضوعات التي تناولتها الخطة كلها من القضايا الاجتماعية القابلة للمناقشة. وليس هناك أية قضية غير قابلة للنقاش والحوار بين أفراد المجتمع المغربي بما في ذلك بعض المقتضيات المقترح تعديلها في مدونة الأحول الشخصية. فهذه المدونة قانون صدر الأمر بتطبيقه كما هو معروف بظهائر خمسة بين سنتي 1957 و 1958 . وفي مجملها تتضمن الكثير من الأحكام الفقهية والاجتهادية  . وهذه الأحكام قابلة لإعادة النظر فيها على ضوء الواقع الاجتماعي الذي نعيش فيه. وفي نظري ما ينبغي أن يكون هو التقيد بمعايير الحوار والمناقشة. ".

وقد وسع الفقهاء المختصون دائرة الحوار في كل نقطة على حدة معيدين الاعتبار لاجتهادات قديمة وأخرى عرفها عصر النهضة في سياق التلاؤم مع المستجدات. وهكذا استُعرض موقف المذاهب وأكابر الفقهاء من قضية الولاية والطلاق والتعدد. فتبين أن هناك مجالا واسعا للاجتهاد، وأن ما ورد في الخطة لا يصادم الدين كما ذهب إلى ذلك خطباء مثل السيد الحبيب الفرقاني.

وقد تطور النظر في الموضوع من تخريج الحالات العينية واحدة واحدة إلى النظر في السياق القرآني لتشريع وضع المرأة في الإسلام، وذلك لإبراز المسار التحرري الذي وضعت فيه القضية انتقالا من وضعها الماضي استشرافا لوضعها المستقبلي. ومن أحسن الاجتهادات التي نشرت في هذا الموضوع مما اطلعت عليه مقال الأستاذ إدريس حمادي بعنوان: "آفاق تحرير المرأة في الشريعة الإسلامية" . وتحت العنوان نجد استهلالاً يتحدث عن الإنسان، وفيه توجيه قوي إلى المراد من التفاصيل التي يحتويها المقال، ولذلك نكتفي بنقله هنا: "إن من ينظر في القرآن الكريم بتمعن، يجد أن هذا القرآن المجيد يخوض حربا ضروسا بمختلف الأسلحة الممكنة ضد العادات والتقاليد المتجذرة التي تحط من قيمة الإنسان في ذاته كإنسان فتجعله خاوي الفؤاد، مسلوب الإرادة، أو تحط من تنظيمه الاجتماعي فتجعل بنيانه هشا غير متماسك في لبناته وإن كان يبدو قصرا مشيدا.

أكثر ما تتجلى هذه الحروب الضارية في القضايا الشائكة التي لها جذور ضاربة في المتمسكات العقدية أو التنظيمات الاجتماعية، أو بعبارة أخرى لها مساس بحرية الإنسان وعبوديته، إن على مستوى علاقة المخلوق بالخالق أو على مستوى علاقة المخلوقات بعضهم ببعض، حيث نجد الإسلام في جهة يسعى دائما إلى تحرير الإنسان والسمو به إلى ميدان أرحب وأوسع، منطلقه في ذلك الهداية الإلهية والعقل والقيم الأخلاقية، نجد من الجهة الأخرى ذلك الإنسان الذي يسعى أبدا إلى أن يسلب أخاه الإنسان كرامته وحريته وبُعده الإنساني باستعباده وتسخيره لخدمة أغراضه الضيقة رائده في ذلك الأهواء والشهوات وأداته المال والسلطة والتضليل..([15])"

ـ وانصب الرد الفلسفي ـ السوسيولوجي على تحليل الأسباب التي أدت إلى اغتصاب حقوق المرأة والإصرار على التمسك بسيادة الرجل بشتى الأقنعة. والفكرة الأساسية المقدمة في هذا الصدد، خاصة في حوض البحر الأبيض المتوسط،  هي هيمنة السلطة الذكورية الأبوية. وفي هذا المنظور عالج عام الاجتماع المغربي الأستاذ محمد الطوزي المسألة في حوار تحت العنوان التالي: "مشروع الخطة قضية سلطة وليس قضية أسرة". ونكتفي هنا بتقديم محتوى رأيه([16]):

يرى الأستاذ الطوزي أن الصراع في قضية المرأة صراع محوري، وهو ليس صراعا بين الأحزاب ولا بين الأجناس(امرأة رجل)، وهو ليس صراعا دينيا، بل هو أعمق حتى من أن يكون صراعا بين الجبهة التقدمية وما تنعته بالجبهة الرجعية الظلامية. أساسه الحقيقي هو الدفاع عن السلطة: "الأساسي والمحوري هو مشكل السلطة الذي يتمركز داخل المنظومة البطرياركية، أو بمعنى آخر البيطرياركا في مواجهة انفلات الفرد من هذه المنظومة. ومعلوم أن البيطرياركا لا تتعلق أساسا بالدين الإسلامي و لكن بمنظومات اجتماعية تعرفها كل دول البحر الأبيض المتوسط"([17]).

 وإنما "يأخذ النقاش حول المرأة طابعه الديني لأن الدولة المغربية والطبقة السياسية لديهما تصور سياسي انتهازي للعمل السياسي وازدواجية في المرجعية" (نفسه عم 2). ومن الجدير بالاستحضار ـ يقول محمد الطوزي ـ "أن المرأة يمكن أن تكون لها أيديولوجية بطرياركية وإن كانت امرأة"، وليس في ذلك مفارقة، "لأن المصالح هي المهددة، فمَنْ هُنَّ النساء اللواتي يصحن الآن؟ ألسن هن النساء المتواجدات بمراكز الرجال".(نفسه).

ويبدو لي أن ليس هناك تناقض بين تفسيرِ معارضة تحرر المرأة بِ " الدفاع عن السلطة" من جهة، و"المحافظة" التي سميت "رجعية ظلامية” ـ وقد تكون كذلك أحيانا ـ من جهة ثانية. فهما متضامنان متكاملان، يؤيد ذلك النظر كما يؤيده التاريخ.

ولعل أحسن تفسير لما يشير إليه محمد الطوزي من انتهازية الحكم هو التفسير الذي قدمه محمد الشريف الفرجاني (أستاذ جامعي باحث بجامعة ليون بفرنسا) تحت عنوا  "ولاية الفقيه، ضد حق الشعب في تقرير مصيره"([18]).  قدم الباحث تفسيرا سياسيا لردود "رابطة علماء المغرب"  , "اللجنة العلمية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية" على خطة إدماج المرأة في التنمية.

إن تحرك هذه الهيئات "العلمائية" لا يعدو في نظر الباحث أن يكون تنافسا بين" الإسلام الرسمي" و"جماعة الغضب الإسلامي" ضد الديمقراطية وحقوق الإنسان. ومن آثار هذا التنافس مبادرة الإسلام الرسمي في الكثير من البلاد العربية إلى تكفير ممارسات فكرية وفنية في تسابق مع المتطرفين. "ولقد تعددت هذه الممارسات الخطيرة في مختلف البلدان الإسلامية التي يتوهم حكامها والقائمون فيها على المؤسسة الدينية أنهم بمثل هذا النهج سوف يسحبون البساط من تحت أقدام جماعات "الغضب الإسلامي"، ويقطعون عليه السبيل لتجنب ما آلت إليه الأوضاع في إيران والسودان وأفغانستان والجزائر. في سياق هذه الردة الحالكة جاءت ردود "رابطة علماء المغرب" و " اللجنة العلمية لوزارة الأوقاف "... ولا يمكن عزل مضمون هذه الردود عما يعيشه العالم الإسلامي والعربي من منافسة... "([19]).

ـ وهناك تفسير تاريخي قدمته السلفية، وتبناه الإسلام السياسي في لحظة صعوده وقوته، حين كانت له المبادرة ثم صار اليوم عنصرَ دعم للحركة الحداثية، وهو القول بأن ما آل إليه حال المرأة اليوم إنما هو نتاج ثقافة عصور الانحطاط، والإسلام منه براء. ويصل هذا التوجه إلى المصادقة ضمنيا على كل ما أتت به الخطة دون تحفظ، بما في ذلك الموقف من قضية التعدد. نجد أحسن نموذج لهذا المنحى في مقال للأستاذ سعيد لكحل بعنوان: "هل أتاك حديث مذكرة التوحيد والإصلاح ؟ هي رفض للخطة وقهر للمرأة وكبح للتنمية"([20]).

الذي يهمنا هنا هو احتجاج الباحث من داخل حركة الإسلام السياسي، بأقوال أشهر قادته: حسن الترابي، ورشيد الغنوشي، والقرضاوي. ثم آراء فقهاء يسيرون في نفس الاتجاه مثل عبد الرحمن العدوى عضو مجمع البحوث الإسلامية بمصر. وقد أسعفت آراء هؤلاء الدعاة الإسلاميين الباحث في تأييد الأساس الحجاجي العام المعتمد في تفسير موقف "الإصلاح والتجديد" وهو: الرؤية البدوية للمجتمع، والإصرار على تكريسها. يقول في تمهيد الحديث عن القوامة: "أسست "حركة التوحيد والإصلاح" مذكرتها في رفض مشروع الخطة في التنمية على الفهم المنغلق و "الريفي" لمفهوم "القوامة”". ثم يورد قول الشيخ رشيد الغنوشي: "لقد رسخ الانحطاط في نفس المرأة شعورها بأنها مخلوق ضعيف عليه أن يعتمد في إثبات شخصيته على غيره... ولئن حرم الإسلام وَأْدَها فلقد أعد الانحطاط وأدا آخر لشخصيتها وكرامتها، فرسخ فيها عدم الثقة بالنفس والاتكال على الغير، وتقبل الإهانة والاحتقار".(نقله عن  المرأة بين الإسلام و واقع المسلمين 14 والتأكيد منا).

وينتهي الباحث إلى هذه الخلاصة: "ومن ثمَّ، وبسبب التشبث بفقه عصر الانحطاط، ستتخذ الحركة الإسلامية مواقف متشنجة من مطالب الحركة النسائية، نموذج المغرب، برفع الحيف عن المرأة والقضاء على أشكال التمييز بينها وبين الرجل، حدث هذا عند مطالبة اتحاد العمل النسائي سنة 1992 بتعديل مدونة الأحوال الشخصية، ويحدث الآن في مواجهة مشروع الخطة لإدماج المرأة في التنمية. وذهبت الحركة الإسلامية إلى إعلانها الرفض القاطع لمشروع الخطة. وهو الموقف الوحيد الذي وحد بين فصائل الحركة الإسلامية على اختلاف طروحاتها. ولم تسلم الحركة الإسلامية في رفضها لمشروع الخطة، ومن ثم رفضها لتمتيع المرأة بالحقوق التي أقرها الشرع قبل المواثيق الدولية، لم تسلم الحركة الإسلامية، كما قال الشيخ الغنوشي: "من التأثر بنمط العلاقات التي كانت سائدة في عصور الانحطاط بين الجنسين، وتصدت الحركة الإسلامية... للاعتراض بشدة... كما دافعت عن تعدد الزوجات وكأن التعدد واجب ديني وليس علاجا استثنائيا"([21]).

خلاصة

وإذا تأملنا تسلسل الحوار في هذا المسار  لَاحظنا أن الاعتراض بمخالفة الشرع قد تآكل في أكثر جوانبه إما بفعل تراجع المعترضين، أو باختلافهم وتضارب آرائهم في الموضوع، وإما بالانتقال من مخالفة الملموس من الشرع، أي النصوص، إلى التشكيك في المرجعية واعتماد الاستهواء، وبذلك يمكن اعتبار المعترضين منقطعين عن المناظرة،  ملزمين بمحتوى الخطة. 

تنويـر:  فقد فصل العلماء المسلمون من قديم الأسباب التي تجعل المعترض يخرج من باب المناظرة إلى أنواع أخري من الخطاب. ويسعدنا أن نتبنى في هذا المجال وجهة نظر هم، إذ نجد فيها كل ما يخدم تصورنا وقناعتنا. وقد كفان الصديق الأستاذ حمو النقاري مؤونة جمعها وحسن عرضها والتعليق عليها حسب ما يلي:

يكون الخروج من الناظرة من قِبَل المعترض، وهو الذي يهنا هنا، إذا انقطع عن الحوار التعاوني المنتج، وانتقل إلى ما يعوق سير الحوار. ويكون المعترض " منقطعا بالانتقال ان هو اشتغل « بمطالبة خصمه بما لا يجوز المطالبة به".

الانقطاع "بالخروج ... إلى الباطل" أي بالانتهاء إلى الباطل، ولهذا الخروج ألوان منها :- "الخروج إلى المحال » كأن يتم استنتاج أمر « يدفعه حس أو بديهة » وكأن يتم « دفع المعلوم ضرورة" أو "إثبات ما يستحيل كونه".

- "الخروج إلى التهافت" وهو التناقض، أي "الخروج إلى ما لا يصح العلم به لما فيه من تدافع البعض بالبعض ».

- "الخروج إلى الفحش" وهو الانتهاء إلى "ما تسخفه قلوب أهل الشريعة" وتنكره.

- "الخروج إلى الغلط أو الخطأ" وهو الكثير[...]

وإذا سمينا الانقطاع في حق السائل إلزاما وفي حق المعلل إفحاما، فيمكن أن نقول أن المناظرة يجب أن "تنتهي ... إما بإلزام المنتقد أو إفحام المدعي: يُلزَمُ المنتقد إذا انتهى دليل المدعي إلى قضية مسلم بها عند المنتقد، سواء سلم بها بعد ان كان قد اعترض عليها، أو اعترض عليها بعد أن كان قد سلم بها ... ويُفحمُ المدعي إذا عجز عن إقامة الدليل على دعوى من دعاويه المعترضِ عليها أي إذا استنفذ جميع حقوقه في دفع الاعتراض" ولم يستطع إقامة الدليل"([22]).

والخروج من المناظرة في مقامها، دون تسليم بحجة الخصم هو مدخل الاستهواء والعنف.

ـ 3 ـ

  الاستهواء

 (رَغَباً ورَهَباً وتَغْليطاً)

3. 1 ـ بين الاستمالة والعنف

حاولنا أن نجد كلمة تستوعب ما لا يستوعبه الاستعلام والتشاور والمنازعة الحجاجية المحتكمة إلى العقل والمسلمات المشتركة للطرفين حيث يسود التعاون موْقفاً أو منهجاً فكاد ذلك يتعذر، لأن مكونات المنطقة التي لا يُغطيها التشاورُ والتناظر مختلفةٌ في طبيعتها وفي قيمتها الوجدانية والأخلاقية؛ فيها الاستمالة والمشاحنة والمغالطة. واستقر رأينا بعد تأمل على كلمة "استهواء" من الهوى أي الميل النفسي في مقابل اتباع العقل والعرف.

وفي لسان العرب(هوى): "الهوى، مقصور: هوى النفس ... والجمع أهواء... قال الله عز وجل: "ونهى النفس عن الهوى"؛ معناها عن شهواتها وما تدعو إليه من معاصي الله عز وجل".

"واستهوته الشياطين: ذهبت بهواه وعقله..وقيل استهوته: استهامته وحيرته، وقيل: زينت الشياطين هواه".

 "ومتى تُكُلِّمَ بالهوى مطلقا لم يتكلم إلا مذموما حتى ينعت بما يُخرِج معناه، كقولهم هوىً حسنٌ، وهوىً موافق للصواب".

ونحن نستعمل الاستهواء بالمعنى المطلق أساساً والمقيد استثناء. والاستهواء منطقة ملتبسة بين الإقناعِ الحجاجي بمعناه الدقيق وبين العنف اللغوي التخييلي والمرجعي، وهو إيجابي الدلالة لكونه بديلا حضارياً للعنف في موقع يُشرف على تلك الصفات.

3 .1.1 ـ الاستمالة والاستدراج

جاء في البيان والتبيين: "قال عبد الصمد: لو أن هذا المتكلم (السَّجَّاع)لم يرد إلا الإقامة لهذا الوزن لما كان عليه باس، ولكنه عسى أن يكون أراد إبطال حق فتشادق في الكلام".

"وكان الذي كَرَّه الأسجاعَ بعينها، وإن كانت دون الشعر في التكلف والصنعة، أن كهان العرب الذين كان أكثر الجاهلية يتحاكمون إليهم، كانوا  يتكهنون يحكِّمون ويحكمون بالأسجاع". "فوقع النهي في ذلك الدهر لقرب عهدهم بالجاهلية"([23]).

وقد "جعل السفسطائيون "الخطابة" في صدر الصنائع الإنسانية، واعتبروا أن الصنائع جميعا من طب وهندسة ومعمار وغيرها لا يمكن أن يُحقق بها الإنسانُ والمدينةُ خيراً أو يُرفدها سلطةُ القول (أي ما لم تُرْفِدها سلطة القول وتساعدها)"([24]).

وقد جعل أفلاطون "نفس" السفسطائي في المرتبة الثامنة قبل نفس الجبار، ولا شك أنه قارب بينهما لتقاربهما في صفة التسلط والعدوانية([25]).

3 .1 .2  العنف اللغوي

المحرض والضحية والسُّلَط الخفية

يمتد "الخطاب" الإقماعي من إشهار سكين في محاضرة أو تجمع (كما ذكرت الصحافة) والتلويح (أو التصريح بالفتنة) إلى الصخب وترديد الشعارات لمنع المتدخلين من الكلام. وبين هذين القطبين مُعجم الشتائم والقذف والتهديد باستعمال العنف المادي.

من الأكيد أن نسبة كبيرة من هذه المادة الكلامية، فضلا عما يتجاوزها، تدخل تحت سلطة القضاء ومسؤوليته في حماية الذوات والأعراض لصالح كل الأطراف. أي أنها ليست مما يمكننا مناقشته وتحليله ضمن دائرة الخطاب الإقناعي، مهما وسعنا دائرة الإقناع من الاستمالة إلى الاضطرار بالحجة المادية والمنطقية، في معالجة قضية فكرية، ولكن يمكن النظر فيه من الوجهة الأخلاقية: التناصح. وعلى الأصوليين والمتطرفين منهم خاصة، قبل غيرهم، أن يتعظوا في هذا الميدان من موقف الهيئات الحقوقية الحرة والرسمية اليوم من بعض المعتقلين الإسلاميين، فهم يطالبون بصفة "سجين الرأي" في حين تُصرُّ هذه الهيآت على أنهم سجناء الحق العام، ابتداء من قتلة عمر بن جلون الذين صاروا موضعَ أخذ ورد حتى داخل خريطة "القاعدة" التي انطلقوا منها([26]). وصولا إلى من قال عنهم السيد بنكيران للجزيرة أنهم متابعون بتهم العنف والسلاح، وقد قضوا في السجن ما يكفي، في حين قال وزير حقوق الإنسان بأن المفاهيم الدولية للمعتقل السياسي لا تنطبق على من بقي من المعتقلين في السجون المغربية. ونحن نحزن لأن الخطاب الإرهابي التكفيري يورط شباباً في مقتبل العمر في مُغامرات لا قبل لهم بها، في حين يفلت الخطباء بالحوالات والإكراميات الظاهرة والخفية خاصة أصحاب الفضائيات. وقد كشف الدكتور إدريس الكتاني أخيراً عن جانب من المستور المادي في تعامل جمعية علماء المغرب، في رسالة بمثابة بيان، نشرتها الأسبوع الصحفي نقلا عن جريدة الفتوة تحت عنوان: "الحقيقة الكاملة عن رابطة علماء المغرب ورؤساء المجالس العلمية"([27]). ومما جاء فيها بهذا الصدد:

 "بعد المؤتمر الثامن للرابطة المنعقد بالناظور سنة 1981 انعقد أول اجتماع للرابطة بحضور أغلب أعضائها الذين أصبحوا رؤساء أو أعضاء للمجالس العلمية في جو متوتر نتيجة "انقلاب واضطراب" الفكر الديني للعلماء، و تأثير الفكر السياسي المدعم بالعطاء المالي عليه.

قلت للمرحوم ذ. عبد الله كنون ، رئيس المجلس العلمي لطنجة وقتئذ، الأمين العام لرابطة العلماء سابقا:

"يقال في جميع الأوساط إن التعويضات الممنوحة لرؤساء المجالس العلمية شهريا تبلغ 4000 درهم، و لأعضائها 1500 درهم، هل هذا صحيح؟

ج- لا ليس بصحيح، لم نتسلم إلا 2500 درهم فقط.

س- يقع هذا النقص عادة في الشهور الأولى، ولكن هل يجوز للعلماء أن يأخذوا هذا العطاء الشهري من أموال الأوقاف، و دون عمل يقومون به، مع أنهم جميعا موظفون في أسلاك التعليم؟

و بسرعة ذكية التفت إلى الأستاذ محمد بن عبد الله العلوي رئيس المجلس العلمي للدارالبيضاء ليقول له: أجبه أنت!

فقال: لا نحن نقوم بأعمال، مثلا أنا أقوم بتعهد مسجد الحمراء بالمدينة، و قمت بصنع طابع المجلس العلمي!

فقلت له : زيارة بعض المساجد يدخل في النشاط التقليدي للعلماء، أما طابع المجلس فهذا لا يكلف أكثر من عشرة دراهم!...

وساد الصمت في القاعة لشعور الجميع بالحرج... قبل أن يبادر أحدهم بتغيير الموضوع، لكني فوجئْتُ و نحن نغادر دار الرابطة، برئيس مجلسٍ علمي لم يتجرأ على التدخل في الجلسة يقول لي:

ما دعاك أنت لهذا الفضول؟!"

والتعليق الوحيد الممكن عندي على كلام الأستاذ إدريس الكتاني هو:

 الوصول إلى المال المقنَّع أو المخفي، في سياق الحديث عن الإرهاب اللغوي الموصِّل إلى العنف المادي، ذو سند متواتر: وراءَ كل عنف لغوي يتكئ على المطلق مالٌ يحتاج إلى تبييض.

وكلما رأيت النعم التي يسبح فيها "زملاؤنا" الخطباء إلا وتذكرت قول أحد الفاتحين متوجها إلى عمر بن الخطاب:

نؤُوبُ إذا آبوا، ونغزو إذا غَزَوْا     فأنـىَّ لهم  وَفْـرٌ، وليس لنا وفرُ؟


وموضوع القذف هذا ليس مما يحتاج المرء إلى الاجتهاد في كشفه. وقد سُئل السيد سعيد السعدي كاتب الدولة في الطفولة والأسرة، في برنامج "في الواجهة"، عن رأيه في القذف الذي وجه إلى شخصه لعلاقته بالخطة  فقال بأن هذا الأمر يدخل تحت طائلة القضاء، وعلى وزير العدل أن يقوم بواجبه في الموضوع.

ومن الأكيد أن مهمة الفصل بين ما يدخل في الحوار والبحث عن الحق وما يدخل في العنف التخييلي(المعبر عنه بالانزياح والتجاوز والمجاز)، والمرجعي(الإحالة على سلطة مادية حقيقية أو زائفة)  يعتبر اليوم إشكالية تتطلب معالجة دقيقة كجراحة الأعصاب.

3. 2 ـ مغـالطات ومهاترات

(اِنزلاقات)

نقتصر، في هذا المقام، على نماذج آملين أن تساعد طلاب الحق على كشف زيف المغالطين، وربما تنبه بعض المستسلمين للأهواء إلى تهافت مسلكهم وفكروا في مراجعة طريقة تفكيرهم ونظرتهم المستخفة إلى المخاطبين. و"المال السائب يعلم السرقة"، مثل المتلقي المستسلم يعلم الجرأة على العقول والأعراض. فلْنجادلْهم بالتي هي أحسن من المغالطة.3 .2 .1 ـ "الأنا" و "الآخر"

أمْلَكَةُ الذات وأَشْطَنَةُ الآخر

تهيمن في كل مَعبر حضاري مجموعة من القيم يدافع عنها المجتمع، ولشدة التركيز عليها وتكرارها تتحول إلى "حاويات" تُهرَّب داخلها المفاهيم، من ذلك هيمنة مفهوم "الأصالة" و"التبعية" و"الأنا" و"الآخر" في مواجهة التحدي الحضاري الحديث لواقع التخلف العربي الإسلامي. والخطير في المسألة الوقوع في القوقعة والتجرثم.

فالأصالة تترجم بـِ "أنا" والتبعية بـِ "الآخر" . فكل ما ينتمي إلى الأنا أصيل ومشروع، وكل ما ينتمي إلى الآخر تبعيةٌ واغتراب. وقد استعملت هذه المقابلة بُعيد الاستقلال لاستلاب نضال الشعوب وتزييف إرادتها، فأصبحنا مستعمرين في أوطانها، كما قال الشاعر: "وعشنا في مواطننا عبيدا". أي استعمرنا ألْـ "أنا" الذي لم ننتبه أنه مجرد قناع للآخر إلا بعد فوات الأوان. ولعل أقوى عبارة كانت الدبلوماسية المغربية تتسلح بها في المؤتمرات الدولية هي: "عدم التدخل في الشؤون الداخلية"، وترجمتها بالعربي الفصيح: دعونا نذبحْ "إخواننا" كما يحلو لنا. وهذا ما وقع فعلا، إلى أن هبت على العالم رياح حقوق الإنسان، فلم يعد أحد من دبلوماسيينا يجرؤ على النقط بتلك الجملة السحرية (عدم التدخل في الشؤون الداخلية). وأفلت المغرب، بشق الأنفس،  من تهمة "الجريمة ضد الإنسانية".

لقد عرف العالم سعيا حثيثا طوال العقدين الأخيرين نحو تضييق الشقة بين الأنا والآخر  وبناء موقع ثالث، هو موقع "الكوني" الذي يسهم فيه الجميع حسب موازين القوى  في إطار مسار تحرر الإنسان. وتبذُل الشعوب المختلفة الحضارات جهودا للمساهمة  في هذا الكوني، ووضع بصماتها عليه، وتضمين أحسن ما عندها فيه حِفظاً لوجودها، لعلمها بأن التاريخ لا يرحم. وقد استُعملت الثنائية العتيقة "أنا" و "الآخر" حاويتين لتهريب الكثير من المفاهيم التي تحتاج إلى نقد وتأمل. 

من هنا جاء القول الخادع: هذا أجنبي عن تاريخنا، أجنبي عن هوية المرأة المغربية على ألسنة أجنبية عن قول الحق. في الأنا يدخل "الشرق" وفي الآخر  يدخل "الغرب". والغرب يقايض بالإمبريالية والشيوعية، في حين يقايض الشرق بالإسلام، وقد يقيد بالعروبة أيضاً: "العربي الإسلامي". وينتقل البعض من الغربي لإمبريالي الشيوعي إلى الصهيوني (أو اليهودي) والمسيحي. وعند هذه القمة  من الهذيان وبعيدا عن أي نظر نقدي أو بناء حجاجي سليم تحضر الآية القرآنية: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"، وكأن المؤتمرات الدولية التي ساهمت فيها الصين والهند وغيرها من الشعوب الكبرى ذات الحضارات العريقة مؤتمرات لليهود والنصارى وحدهم، وكأن العالم كله غَفَلَ عن ذلك وانتبهنا وحدنا. والحال أن الولايات المتحدة نفسها لم تصادق بعد على الكثير من المعاهدات المتعلقة بالتمييز، ومنظمة حقوق الإنسان تخوض هذه السنة حملة ضد الولايات المتحدة سعيا لإرغامها على احترام حقوق الإنسان. من السهل على من يفهم أكثر مما ينبغي أن يرى في الأمر مسرحية محبوكة، هذا أهون من التفكير في هذه المفارقات الواقعية.

وهكذا تنعقد ثنائية سيكولوجية لا عقلية من محورين استبداليين متعارضين سيكولوجياً لا أقل ولا أكثر، والدليل على ذلك ضحالة ثقافة المروجين لهذه المقولات. وضحالة معرفتهم بالتاريخ البشري تتحدث في كل جملة يكتبونها. وحين تبنى هذه الثنائية بين "الأنا" و"الآخر" دون تدبر في المحتوى ينشق الأنا على نفسه: الأنا الخالص المخلص والآخر الجاحد التابع. أحسن مثال لهذه التبسيطية الفجة خطابات الأستاذ محمد حبيب الفرقاني في قضية إدماج المرأة، ومسجّلات (ألبوم) المقري أبو زيد الإدريسي. وحين تؤخذ هذه الخطب مع أصوات الجمهور المصفق المتصايح تصير أشبه ب"الحضرة  الكناوية" بمجلس ساحرة تصرع الأميات. ولذلك أجدني أتذكر وأنا استمع إليها قول الناظم النَّصُوح، وأردد معه:

بصاحبِ حِيلة [يذبح النساء]
ويَشربُها على خُلْفٍ مَساءَ
وفي لذاتِها رَهَن الكِساء

 

رَويْدكَ قد غُررتَ، وأنتَ حُرٌّ،
يحرِّم فيكمُ الصهباءَ يوماً
يقولُ لكم: غدوتُ بِلا كِساءٍ

نعم "يذبح النساء" وليس "يعظ النساء" كما قال الناظم.

ومن الأكيد أن هذه السيكولوجيا القائمة على  أَمْلَكَةِ "الأنا" و"أشْطَنَة" الآخر بدون حس نقدي أو فهم تاريخي هي النار التي تحرق الحس الوطني والإنساني، وتحول العاهات السيكولوجية إلى أيديولوجية من الصنف الذي سمح بوجود تزمامرت وأخواتها، ووجود ثابت وإخوانه (من الرضاعة). إنها هستريا القتل بين رقمين مجردين يلغي أحدهما الآخر. إن فلسفة الأنا ولآخر بدون نظر هي العماء الذي جلب على العالم حروبا لا معنى لها انتهت بالوبال على الجميع.

ومن الأمثلة الفاقعة لما يمكن أن يجر إليه هذا الموقف إصدارُ حكمين مختلفين في واقعة واحدة، كما وقع للشيخ القرضاوي في تمييزه بين حق المرأة في الطلاق في مصر (الخلع) وفي المغرب، فقد حبذَ الأولَ واستهجن الثاني لمجرد أنه جاء ضمن خطة مرجعيتها غريبة في نظره.( في الحلقة المخصصة للموضوع من برنامج الشريعة والحياة).

فالملاحظ هنا أن المسألة لم تعالج حسب محتواها بل حسب "الأنا" و"الآخر".

ونظراً لأن هذا "الآخر" يطرحُ قضايا إنسانية يَصعُبُ ردُّ الكثير منها شَرعا وأخلاقاً فقد قفز الخطيب وأصحابه من الأمم المتحدة ومؤتمراتها إلى الغرب إلى الصهيونية (اليهودية) و(المسيحية الصليبية). إنها مأساة حقيقية أن يتحول المرء حقيقة لا مجازاً إلى محام للشيطان في سبيل نفي الآخر الذي سبقه إلى قيم الحرية والمساواة، وشعاره فليذهب "الآخر" وما يحمله من قيم إلى الجحيم لتبقى لي أصالتي المتخلفة.

والخطير في هذا المنحى هو دفع المتلقين لهذا الخطاب إلى الانغلاق على "الذات" وعدم استيعاب ما يجري في الكون، مع أن وضعنا هو وضع المتخلف تكنولوجيا وعلميا وفلسفيا، وبهذا سيضيع منا ما كنا نود الدفاع عنه، لأن الانغلاقَ عَمَّا يجري في الكون من حولنا طريق مُعبد إلى الزوال، بل منحدر بدون قرار.

تعتبر خطب المقري الإدريسي (في شريط) والحبيب الفرقاني و عبد الباري الزمزمي وحواراته مَتناً هجائياً أصلياً بسط ظلاله على الخطباء الآخرين الذين يقتاتون منه كل حسب حاجته، وأخطر ما يصل إليه هذا المعجم تكفير الخصوم صراحة وضمناً:

ـ فهم فرانكوفونيون شيوعيون

ـ ممن لم تطأ جباههم الأرض

ـ عملاء للأجانب

وهؤلاء الخطباء يتزودون من مصدرين أو سلطتين تكتسي إحداهما لباس الدين، وتكتسي الثانية لباس العلم، وكنا عرضنا لدور  وزارة الأوقاف في هذا المجال باعتبارها ـ في نظر الوزير ـ الساهرة وحدها على حماية الشرع، ونشير هنا إلى الدور الذي تلعبه كتابات بعض المفكرين الذين دخلوا في سجال يختلط فيه الذاتي بالموضوعي مثل كتابات الأستاذ طه عبد الرحمن، وهو أحد الباحثين الكبار الذين شوش عليهم السجال فوجدوا أنفسهم ـ ضدا على كفاءتهم العلمية والذهنية ـ في صف المعادين للعقلانية ورموز العقلانية مثل ابن رشد من القدماء وعابد الجابري من المحدثين. يتنقل بين العلمانية والمسيحية واليهودية بل والفلسفة ناقلا عدوى المشابهة إلى أجسام ضعيفة المناعة: إلى خطباء ودكاترة ومناضلين قدماء أشبه بالعوام، يكملون من عندهم فيضيفون الصهيونية وكلَّ ما من شأنه أن يثير حساسية القارئ العربي بدون أي احتياط.

3 .2 . 2 ـ إيهام الشمول

 وإنكار الواقع

قال السيد عبد الإله بنكيران: "نحن مع المرأة ضد الخطة، ولهذا سننظم المسيرة ليعلم الجميع بأن المغرب ليس فيه اتفاق على هذه الخطة وأن المغاربة ضدها"([28]).

مؤدى هذا الكلام:

  ليس في المغرب اتفاق على الخطة  

  إذن: المغاربة ضد الخطة

بيان ذلك: أول شيء يلاحظ هنا هو شبهُ الجملة من الجار والمجرور: "فيه"، فهي تُبعدُ أي محاولةٍ للتأويل تجعلُ الخلافَ بين المغرب والخارج (الخارج عن المغرب).

فالمعنى، بناء عليه: هناك اختلافٌ بين المغاربة حول الخطة. (وهذا هو الواقع الذي لا يمكن دفعه أو معالجته معالجة بناءة إلا بالحوار البناء الذي يحترم عقول "الآخرين"). غير أن المتحدث ينزلق من "اختلاف المغاربة" فيما بينهم إلى اختلافهم مع غيرهم.

هل هذا مجرد غلط أم مغالطة؟ ليس غلطا قطعا، وليس مجرد مغالطة فجة باردة. بل أميلُ إلى القول بأنه تعبير عن حالة سيكولوجية مضطربة بين اعتبار المخالفين مغاربة حيناً (بحسب الواقع)، وغير مغاربة حينا (بحسب الموقف الأيديولوجي الذي يترجم الخلاف حقدا).

والأدلة الصريحة المؤيدة لهذا التوجيه كثيرة، بل هي نتاجُ ترديد" عبارات إقصائية من قبيل: "اغتراب الخطة وأصحابها"، لدرجة غاب معها النظر النقدي وحلت محله الكليشيهات والعبارات الجاهزة. ولذلك فإن إنتاج مثل هذه العبارات المتنافرة المحتوى يدل على ضعف الرقابة العقلية على الأهواء عند المتحدثين، وحين يتعودون على مثل هذه الانزلاقات لا يجدون حَرجاً في مخاطبة الناس بمثل هذا الكلام الركيك حجاجيا. وهم يشعرون بزهو غامر لأنهم يخادعون الناس، وهذا دون ما تقتضيه الأمانة.

وفي سياق الحديث عن الأمانة نستغرب عبارة الشيخ الزمزمي في رسالته المفتوحة إلى الوزير الأول:

 "وانعقدت منذ ظهرت الخطة ندوات ومحاضرات ولقاءات علمية في شتى مدن المغرب، لو عدها العادون لعسر عليهم إحصاؤها، وكلها أجمعت على رفض الخطة والمطالبة بسحبها". (التجديد67.ص4.عمود4).

إذا كان إحصاء عدد الندوات واللقاءات حول الخطة عسيرا فالأعسرُ منه معرفة ما دار فيها! ومع ذلك عرف الشيخ بمواهبه الخارقة أنها "كلها أجمعت على رفض الخطة"!! وما دام الشيخ الزمزمي إماما خطيبا ومفتيا ينشر عنوانه الشخصي قصد الإفتاء في الجريدة نفسها فلا يسعنا إلا أن نصدق أنه ما سمع صوتا مؤيدا للخطة،. وعلينا في هذه الحال أن نفترض أن الشخص الذي ذكرت صحف الأصدقاء وغير الأصدقاء أنه كان يتجول في المعرض مقارعا للمروجين لها من "العلمانيات والعلمانيين "باسم عبد الباري الزمزمي ليس هو هو وإنما هو شيطان يشوش على صورة الإمام "الصادق"! إن مثل هذا "الادعاء" يعتبر كبيرة ويُخِلُّ بأدب الحوار، بل عدهُ علماء المسلمين خروجا من مجال المناظرة. لا مجال لمناظرة من لا يرى ما يُرى في الواقع، ولا عبرة بما يقوله. وكيف يحاور من يقول في نفس الرسالة:

"فعلماء المغرب من مختلف مواقعهم رفضوا الخطة وعارضوها وبينوا ما فيها من الخروج عن دين الله والمخالفة لشريعته".

والواقع المعروف لكل متتبع أن هناك علماء ناقشوا كل القضايا المعترض عليها من طرف لجن وزارة الأوقاف، وبينوا أنها ليست من القطعيات وأن مجال الاجتهاد فيها مفتوح قديما وحديثا. وقد ذكرنا منهم القفيه محمد الهبطي والأستاذ إدريس حمادي  وغيرهم من العلماء المستقلين الذين تصدوا للموضوع بالتحليل والتدليل[29]. كان على الشيخ أن يتصدى لتفنيد آرائهم أو ينزع عنهم صفة العلم قبل أن يمارس هذا التعميم، وإلا فقد خرج من مجال المناظرة إلى مجال العنف المرجعي الصرف، أي إعنات السامع والقارئ بما يخالف الواقع الملموس، وأتحاشى هنا لفظ الكذب.

3 .2 .3  ـ ركوب الغموض

تضارب التقييد والإطلاق

من وظائف الغموض في البلاغة توفير فرصة للتراجع عن المصرح به عند الضرورة. ولعل ما يسمى اليوم بلغة الخشب صيغة من ذلك المسلك البلاغي. ومما سجله الملاحظون في الأيام الأخيرة في خطابات وتصريحات الرئيس الأندونيسي الحالي (وحيد) الغموض والتراجع من حين لآخر عن هذا الرأي أو ذاك بشكل يخلط الأوراق ويحير الخصوم. وقد لوحظ هذا الارتباك في الحديث عن الخطة خاصة في تصريحات السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الذي يبدو أنه كان يسعى لتبليغ رسالتين متناقضتين في وقت واحد: ينفي ما يؤخذ عليه باعتباره مسؤولا في الحكومة دون أن يفهم مساعدوه أنه ينفي، بل يؤكد.

فعن سؤال حول استغلال المساجد لمحاربة الخطة قال السيد وزير الأوقاف:

"هذا الاستغلال للمساجد لا وجود له، ويمكنني أن أطلعكم على المراسلات الواردة من جميع نظار الأوقاف والتي تؤكد أن هذه تهمة كاذبة لا أساس لها من الصحة".

ثم يقول بعده تعليقا على شهادة الصحفي الذي حَضَر الحديث عن الخطة في أحد المساجد:

 "الوثائق الرسمية التي وصلتني من طرف نظار الأوقاف تؤكد أن لا أحد تكلم عن الخطة، ولكن على فرض أن المساجد تكلمت عن الخطة ما دامت هذه الخطة تشغل بال الرأي العام، فلماذا لا يتحدث عنها الخطباء؟"[30].

ومثل هذا الكلام قاله السيد الوزير أمام البرلمان أيضا، وهو كلام مدروس مفكر فيه بعمق، فيه كل الضمانات التي يوثقها الكبار على ظهور الصغار(الضحايا، أو حطب جهنم كما يسميهم الرؤساء)، ومؤداه: 

أ ـ الرسالة الأولى: لم يقع ذكر للخطة، والمسؤولية على تقارير نظار  الأوقاف

(وجه الاحتياط: اتهموهم إن شئتم بالكذب، وحاكموهم إن دارت الدوائر، والمصلون يعرفون الحقيقة، أو إن كان ما قلتم حقا فقد ضللني نظار الأوقاف!).

ب ـ الرسالة الثانية: كان ينبغي للخطباء أن يتحدثوا عنها  فهذا من باب النهي عن المنكر، ولا خوف عليهم. 

فإذا أخذنا كلام السيد الوزير مجزأً لاحظنا أن هناك "قوة" في دفع استغلال المساجد وإنكاره والبراءة ممن أتى ذلك، وإذا أخذناه متعاضدا وجدنا فيه تحريضا على استعمالها، وضمانا لسلامة مستعمليها. إنه كلام بالأصوات في اتجاه وبالإشارة وملامح الوجه في اتجاه آخر. وقد فهم الأئمة فحوى الخطاب فعملوا به، ولم يعد الأمر مقتصرا على عدة مساجد بل عم واشتهر، وأعلن الأئمة أنهم استغلوا المساجد وسيستغلونها للدعوة ضد الخطة. وفي هذا الصدد قال  الشيخ عبد الباري الزمزمي في العدد التالي من الصحيفة، أي بعد صدور "تكذيب وزير الأوقاف) : "فنحن نعلم أن أول من أثار هذا الموضوع هو وزير الأوقاف، وكتبت لجنة من علماء وزارة الأوقاف، كما كَتبت في هذه الحملة مجالسُ علمية من مختلف الأقاليم، وخطب فيها خطباء من مختلف مدن المغرب أيضا... وأنا عبد ربه بنفسي تكلمت في هذه الخطة في خطب الجمعة في مناسبات متكررة، ولا أزال أتكلم وسأبقي أتكلم إن شاء الله"[31].

لطيفتان على هامش الغموض

1 ـ وفي حديث السيد الوزير مداعبة "لطيفة" للعارفين بالعلاقة بين الوزير والنظار، حتى ولو بدت للبعض إعناتا: فليموتوا بغيظهم، فمن ذا الذي سيستطيع أن يدخل بين الظفر واللحم(!)

2 ـ  "الإسلام دين كل المغاربة، ولا يوجدُ أحد منا أكثرُ غيرة على دينه من الآخرين"[32].

هذا  كلام وزير الأوقاف في سياق الحديث عن "العدل والإحسان". لاحظ إذن أن مناسبة الحديث جعلت الوزير يحس بأن التراتبية في الدين خطيرة؛ إذ لم يعد سيادته يحتل القمة في المزايدة مع الخطاب الأصولي الجذري للعدل والإحسان. ولذلك بدأ يطالب بحق المساواة كما نطالب به نحن الذين ليس على رأسنا أية ريشة، وهو بخلاف حالنا في طلب النَّصَف إنما يقصد ِاستثارة الغيرة واستنهاض النفوس ضد من يريد أن يصادر حق الجميع في الغيرة على الدين ويفرض الوصاية على الناس. وليته أخذ بهذا المبدأ ولم ينصب نفسه أكثر غيرة من الوزراء المغاربة الذين كانوا يناقشون معه في إطار الحكومة، ولو كان كذلك لما خرج عن الإجماع الحكومي. أم ترى أن الإحساس بالمساواة إنما يغمر بعض النفوس حين تنظر إلى الأعلى وإلى ما في أيدي الآخرين، و ما إن توجه نظرها إلى الأسفل من موقعها الأعلى حتى تحتكر الغيرة والنظر القويم. أم هي قصة "المؤسسة الدينية"؟  ولكن المؤسسة الدينية قد تضيق "بالخوارج" فما بالها تضيق بأهل الدار: بحكومة التناوب؟ ولا أريد أن أزايد على الوزير فأصفها بصفة أخرى يعرفُها ويردِّدُها حين يريد تقوية موقع الحكومة.

4 ـ التهويل، والكيد

4 .1 ـ التهويل: إيهام الغرابة

لكثرة ما هوجمت "المرجعية" دون جرأة أو كفاءة من الحكومة في الدفاع عنها استقر في أذهان بعض المتتبعين من خصومها أن أصحابها يخفون تلك المرجعية أو ينكرونها، وهذا ما تلاحظه في تعليق صحفي على تقريرٍ لكتابة الدولة المكلفة بالرعاية الاجتماعية والأسرة والطفولة موجه إلى المؤسسات الدولية، يبدو كمن يفترع بابا مشرعا: "التقرير المذكور يفضح بشكل لا يقبل التأويل حقيقة المرجعية التي انطلقت منها الخطة الوطنية لإدماج المرأة بما هي مرجعية ترتكز على الاتفاقات الدولية (كاتفاقية القضاء على جميع أشكال الميز ضد النساء).." جريدة التجديد 61).

عن أية فضيحة يتحدث الكاتب؟

إذا علمنا أن المهتمين بالموضوع ـ ومنهم بالطبع صاحب هذه العبارة، السيد مصطفى الخلفي ـ قد اطلعوا على نص الخطة وتناولوا  مرجعيتَها بالنقد قبل صدور التقرير المذكور، وتحدثوا عن إحالاتها علمنا أن التقرير لا يضيف جديدا، ولا يكشف مستورا. فما الغرض إذن من استعمال كلمة "يفضح"؟

ليس الغرض هو إضافة "معلومة" أو فائدة جديدة كما يوهم ظاهر اللفظ، بل الغرض هو ترسيخ مفهوم "الفضيحة" مقرونا "بالخطة" في سياق السُّخط الذي يؤطر المقالة. فالغرض ليس مُعالمةً ولا مُعاقلةً ولكنه مشاحنة، أي شحن الآخرين بإحساس الفضيحة. والخلفية القريبة للفضيحة في الثقافة المغربية هي خلفية جنسية، وما دام الأمر يتعلق بالمرأة فقد تهيأت الأسباب لمثل هذه الانزلاقات.

وحسن النية والتعاون بروح وطنية غيورة يقتضيان وضع هذا التقرير في سياقه، فهو موجه للمنتظم الدولي ومقيد بمقامه، أي بتدبير العلاقة حفاظا للوجود، والآخر يهتم بمدى قدرتنا على التلاؤم مع مقتضيات القرارات الدولية، أما ملاءمتها مع مرجعياتنا الخاصة وتحفظاتنا فشأن داخلي. ولذلك لا يبدو أن في الأمر فضيحة، بل إن هناك خلطاً بين حوارنا الداخلي وتاكتيكنا الخارجي. وإلا فهل سيتحدث المنظم الدولي بدوره عن فضيحة، من الجهة الأخرى، حين يطلع على اجتهاداتنا في تطويع مقرراته لخصوصياتنا(؟) وإذا وضعنا واقع العراق والسودان وسوريا وليبيا وغيرها في الاعتبار جاز لنا بل وجب علينا أن نفكر في حفظ الذات أولا، خاصة وأن تدخلَ الخطة كان في حدود المسائل الخلافية، بل في تلك القضايا التي كانت خلافية قبل المؤتمرات الدولية بقرون. فأية سيكولوجية هذه التي تجد في هذه الإجراءات التدبيرية "فضيحة"؟ وقانا الله وإياكم من الفضائح الحقيقة التي وقع فيها "إخواننا" و "إخوانكم" في أفغانستان والجزائر. تلك الفضائح التي ارتكبت باسم الإسلام، وصارت، مع الأسف، "شاهدا" مرعبا يلقي الضوء على "غائب" أعداء المرأة: وما سيمارسونه فعلا عند التمكن من السلطة.

4. 2 ـ الكيد: الصيد في الماء العكر

نشرت الصحافة صورة متحجبات يحملن لافتة كتب عليها :

"نساند الملكية الدستورية النبوية الجذور، ونرفض الديمقراطية التي تروج لمقولة الملك يسود ولا يحكم". وقد كتب تحتها : "محتجبات إسلاميات يرفعن لافتة كتب عليها...". (الصحيفة عدد69 . ص4)

ترى من "جهَّز" هذه الجملة؟ من "حشد" المحجبات اللواتي "حُمِّلن" تلك اللافتة؟

لم تعلن جهة رسمية عن تبنيها لهذه اللافتة، ومع ذلك هناك مؤشرات: فقد نشرت جريدة التجديد كلاما من هذا القبيل(انظر التجديد 61 ص4 عمود4)، وسمع مثله من على المنابر في المناسبات الدينية (صلاة العيد بفاس مثلا). والغرض واحد: ضرب االتوافق مع حكومة يقودها يسار وطني ذو علاقة وطيدة مع الحركة العمالية والشبابية الأكثر استيعابا للقوى الحية الفاعلة، ويود هذا الخطاب التذكير ببعض الخطاب الذي لم يرق. واعتقد، وقد أكون مخطئا، أن مثل هذا السلوك الكيدي الميكيافيلي الرخيص بعيد عن شهامة المسلم، قريب من عمل جهات أخرى تضررت من التوافق، وهي مستعدة لتخريب كل شيء من أجل الحفاظ على مكتسباتها المهددة بأي إصلاح مهما كان بطيئا ومتسامحا. والتوافق الذي وقع لم يكن مجرد خيار بل كان ضرورة لا محيد عنها، بعدَ أن جرَّبَ كلُّ طرفٍ وسائله، ودخل المريض قاعة الإنعاش مُهدَّداً بالسكتة القلبية كما قال العارفون بظواهر الأمور وبواطنها.

ومما نشرته التجديد في تعليق على برنامج في الواجهة: "وإذا ما سايرنا السيد كاتب الدولة في منطقه فسنصل إلى نتيجة مؤداها أن جلالة الملك، الحسن الثاني رحمه الله كانت تعوزه، هو الآخر، "النورانية السعدية" لأنه كان يرجع لهؤلاء العلماء "الظلاميين" لاستفتائهم في أمور الدين بما في ذلك ما يتعلق بالأحوال الشخصية"[33].

سيتعب، بدون طائل، من يبحث عن مبرر لإقحام الملك الحسن الثاني في هذا السياق! فدعوة السيد كاتب الدولة إلى الاجتهاد وإبداء رأيه في الموضوع، وذكر اسمي عبد الهادي بوطالب ومحمد المرابط باعتبارهما فقيهين نظرا في موضوع الخطة إيجابيا  لا يمكن بحال أن يؤدي إلى الاستنتاج الذي وصل إليه الكاتب. وعبارات:  "تعوزه"، و"النورانية السعدية"، و "الظلاميين"، عبارات دون ما تقتضيه جدية الموضوع، وحرمة الأموات، وأمانة النقل، على الترتيب. ولا شك أن هذا الانزلاق يخرج الحوار من دائرة الممكن إلى متاهة العنف.

5 ـ تغييب المحتوى

عرض الشيخ الزمزمي أربع حالات يكون للمرأة فيها حق طلب الطلاق من زوجها، وهي الخلع "طلاق القاضي" و "طلاق الحَكَمَين"، و "تفويض الرجل حقه في الطلاق" للزوجة ثم قال: "وهكذا تكون أحوال الطلاق المشروعة لصالح المرأة أربعا، وتكون للرجل حالة واحدة فقط، هي التي يمارس فيها الطلاق بمحض إرادته واختياره. على أن الزوجين لا يلجأ كل منهما إلى الطلاق إلا كارها مضطرا إليه". (التجديد 59. ص21.هع5).

 اُستُعلمت كلمة "فقط" لدعم العدد "أربعة" في محاولة لشغل المتلقي عن الجوهر، إذ العبرة بالمحتوى لا بالأرقام. والجوهر مختلف: الرجل أعطي حق الطلاق "بمحض إرادته واختياره"، والمرأة أعطيت حق طلب الطلاق مع ترك التقدير والتقرير لغيرها. إذن فلا وجه لاستعمال الأرقام في الموازنة والمفاضلة بين المختلفات. والأمر هنا شبيه بالنكتة الشعبية في اقتسام بيضتين بين ثلاثة أشخاص حيث اقترح "أذكاهم": "خذوا واحدة لكل واحد، وأعطوني نصفا من كل واحدة فقط". وقد انفضح هذا النوع من المغالطة حتى انتقل إلى الرصيد الدعابي الذي يمازح به الأصدقاء أصدقاءهم. ولا يظنن القارئ أن هذه فلتة قلم، ففي المقال ما يدل على أن الكاتب أدار بناءه الحجاجي كلَّه على هذه المغالطة (بل الأغلوطة)، قال في التمهيد للحالات المتاحة للمرأة: "وللطلاق في الإسلام أربعة أحوال، ثلاثة منها لصالح المرأة، وواحدة للرجل، هي التي يملك فيه حق الاختيار". فالأساسي هنا هو لفظة "صالح"، التي يراد منها الإيحاء بأن ما أعطي للمرأة أقوى مما أعطي للرجل. فالميزان مائل لصالحها حسب "موازين" الشيخ الزمزمي، التي لا ترى أن الحرية توزن بميزان الذهب لا بميزان "الكرعة": "زايدْ ناقصْ". إن حرية المرأة أكثر جدية من هذه الألاعيب الصغيرة.

أما قول الشيخ بـِ "أن الزوجين لا يلجأ كل منهما إلى الطلاق إلا كارها مضطرا إليه" ففيه استخفاف بعقول أقل الناس معرفة بأحوالنا، بالاستهتار الذي يصدر عن بعض الأزواج رجالا ونساء. وفي المحاكم وعند الجمعيات المختصة من قصص الاستهتار والعدوان ما يخجل المرء من سماعه ليس في مجتمع إسلامي ولكن في بيئة إنسانية. وأنا متأكد أن الشيخ لو طلب إليه أن يخصصَ خُطبة للتعسف في استعمال الطلاق لاجتهد في البحث، ولوجد من الأمثلة ما يضيق عنه عشرات الخطب.

 فمن أين أتي هذا التعبير غير الدقيق؟

أتي من الخلط بين مقامين: مقام الواعظ الذي يتحدث عما ينبغي أن يكون، ومقام المحلل الذي يعتمد على ما هو كائن. فقد انزلق الشيخ من مقام المحلل للواقع الذي يُشرِّع له إلى واقع مثالي يستوحي المقصد الإسلامي، حيث أبغضُ الحلال إلى الله الطلاق. فغيابُ الحس النقدي، والتعودُ على مخاطبة جمهور مفروض فيه (أو عليه) ألا يرد كلامَ الخطيب جعل الشيخَ ينتقل من بُغض الله للطلاق إلى بُغض الإنسان له، وكأن الناس جميعا متقيدون بالهدي الإلهي، مبغضون لما يبغضه الله. والذي وقع فعلا هو أن الشيخ نسي مقام التحليل والفتوى الذي كان فيه وانتقل إلى الوعظ، وبعد أن وعظ قذف القاضي بما لا يليق.

6 ـ صرف النظر

يتستر "صرف النظر" وراء أقنعة متعددة، منها "خلط الأسباب" بالانتقال من مستوى إصلاح الأضرار الآنية إلى مستوى النظر الفلسفي، ومنها "خلط القضايا" كتعليق الجزء بالكل، أو بما يدعى أنه كل.

1 ـ عندما تقول لشخص (في مجال السياسة والإصلاح عامة): اِلعنِ الشيطان. فيقول لك: ومن خلق الشيطان؟ فقد قال لك: "لا أريد أن ألعن الشيطان"!

يمكن أن تسمع اليوم من يرفض محاسبة المفسدين المباشرين قبل الحفر في الجذور، لأن السُّلم درجات لا ندرى ـ كما قال السيد أمحند العنصر  في برنامج تلفزي  ـ عند أية درجة نقف؛ الثالثة أم الرابعة. والأمر شبيه بحال من يرفض إزالة الأشواك من الطريق قبل معرفة من تجرأ برميها هناك، وقد يظهر بمظهر الجدية والنجاعة خالطا بين المبدأ والإنقاذ. وقد تكون المسالة في جانبها العملي من باب "إذا عمت هانت"، أو "لن تعم أبدا". أما ملجؤها "الفلسفي"،  بالمعنى القدحي للفلسفة، فمن باب قوله تعالى: "لو شاء الله ما أشركنا نحن ولا آباؤنا ..". وقد استعمل بنو أمية مثلَ هذه الدعوى في صرف النظر عن مسؤوليتهم في الحكم، فكان رد المعتزلة بتأكيد مسؤولية الإنسان عن أفعاله.

2 ـ  ومن باب التشويش على العمل الواقعي التربوي المتدرج بالطَّرح الشمولي إيهاماً للتراهن بين إجراءين غير مترابطين عضويا ربطُ قضية رفع سن الزواج بقضية العنوسة في شريط السيد المقري، ومن يروج كلامه. والحال أن المسألتين مختلفتان اختلافا بينا، فالأولى تتعلق بمسؤولية المجتمع إزاء الطفل، أيِّ طفل، حيت المسؤولية عينية في حمايته (حتى من نفسه ومن أهله). ومن هنا جاءت إجبارية التعليم في المراحل الأولى في حين تتصل العنوسة، من حيث المبدأ، بإرادة  إنسان مسؤول، وتقف مسؤولية الدولة عند توفير الظروف المادية والثقافية. وهذا العمل لا يتعارض مع حماية الطفل وتأهيله، ويمكن محاسبة الدولة فيه دون تعمد المساس بجهدها في الأول.

ومن ذلك الحديث عن تنمية الرجل يقال: "هل نميتم الرجل؟"  والحال أن رفع الحيف الذي يميز حال المرأة لا يتنافى مع التنمية الشمولية.

 

ما الأسبق؟

قد يتعلق الأمر بترابط بين عاملين ترابطا عضويا فيُشوَّش على أحدهما بالإلحاح على أسبقية الآخر مع تجاهل كون أحدهما منتجا للأخر داعما له. بل قد يعدو التشويش ذلك إلى قطف الثمرة قبل تأبير الشجرة، أو شم رائحة الوردة قبل غرسها. من ذلك في نظري قول السيد حسن ناصح (وهو مثال جيد يسمح برفع النقاش إلى مستوى مفيد):

"إن إصلاح أوضاع المرأة والأسرة بمجرد تغيير القوانين كائنا ما كانت وجهة هذا التغيير وهْمٌ كبير، ذلك أن الأمر يحتاج أولا إلى تغيير عميق في النفوس... فما أهمية قانون لا يسنده وازع ذاتي في النفوس؟.."

"إن القانون لا يصنع الرحمة والحب، والمرأة تريد أن يحترمها زوجها تلقائيا، لا تحت طائلة القانون. الإصلاح الحقيقي يتعلق في عمقه بالعقليات والنفوس، بالتربية والتهذيب، والتصورات والقيم، أما الإصلاح التشريعي فثان وتابع ونابع من الأول، فالقانون في الغالب حل للمنازعات، والنزاع ليس أصلا في فلسفة الأسرة، ولكنه حدث طارئ فحسب"[34].

اعتبرت هذه الفقرة مجرد صرف للنظر وتهوين للخطة نظرا لأن المقال الذي جاءت فيه ذو نفس عالٍ، ومواجهة حية للموضوع. فهو ينتمي إلى النقد الذاتي البناء بقطع النظر عن عنوانه الذي لا يخلو من إثارة إعلامية. ولو كثر مثله من الطرفين لَرُدم أكثر الهوة الفاصلة بينهما.

فأين إذن يكمن الخلل في هذا الرأي بالقدر الذي يجعلهُ مجرد إجراء لصرف النظر عن هذه الخطة التي يبررها مقال الكاتب ضمنيا:

1) الخطة صدرت لمعالجة وضعية قائمة في بيئة إسلامية يعمل فيها أكثر من عشرين ألف خطيب واعظ، استعصى عليهم الأمر. وهذا يدل على وجود عصاب.

2) الأخلاق والقيم المثلى سابقة فعلا على التقنين، نعم: سابقة في علم الله ومقاصد دينه، وفي تصور الأنبياء ونظر الفلاسفة وحدس المصلحين، ولكن الخطة غير موجهة لهؤلاء، بل هي موجهة لتقويم الاعوجاج في إطار تنظيم شامل، موجهة إلى فئة تحتاج إلى من يترجم لها النظر إلى الحس. ومع تقويم الاعوجاج وضع أسس وقائية.

3) وبناء عليه لا ضرورة لصرف القانون إلى معنى الزجر وحل المنازعات، ولو "في الغالب". الأجدر بنا أن نعتبر القانون إجراء وقائيا يجنبنا الوقوع في الإِضرار بالآخرين، حتى "يحيا من حَيِيَ عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة", "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"(قرآن كريم).

4) صحيح أن "فلسفة الأسرة" غير مبنية على النزاع، ولكن: أين الواقع الذي تعالجه الخطة من فلسفة الأسرة؟

ولم تكن الخطة لتثير كل رد الفعل الذي أثارته لو لم يتأكد خصومها من أنها وصفة من الأخلاق وضعت في صيغة عملية اِسمها القوانين والمراسيم تسهيلا لتداولها والتمكين من مراقبة تطبيقها. وهي أخلاق تقابل أخلاقا أخرى تدافع عن نفسها بتضخيم الخصم حينا والتهوين من شأنه حينا حسب المقام.

 



[1] ـ خطبة اللشيخ عبد الباري الزمزمي ليلة المسيرة النسائية بالدار البيضاء. التجديد. 60 ص5.عم3.

[2]  ـ  التجديد ع54. ص5 عمود5.

[3] ـ المستقل عدد 298 ص9.

[4]  ـ الصحيفة.ع 69. ص 6.

[5]  رسالة إلى الوزير الأول. التجديد. ع67. ص4.

[6]  ـ ذ. أبو زيد الإدريسي. شريط مسجل.

[7] ـ التجديد.ع67 .ص 5.

[8]  ـ نقله في التجديد. ع 59. ص 15. عم. 3.

[9]  ـ الصحيفة .ع 68. ص5.

[10]  ـ  انظر مقال الأستاذ إدريس حمادي حول الولاية (في الاتحاد الاشتراكي..) ومقال  محمد الهبطي المواهبي. (في الاتحاد الاشتراكي 15/4/00).

[11]  ـ  حمو النقاري 484. وأحال على: Arnold Gunther> “A Set of Concepts for the Study  of  Dialogic) Argumentition . p. 186-17-87.)

[12]  ـ التجديد. ع59. ص 13. عم5.

[13] ـ وقد عالج مجمل القضايا التي أثارتها الخطة في مقالة مفصلة نشرت تحت عنوان: "الخطة الوطنية لإدماج المرأة  في التنمية، موقعها من الدعوة إلى تحرير المرأة في الشريعة الإسلامية".(الاتحاد الاشتراكي الأعداد: 17،18،19/05/2000) وله عدة مؤلفات في الأصول.

[14]  ـ الاتحاد الاشتراكي 26/2/00.

[15]  ـ  الاتحاد الاشتراكي 22/4/2000 والتأكيد منا.

[16] ـ من الباحثين الذين تناولوا الموضوع تحت يافطة السوسيولوجيا، في مقالات وحوارات عديدة مكرورة المحتوى واللفظ، الأستاذ عبد الصمد الديالمي. وقد شوش أفكاره في الموضوع بإقحام ذاته (ضحية القضية)، وعبر في كثير من الأحيان عن أفكار مستفزة بالمعنى المجاني للاستفزاز. نشير إلى: قصة التهديد بالاغتيال في اليمن، والتفاخر المكشوف بالجنسية الفرنسية، والحديث عن العاملة الجنسية...).ولذلك اعتقد أن تدخله في الموضوع يدفع المسألة خارح الحوار البناء، كما يفعل الآخرون في الضفة الأخرى. هذا ما بدا لي والله أعلم بما يصفون.

[17]  ـ المستقل. ع 298 . ص 10 . عم 1.

[18]  ـ الاتحاد الاشتراكي 26/3/00.

[19]  ـ نفسه. ص4. عم1.

[20] ـ  جريدة “المنظمة" . 18-19/3/00. وتناول الباحث قضايا أخرى مما اعتُرِضَ عليه في الأعداد 22،23،24،25،/2/00.

[21]  ـ نفسه. ص19.

[22]  ـ

[23]  ـ البيان والتبيين 2/ 287،289، 290.

[24]  ـ  الريفي هشام. أهم نظريات.55.

[25]  ـ  نفسه . 75.

[26] ـ انظر مَثلا حوارا مع السيد المصطفى المعتصم في جريدة الأحداث المغربية  16ـ17/10/99.

[27] ـ   نقلته الأسبوع الصحفي عدد يوم 10/3/\00 عن جريدة "الفتوة.

[28]  ـ  الصحيفة. ع 75 . ص21 . عم3.

[29] ـ لم أسرد لائحة أطولَ سدّاً لباب الخلاف، بل لم أرد أن أذكر في متن هذا المقال كيف أن الشيخ القرضاوي الذي "استعدَوه" على الخطة  واستشهد به الشيخ الزمزمي في خطبة قصيرة له ليلة المسيرة النسوية  (التجديد 60 ص5 عم3).قد خذلهم في الجوهر حيث قبل الكثير من القضايا التي اعترضوا عليها واعتبروها قطعية ومنها الخلع والاقتسام ورفع سن الزواج...الخ. ولكن يبدو أن الشيخ الزمزمي يتذكر ما يحلو له وينسى ما يود نسيانه، وهذه لعمري صفة تجافي شروط الإفتاء الذي تصدى له، وإن كان من الإنصاف أن يعترف له  المرء ببعض الإشراقات التي يُظهر بها التسامح في الاتجاه الذي يراه، ومنها اعتبار الاستمناء أو العادة السرية مما "يستعان به على الاستقامة واجتناب الحرام".(التجديد 66 ص16 عمود 3). فلا على الشباب من جلد عميرة. و ليست هذه الفتوى أكثر تفهما للعصر من إفتائه باعتبار ركوب المرأة في الطاكسي خلوة محرمة. (الجديد). فاعتبروا يا أولي الأبصار.

[30]  ـ  (الصحيفة 68 ص5 عمود4).

[31]  ـ  الصحيفة ع69. ص6. وانظر البينات المؤيدة في التجديد عدد54.

[32]  ـ  الصحيفة 68 . ص5. ع4.

[33] ـ التجديد 61. ص4. عم 5. أتناول هذا المثال في حدود مسؤولية المنبر الذي نشر، وليس لي أي تعليق أو تقويم للكاتب.ومرد ذلك إلى أن الجريدة تكتب في أسفل صفحتها الأولى هذه العبارة: "تحتوي هذه الصحيفة على آيات قرآنية كريمة، وعلى أسماء الله تعالى الحسنى، فالمرجو صيانة  صفحاتها عن أي امتهان"(؟)

[34]  ـ  التجديد ع61. ص8. عم 3.

1