شرح أبيات موشح ابن سهل
الرقم في أعلى الصفحة
البيت الأول
[ص 153]
قال إبراهيمُ بنُ سهلٍ[1]:
هَلْ دَرَى ظَبْيُ الْحِمَى أَنْ قَدْ
حَمَى
قَلْبَ صَبٍّ حَلَّهُ
عَـنْ مَكْـنسِ
اللـغــة.
دَرَى: علِمَ. قال
الجَوْهَري[2]:
"دَرَيْتُهُ وَدَرَيْتُ بِهِ دَرْياً وَدَرْيَةً وَدِرَايَةً، أيْ عَلِمْتُ
بِهِ، وأدريتهُ: أعْلَمْتُهُ".
و الظَّبْيُ: الغزالُ، والجمعُ ظِباءٌ وظبياتٌ وظُبِيٌّ،
والأُنثى ظَبْيَةٌ، قال ابنُ سيدةَ[3]:
وذكرَ الكمالُ الدَّميرِي[4]
أن الظباءَ أصنافٌ ثلاثةٌ: الآرامُ، وهي بيضٌ خالصةُ البياضِ، مساكنُها الرمالُ،
ويُقالُ إنها ضَأنُ الظباءِ لأنها أكثر لحوماً وشحوماً. والعُفْرُ وهي مُحمرَّة
اللونِ، قِصـارُ الأعنــاقِ، أَضعفُ الظبـاءِ عَــدواً، تألـفُ الأماكـنَ
المُرتفعـةَ، والمواضـعَ الصلبـةَ. قـــال الكميتُ:
وَكُنَّـــا إذا جَـبَّـارُ قَــوْمٍ أَرَادَنَــا[5]
بِكَيـْــدٍ، حَمَلْنَــاهُ عَلَــى رَأْسِ أعْفَــرَا
وكانتِ الأسِنَّة فيما مضى من القرون. وَ الأُدْمُ،
وهي طوالُ الأعناقِ والقوائمِ، بيضُ البطونِ، انتهى.
[ص 154]
قلتُ: ما ذكرَهُ في العُفرِ مُخالِفٌ لقول القاموس:
"الأعْفَرُ مِنَ الظَّباءِ ما تَعْلُو بَياضَهُ حُمرَةٌ، أوِ الذي في
سَرَاتِهِ حُمْرَة"[6].
فتأملْ.
فائـــــدة
رأيتُ
في حِليةِ المحاضرةِ للرئيسِ أبي علي بنِ المظفرِ الحاتمي[7]،
أنَّ امرأَ القيسِ أولُ من شبَّه النساءَ بالظباءِ والأرامِ والمَهَى والبيضِ،
وشبَّه الخيلَ بالعِقبانِ والعصَا، وفرَّق بينَ النسيبِ وما سِواه، وأجاد في
الاستعارةِ والتشبيهِ، وتبعَه الناسُ، انتهى. ونقلَ هذا أيضاً الشريفُ الغَرناطي
في شرحِ الحازميةِ[8] حَكَاهُ عن
الأصمَعي[9].
والحِمى
بالقصرِ، ويُمَدُّ: ما حُمي من شيءٍ. وأحمى المكانَ: جعله حِمًى لا يقربُ، وكانتِ
المُـلوكُ تحمي موضعاً فلا يدخـلُه أحدٌ. وأولُ من فعلَـه، كمـا قال العسكري[10]،
النُّعمان ابن المنذرِ ملكُ الحيرةِ. وحَمِيَ الشيءُ كرَضِيَ أحْمَاهُ: اشْتَدَّ
حرُّهُ، وسَخّنَهُ، حَمْياً وَحُمَيّاً، وحَمَى، وصَريح القاموس[11]
أن حَميَ من باب (فَعِلَ) بكسرِ العينِ، لا (فَعَلَ) كما في البيتِ، وسيأتي تمامُ
القول في ذلك.
والقلبُ: الفؤادُ، أَو أَخَصُّ مِنْهُ. والصّبُّ: من صَبِبَ، كَقَنِعَ، يَصَبُّ
صَبَابَةً، وهي الشوقُ أو رقَّتُه أو رقةُ الهوى. وحلَّ المكانَ وبِهِ: نَزَلَ.
[ص 155]
والكِناسُ:
اسمُ مكانٍ، من كَنَسَ الظَّبْيُ يَكْنَسُ: دخَل في كِناسِه، وهو مُستترُه في
الشَّجَرِ، لأنهُ يَكْنِس الرملَ حتى يصلَ. ومنه "الجواري الكُنَّس"[12]،
أي الخُنَّسُ، لأنها تَكْنِسُ في المغيبِ كالظباءِ في الكُنُس.
المعنـــــــــى
هَل
علَم محبوبي الذي هو كالغزالة في حُسن الخِلقةِ، وكمالِ الرَّوْنقِ، وجمالِ
المُحيا، بما فعَلَ بقلبي الذي أحرقَه بتجَنِّيهِ عَلَي، وأضرمَه ناراً تلظَّى،
وهوَ مع ذلك اتخذَه مسكناً وجعلَه له قراراً؟ وهذا استفهامٌ على أصلِه من طلبِ
حُصولِ العلمِ، أو على سبيلِ التوبيخِ، قصدّ به إنكارَ فعلِه عليهِ، وتقبيحَه
لديهِ ليُقلعَ عمَّا هو عليهِ، ويرجعَ إلى الوصالِ. وإيضاحُ محلِّ الإنكارِ منهُ
أنهُ لما ألِفَ فؤادَه، وصيَّرَه مِهادَه، فاللاَّئقُ له أن يُقصِر من إحمائِه،
لأنه مسكنُه، ويُبردَ حرارتَه بوصلِه لنزولِه فيهِ، كما قال الشاعرُ:
يَـا مُـحْـرِقـاً
بِالـنَّـارِ وَجْـهَ مُـحِـبِّــهِ
مَـهْـلاً فَـإنَّ مَـدَامِـعِـي تُـطْــفِــيــهِ
أَحْـرِقْ بِهــا جَســَدِي
وَكُــلَّ جَوَارِحـــي،
وَاحـــْذَرْ عَلـى قَـلْـبِــي لأنَّـــكَ فِــيــهِ
وللبيتِ حكايةٌ مساقُها من مراتعِ الغزلان
للشِّمس النواجي[13]، أنَّ مُجيرَ
الدينِ الخَيَّاطَ الدِّمشقي كان يتعشَّقُ غُلاماً تُركياً، فسكِر في بعضِ
الليالي، وخرجَ فوقعَ في الطريقِ، فمرَّ به محبوبُه فرآهُ مطروحاً فعرفَه، ونزلَ
على فرسِه، وأَوْقدَ شمعةً وأقعدَه ومسحَ وجهَه، فنقطتِ الشُّمعةُ على خدِّه،
وأَحَسَّ بالحرارةِ ففتحَ عينيهِ فرأَى محبوبَه على رأسِه، فاستيقظَ من سكرتِه،
وأَنشدَ في الحالِ، البيتينِ، انتهى. وأَنه لا يَحسنُ أن يُجازيهُ، وهو يَدينُ
بحبِّه ويُقاسي من لواعجِ هواهُ ما [ص 156]
يقاسي،
بإحراقِ أحشائِه، وتأجيجِها ناراً، فإنَّ هذا فعلُ العدوِّ بالعدوِّ.
وقدْ أفصحَ بهذا المَعنى المظفرُ بنُ عُمر
الآمدي في قولِه[14]:
قُـلْ لِلَّذِيـنَ
جَفَوْنِـي إذْ كَـلِـفْـتُ بِــهِــمْ
دُونَ الأَنَـامِ، وخَيْــرُ القَـوْلِ أَصْدَقُــهُ:
أُحِبُّكُــمْ،
وَتَلافِـي فــي
مَحَـبَّــتِـكُــمْ،
كَعَابِـدِ النَّـارِ يَهْوَاهَــا وَهِــيَ تُحْرِقُـــهُ
وقال آخر[15]:
أَأَحْبَابَنـا، لِم[16]
تَجْرَحـُونَ بِهَجـْرِكُـمْ
فُـؤَاداً يَبِيـتُ الدَّهْـرَ بالهَـمِّ مُكْمَـدَا؟
إذا رُمْتُـمْ
قَـتْـلِـي، وَأَنْتُـمْ أَحِـبَّـتِـي،
فمـاذا الذي اَخْشَـى إذا كُنْتُـمْ
عِـدَا؟
وفائدةُ
الاستفهامِ أنه إنْ حصَلَ عندَه علمٌ بما فعَلَ بالعاشقِ المُستهامِ، ورَضِيَ
بهِ، فإنَّ العاشقَ يتروَّحُ
برضَاهُ، ويصبرُ على ما انطوَى عليهِ كبدُه، لأنهُ قضاهُ، ويقول:
فَمـا لِجُـرحٍ إذا
أَرْضَاكُـــم ألَــــــمُ[17].
وإنْ
لم يرضَ بما يَتَجَرَّعُ حصَلَ المقصودُ، وعجَّل بالوِصالِ وأسرعَ، وإنْ لم يكنْ
له علمٌ بذلك ازدادَ العاشقُ عذاباً، وفتحَ للأسقامِ والأوجاعِ باباً. وهذا أصعبُ
شيءٍ، فإنَّ الحبيبَ لو كانَ لديه علمٌ ببعضِ الحالِ، ربما رجَا عَودَه، وحيثُ
كانَ خاليَ الذهنِ ممَّا اعتراهُ، كان دَمُهُ هدراً.
[ص 157]
المعانــــــــي
نُكتةُ
إضافةِ الظبيِ للحِمى التنويهُ بأمرِهِ، وتعظيمُ قدرِه لأنَّ ظباءَ الأحميةِ أجملُ
منْ ظباءِ سِواها، لما هي عليهِ من الأمنِ في سِربها، وسكونِ بَالِها من غِليةِ
غائلٍ ومكيدةِ صائدٍ، وطيبِ مكانِها ونَضارةِ أَدواحِها، وهذه كلُّها أمورٌ موجبةٌ
لنعومةِ البَدنِ، فلا جَرَمَ كانتْ ظِباءُ الأحمِيَةِ أبْهى من غيرِها. وفي
المَثلِ" آمَنُ مِنْ ظَبْيِ الحَرَمِ"[18].
فإنْ قلتَ: "أل" في
"الحمى" جنسيةٌ أو عهديةٌ؟ قلتُ: عَهديةٌ، أرادَ به المكانَ الذي ثَوى
بهم محبوبه كما يقالُ: ظَبْيُ الحِمى، ويرادُ به ساكِنُ سَلْعٍ[19]
أو غيرُه، وذلك على حسبِ القائلِ، والمقولِ فيهِ.
البيـــــــان
ظَبْيُ
الحِمَى، هو من بابِ الاستعارةِ التصريحيةِ، وضابطُها عند الـسـكـاكـي "أنْ
يكونَ الطرفُ المذكورُ من طرفي التشبيهِ هو المُشبهُ به[20]".
فاستعارَ الظبيَ للمحبوبِ بجامعِ الجمالِ الذاتي، والحسنِ الخُلقي، فحذفَ
المشبَّهَ وأثبتَ لفظَ المستعارِ تشبيهاً بليغاً. ورشَّح بذكرِ الكِناسِ.
والترشيحُ، أن يُذكرَ ما يلائمُ المستعارَ منهُ. والقرينةُ لهذه الاستعارةِ قولُه:
"هَلْ دَرَى"؟ كما لا يخفى. والتعبيرُ عمَّا يجدُه الوالهُ في رَوْعهِ
من الوِجدِ بالحميةِ مجازٌ في المُسندِ، ولكونِه مجازاً عقلياً اغْتنى عنِ
التصريحِ معهُ بقَرينة. وكذلك التعبيرُ عن انتقاشِه في مرآةِ العقلِ، وتَخييلِ
الذِّهنِ لصورتِه، وارتسامِه فيهِ، بالحلولِ مجازٌ كالسَّالِفِ. ونسبةُ الحمايةِ
لهُ مجازٌ أيضاً. إلاَّ إنْ حُمِلَ على أنهُ السببُ فيها حقيقةٌ. وهذه الألفاظُ
صارتْ عند الشعراءِ حقائقَ عُرفيةً، وإنْ كانتْ في الأصلِ مجازاً. قال الصلاحُ
الصَّفدي: لكثرةِ دورانها في [ص 158] كلامِهم وتعاطيهم استعمالَها، فألفوا ذلك من تداولها على
مسامِعهم، كالوردِ إذا أطلقوهُ، فهمُوا منهُ الوجنةَ. والكَتيبُ الرِّدْفُ،
والريحانُ العذارُ، والراحُ الرِّيقُ، إلى غيرِ ذلكَ. والشِّعرُ إنما يُستطابُ
بهذه اللَّطائفِ، ويستطرفُ لأمثال هذه المجازاتِ. فلولا أنهُ جعلَ سُكنى الحبيبِ
في خاطرِه، وأن قلبَه ممتلئٌ ناراً وهو ساكنُه، ما هَزَّ للبراعةِ عِطْفاً، ولا
هَصَر من غُصنِ البلاغةِ قِطْفاً. وعلى قدرِ التفاوتِ في التخيلاتِ تتفاوتُ رُتبُ
الكلامِ. وقد بالغَ الشعراءُ في احتراقِ الجوانحِ والتهابِها، حتى إن أنفاسه[21]
تُحرقُ ما سامتَها[22].
وما أحسنَ قولَ ابن إسرائيلَ في مليحٍ بوجْهِه كَيٌّ:
لاَ تَحْسِبُوا الكَيَّ عَلـى
زَنْــدِهِ
أَثَّرَهَا[23]
النَّارُ بِقِـرْطَـاسِــهِ
وَإنَّـمَـا
قَبَّلَـهَـا عَــاشِــقٌ،
فَـاحْتَرَقَـتْ مِـنْ حَــرِّ أَنْفَاسِـهِ
وألطفُ
ما ذكرَهُ النواجي[24]
في مراتِعِه، أنَّ أديباً بإفريقيةَ كان يَهوَى غُلاماً، وهو كثيرُ الإعراضِ،
فسَكِر ذات ليلةٍ، فَخَطَر ببالِه أن يأخُذَ قَبساً يحرقُ به دارَ الغلامِ، فقامَ
وفعلَ. فاتفقَ أن رآهُ بعضُ الجيرانِ، فأطفأَ النارَ، وأعلمَ القاضي بالأديبِ.
فأمرَ بهِ، فاُحضرَ بينَ يديْهِ وقال: لأيِّ شيءٍ أحرقتَ بابَ الغُلامِ؟ فأنشأَ
الأديبُ يقولُ:
لَمَّـا تَـمَـادَى على
بِـعَــادِي،
وَأَضْـرَمَ النَّـارَ في فُــؤَادِي
وَلَـمْ أَجِـدْ مِـنْ هَـواهُ بُــدّاً،
وَلاَ مُعِيـنـاً عَلَى الـسُّـهَـادِ
حَمَـلْـتُ نَفْسِي عَلَى
وُقُوفِـي
بِـبَـابِهِ حَمـْلَـةَ الجَــوَادِ
فَطَارَ مِنْ بَعْضِ نَارِ
قَـلْـبِي
أَكْثَرُ في الوَصْفِ مِنْ زِنَادِ
[ص 159]
فاحتــرقَ البَـابُ دُونُ
عِـلْمِـي
وَلَـمْ يَكُـنْ ذَاكَ مِـنْ مُــرَادِي
وما أحلى قولَ ابنِ سرا يا الحلِّي[25]:
لاَ غَرْوَ أَنْ يُصْـلَى
الفُـؤَادُ بِحُبِّكـمْ
ناراً، تُؤَجِّـجُهـا يَـدُ التِّــذْكَـــارِ
قَلْبِـي إّذَا غِبْتُـمْ
يُصَـــوِّرُ شَخْصَكُـــمْ
فيـهِ، وَكُـلُّ مُـصَــوِّرٍ فـي النّـــارِ
البديـــــــع
فيه الجناسُ بين الحِمى وحَمَى. وهو قسمان مُركبٌ ومُطلقٌ[26].
والواقعُ في البيت الثاني. وهو أنواعٌ، منها التام، ومنه التركيبُ. وقد اختلفتْ
عباراتُهم في التامِ، فمنهُم من يُسَمِّيه بالمُتماثِل، ومنهُم من يُسميه
المُستوفىَ. قال الأستاذُ أبو محمد بنُ أبي القاسمِ الثعالبي، في أنوار التَّجلي
على ما تضمنتْه بديعيةُ الحلي ما نصُّه[27]:
الجناسُ المتماثلُ على قِسمينِ، قسمٌ اتحدتِ الكلماتُ فيهِ بالاسميةِ والفِعليةِ،
وقسمٌ اختلفتْ. فمن الأولِ قولُه تعالى: "وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ
يُقْسِمُ المُجْرِمُونَ: ما لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ"[28].
قال الصَّفيُّ الحِلي: لمْ يقعْ في القرآنِ إلاَّ هُنا. ومنهُ قولُ شيخِنا الإمامِ
مِنْديلِ ابنِ الأُستاذِ آجَرُّومِ[29]:
[ص 160]
يَـا غَائِباً سَلَبَتْـنِـي
الأُنْـسَ طَـلْـعَـتُهُ،
كَيْفَ
اصْطِبَـاري وَقَدْ كَابَدْتُ بَيْنَهُمَــا؟
دَعْـوَاكَ أَنكَ فـي قَـلْبِـي،
يُـعارِضُــهـا
شَوْقِي إِلَيْكَ، فَكَيْــفَ الجَمْـعُ بَـيْـنـَهُـمَـا؟
ومـــنــــه[30]:
وَسَمَّيْتُــهُ يَحْيَـــى لِيَحْيَـــا،
فَلـــمْ يَكُــــنْ
إلى رَدِّ أَمْــرِ اللَّــــــهِ فِيـــــهِ سَـبِـيـــلُ
ومِــــنـــــه[31]:
إنْ هَزَّ أَقْلاَمَهُ
يَوْماً لِيُعْمِلَـهــا،
أَنْسَاكَ كُلَّ كَمِيٍ هَزَّ عَامِـلَــــهُ
وَإنْ أَقَـرَّ عَلـى رَقٍّ
أَنَـامِــلَـــهُ،
أَقَـرَّ بِالـرِّقِّ كُـتَّــابُ الأَنَـامِ لَـــهُ
ومن الثانيس قوله[32]:
أُوَارِي أُوَارِي،
والدُّمُوعُ تُـبِـيـنُـهُ،
وَمَنْ يَقْوَ إطْفَاءَ اللَّهِيبِ وَقَــدْ وَقَــدْ
فَمَا تَعـْذِرُوا مَنْ بَاتَ يَبْكِـي
حَبِيـبَــهُ،
وَمَـنْ فَقَـدَ الأَحْبَابَ مِثْلِـي فَقَـدْ فَـقَـدْ
[ص 161]
وفي
البيتِ التشبيهُ كما بيناهُ. وقدِ اخْتلفَتْ عباراتُهم فيهِ. فمن قائلٍ: هوَ
العقْدُ على أنَّ أحدَ أمرينِ سدَّ مَسَدَّ الآخرِ، ومن قائلٍ صفةُ الشيءِ بما
شاكلَه من جهاتٍ أو جهةٍ، لا من جميعِ الجهاتِ، وإلا كانَ إياهُ.(وله نُكتٌ كثيرةٌ
أعرضنا عنها خوفَ السآمةِ). وفيه المساواةُ. وهي، كما قال التّيفاشي، التوسطُ بين
الإيجازِ والإسهابِ. وعرَّفها قُدامةُ مُخترعُها[33]
بأن يكونَ اللَّفظُ مُساوياً للمعنى حتى لايزيدَ ولا ينقصَ. ولا يعسرُ إيضاحها في
البيتِ. وفيهِ الاحتراسُ بقولِه: عَنْ مَكْنِسِ. قال في المِصباحِ[34]:
وهو أن يأتيَ المتكلمُ بالمدحِ أو غيرِه بكلامٍ فيراهُ مَدْخولاً بعيبٍ، فيُردِفُه
بما يصونُه. وذلك أنهُ لو اقتصرَ على "حَلَّهُ " فرُبما تُوُهِّم أنه
لهُ كناسٌ غيرُه، فدفعَهُ بِهِ.فإن قلتَ: مارَفَعَ به الإبهامَ غيرُ رافعٍ لهُ، بل
هو معهُ باقٍ. قلتُ: وَجْهُ الرفعِ
أنَّ "عَنْ" لِلبدلِ. والمُرادُ أنه استوطنهُ بدلاً عن كناسِه. ومنْ
عادةِ الظَّبيِ أنهُ إن تركَ ظِله لا يرجعُ إليه أبداً. وفي المثل: "تَرَكَهُ
تَرْكَ الظَّبْيِ لِظِلِّهِ". أيْ ما يَستظِلُّ بهِ من الحرِّ. فلوْلا ما
زادَه احتَملَ حلولَه فيهِ مع غيرهِ ممَّا لاَ يليقُ بالمقامِ.
الإعـــــــراب
هَلْ: كلمةُ استفهامٍ، موضوعةٌ لطلبِ التصديقِ
فحسب. وهي بسيطةٌ ومركبةٌ. فإن قلتَ: ومن أيِّهما الواقعةُ في البيتِ؟ قلتُ: ضابطُ
البساطةِ الذي هو طلبُ وجودِ شيءٍ أولاَ وجودِه ينطبقُ عليها، فهي منهُ. وينْحلُّ
التركيبُ إلى قولنا: هل علِمَ أمْ لمْ يعْلمْ ودَرَى: فعلٌ ماضٍ يُفيدُ في الخبرِ يقيناً، فينصبُ الجزأينِ.
والأكثرُ فيه أن يتعدَّى بالباءِ. ويُحتملُ أن يكونَ هنا من الأكثرِ، فحذفتِ
الباءُ، لأنه يطَّرد مع (أنْ). ويُحتمل أن لا، فيكونُ على الكثيرِ. ومُرادَه
بالعلمِ المَعنى الأخصُّ، مُقابلَ الظَّنِّ وما تحتَه. و ظَبْيُ الحِمَى: فاعلٌ، ومضاف إليه. و أنْ: مخففةٌ من الثقيلةِ[35].
اسمُها: ضميرٌ فيها. وقَدْ وما
دخلتْ عليه: خبرُها.وجملةُ (أن)وخبرُها [ص 155]
سادَّةُ
مَسَدَّ الجُزأينِ لِـ(دَرَى)، نحوُ علمتُ أن زيداً قائمٌ. وللِرَّضِي في شرحِ
الحاجبيةِ قَيْدُ كلامٍ لم يَحضرْني الآن، فراجعْه[36].
وقد
تقدَّم في تفسيرِ المفرَداتِ أن "حَمِيَ" من بابِ رَضِيَ، وهو في
البيتِ على (فَعَلَ) بالفتحِ. والجوابُ عنهُ، أن (فَعِلَ) في لغةِ طيءٍ تبدلُ
الكسرةُ فيه فتحةً والياءُ ألفاً، فتقولُ في خَفِيَ: خَفَى، وفي رَضِيَ: رَضَى.
قال في التَّسهيلِ: وفَتْحُ ما قبلَ الياءِ الكائنةِ لاماً مكسوراً ما قبلها
وجعلُه ألفاً لغةُ طَيءٍ. وقالَ في الكافيةِ:
والكَسْـرَ فَتْحـــاً رُدَّ
واليَــا ألِفَـــــا
لِطَيِّءٍ كَخَفِـــــيَ اُرْدْدْهُ خَفَـــــــى
وارتكبَه لمناسبةِ (دَرَى ).
[ص 163]
البيت
الثاني
فَهْوَ فِي حَرٍّ وَخَفـْقٍ مِـثْـلَــمَـــا
لَعِبَتْ رِيــحُ الصَّبَـــا بالقَبَــــسِ
اللـغــــــة
الحَرُّ: ضِدُّ البردِ، كالحُرور بالضمِ والحرارةِ، والحَرورُ
بالفتح: النارُ، و[حرارة[37]]
الشمسِ، والحرُّ الدائمُ، والريحُ الحارةُ بالليلِ، وقد يكونُ بالنهارِ، كذا في
القاموسِ. زادَ العُزيزي في الغريبِ: والسَّمومُ: عكسُ الحَرورِ، تكونُ بالنهارِ
وتكونُ بالليلِ. والخَفْقُ: الاضطرابُ، يقالُ: خَفَقَتِ الرايةُ تخْفِقُ
خفْقاً وخَفقاناً مُحرَّكةً: اضطربتْ وتحركتْ. وتحريكُ الفاءِ وقعَ لرؤبةَ ضرورةً[38].
واللَّعبُ: ضد الجدِّ، ولَعِبُ الريحِ بالغصونِ: عبارةٌ عن إمالتِها إياها.
والرِّيحُ: معروفٌ، جمعُه أرواحٌ وأرياحٌ ورِياحٌ. وقال الحَريري في دُرة
الغواصِ: إنَّ جمْعَه بالياءِ لحن[39]،
وذلك لأنَّ المفردَ، وهو الريحُ، أصلُه رِوْحٌ لاشتقاقه منهُ[40]،
فوقعتِ الواوُ ساكنةً إثرَ كسرةٍ، فقُلبتْ ياءً. فكذا في الجمعِ[41]،
بخلافِ أرواحٍ في رِوْحٍ فلا وَجْهَ
للقلبِ لسُكونِ ما قبلَها. قال ذو الرُّمة[42]:
إذا هَبَّـتِ الأرْوّاحُ
مِنْ نَحْـوِ جَانِـبٍ
بِهِ أَهْلُ مَيٍّ، هَـاجَ قَلْبـِي هُبُوبُهـــا
هَـوًى تَـذْرِفُ العَيْنَـانِ
مِنْـهُ، وَإنَّمَــا
هَـوَى كُلِّ نَفْسٍ حَيْـثُ حَـلَّ حَبِيبُهَــا
[ص 164]
وقد
رُدَّ ما ذكرهُ الحريري بأنَّ الأرياحَ[43]
ليسَ بلحنٍ كما زعمَ، بل هو مسموعٌ، قالَ في شرحِ الكافيةِ: رُبما أبدلتِ الواوُ
ياءً لدفعِ اللَّبسِ[44]،
كأرياحٍ في جمع ريحٍ لئلا يَلتبِس بجمعِ رُوحٍ، والقياسُ أرواحٌ وهوالأفصحُ،
انتهى. وقال الجَـ[ـعـ]ـبري: الريحُ: الهواءُ المتحركُ، وهي مؤنثةٌ وأصلُها الواوُ
لرُوَيْحَةٍ[45]، قُلبت
الواوُ لسكونها وانكسارِ ما قبلَها، وفي الجمعِ لانكسارِ ما قبلها. واقتُصرَ على
فِعالٍ لئلاَّ يَلبسَ أفعالٌ، انتهى. ونحوُه للصّفاقسِي.
والصَّبا
رِيحٌ مَهبُّها من مَطلعِ الثُّريَّا إلى بناتِ نعشِ[46].
وتُثنَّى: صَبَوَانِ وصَبَيانِ. والجَمْعُ: أصْبٍ وصَبَواتٌ. وصَبَتْ: هَبَّتْ[47].
قلتُ: رأيتُ في تاريخِ أبي مروانَ عبدِ الملكِ بنَ الكردَبوسِ المُسمى بالاكتفاء
في [تاريخ] الخُلفاءِ[48]،أن
الخليفةَ المُعتصمَ سألَ الشّعْبي عن مَهابِّ الجنوبِ والشمالِ والدبورِ والصَّبا.
فأجابهُ بأن الجنوبَ مهبُّها من مَطلعِ سُهيلٍ إلى مطلعِ الثُّريا. والشمالُ
مهبُّها من مطلعِ الشمسِ إلى مسقطِ النسرِ الطائرِ. والدَّبورُ مَهَبُّها يقابلُ
مَهَبَّ الصَّبا. وذكرَ البدرُالدّماميني عن ابن هشامٍ أنه قالَ ما نصه: سألني سائلٌ
من أينَ تهُبُّ الصَّبا: فأنشدتُه:
[ص 165]
أَلَمْ تَعْلَمِي، يَا
عَمْـرَكِ اللَّـهُ، أَنَّنِـي
كَرِيمٌ، على حِيـنِ الكِـرامُ قَـلِيـلُ
وَأَنِّيَ لاَ أَخْـزَى إذَا
قِـيـلَ مُمَلِـــقٌ
سَخِيٌّ، وَأَخْـزَى أَنْ يُقَــالَ بَخِيـــلُ
ووجهُ
استخراجِ الجوابِ منها، واللهُ أعلمُ، أنه نبَّهَهُ بهما على البيتِ الآخرِ
المساوي لهذينِ في إعرابِ اسمِ الزمانِ المبهمِ المضافِ للجملةِ الإسميةِ، وهو
قولُ الشاعرِ:
إذَا قُلْـتُ هَـذا، حِيــنَ
أَسْلُــو، يُهَـيِّـجُـنِـــــي
نَسِيـمُ
الصَّبـا منْ حَيْثُ مَا يَطْلَـــعُ الفَجْـــــــرُ
فـائــدة
قالَ
أبو الحجاجِ بنُ الشيخِ في كتابِه المسمى ألف باء: رَوَى أبو عبيدٍ عن يونسِ بن
حبيبٍ، أن لبيدَ بنَ ربيعةَ الشاعرَ، نذرَ أنْ يُطعمَ الناسَ كلَّما هبَّتْ ريحُ
الصَّبا. فَدامَتْ أيَّاماً متواليةً، حتى أضرَّ به. فبلغ خبرُه الوليدَ بنَ عقبةَ
بنَ أبي مُعَيْطٍ، وهو أميرُ الكوفةِ من قِبَلِ عثمانَ، رضي اللهُ عنه، وكانَ
أخاهُ لأمه، فوجَّه إليهِ بنوقٍ ودراهمَ، وكتبَ إليه:
أَرَى[49]الجزَّارَ
يَـشْـحَــذُ مُـدْيَـتَـيْـــهِ،
إذا
هَـبَّـتْ رِيَّـاحُ أبِـي عَــقِــيـــلِ
طَـوِيـلُ الـبَــاعِ
أَرْوَعُ جَـعْـفَــــرِيٌّ،
كَريـمٌ الجَــدِّ، كالسَّيْــفِ الصَّـقِـيـــــلِ[50]
فلما وصلَ ذلك إلى لبيدٍ شكرَه، وقالَ: كيفَ[لي[51]]
بأنْ أُجيبَه وقد نذرتُ بألاَّ أقولَ شعراً؟ فقالتْ بنيةٌ له صغيرةٌ كانتْ تروي
شعرَه: أنا أُحسِنُ بأنْ أجيبَه، أفتأذنُ لي؟ فقال: قولي ما عندكِ. فقالتْ[52]:
[ص 166]
إذا هَبَّــتْ رِيَـاحُ أبِـي
عَــقِــيـــلٍ
دَعَوْنَا عِـنْـدَ هَـبَّـتِـهَـا الـوَلِــيـــدَا
طَوِيــلُ البَــاعِ أرْوَعُ
عَـبْـشَـمِـــيٌّ،
أَعـانَ علـى مـُروءَتِــهِ لـَبِــيـــدَا
أَبَا وَهْـبٍ، جَـزَاكَ اللَّـــهُ
خَـيْــــراً،
نَحَرْناهـا، وَأطْـعَـمْـنـا الـتَّـرِيـــدَا
فَـعُـدْ إنَّ الكَـريـمَ لَـهُ
مَــعـــــادٌ،
وَظَنِّـي يَـا ابْــنَ أرْوَى أنْ تَـعُــــودَا
فقالَ
لها: أحسنتِ لوْلا أنكِ اسْتزدتِه في شِعرِك. فقالتْ: إن الأمراءَ لا يُستحيى من
سؤالهم. فقالَ: أنتِ في هذا القولِ أشعرُ[53]،
انتهى. وقولُه: نذرتُ ألاَّ أقولَ شعراً، يقالُ إنه لم يَقـلْ في الإسلامِ إلاَّ
بيتاً واحداً وهو[54]:
الحَمْــدُ لِلَّـــهِ إذْ
لَـــمْ يَـاْتِـنِـي أَجَــلِـــي
حَتَّى اكْتَسَيْــتُ مِـنَ الإسْـــــلاَمِ سِرْبَــــــالاَ
ويقال إن قبلَه[55]:
بَـانَ الشَّبَـابُ فَلَــمْ
أَحْفِـلْ بِــــهِ بَـــــالاَ،
وَأَقْبَــلَ الشَّيْــــبُ والإسْــلاَمُ إقْبَــــــالاَ
ويقالُ إنه قال أيضاً[56]:
مَا عَاتَـبَ المَـرْء
الكَرِيــمَ كَنَـفْـسِــــهِ،
والمَـرْءُ يُصْلِحُــهُ الجَلِيــسُ الصَّالِـــحُ
وقولُه
بالقَبَسِ، القَبسُ: شعلةُ من نارٍ، كذا في تفسير الغَزْنَوِي والقاموس[57].
والجذوةُ[58]:
مُثـلَّـثـةٌ: قِطعةٌ غَليظَةٌ من الحطبِ فيها نارٌ بلا لهبٍ، سقالهُ العُزيزي.
[ص 167]
المعـنــــى
أن
قلبه بسببِ حَمْيَةِ الحبيبِ له، وإيقادِهِ بهِ نارَ الصبابةِ، هو في حرارةٍ
واحتراقٍ، وأنه يضطربُ ويتحرَّك. فالنارُ مستعرةٌ بتحركِه، لأنهُ كالنافخِ لها.
فحالتُه في ذلكَ كحالةِ المقباسِ إذا صادفتْه ريحٌ فهي تقلِّبُه ذاتَ اليمينِ
وذاتَ الشمالِ. فأخبرَ أنَّ قلبَه يكابدُ غُصصَ أمْرينِ، الحرارةِ، والخفوقِ. فأما
الحرارةُ فقد كثُرَ النشيدُ فيها، وتوفرتِ الدَّواعي على الشكايةِ منها، وسلفَ
بعضُ ذلكَ. وقدْ هذَم عليْهم ذلكَ المعنَى من قال:
وَلَوْ أَنَّ لِي قَـلْـبـاً
شَـكَـيْـتُ احْـتِــرَاقَـــهُ
وَلَـوْ أَنَّ لِـي فِكْــراً فَضَحْــتُ الهَوَاجِسَــــا
وَلَكِـنْ مُــحَــالٌ أَنْ
يَـكُـونَ تَـفَــكُّــــرٌ
وَقَـلْـبٌ لِمَـنْ يَهْــوَى الظِّبَــاءَ الكَوانِـسَـــا
وقول الأَرَّجاني[59]:
عُوجَـا عَلَيْهَـا أَيُّهَـا
الـرَّكْــبُ،
لاَعَـارَ أَنْ يَتَسَاعَــدَ الصَّحْــبُ
قَـدْ كـانَ لِي قَـلْـبٌ ولاَ أّلَــــمٌ،
وَاليَـوْمَ لِــي ألَــمٌ وَلاَ قَـلْـــبُ
وقول الصَّفي الحلِّي:
سَألْـتُهَـا عَـنْ
فُـؤَادِي، أَيْنَ مَسْـكَـنُـهُ؟
فَـإنَّـهُ ضَـلَّ مِنِّـي عِنْـدَ مَـسْـرَاهَــا
قَالَتْ: لَدَيَّ قُـلُــوبٌ
جَمَّـــةُ جُمِعَــتْ،
فَأَيَّهَـا أَنْـتَ تَعْنِـي؟ قُـلْـتُ: أَشْـقَـاهَــا
وقول ابنِ سهل[60]:
ومَـنْ لِي بِجِسْـمٍ
أَشْتَكِـي مِنْـهُ بالضَّـنــى
وَقَـلْبٍ فَـأَشْـكُـو مِـنْـهُ بـِالـخَـفَـقَــانِ
[ص 168]
وَمَـا عِـشْـتُ حَـتَّــى
الآنَ إلاَّ لأَنَّنِــــي
خَفِيتُ، فَمَـا يَـدْوِي الحِـمَــامُ مَـكَـانِـــي
وبذلك ملح[61]
من أجابَ عن بَيتي الشمسِ محمدِ بنِ التِّلِمساني، وهما[62]:
يَـا سَـاكِنـاً قَلْبِــي
المُعَنَّـــى
وَلَيْـسَ فِيـهِ سِــوَاكَ ثَانِـــي
لأَيِّ مَعْنًــى كَسَـرْتَ
قَلْبِــــي
وَمَـا
الْتَقَــى فِيــهِ سَاكِنَــانِ؟
بقولــــــه:
كَسَرْتُــهُ حِيــنَ قلـتَ:
قَـلْـبِــي
وَلَـمْ تُـضِـفْــهُ إلـى فُــــلاَنِ
هَــلْ لِلْمُعَنَّـى بِالحُــبِّ
قَـلْـــبٌ[63]
يَــا جَاهِــلَ اللَّفْـــظِ
وَالمَعانــي!
قلتُ:
وللصلاحِ الصفدي على معنَى البيتينِ مؤاخذةٌ، محصولُها أن الكسرةَ لأحدِ الساكنينِ
غيرُ القلبِ، والكسرُ في البيتينِ للقلبِ، انتهى[64].
واستملح المؤاخذةَ ابنُ حجةَ، فقال: أمَّا البيتانِ ففي غايةِ اللُّطفِ، ولكن
أُورِدَ عليْهما إيرادٌ حسنٌ، وهو أنَّ الساكنينِ إذا اجتمعَا كُسرَ أحدُهما وهو
الأولُ، وكلامُه في البيتينِ يؤدي أن المكسورَ غيرَ الاثنينِ، انتهى. وفيهِ نظرٌ،
لأنَّ إيقاعَ الكسرِ على القلبِ من إسنادِ ما للحالِ للمحلِ، وهو ذائعٌ في
كلامِهم. على أن مثلَ هذا المعنى ريحانةُ تُشمُّ ولا تُفركُ. ومن هذا المعنى قولُ
ابنِ شرفٍ في رجلٍ عجزَ عن افتضاضِ عِرْسِه[65]:
كَـمْ ذَكـرٍ فِي الـوَرَى وَاُنْثَــى
أَوْلَى مِنْ اثْنَيْــنِ بِاثْـنَتَـيْـــنِ
[ص 169]
أَرَى اللَّـيَــالِـــي أَتَـتْ بِلَحْــنٍ
لِجَمْعِهَــا
بَيْــنَ سَـاكِــنَــيْــنِ
وأما
الخَفَقَانُ فسَبَبُه مهابةُ العاشقِ للمعشوقِ وإجلالُه إياهُ، فصارَ ينتفضُ
لرؤيتِه ببصرِه أو بَصيرتِه،كما ينتفـضُ القلبُ الخائـفُ. وما أحسنَ قـولَ
المَـكُّـودي[66]:
يَزْدَادُ خَـفْـقُ
فُـؤَادِي عِـنْدَ رُؤْيَـتِـهِ
مِــنْ بَعْدِ مَا مَالَ عَنْهُ القَلْبُ وانْتَرَكَـا
كَالطَّيْرِ أَفْلَتَ مِـنْ
أَشْــرَاكِ مُقْتَـنِـصٍ،
فَصَارَ يُرْعَدُ مَهْمَـا أَبْصَـرَ الـشَّـرَكَـا
وممَّا اشتَهرَ في خفقِ الفؤادِ قولُ ابن بَقي[67]:
عَاطَيْتُهُ، واللَّيْلُ
يَسْحَـبُ ذَيْلـــهُ،
صَهْبَاءَ كَالمِسْـكِ الفَتِيـقِ لِنَاشــِقِ
وَضَمَمْتُهُ ضَـمَّ الكَمِيِّ
لِسَـيْـْفِــهِ،
وَذُؤَابَـتَـاهُ حَمَائِـلٌ في عَاتِـقِــي
حَتَّى إذَا مَالَـتْ بِهِ سَنَـةُ
الكَـــرَى
زَحْزَحْتُـهُ شَيْئـاً فَكَــانَ مُعـانِـقِــي
بَـاعَـدْتُـهُ عَـنْ أَضْلُـعٍ
تَـشْـتَـاقُـهُ
كَيْ لاَيَنَـامَ عَلـى وِسَــادٍ خَـافِـــقِ
وقد
اعترضَ علماءُ الفنِّ عليه بأمرينِ. الأولُ، قال الشريفُ الغَرناطي[68]:
ذُكرَ أنَّ أبا القاسمِ الطيبِ المعروفِ بالغَطِّي[69]
قال لابنِ بَقِي، وقد أنشدَه الأبياتَ: ياهذا، كيفَ تكونُ وِساداً[70]
لهُ، أم كيفَ يتصورُ ذلك[71]؟
فأصلحَه إلى وِسادٍ. والثاني ما في قولِهِ: باعدتُه، من [ص 170]
الجفوةِ وبادِي البلادةِ، فلا يليقُ بالعاشقِ، وهو في رجاءِ قُربِه منذ أحيانٍ، أن
يُباعِدَه. وقال الصفدي في الرَّدِّ عليه[72]:
أّبْعَـدْتُـهُ مِـنْ
بَعْـدِ مَـا زَحْـزَحْـتَــهُ!
مَا أنْـتَ عِنْــدَ ذَوِي الغَـرَامِ بِعَاشِـــقِ
هَذَا يَـدُلُّ الـنَّـاسَ مِنْـكَ
عَلـى الـجَـفَـا،
إذْ لـَيْـسَ هَـذا فِـعْـلَ صَـبٍّ وَامِــقِ
إنْ شِـئْـتَ قُـلْ:
أَبْعَـدْتُـهُ عَـنْ أَضْـلُـعِي[73]
لِيَكُــونَ فِعْـلَ المُـسْـتـَهــامِ الصَّـادِقِ
أوْ قُلْ:فباتَ
عَلى اضْطِـــرَابِ جَوَانِحِـــي
كَالطِّفْلِ، مُضْطَجِعـاً لِمَهْــــدٍ خَـافِـــــقِ
انتهى.
والحقُّ أنَّ أبياتَ ابنِ بَقي في غايةِ الجزالةِ والحُسنِ، لكنْ جرتْ عادةُ
الصلاحِ بالمناقشةِ، فلا تراهُ يسامحُ في شيءٍ.ومعاني الأدب محمولةٌ على الإغضاءِ:
فَسَامِـــحْ وَلاَ
تَسْتَـــوْفِ حَقَّـــــكَ كُلَّــــهُ،
وَأَغْــضِ، فَلَــمْ يَسْتَـــوْفِ قَـــطُّ كَرِيـــــمُ
ولأجلِ
الاعتراضِ فضَّلوا على قولِ ابنِ بَقي قولَ الحَكمِ بن عيالٍ[74]:
إنْ كَـانَ لاَبُـدَّ مِــنْ
رُقَـــادِ،
فـَأضْلُعِـي هَــاكَ عَــنْ وِسَـــادِ
وَنَــمْ عَلَـى خَـفْـقِـهَـــا
هُــدُوّاً
كَـالطِّفْــلِ فِـــي نَهْنَــهِ الوِسَــادِ
وقول ابنِ سناءِ الملكِ[75]:
أمــا وَاللَّـهِ لَوْلاَ
خَــوْفُ سُـخْـطِــــكْ
لَهَـانَ عَلَـيَّ مَـا ألْـقَـى بِـرَهْــطِــــكْ
[ص 171]
فَـتَـنْـتَ
الخَــافِقَيْــنِ فَتِهْــتَ عُـجْـبَــا
وَلَيْــسَ هُمَـا سِـوَى قَلْبِـــي وَقُرْطِـــكْ
وقال مُعينُ الدينِ[76]:
لَمْ أَنْـسَـهُ إذْ قَـالَ:
أَيْـنَ تُـحِـلُّــنِــي؟
حَذَراً عَلَيْهِ مِنَ الخَيَـالِ الـطَّـــارِقِ
فَأَجَبْـتُــهُ: قَـلْـبِـي
فَـقَـالَ تَـعَـجُّـبـاً:
أَرَأَيْتَ، عُمْــرَكَ، سَاكِناً فِــي خَافِــقِ
أخذَه من قولِ الآخر[77]:
وَسَـكَـنْــتَ قَـلْـبــاً
خَـافِــقـــاً،
يَا سَاكِنــاً، فِــي غَيْـــــرِ سَاكِــــنِ
وقال ابنُ العطارِ:
يَا نَــازِلاً مِـنِّي
فُـــؤَاداً رَاحِــلاً،
وَمِنَ العَجَائِبِ نَازِلٌ في راحِـــــلِ
أَضْرَمْـتَ قَـلْبَ مُـتَـيَّـمٍ
أَهْـلَـكْـتَـهُ
وَسَكَنْتَـهُ، وَالنَّــارُ مَثْــوَى الـقَـاتِـلِ
وقال ابنُ الوردي:
قُرْطُهَـا خَـافِـقٌ،
وَقَـلْبِـي أَيْـضـاً
خَافِـقٌ،
مِـنْ أَلِـيـمِ صَدٍّ وَبَــيْــنِ
فَاعْـذِرُوهَا في العُجْـبِ
فَهْـيَ فَـتَــاةٌ
أَصْبَحَـتْ وَهْـيَ تَمْلِـــكُ الخَافِقَـيْــنِ
وتلطَّفَ الورَّاق[78]:
يقولُ لِي، حِيـــنَ
وَافــــى:
قَـــدْ نِلْتَ
مَا تَشْـتَـهِــيــهِ؟
فَـمَـا لِـقَـلْـبِــكَ
قِــدْمــاً
خَـفْـقٌ بِـهِ يَــعْــتَــرِيــهِ
[ص 172]
فَقُلْـــتُ: وَصْلُـــكَ
عُــرْسٌ،
وَالقَلْـــبُ يَـرْقُـــصُ فِـيـهِ
وقالَ البهاءُ زهيرٌ في مجزوءِ الكاملِ
المُرفَّل[79]:
لاَتُنْكِرُوا خَفَقَانَ
قَـلْـبِــي،
جَاءَ الحَبِيبُ إلَـيْـهِ زَائِـرْ
مَــا الـقَــلْـبُ إلاَّ
دَارُهُ
ضُرِبَتْ لَهُ فِيهَــا البَشَـائِـرْ
المعانـــــي
نُكتةُ العطفِ بالفاءِ الإشارةُ إلى أنَّ ما بعدَها تسبَّبَ
عمَّا قبلَها. وأتى بالجُملةِ اسميةً لاستفادةِ الدوامِ، أي ما هو عليه دائمٌ
لَدَيْه. ونكَّر المجرورَ بِفي وما عُطفَ عليه لغرضِ التفخيمِ. وَنَوَّنَها
للتَّعظيمِ على وِزانِ "وَعَلى أبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ"[80]
كَما في المفتاحِ. وعَطفَ الخفقَ بالواوِ لتفصيلِ المُسنَدِ مع اختصارٍ. وأضافَ
الريحَ للصَّبا لإفادةِ التخصيصِ. وخصَّ الصَّبا لأنها أيْمَنُ الأرْوَاحِ
وأبْركُها، ولذلكَ قال النبيُّ، صلى الله عليه وسلم: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا
وَهَلَكَتْ عَادٌ بالدَّبورِ"[81].
والشعراءُ مكِبُّونَ على إرسالِها وانتشاقِ أريجِ هبوبِها، لأنها أغلبُ ما تكونُ
في الأسحارِ. قال الشاعرُ[82]:
لاَ تَبْعَـثُـوا غَيْرَ
الصَّـبَـا بِـتَـحِـيَّــةٍ
مَــا لَــذَّ فــي سَمْعِي حَدِيثُ سِوَاهَـــا
حَفِظَتْ أَحَادِيـــثَ الصِّبَـا
وتَضَوَّعَــتْ
نَـشْـــراً، فَـيَـالَلَّــهِ مَـــا أذْكَـاهَــا!
ولمُجير الدينِ بنِ تميمٍ:
[ص 173]
لاَ تَبْعَـثُـوا غَـيْرَ
الصَّـبَـا بِـتَـحِـيَّـةٍ
مِنْ أَرْضِهَا، فَلَهـــا عَلَيَّ جَـمِـيـــلُ
[هَبَّتْ] دُمـوعَ العاشِقِيــــنَ
وَعَرَّجَـــتْ
عَنْهُــمْ إلَــيَّ، وَثَـوْبُـهَـــا مَـبْـلُـولُ
وما أحسنَ قولَ عزِّ الدينِ الموصلي[83]:
إنْ كانَتِ العُشَّاقُ مِنْ
أَشْوَاقِهِـــــــمْ
جَعَلُوا النَّسِيمَ إلَى الحَبِيبِ رَسُــــــــولاَ
فَأَنَـا الــذِي أتْلــوا
لَهُــمْ: يَـــا لَيْتَنِــي
كُنْتُ اتَّخّـذْتُ مَــعَ الرَّسُـــولِ سَبِيـــــلاَ[84]
ومن هذا ما كتبَه القاضي فتحُ الدين لوالِدِه مُحي[85]
الدين بنِ عبدِ الظاهر:
إنْ شِئْتَ تُبْصِرُنِي
وَتُبْصِرُ حَالَتِي
قَابـــِلْ إذَا هَبَّ النَّسِيـــمُ قَبُـــولاَ
وَلأجْلِ قَلْبــــــِكَ لاَ
أَقُــــولُ عَلِيــــلاَ
تَلْقـَـــاهُ
مِثْلِي رِقَّـــــةً وَنَحَافـــَةً،
فَهْــوَ الرَّسُــولُ إلَيْــكَ
مِنِّــي، لَيْتَنِـي
كُنْــتُ اتَّخّــذْتُ مَــعَ الرَّسُــولِ سَبِيـلاَ
وعرَّف القبس بِلامِ الحقيقةِ وأرادَ به الواحدَ
باعتبارِ عَهديتِه في الذِّهنِ، لِقيامِ القرينةِ على أن ليسَ القصدُ إلى نفسِ
الحَقيقةِ من حيثُ هيَ، بل من حيثُ وجودُها في ضمنِ بعضِ الأفرادِ لا كلِّها،
والقرينةُ هنا (لَعِبَتْ).
فإنْ قلتَ: ما وجهُ العدولِ للإتيانِ
بالظرفِ في قولِه: فهو في حرٍّ وخفقٍ. وهلاَّ قال: حارٌ وخافقٌ؟
[ص 174]
قلتُ: وجهُه مراعاةُ الأبلغيةِ، ولا
خَفاءَ أن قولَكَ فُلانُ في حزنٍ، أبلغُ من حازنٍ، وفي سرورٍ، أبلغُ من مسرورٍ،
وسببُها واضحٌ، فتأملْ. وهذه لطيفةٌ استفدْتُها من المشافِ في غير[ما] موضعِ.
البيـــان
فيه التشبيهُ لحرارةِ القلبِ بشُعلة النار، ولخُفوقِ
الجوانحِ بالريحِ. وتشبيهُ لعبِهما[86]
بلعبهما
فالأولُ
بحسبِ العرضِ، والثاني بحسبِ العرضِ[87].
ويُضاهي هذا التشبيهَ قولُ بعضِهم في الثُّريا[88]:
تَحْكِي الثُّريَّا
الثُّرَيّـــَا في تَأَنُّـقِهَــا
وَقَدْ لَوَاهَا نَسِـيـمٌ وَهْـيَ تَـتَّـقِـدُ
كَأَنَّهَــا لِـذَوِي الإيمــانِ
أَفْــئِـدَةٌ،
مِــنَ التَّخَشُّـعِ خَــوْفَ اللَّـهِ تَرْتَعِـدُ
وقولُه في السِّراجِ[89]:
اُنْظُرْ إلى سُرُجٍ فِي
اللَّيْــــلِ مُشْرِقَــةٍ
مِنَ الزُّجــــــَاجِ حَوَاهَا وَهْيَ تَلْتَهِــبُ
كَأَنَّـهَــا أَلْـسُــنُ
الحَـيــاتِ بَــارِزَةً
عِنْـدَ الهَجِيــرِ، فَمَــا تَنْفَـكُّ تَضْطَــرِبُ
وعلى ذكرِ الثُّريا فحكَى الراويةُ أبو عبدِ
اللهِ محمدُ بن رُشيدٍ الفِهري السَّبتي الفاسي في[ص 175] فهرستِه[90] قال: "كُنْتُ مع الفقيهِ الأستاذِ أبي
القاسمِ المَزياتي[91] تحتَ إيقادِ جامعِ القرويينَ من فاس بعدَ
صلاةِ المغربِ، وإذا برجلٍ أقبلَ وأخبرَ أبا القاسمِ بقدومِ الأستاذِ ابنِ عَبدون،
وأنه ببابِ المسجدِ، فقال لنا أبو القاسم: قوموا بنا إلى لقائِه، فالتقيناه وهو
داخلٌ إلى المسجدِ، فسلَّمنا عليه، فاستقبلتْنا الثُّريا وهي مسروجةٌ، فقال ابنُ
عبدونٍ مُرتجلاً:
اُنـظُرْ إلَــى
ثُـرَيَّـــةٍ نُـــورُهـــا
يَصْــدَعُ بِاللألاَءِ سُجْــفَ
الغَسَـــــقْ
فقال أبو القاسم:
كَأنَّهَــا فِــــي
شَكْلِهَـــــا رَبْــــوَةٌ
انْتَظَـــمَ النــــوُّرُ بِهـــا فَاتَّســـــقْ
ثم
اجتمعتُ صَبيحةً تلكُ الليلةِ مع الأديبِ مالكِ بنِ المُرَحَّلِ، وأخبرتُه[92]،
فقال: لو كنتُ معهما لقلتُ:
أُعِيـذُهــا مِنْ سُــوءِ
مَــا يُـتَّـقَــى
مِنْ فَجْــأةِ العَيْـنِ بِـرَبِّ الفَلَـــــقْ[93]"
كَذَا
سَاقَ هذه الحكايةَ الثعالبي في الأنوار، ونَقَلَها أبو العباسِ ابنُ القاضي في
كتابِه المُنتقى المقصور[94]،
وزاد على ذلك ما نصُّه: "وقال محمدُ بن خلف:
بَــاهَــى بِهَـــا
الإسْــــلاَمُ مـــا أ[شْـ]ـرَقَــــتْ
كَاسَاتُهـــا عِنْـــدَ مَغِيـــــبِ[الـ]ـشَّـفَــــ[ـقْ]"
انتهى
من خطِّه
[ص 176]
.البديــــع
فيه التمثيلُ،
وحَقيقتُه أن يمثل المُتكلِّم شيئاً بشيءٍ فيه إشارةٌ. وقيلَ هو تشبيهُ حالٍ
بحالٍ. ومبتكرُه الضِّلِّيلُ[95]
في قوله:
وَمَــا ذَرَفـَـــتْ
عَيْنَـــــاكِ إلاَّ لِتَقْدَحِـــي[96]
بِسَهْمَيْــــكِ فــي أَعْشَـــارِ قَلْـــبٍ مُقَتّـَـــلِ
وقال ابنُ المعتز[97]:
اِصْبِرْ عَلَى مَضَضِ
الحَسُــو دِ فَــإنَّ صَـبْـرَكَ قَـاتِــلـُــهْ
فَالـنَّارُ تَـأكُـلُ
بَـعْـضَـهَــا إن لَـمْ
تَـجِــدْ مَــا تَـأكـلُـهْ
وقولُ الآخرِ[98]:
إيَّــاكَ مِـنْ زَلَـلِ
الكَــلاَمِ فــَإنَّـمَـــا
عَقْلُ الفَتَـــى مِنْ
لَفْظِــهِ المَـسْـمُــوعِ
فَالمَرْءُ يَخْـتَـبِــرُ
الإنَــاءَ بِــنَـقْـرِهِ
فَيَرَى الصَّحِيــحَ بِــهِ مِـنَ المَصْــدُوعِ
وفيهِ
الطِّباقُ بين الريح والقَبَسِ، إذِ المرادُ به النارُ، وهما ضدانِ. والطِّباقُ
الإتيانُ بلفظينِ مُتضادينِ كَقولِ ابنِ رشيقٍ[99]:
وَقَدْ أَطْفَـأُوا شَمْــسَ
النَّهــــــارِ وَأَوْقَــــدُوا
نُجـومَ العَوَالِـــي فِــي سَمَــــــاءِ عَجَــاجِ
[ص 177]
وقول الأسدي[100]:
رَمَــى الحَدَثَـــانِ
نِسْــوَةَ آلِ حَرْبٍ
بِمِقْـــدَارٍ سَمَـدْنَ لَــهُ سُـمُـــودَا
فَــرَدَّ شُعُــورَهُــنَّ
السُّـــودَ بِـيـضــاً
وَرَدَّ وُجُوهَهُــــنَّ البِيــضَ سُــــودَا
الإعـــــراب
الفاءُ للعطفِ، ولها معانٍ، منها: التعقيبُ؛ أن يكونَ
المعطوفُ بها متصلاً بلاَ مُهلةٍ. وما أظرف قولَ النورِ الإسْعِرْدِي[101]
مُداعباً:
وَأَغَــنُّ، كَمْ في
جَفْنــِهِ مِنْ قَاضِــبِ،
وَقِوَامُـهُ في لِـيـنِـهِ كَـقَـضِـيــبِ
لاَقَـيـْتُـهُ مُـبْـتـسِـمـاً
مِـنْ بَـعْـدِ مَـا
قَدْ كُنْتُ لاَ أَلْـقَاهُ غَيْــرَ قَــطُــــوبِ
أَسْقَيْتُــهُ رَاحِـي،
فَـنَــامَ، فَـنِـكْـتـهُ،
وَالفَـــاءُ فـــي الحَالَـيْــنِ للِـتَّـعْـقِـيــبِ
وليسَ
التعقيبُ بلائقٍ هنا. ومنها السببيةُ، وهو أكثرُ ما تقتضيهِ الفاءُ، وهو الموافقُ
لها في البيتِ، أي هو[102]
بسببِ حَميةِ قلبِه في حرٍّ وخفقٍ. فإنْ قلتَ: تسبُّبُ الحرارةِ عن الحَميةِ، في
السببِ ما يعطيهِ، وأما الخفقُ فليسَ فيه ما ينتجُه، قلتُ: يُنتجُه لفظُ الصبِّ[103]،
[فإن الصبابةَ يُلازمُها الخفوقُ. فإن قلتَ: وما نُكتةُ التصريحِ بهذا اللاَّزم؟
قلتُ:" إزادةُ الفَظاعةِ لحالِه، والمبالغةُ في عِظمِ ما يلاقيهِ. فإنَّ
الخفوقَ يزيدُ النارَ تسعيراً فيشتد التهابُها، وهو بمثابةِ النفخِ فيها[104].
قال الشاعرُ:
[ص 178]
وَكَيْفَ أَرْجُـو
انْطِفَــــاءَ نَـــــارِ مُسْعَـــــرَةٍ
يَزِيدُ خَفْــــقُ فُــؤَادِي حَرَّهَــــا لَـهَـبَــــا
ويُعجبني قولُ محي الدينِ بنِ قُرناصٍ في مليحٍ
مُشببٍ[105]:
عَـلِـقـتُـهُ مُشَبِّباً مُـهَـفْــهَـفَـا،
أَخْضَعُ في حُبِّي لَهُ فَيَشْمَـــــخُ
لاَغَرْوَ أنْ تَشُبَّ مِــنْ
تَشْبِـيـبِــهِ
نارُ الهَوَى، أَلاَ تـــراه يَـنْـفُــخُ؟
ومن هذا ما حكاهُ النواجي في الحَلَبَةِ أن السلطانَ
الأشرفَ كان له مملوكٌ بديعُ الجمالِ فكَلِفَ بهِ رجلٌ فقيهٌ [106]،
فصارَ يجلسُ في طريقِ الملكِ ليرى المملوكَ مع السلطانِ، فانتبهَ لذلكَ الأميرُ،
فمنعَ المملوكَ من الركوبِ معه،فمرضَ الفقيهُ بسببِ ذلكَ، فرثى لهُ الملكُ وبعثَ
المملوكَ وحدَه لزيارتِه، فجلسَ عندَ رأسِ الفقيهِ، وجَعلَ يروِّحُ عليه بمِروحةٍ،
فرفعَ إليهِ الفقيهُ طرْفَهُ وأنشدَ:
رَوَّحَـنِي عَـائِـدٌ
فَـقــلْـتُ لَـهُ
أَلاَ تَزِدْنِي عَلَى الـــذِي أَجِـــدُ؟
أَمَا تَرَى النَّـارَ كُـلَّمَــا
خَـمَــدَتْ
عِنْـدَ هُـبُــوبِ الـرِّيَـاحِ تَـتَّـقِـدُ
ومنها الفاء الفصيحةُ، وهي التي يكونُ العطفُ معها على
مُقدَّرٍ. قال في المفتاح: وهي في القرآن كثيرةٌ من جملةِ فصاحَتِهِ، ولهذا سُميتْ
بالفاءِ الفصيحةِ. وهذا المعنى لا يُناسبُ هنا أيضاً.
وهو: مُبتدأ، والظرفُ المُسْتَقرُّ[107]:
خبرُه، ومعادُه القلبُ لا الظبيُ. والواوُ في قوله: وَحَرٍّ،
للعطفِ. وقد أكثروا[108]
في تشبيه الواوِ ولاسِيَما واوُ عَمْرٍو، قالَ أبو نواسٍ في أشجعَ السَّلَميِّ:
[ص 179]
قُـلْ لِمَنْ يَدَّعِي
سُلـَيْمـًا[109]
سَفَـاهـاً
لَسْـتَ مِنْهَـا وَلاَ قُـلاَمَةَ ظٌــفْــرِ
إنَّـمَـا أّنـْــتَ فِــي
سـُلَـيْـمِ كَــوَاوٍ
أُلْحِقَتْ فــي الهِجَـاءِ ظُلْمــاً بِعَمْــرِو
حُكيَ
أنَّ بعضَهم رأى في مَنامِه أنه كَتَبَ على[110]
أظفرِه واوا، فقصَّها لعابرٍ، فقال له: أنتَ دعيٌ في نسبِكَ. واستشهدَ بالبيتينِ.
وقالَ أبو سعيدٍ الرُّسْتُمي[111]:
أَفِي الحَقِّ أنْ يُعْطَى
ثلاثـونَ شـاعِــــراً
وَيُحْرَمَ مَا دُونَ الرِّضَى شَاعِرٌ مِثْلِـــي!
كَـمَا سَـامَـحُـوا عَـمْـراً بِـوَاوٍ مَـزِيـدةٍ
وَضُوِيقَ "بِسْمِ اللَّهِ" في أَلِـفِ الوَصْــلِ
ومِثْلَ:
منصوبٌ على المفعوليةِ المطلقةِ من مقدرٍ، أيْ يلعبُ لعباً مثلَ لَعِبِ الخ..
أوْ
على الحال، وما: زائدةٌ للتَّأكيدِ. ولعبَ: فعلٌ ماضٍ. وريحُ
الصَّبا: فاعلُه، وريحٌ: مضافٌ، والصَّبا مضافٌ إليه، والإضافةُ على معنى
اللامِ.
وعلى ذكرِ الإضافةِ فما أحلى قولَ ابنِ نباتة[112]:
يَـا مَـلِـكـاً
يَـجْـبُـــرُ قُـصَّــادَهُ
جَبْراً، لَـهُ اللَّهُ مُـكـافٍ عَـلَـيْــهِ
شُكْراً لَها فِي الجُـــودِ مَـخْـفِـيَــةً
يَبْسُطُ ضَيْفُ البَــابِ فِيهــا يَدَيْـهِ
إذَا أتَـتْـهُ وَهْــوَ فِــي
صَـحْـبِـهِ
صَارَ مُضَافــاً وَمُـضَـافــاً إلَـيْـهِ
وقولَ ابنِ سَناءِ المُلكِ[113]:
[ص 180]
تَـجِيءُ
المُــلُـوكُ لأبْـوَابِـــهِ
فَيَغْمُرُهُــمْ بِــرُّهُ الشَّــامِــلُ
وَيَخْفِضُهُـــمْ
أنَّهُــمْ كَــالمُضَــافِ
وَيَـرْفَـعُــهُ أنَّــهُ الـفــاعِــلُ
وقولَ محاسنِ الشَّواءِ[114]:
وَكُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ في الْتِئَـامٍ
على رَغْمِ الحَسُودِ بِغَيْرِ آفَـهْ
فقَـدْ أَصْبَحَـتُ تَنْوِينـاً
وَأَضْحَــى
حَبِيبِـي لاَ تُفَـارِقُـهُ الإضَـافَــهْ
[1] ـ ديوان ابن سهل 283.
[2] ـ الصحاح (درى)، مع بعض الحذف.
[3] ـ لعل الإفراني تصرف في النص فخَلَط بين جمعِ الظبيِ
والظبيةِ، فالذي في المخصص ، عن أبي زيد: "والجَمع(أي جمع الظبي) أظب وظباء
وَظُبِيٌّ، والأنثى ظبيةٌ، والجَمع ظبياتٌ
وَظِباءٌ" (المخصص المجلد 2 السفر 8 ص22).
[4] ـ حياة الحيوان 102-103.
[5] ـ في الأصل: أبادنا، وهو تصحيف، والمثبت عن
حياة الحيوان 103، وفيه: "يعني نقتلُه ونحملُ رأسَه على السِّنانِ".
[6] ـ القاموس المحيط (عفر).
[7] ـ بعض هذا الكلام في حلية المحاضرة 2/ 243
لأبي علي الحاتمي. تحقيق جعفر الكتاني ط وزارة الثقافة العراقية.
[8] ـ رفع الحجب 2/125.
[9] ـ انظر طبقات فحول الشعراء لابن سلام 55.
[10] ـ لم أجد هذا الخبر في كتاب الأوائل للعسكري
تحقيق محمد المصري ووليد قصاب.
[11] ـ انظر القاموس المحيط.(حمى).
[12] ـ سورة التكوير 81/ 16، وصلته: "فلاَ
أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ، الجَواري الكُنَّسِ".
[13] ـ في الأصل الحجازي، ولم نجد كتابا بهذا
العنوان للشهاب الحجازي. والمقصود هو كتاب شمس الدين النواجي: مراتع الغزلان في
وصف الحسان من الغلمان. (توجد مخطوطة منه بالمكتبة الوطنية بباريس تحت رقم3402.)
[14] ـ البيتان في تزيين الأسواق 487. الشطر الثاني
من البيت الثاني مختل، وييستقيم بحذف "ها" من "يهواها".
[15] ـ البيتان 5،6 من قصيدة مدحية للأرجاني في ديوانه
97.
[16] ـ في الأصل: لا. والتصويب عن الديوان.
[17] ـ عجز بيت للمتنبي من قصيدة له في ديوانه 324،
وصدره:إن كان سركم ما قال حاسدنا.
[18] ـ في مجمع الأمثال 1/90: "آمنُ من ظبي
الحَرَم، ومن الظبي بِالحَرَم".
[19] ـ سلع: جبل بالمدينة. (القاموس المحيط: سلع).
[20] ـ مفتاح العلوم373. وانظر شرح التلخيص
150-151.
[21] ـ أنفاسه: أي أنفاس العاشق.
[22] ـ سَامَته: قابله، وسَمَّــتَـهُ: قصدَ
نحوهُ.(القاموس المحيط: سمت).
[23] ـ أثَّرها، أنَّث الضمير على معنى الكلية.
[24] ـ في الأصل الحجازي. والمقصود النواجي.(انظر
الصفحة 155، الحاشية 2 ). و وردتْ هذه القصة، كذلك، مع ما يتصلُ بها من شعرٍ في
خزانة الأدب 225 نقلا عن روضة الجليس.
[25] ـ ديوان صفي الدين الحلي 317.
[26] ـ انظر تفصيل الكلام على الجناس المركبِ
والمُطلق في خزانة الأدب 25-31 وأنوار التجلي 1/17-19.
[27] ـ أنوار التجلي 1/17-18.
[28] ـ سورة الروم 30/55.
[29] ـ مِنديلُ بنَ محمد بن محمد بن داوود بن آجروم
الصنهاجي، أبو المكارم، أبوه هو مؤلف المقدمةِ الآجرومية المشهورة في النحو.
واشتهر منديلُ بالأستاذيةِ بجامعِ القرويين، تلمذَ لهُ الكثيرُ من النبهاءِ مثلُ
اسماعيلِ ابنِ الأحمرِ، الذي قال فيه: "شيخُنا الفقيهُ الأستاذُ النحوي
المُقرئ المصنِّف". وترددتْ أخبارُه، وتناثرت أشعارُه في كتابِ أنوار التجلي
لتلميذه الثعالبي. وهي تدلُّ على تمكنه من اللغةِ وقدرتِه على النَّظمِ، ومحاكاةِ
نماذج الغير، ومن قصائدِه ذاتِ الشهرة تلك التي وصف فيها متنزهات باب الفتوح
ومطلعها:أيها العارفون قـَدْرَ الصًّبـــوحِ جّدِّدوا أُنْسنَا بِبــابِ الفُتـــــوحِتوفي في
الرابع من شهر جمادى الأولى سنة 773هـ أو772هـ. (نثير الجمان453، 456-457، أنوار
التجلي 1/18، 138-139. 2/ 242 ومواضع أخرى.وفيات الونشريسي ولقط الفرائد المطبوعان
ضمن ألف سنة من الوفيات 126، 215، ونفح الطيب 7/123-125. 5/418).
[30] ـ في أنوار التجلي: "ومثال اختلافِهما في
الاسمية قول الشاعرِ". ووردَ البيتُ وآخرُ بعده في خزانة الأدب 37، ونسبه في
معاهده التنصيص 3/208 لمحمد بن عبد الله بن كناسة الأسدي.
[31] ـ نسب البيتين في معاهد التنصيص 3/222 لأبي
الفتح البستي.
[32] ـ البيتان في أنوار التجلي 1/19، والشاهد فيه
لحن (غلط) في قوله: ومن يقو. والصحيح أن تكون يقوى.وفي قوله: فما تعذروا، والصحيح
أن تكون: فما تعذرون، ويضطرب وزن الشعر بتصحيح هذا اللحن.
[33] ـ انظر نقد الشعر 171-172. وفي خزانة الأدب
561، وأنوار التجلي 2/474: "وهو مما فرعه قدامة..".
[34] ـ انظر كلام صاحب المصباح في أنوار التجلي
2/466، انظر كذلك خزانة الأدب 559.
[35] ـ في الأصل و(ب): من الثقيل، والمثبت عن (ج).
[36] ـ أفاض الرضى في مناقشة أحوال استعمال أفعال
القلوب في شرح الكافية 2/286.
[37] ـ الزيادة من القاموس المحيط (حرر).
[38] ـ في قولِه: مُشتَبهُ
الأعلامِ لمَّاعُ الخَفَقْأورده في القاموس المحيط (خفق). انظر ضرائر الشعر 17.
[39] ـ الجمعُ المقصود هو أرياح، لا مطلق الجمع بالياء. (درة الغواص
23-24).
[40] ـ في درة الغواص 23: من الروح.
[41] ـ المقصود الجمع على رياح.
[42] ـ ديوان شعر ذي الرمة 66-67.
[43] ـ في الأصل: أرياح، وهو خطأ، إذ الرياح ليست موضع خلاف: الإشكال في
الأرياح كما سيتضح.
[44] ـ في الأصل و(ب): ألباس، والمثبت عن (ج).
[45] ـ أي لقولهم: رُوَيْحَةُ في التصغير.
[46] ـ بنات نعشٍ الكبرى: سبعة كواكب،. ومثلها بناتُ نعش الصغرى.
(القاموس المحيط: نعش).
[47] ـ نقل من القاموس المحيط (صبو) بتصرف.
[48] ـ توجد نسختان مخطوطتان من هذا الكتاب في خ م بالرباط رقم
6709،8539. والزيادة منهما وطبع الجزء المتعلق منه بالأندلس وغيره بعناية أحمد
مختار العبادي تحت عنوان: تاريخ الأندلس لابن الكردبوس، ووصفه لابن الشباط. مطبعة
معهد الدراسات الإسلامية بمدريد سنة 1971. وقد بحثت عن هذا الخبر فلم أعثر عليه في
هذا الكتاب، وهو باطل إذا كان المقصودُ بالشعبي عامرُ بن شراحيل أبو عمرو الراوية
المشهور، فهذا كان رسولا لعبد الملك بن مروان إلى ملك الروم وتوفي سنة 103هـ،
بينما توفي المعتصم العباسي محمد بن هرون سنة 227هـ. (انظر الوفيات 1/244 والشريشي
2/245، وابن الأثير 5/265، والطبري 11/6).
[49] ـ في الأصل: أبي، وفي (ب): أبا، والمثبت عن(ج) والأغاني 14/97.
[50]ـ في الأغاني:أَشَـمُّ
الأَنْفِ أَعْيَــدُ عَامِــرِيُّ طَويلُ البَـاعِ كالسيـفِ الصَّقِيــلِ
[51] ـ زيادة من (ج).
[52] ـ وردَ البيتان الأولانِ في ذيلِ ديوان لبيد 233 ضمن ما نسب إليه
خطأً في بعض المصادر.
[53] ـ انظر هذه القصة مع زيادات في الأغاني 14/97-98.
[54] ـ في ذيل ديوان لبيد 236: "هذا البيت نسب للبيد في كثير من المصادر،
والصواب أنه لفروة ابن نفاثة السلولي. (راجع معجم المرزباني 339)".
[55] ـ لم يرد في ديوان لبيد.
[56] ـ ذيل ديوان لبيد 222.
[57] ـ القاموس المحيط (قبس).
[58] ـ هذا من توسع الإفراني، إذ لم تردْ كلمة جذوة في البيت المشروح.
[59] ـ البيتان من قصيدة مدحية في ديوان الأرجاني 134.
[60] ـ ديوان ابن سهل 214.
[61] ـ في الأصل و(ب): ملخ، ولم نر له وجها، والمثبت عن (ج).
[62] ـ البيتان في ديوان الشاب الظريف 67، والغيث المسجم 2/13، وأنوار
التجلي 1/19 وغيرهما.
[63] ـ هذا الشطر مضطرب الوزن، ولم نهتد إلى تصويبه.
[64] ـ انظر الغيث المسجم 2/13.
[65] ـ البيتان والتقديم لهما في المصدر السابق.
[66] ـ البيتان في أنوار التجلي 1/29.
[67] ـ اشتهرت هذه الأبيات، وكثر معارضوها. انظر المطرب 198، ورفع الحجب
1/58، والغيث المسجم 1/176، وحلبة الكميت 118، وديوان الصبابة 90، ونفح الطيب
3/209.
[68] ـ نقل الإفراني أغلب عبارة رفع الحجب 1/850 في هذا الموضوع.
[69] ـ في رفع الحُجب 1/58 القطي، ولم نقف على ترجمته.
[70] ـ هكذا في الأصل و(رفع الحجب) ولعل الصواب:المهاد، ويؤيد ذلك ما جاء
في (ج).(انظر الحاشية 4).
[71] ـ في(ج): ياهذا كيف يكون المهادُ وساداً له، أم كيف يتصور ذلك؟ وهذا
أنسب.
[72] ـ انظر الغيث المسجم 1/196.
[73] ـ في الغيث المسجم: "إنْ شِئْتَ قُلْ: أَبْعَدْتُ عنه
أضالعي"، وهو أنسب لتلافي النقد الموجه لابن بقي.
[74] ـ هكذا في الأصل، وفي الغيث المسجم 1/176: الحكيم بن عيال، وفي
ديوان الصبابة 90: "ابن الحكم جعفر بن عنان"، وفي نفح الطيب 3/564،
7/51: أبو الوليد بن عيال. وقد يكون الحكيم بن دانيال المترجم في فوات الوفيات
3/330.
[75] ـ لم يرد البيتان في ديوان ابن سناء الملك، ووردا في الغيث المسجم
1/245، وديوان الصبابة.90.
[76] ـ نُسبَ البيتان في الغيث المسجم 1/246 لمعينِ الدينِ بن لؤلؤ ووردا
كذلك في ديوان الصبابة 90.
[77] ـ البيت في ديوان الصبابة 90.
[78] ـ الأبيات للوراق الخطيري في الغيث المسجم 1/246، وديوان الصبابة
88، ومعاهد التنصيص 3/80.
[79] ـ البيتان من قصيدة في ديوان البهاء زهير 156.
[80] ـ البقرة 2/7.وتمام الآية:"خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُـلوبِهِم،
وَعَلى سَمْعِهِمْ،وعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ". يقصد الكافرين.
[81] ـ مسند أحمد 1/223، 228 والبخاري 4/132، وفيه: وأُهْلِكَتْ.
[82] ـ البيتان في حلبة الكميت 318.
[83]
ـ نُسب هذان البيتان في ديوان الصبابة 114، ومعاهد التنصيص 4/144 لمحي الدين بن
عبد الظاهر، وقال في ديوان الصبابة: "وكان القاضي محي الدين بن عبد الظاهر
يحب شابا مغنيا اسمه نسيم".
[84]
ـ اقتباسٌ من: "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ، يَقُولُ: يَا
لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاَ".(الفرقان 25/27)
[85]
ـ في الأصل: لوالده مجير الدين. وهو خطأ وسيرد ذكر مجير الدين في الصفحة 258 من
هذا الكتاب. وفي خزانة الأدب254: إلى ولده القاضي محي الدين. ونعتقد أن الصواب هو:
لوالدِه مُحي الدين، إذ الأب هو عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان، محي الدين قاض
أديب مؤرخ مصري. توفي سنة692/1293م. والابن هو: محمد بن عبد الله بن عبد الظاهر بن
نشوان، فتح الدين، ولد بالقاهرة ومات بدمشق سنة 691/1292(فوات الوفيات2/179-191
للأول، والوافي3/366-668 للثاني).
[86]
ـ في(ب): لعبهما بلهبها.
[87] ـ هكذا في الأصل و(ج).
[88] ـ البيتان لأبي تمام غالب بن رباح الحجام في نفح الطيب
3/415-416،وفيه: تألقها (بدل تأنقها)، وهو أنسب. وترجم له ابن سعيد في المغرب
2/40.
[89] ـ البيتان للحجام السالف الذكر في نفح الطيب 3/416.
[90] ـ وردت هذه القصة كذلك في أنوار التجلي 2/237، والمنتقى المقصور
145، وفي جذوة الاقتباس 1/69-70 مع بعض الخلاف.
[91] ـ أبو القاسم المزياتي فقيه أستاذ مقرئ بالقرويين، له شرح على كتاب
الجمل. توفي يوم 22 من جمادى
الأخيرة سنة 665هـ (انظر المصادر السابقة والذخيرة السنية 114 ونفح الطيب 2/584).
[92] ـ في أنوار التجلي 2/237: "وأعلمته بما وقع بين
الأستاذين".
[93] ـ هنا ينتهي نص كلام الثعالبي في الأنوار 2/237.
[94] ـ المنتقى المقصور 145.
[95] ـ الضليل، لقب الشاعر امرئ القيس، عرف به. (انظر أخباره في الأغاني
8/62-76).
[96] ـ في شرح ديوان امرئ القيس 38: لتضربي، وهو المشهور.
[97] ـ ديوان ابن المعتز 344.
[98] ـ البيتان لأبي بكر بن الجزار السرقسطي في نفح الطيب 3/598.
[99] ـ بيت مفرد في ديوان ابن رشيق 52.
[100] ـ في العمدة 2/6 وزهر الآداب1/ 405 والشريشي الكبير1/189: لـِ
"عبد الله بن الزبير الأسدي". ونُسبا في معجم الشعراء 177: لفضالة بن
شريك.وسمدن: قمن متحيرات، (لسان العرب: سمد).
[101] ـ هو نور الدين بن محمد أبو بكر الإسعردي (ت 656/ 1258) شاعر فيه
مجانة (الوافي بالوفيات 1/188، ط 1948).
[102] ـ هو، غير مثبت في (ج).
[103] ـ سقطت ورقة كاملة من الأصل ابتداءً من هذا الموضعِ، واعتمدنا في
تعويضِها على النسخة (ب).
[104] ـ في (ب): بها، والمثبت عن (ج).
[105] ـ البيتان في الغيث المسجم 1/171، وحلبة الكميت 197.
[106] ـ نقل هذه القصة محمد بن الطيب العلمي في الأنيس المطرب 236-237 مما
حدثه به محمد بن سليمان أثناء رحلته إلى الشمال.
[107]ـ نرى أنه يعني أن الخبر مُقدرٌ بِ (مُستقر)، أي: فهو مستقر في حر.
[108] ـ في (ب): أكثر.
[109] ـ في (ب): سليمى، والتصويب عن ديوان أبي نواس 335.
[110] ـ في(ب): عن، والمثبت من(ج) والغيث المسجم 1/641 وهو الصواب.
[111] ـ ورد البيتان مع بعض الخلاف في الغيت 1/41.
[112] ـ الأبيات في ديوان ابن نباتة 575، والغيث المسجم 1/ 165. وفي(ج):
مالكا. وفي (ب):ضيف اليد فيها لديه، والتصويب عن الديوان والغيث.
[113] ـ ديوان ابن سناء الملك 613، والغيث 165. وفي (ب): يحفظهم، والتصويب
عن الديوان والغيث.
[114] ـ يوسف بن إسماعيل، أبو المحاسن، شهاب الدين المعروف بالشواء. شاعر
أديب، كان صديقاً لابن خلكان. ولد بحلب ومات بها سنة 635هـ/1237م. (الوفيات
2/411).