المسلك السلك

 في شرح توشيح ابن سهـــل

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تأليف محمد الإفراني

تحقيق د/محمد العمري

 

 

 

 

 

 



أما بعـــد


 

 

 




مقدمة التحقيق

 

 

 

 

 

الإفراني وكتابه المسلك السهل

 

 

 

 

الرقم في أعلى الصفحة

[ص11]

ا- التعريف بالإفراني[1]

هو محمد الصغير بن محمد الإفراني المراكشي. ذهب أبو الربيع سلـيـمـان الحوات إلـى أنـه ولـد فــي حــــدود الثمانين والألف هجرية[2]. تلقى تعليمه  الأول في مراكش، ثم انتقل إلى فاس حيث نلتقي بخبره لأول مرة في المدرسة الرشيدية سنة 1118هـ(1706م). بقي بفاس طالبا للعلم إلى حـدود سنة 1130هـ/1718م ثم عــــــاد إلى مراكش وتصدر لتدريس التفسير والحديث بجامع ابن يوســف. وهناك اصطدم بفقهاء مراكش الذين كانوا يرون أن شروط تفسير القرآن لم تعد متوفرة.

كان ذلك الاختلاف، في الواقع، اختلافا بين اتجاهين فكريين: اتجاه متفتــح يمـيل إلى الاجتهاد ويأخذ بالرأي، وهو الاتجاه الذي شرعه أبو علي اليوسي وسار فيه تلاميذه وتلاميذ تلاميذه ومنهم الإفراني، واتجاه محافظ قنع بحفظ ما انتهى إليه من تفصيلات وتقنينات فقهية من وضع الفقهاء المتأخرين، وهذا الاتجاه كان يرى أن باب الاجتهاد قد سُد. وقد مُيِّز بهما منذ ذلك العصر فاعتُبر اتجاه اليوسي اتجاهَ الدراية، والاتجاه المخالف له اتجاه الرواية[3].

استطاع الإفراني بعد معاناة أن يتغلب على هذه الأزمة ويفرض نفسه عَلماً متميزاً في مراكش، بل في المغرب كله، تشهد لذلك أخباره ومؤلفاته الكثيرة المتنوعة.

مؤلفات الإفراني

يُستفاد من سجل الإعارة بخزانة ابن يوسف بمراكش أن الإفراني كان يستعير "كتب اللغة، [ص12]  والتاريخ والأدب والرياضيات والفلك، ولا  سيما كتب الحديث والتصوف والإلهيات واللغة والنحــــو..."[4]

لقد تجلى هذا التنوع في القراءة في تنوع مؤلفات الرجل، وتنوع محتويات المؤلَّف الواحد وغناهُ، كما نلاحظ في المسلك السهل مثلا. وعموما فقد ألف الإفراني في التاريخ والأدب والفقه.

1ـ التاريخ والتراجم.

هذا هو المجال الذي اشتهر به في العصر الحديث في أوساط المستشرقين والباحثين الجامعيين المغاربة الذين خصوه بعناية كبيرة. وأعماله في هذا المجال هي:

1ـ1 ـ نزهة الحادي في أخبار ملوك القرن الحادي.

طبع على الحجر بفاس بدون تاريخ. وبباريس على الحروف مع ترجمة إلى الفرنسية سنة 1888. وطبع جزء منه تحت عنوان: جملة من أخبار الدولة السجلماسية في باريس 1903. وصورت طبعة ثانية من طبعة 1888 بالرباط بدون تاريخ (في السبعينات).

قال ليفي بروفانسال في حق هذا الكتاب:" نزهة الحادي كافية لتُحِلَّ مؤلـفَها الإفراني محلا مرموقاً من بين رجال الأدب المغاربة"[5].

1ـ 2ـ صفوة ما انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر.

طبع على الحجر بفاس بدون تاريخ. واختصرهُ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد التادلي الرباطي[6].

تمتاز الصفوة بترجمة رجال من الأرياف لم تنلهم عناية المترجمين من أهل الحاضرة.

1ـ 3 ـ روضة التعريف بمفاخر مولانا إسماعيل بن الشريف، أو الظل الوريف في التعريف [ص13]  بمفاخر مولانا إسماعيل بن الشريف.

طبع بالمطبعة الملكية بعناية عبد الوهاب بنمنصور سنة 1960م.

1ـ 4 ـ درة الحجال في مناقب سبعة رجال، أو زبدة الأوطاب في مناقب الأحباب. وقف العباس بن إبراهيم على جزء منه بخط المؤلف[7].

1 ـ 5 ـ المُغرب في أخبار ملوك المَغرب.

ذكره ابن سودة في الدليل[8].

1 ـ 6 ـ طلعة المشتري في التعريف بمحمود الزمخشري.

تقييد، ذكره في المسلك[9]. وأورده أبو الربيع في ترجمة الإفراني بعنوان: طلعة المشتري في ثبوت توبة الزمخشري" في ورقات لطيفة"[10].

1 ـ 7 ـ الوشي العبقري في ضبط لفظ المقري.

ذكره الكتاني في فهرس الفهارس[11].

1 ـ 8 ـ تقديم أو خطبة واسطة العقدين (تلخيص وتقديم كناشتي الملك إسماعيل)

2 ـ الأدب

2 ـ 1 ـ المسلك السهل في  شرح توشيح ابن سهل.

[ص11]

طبع طبعة حجرية (وسيأتي الحديث عنه).

2 ـ 2 ـ تعليق على أرجوزته المسماة ياقوتة البيان.

شرحٌ لأرجوزةٍ للمؤلف في الاستعارة والمجاز عامة. عدد أبيات الأرجوزة ثلاثة وثلاثون بيتاً.( مخطوط)[12].

2 ـ 3 ـ الإفادات والإنشادات

ذكره أبو الربيع سليمان الحوات، وقال فيه: "وهو تأليف لا كِفاء له في الحسن"[13].

3 ـ الفقــــــه

3 ـ 1 ـ فتح المغيث بحكم اللحن في الحديث [14]

سماه الإفراني "ثَبْتاً". وعلى صغر هذا المؤلَّف( أو الرسالة ) فإن الإفراني اعتمد فيه على أكثر من عشرين  مصدراً. وهو يعتبر إنتاجاً أصيلا بالقياس إلى تآليف هذا العصر التي لا تخرج عن نطاق الشروح والحواشي.

3 ـ 3 ـ و للإفراني أجوبة فقهية وفتاوى كان لها صيت وقبول حسن في عصره[15]

.[ص14]

ب ـ التعريف بالمسلك السهل

 

ملابسات التأليف

ألف الإفراني كتابه المسلك السهل لشرح الموشح المشهور الذي مطلعه:

هَـــلْ دَرَى ظَبْـــيُ اَلْحِمَـــى أَنْ قَــدْ حَمَــى  

             قَلْـــبَ صَـــبٍّ حَلَّـــهُ عَــنْ مَـكـْـنِــسِ

                                                    

للشاعر الإشبيلي إبراهيم بن سهل الإسرائيلي، وأنهى تأليفه في أول رجب من سنة 1128هـ) بالمدرسة الرشيدية[16] بفاس، وهذا ما سجله بخطه في حاشية الصفحة الأخيرة من نسخة الأصل المخطوطة: "كان فراغي من تبييضه أوائل رجب من عام ثمانية وعشرين ومائة وألف، بالمدرسة الرشيدية من مدينة فاس. قاله مؤلفه محمد"[17]. وكان ما يزال ـ على ما نعلم ـ طالب علم يسكن المدرسة المذكورة.

وهو باكورة إنتاجه، وثمرة من ثمرات الشباب. يقول في مقدمته: "..وهو أول مجموع أبرزته في قالب التصنيف، وأفرغت جهدي فيما يحصل به لأذن سامعه التقريط والتشنيف، مع كوني في إبان الحداثة"[18]. ويقـول في الخاتـمـة: "ولا يخفى على قريني أنها، كما يقول الناس، من الرأي العشريني"[19].

وتسعفنا خطبة المسلك السهل وبقية مباحثه في التعَرف على الدافع الذي دفع الإفراني إلى الاهتمام بهذا الموشح، وهو دافع أدبي خالص، فبالأدب تتهذب النفس، وتكمل إنسانية[20] الإنسان. وليس[ص16]   أدخل في الأدب وأقدر على تحقيق هذه المهمة من موشح حاز رضا أرباب الأدب والموسيقى وإعجابهم.

وليس في حديث الإفراني ما يشير إلى دافع ديني أو تعليمي ولا سيما أن الموضوع لا يسمح بذلك، وهذا مما يميزه عن أغلبية شراح النصوص ممن يَنشُدون أجراً أو قربى من عملهم كما يميز شرحه عن الشروح الهادفة إلى خدمة الدين بخدمة اللغة التي هي وسيلةٌ لفهم الكتاب والحديث كما جاء في مقدمة ابن زاكور لشرح لامية العرب: "... فإن معرفة كلامهم (يعني العرب) وسيلة إلى معرفة كلامه (يعني الرسول) وما أنزل وسبب، فكانت لذلك من أعظم الوسائل وأجل القرب، فلذلك شرحت لامية العرب"[21].

بل نظر الإفراني في الملابسات الدينية المحيطة بشرحه، فرأى أن يحتاط للتهم التي يحتمل أن تصوب إليه، فسعى لعقد تصالح بين المفاهيم الدينية الإسلامية والمفاهيم الأدبية التي يلتبس وجه براءتها  على "قـوم لا يشـعـرون"[22].

وجماعُ رأي الإفراني أن الاعتبار في الدين بما في السرائر، إذ لا يضير شئٌ مع صفائها. والأدب مبني على المسامحة. وقد جد الإفراني في التراث الإسلامي، ومنه حديث الرسول وسلوك الصحابة وفتاوى الأئمة وأكابر الفقهاء ما يبرر وجهة نظره المتسامحة.

ولا شك أن قوة الدفاعِ وعنفَ الاتهام في عبارة الإفراني ناتجان عن وُجود منكرين متشددين، يقول: "كأني بمتعسِّف ممتلئ الصدر بالأضغان والإحن ينكر إكبابي على إيضاح مغفل هذه الموشحة، ويحتج بأنها مشتملة على وصف الخدود والقدود، والمبالغة في وصف الراح، وكل ذلك مما هو حرام في الشريعة"[23]. ولهذا الكلام ارتباطٌ بالصراع الذي صورناه في كتابنا الإفراني وقضايا الثقافة بين اتجاهين فكريين ودينيين في عصره.

[ص17]

 

ونجعل دفاع الإفراني عن الأدب والمفاهيم الأدبية التي طرحها عليه شرح مُوشح ابن سهل في النقط التالية:

1 ـ التنويه بالأدب عامة. وخصصَ له الإفراني جزءاً من خطبة الكتاب مستشهداً بسلوك الصحابة، موردا تنويه الرسول بالبيان في الحديث المشهور، مبيناً أثر الأدب في تكوين شخصية الإنسان وتمييزه عن الحيوان بقوله: "ولعمري إن كل من لا يتعاطى الأدب، ولا ينْسُل لاجتلاءِ غرره، واجتلابِ درره من كل حَدب، ما هو إلا صورة ممثلة، أو بهيمة مرسلة"[24]. ويعود لهذا الموضوع من حين لآخر عازيا التفاوت في الأدب إلى التفاوت في البلاغة. وهذه الانطلاقة في التأليف، وما فيها من هجوم على خصوم الأدب تعبِّر عن ذكاء الإفراني، فبعد أن أحلَّ الأدبَ المكان اللائق به من الاحترام انتقل إلى التنويه بموشح ابن سهل، وتفضيله على غيره، تبريرا للاشتغال به.

2 ـ تبرير شرح نص غزلي. وذلك في مبحث (الزهر الغض في الرد على من عاتب في التوشيح أو غض). عرض الإفراني هنا موقف الدين من الغزل معتمداً على فتوى مفصلة لِواحد من أشهر فقهاء المغرب وهو ابن رشيد الفهري السبتي. كما عمم الحديث فناقش بالمناسبة موقف الدين من الرثاء مبينا الحد الفاصل بين الجائز منه و الممنوع، وأثرَ الأدب في تخفيف ألم أهل الفقيد.

3 ـ دفع الالتباس العالق ببعض التعابير المجازية. إذ كثيرا ما أدى التمسك بظاهر النصوص الدينية إلى تأثيم بعض التعابير. فمن ذلك انتقادهم شكوى الشعراء من الدهر، واعتبار ذلك خروجا عن هدي الحديث النبوي: "لا يقل أحدُكم يا خبث الدهر، فإن الله هو الدهر"[25]. ومن المشددين في هذه المسألة بعض شيوخ الإفراني الذين أنكروا قول سعد الدين التفتازاني في طالعة المطول: "فلقد جرد الدهر على أهلها سيفَ العدوان"[26]. ويحسم الإفراني الأمر لصالح التعبير الأدبي مستعينا ببحث موسع [ص18] "لحافظ المغرب والمشرق، أبي عمر ابن عبد البر"[27] في  استشهاده بسلوك الصحابة والتابعين. والذي ينبغي تسجيله، بكثير من الاهتمام، استقلالُ الإفراني عن رأي شيوخه في هذه السن المبكرة.

ومن التعابير التي أثارت ضجةَ أدباء فاس منذ العصر المريني قول محمد الربيب في سيف إدريس المنصوب بمنار جامع القرويين[28]:

وما خـصَّ إدريسُ المنارَ بسيـفــه

                                     لـغـمٍٍّ، ولكـن كـي يـعُــم نـداؤُه
مشيـرا: أجيبـوا داعـيَ اللـه تأمـنـوا،
                           ومـن لـم يجـب داعيــهِ هـذا جـزاؤُه

وكان ابن الأحمر قد انتقد قول هذا الشاعر في كتابه نثير الجمان ذاهبا إلى أن تارك الصلاة لا يقتل، فرد عليه أستاذُ الإفراني أحمدُ بنُ عبد الحي الحلبي، وعلى ما كتب بطرة كتابه المذكور، من أنه يُقتل بقوله: "قلت: وهذا كله تعسف بلا فائدة، وإنما جرى هذا الكلام مجرى المبالغة"[29]. لقد التبس على الإفراني رأي شيخه في هذه المسألة فنسب إليه نقيضه، وقد بينا ذلك في مكانه.

ويدل على اهتمام الإفراني بهذا الموضوع أنه جرد كراسة في حكم الاقتباس في وقت مبكر من حياته ذكرها في المسلك السهل[30]. كما تدل مناقشته لهذه القضية ولغيرها في المسلك السهل بروح متفتحة على ما يمكن أن يطبع موقفه من مرونة في هذه الكراسة. وهي مرونة تطبع موقف الإفراني في كتابه فتح المغيث بحكم اللحن في الحديث بطابعها، كما تطبع الاتجاه الذي ينتمي إليه هو وجميع الأدباء المتأثرين بأبي علي اليوسي، الميالين إلى التصوف؛ إذ يرون أن الحكم في ذلك لصفاء سريرة [ص19] الإنسان. ولهذا الموقف علاقةٌ برواج ديوان ابن الفارض في هذا العصر، وهو من الدواوين القليلة التي ذكرها الإفراني ضمن مصادره في المسلك السهل إلى جانب كتب الأدب واللغة[31].

ولا يبعد أن يكون المحتوى الأدبي للمسلك السهل من ضمن مواد طعن فقهاء مراكش في أهلية الإفراني عندما تصدى لتدريس التفسير والحديث بجامع ابن يوسف.

موقع المسلك السهل

اهتم المغاربة بشرح النصوص الشعرية، لا سيما في العصر المريني والسعدي وما بعدهما. ويمكن تقسيم ما خلفوه من شروح، حسب موضوع النص والغرض المتوخى من الشرح، إلى ثلاثة أنواع:

1 ـ شرحُ نصوص دينية  تتعلق في الغالب بمدح الرسول[32].وتثير قضايا تصوفيـة، مثـل شرح البردة لسعيد بن سليمان السملالي المـتـوفى سنة 382هـ[33]. وشرحها لمحمد بن عبد السلام بناني المتوفى سنة 1163هـ. وشرحها لأحمد بن عبد الوهاب الوزير الغساني المتوفى سنة 1146هـ. ومن أحسن الشروح منهجا ومادة شرح ابن مرزوق: إظهار صدق المودة في شرح البردة. ومن ذلك أيضا شرح الهمزية فقد شرحها محمد بن عبد الرحمن الصومـعي[34] والحضيكي[35] المتوفى سنة 1185هـ، وبنيس[36]، ومحمد بن زكري المتوفى سنة 1144هـ، وشرَح بانت سعاد كلٌّ من أبي الحسن بناني والحضيكي السالفِ الذكر.

[ص20]

وهذه الشروح تجمع من المادة التاريخية واللغوية والبلاغية والفوائد الأدبية قدراً وافرا، كما أنها مفعمة بالخوارق والخرافات.

2 ـ شروح تستهدف غاية لغوية تعليمية لتيسير فهم النص لمن يريد تناوله من الطلبة، ومن هذا النوع الفريدُ في تقييد الشريد لأبي القاسم الفكيكي[37]، ونيل الأماني في شرح التهاني لأبي علي اليوسي المتوفى سنة 1102هـ[38].

وقد يكون هدف الشارح خدمة اللغة العربية التي بدونها لا يمكن فهم "كتاب الله وسنة رسوله". وهذا الغرض كثيرا ما يُنص عليه لدفع تهمة العبث وضياع الوقت.

3 ـ شروح تتجه إلى القيمة الأدبية للنص المشروح، وتعتبر الشرح اللغوي والإعراب والتخريجات البلاغية وسيلة لاجتلاء درر المعاني، وهذا هو الاتجاه الذي يسير فيه الإفراني. ومن الشروح التي سبقت شرح الإفراني في هذا الاتجاه إتحاف ذوي الأرب في مقاصد لامية العرب لسعيد المغوسي[39].

ومن الملاحظ أن معاصري الإفراني قد ساهموا في هذه الاتجاهات الثلاثة.

أما الظاهرة البارزة التي تنتظم أغلب العصور فهي اتجاه الشراح إلى نصوص بعينها، وعلى رأسها البردة والهمزية وبانت سعاد ولامية العرب وديوان الشعراء الستة وديوان الحماسة.. وذلك ما يجعل هذه الشروح مكرورة وغير مجدية أحيانا، إذ يصعب التعرف على ما هو أصيل فيها وما هو منقول، وقَلَّ من تناول موضوعاً بكراً بعمق وإجادة، وخصوصا في العصور اللاحقة لعصر الإفراني، وهذا ما يُعطي المسلك السهل قيمة كبيرة في نظرنا.

ليس فيما وصل إلى أيدينا  من أخبار الإفراني تعليق على  قيمة كتابه المسلك السهل غير قول [ص21] أبي الربيع سليمان الحوات: "وله تآليف عديدة، جامعة لفرائد الفوائد المفيدة، ومنها، وهو أول ما ألف، المسلك السهل في توشيح ابن سهل، وهو وحده يدل على قوة عارضته وامتداد باعه[40]". وفي العصر الحاضر قال ليفي بروفنسال في حق المسلك السهل كذلك: "وهو كتاب متداول اليوم عند  الأدباء المغاربة"[41].

وبعد ذلك نجد الحديث عن الإفراني الأديب البياني. وهذه مجموعة من الأقوال في التنويه به، قال محمد المكي بن موسى الناصري في الرياحين الوردية، وهو معاصر للإفراني وله به اتصال: "أديب زمانه، وفـريد أوانـه"[42].  وقال في الدرر المرصعة: "الأديب النحوي اللغوي البياني.."[43]. وقال فيه محمد القادري، وهو معاصر له كذلك: "العالم الأديب الإخباري النجيب"[44]. ومن الأجيال اللاحقة قال أبو الربيع سليمان الحوات: ".. النقادة النحوي البياني الأديب البليغ الفصيح الخطيب"[45]. ومن المعاصرين  قال ليفي بروفانسال: "إن الإفراني يتمتع اليوم بسمعة طيبة في الأوساط الأدبية، ويحظى بكامل التقدير"[46]. ومن المعاصرين كذلك عبد الله كنون: "العلامة المؤرخ الأديب صاحب المنن على التاريخ المغربي والأدب"[47].

[ص22]

فهذه الشهادات المأخوذة من عصر الإفراني إلى اليوم تنوه كلها بصفة الأديب. ويهتم أقدمها بصفة (البياني)، و (النقادة) و(البليغ). فعلامَ يقوم هذا الحكم إن لم يقم على كتاب المسلك السهل؟ صحيح أن الإفراني كان خطيبا بليغا، ومدرِّسًا، وناظماً متوسط النظم، أما أن يكون نقادةً وبيانيا فهذه الصفة لا يخوِّلها له إلا المسلك السهل. هذا الكتاب الذي أخذ زملاءُ المؤلف بنسخه بعد انتهائه من تبييضه مباشرة  إذ لم يفرغ المؤلف من تبييض الكتاب حتى كان صاحبُ نسخة (الأصل) قد فرغ هو الآخر من نسختِه في مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما.

ويدل عدد النسخ المتوفرة في الخزانة الملكية والخزانة العامة بالرباط وحدها وهو ثلاثة وعشرون نسخة مخطوطة، على ما كان للكتاب من رواج. ولقد أصبحت النسخ المطبوعة منه أندر من المخطوطة، على أن طبع الكتاب في حد ذاته له دلالة خاصة في عصر اتجه فيه الاهتمام إلى الكتب الدينية واللغوية.

ولم نعثر بين الشروح التي ظهرت بعد المسلك السهل في المغرب على ما يسمو إلى مستواه، أو يدانيه في قيمته. ومنها: فتح المنان في شرح قصيدة ابن الونان لمحمد العربي المشرفي، وشروح البردة والهمزية التي أصبحت عبارة عن تلخيصات وتقاييد هزيلة. ويَظَلُّ المسلك السهل من أبرز المعالم في اتجاه النقد التطبيقي في المغرب الأقصى لما توفر فيه من تصور منهجي وتذوق فني بلاغي للنص المشروح. وهو بعدُ مصدرٌ للتعرف على ثقافة الأديب في عصر الإفراني بمصادرها الشرقية والأندلسية والمغربية.

*            *          *                  

أما الطريقة التي اتبعها الإفراني في الشرح والخطوات التي سار عليها فهي ليست مما ابتدعه أو انفرد به، وإن تميز بالتزامه بصرامة. بل نسج فيه على منوال غيره من الشراح الذين سبقوه من مغاربة ومشارقة، ممن ساروا في هذا الدرب، ومهدوا هذا الطريق، مع اختلافهم في التزام هذه الخطوات كلها أو بعضها أو الزيادة عليها. وبعد استعراض عدد وافر من الشروح الأدبية برزت لنا حلقات السلسلة التي ينتظم فيها المسلك السهل. ونقف الآن وقفة قصيرة عند أربعة شروح لعلماء من  [ص23] دعائم هذا الاتجاه أو هذه المدرسة لنعرف بالطرائق التي اتبعوها في شروحهم وهم: الصفدي في الغيث المسجم في شرح لامية العجم، وابن مرزوق في إظهار صدق المودة في شرح البردة، والمغوسي في إتحاف ذوي الأرب بمقاصد لامية العرب. والأليوري في شرح البردة.

1 ـ نعرض في إيجاز خطةَ كتاب ( إظهار صدق المودة ) لمطابقتها لخطة المسلك السهل في خطواته الست مع إضافة ابن مرزوق مطلباً سابعا عنوانه "الإشارات التصوفية"، وهذا، بطبيعة الحال، مما أملاه الموضوع، واقتضاه النص المشروح، وهو البردة في المديح النبوي. يقول ابن مرزوق في مقدمة شرحه محددا منهجه: "... وجعلت الكلام، على ما أشرحه من أبياتها في سبع تراجم:

الأولى، الغريب في شرح لغة الألفاظ المفردة، وما يتعلق بها من التصريف.

الثانية، التفسير في شرح المعنى المقصود من تراكيب الجمل.

الثالثة، المعاني في ذكر خواص الكلمة المستعملة في ذلك التركيب وغيرها إفرادا وتركيبا.

الرابعة، البيان في ذكر وجوه ذلك التركيب مع وضوح دلالته على المعنى المراد وبيان الحقيقة منه والمجاز، وما ينخرط في سلك ذلك من ذلك الفن.

الخامسة، البديع في ذكر وجوه ما في ذلك التركيب من المحاسن اللفظية والمعنوية.

السادسة، الإعراب، فأذكر منه الوجوه الظاهرة القوية دون غيرها، وهي ترجمة معينة على فهم معاني الأبيات.

السابعة، الإشارات التصوفية، فأذكر منها ما يمكن أن يكون إشارة إلى المعنى المذكور"[48].

[ص24]

2 ـ أما الأليوري فقد سار في شرحه في "أربعة فنون" حسب تعبيره: "الفن الأول اللغة، إذ بها تنتظم الألفاظ وتبين المعاني. الفن الثاني الشرح وبيان المعنى، وما أمكن استحضاره من الشواهد الشعرية. الفن الثالث الإعراب على اختصار إذ لم يقصد به ذلك المجموع. الفن الرابع ما يعرض في الأبيات من البيان وعلم البديع"[49].

3 ـ ولم يلتزم المغوسي بهذه الخطوات، وإن كان عمله يحقق مجمل ما تنتهي إليه، فهو يبدأ بقوله: "أقول‎" ليشرح الألفاظ ويناقش صيغها الصرفية، ثم يتجه لتلخيص المعنى بقوله: "يقول" ثم يبسط المسائل البلاغية التي يتوقف عليها تذوق النص، "مع رد كل فرع إلى أصله، ووصل كل معنى بما يناسبه من فصله"[50]. وينهي كلامه بالإعراب متوسعا فيه كثيراً.

4 ـ ويتناول الصفدي أبيات لامية العجم فيشرح الألفاظ شرحا لغويا ثم يعربها متوسعا في الإعراب كثيرا، ويستخرج معنى البيت ويرفع النقاب عن تعابيره وصوره. ومنهجُه أكثرُ مرونة من غيره. وهو أميل إلى الاستطراد لأنه يرى الانتقال من نوع إلى نوع أنشط للمطالعة وأبسط، فيقول "فلا تجدني في هذا الشرح واقفا مع ضيق المقام، ولا فارا من مشق القواضب ولا رشق الحسام، بل أشرف على كل مكان فأسقط وأتوخى الحب الكبار فألتقط، فمهما استطرد الكلام إليه وفيته حقه"[51].

وقد وجد الإفراني في هذا الشرح المادة الأدبية من المناسبة لشرحه من شعر وأخبار مناسبة للغزل فعوض بذلك نقصها في الشروح الأخرى.

هذه بعضُ حلقات سلسلة الشروح الأدبية التي تتبع خطةً محكمة، وتحاول أن تحيط بالجوانب اللغوية (المعجمية والصرفية)، والتركيبية (النحو)، والبلاغية (المعاني والبيان والبديع)، مع إثارة مختلف المسائل المتعلقة بمعاني النص وظروفه، على اختلاف في الأهمية التي يوليها هؤلاء الشراح كلَّ مطلب من هذه المطالب تبعاً لثقافة كل واحد منهم، والغرض الذي رصد له شرحه، فالإفراني [ص25] المؤرخ خصص أكثر من ربع الكتاب للظروف التاريخية والفنية للموشح المشروح. والمغوسي، الشيخ اللغوي، اهتم أكثر من غيره باللغة والنحو والصرف. بينما اقتضى الموضوع ابن مرزوق أن يخصص (ترجمةً) للإشارات التصوفية. والتقى الإفراني بالصفدي في مفهوم الأدب ووظيفته: "الأدب كله فكاهة، وأحسنه الغريب الحـلـو المـسـاق"[52]، فاشتركا في كمية وافرة من مادتي كتابيهما، وفي جو الطرافة والغرابة السائد فيهما. أما الأليوري فإن التقاء الإفراني به أعمق وأجدى، وذلك في ميل كل منهما نحو تذوق جمال النص والاهتمام بـِ "المعاني" والعزوف عن التقسيمات والتعليلات النحوية.

 

الإطار العام للشرح: التاريخ، الفن، الدين

قبل أن يتناول الإفراني أبيات الموشح بيتا بيتا عقد مقدمة طويلة للتعريف بابن سهل صاحب الموشح، والتعريف بفن التوشيح وبيان نشأته وتطوره. وتحدث عن الموسيقى والعروض والقافية، كما تناول موقف الدين من الأدب والغزل خاصة.

 وكما اهتم بالإطار العام للموشح اهتم كذلك بالمجال الخاص بالمعاني والصور الشعرية، فأورد الشواهد والأخبار والمعارف المختلفة التي تساعد على وضع المعاني والصور في إطارها العام ضمن الأدب العربي عامة، وأدب العصور المتأخرة خاصة.

وكان الإفراني واعيا بالهدف من مقدمته، فهي، حسب عبارته، علَـم منشورٌ على طلائع رايات الموشح، يهدي إليه وينبئ عنه، يقول: "وعَنَّ لي أن أقدم قبل الخوض في لجج معاني التوشيح مقدمةً تكون كالرعيل لجيش أبياته، وعلما منشوراً على طلائع راياته، أضمنُها التعريف بناحت دُرره المزخرفة.. وذكر نبذ في صناعة التوشيح، واختراعها ومخترعها، وما يكون كالذيل لذلك"[53].

[ص26]

وهو لا يعتبر هذه المقدمة غاية، فيقول في آخرها: "ولنمسك الزمام، فإن المطلوب بالذات أمام"[54]؛ أي فيما يأتي من الشرح، ولكنها داخلة عنده، في الأدب، وليست مقحمة عليه. ولذلك يبرر الإطالة فيها بحاجة كتب الأدب إلى ما توشح به من نوادر، فيقول:" والعذر في الإطالة أنا رأينا كتب الأدب إذا لم توشح بنوادر وأخبارٍ لم تقع في العقول موقع القبول"[55].

ثم نرى الإفراني يتتبع تطور الموشحات بدون كلل حتى يبلغها قمة نموها، وتسلم رايتها لابن سَهل، فتكون موشحتُه لذلك ثمرة ناضجة لجهود سابقيه، وهذه عبارته التي أنهى بها الحديث عن تاريخ الموشحات وأخبار أصحابها: "وانتهت الرئاسة في التوشيح لابن سهل، وبذهاب عينه اندثرت آثارها، وغربت شموسها، وتقلصت أفياؤها. ولا شك أن شأوه في ذلك لا يُلحق، كما لا يخفى على من اتصف بالإنصاف وتقلد بالحق. وكفى شاهدا على ذلك موشحته هذه، فإنها حالقة اللِّــحى، لمن انتحل معارضتها وانتحى. وقد تصدى لمعارضتها أقوامٌ، فكانوا كمن تطلب رجوع ما مضى من الأعوام"[56]. وهذا مما يكسب اختياره قيمة كبيرة.

أولى الإفراني بيئة الشاعر أهمية كبيرة فتناولها من جميع جوانبها التي أثرت في ابن سهل وجعلت منه شاعرا رقيقا، ووشاحا غزلا، ومنها طيب هواء مدينة إشبيلية، ودماثة أخلاق أهلها، وميلهم إلى الموسيقى والطرب. وأضاف إلى ذلك تأثر ابن سهل  بانتمائه اليهودي في بيئة إسلامية، حتى رد بعض المغاربة رقةَ  شعره إلى اجتماع ذلين فـيـه: ذلِّ العــشـق، وذل اليهودية[57].

ولسنا في حاجة إلى تأكيد العلاقة بين اهتمام الإفراني بجانب الرقة والشاعرية في شخصية ابن سهل وبين الموشح المشروح وموضوعه الغزل،  ويقوي ذلك أن الإفراني شرح هذا النص في ظروف ازدهرت فيها الموسيقى بالمغرب، وزاد نتيجة ذلك الاهتمام بالموشحات.

[ص27]

وتنسجم النصوص التي انتقاها الإفراني من ديوان ابن سهل وألحقها بترجمته في المسلك السهل مع موضوع الموشح المشروح، فكُلها في الغزل تبرزُ فيها الصناعة البديعية، ولاسيما التوجيه.

وغلبة طابع الرواية على المؤلف في هذه المقدمة كثيراً ما جعله ينتقل من مادة إلى ما يشابهها أو يقترب منها، فحديثه عن الموشحات يؤدي إلى الحديث عن الزجل والدُّوبيـت والمواليا. وترجمة ابن سهل اليهودي تذيل بالتعريف بستة من اليهود النابغين في البيئة الإسلامية.

والاستطرادات كثيرة في هذه المقدمة تبعد القارئ عن إدراك هدف المؤلف من المادة الغنية التي يحشرها فيها، فيأخذ بعضها برقاب بعض برباط قوي أو ضعيف. غير أنه إذا رجعَ إلى مفهوم الأدب في عصر الإفراني، كما سنحدده في مبحث لاحق، وجد للمؤلف عذرا.

وتعتبر هذه المقدمة التاريخية، مضافة إلى الميل إلى الرواية والحديث عن الظروف المحيطة بالنص  ومعانيه في مجمل الكتاب، علامةً مبكرة على ميل المؤلف إلى التاريخ الذي سيغلب عليه بعد عودته من فاس.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو مدى تأثر الإفراني بمن سبقه من الشراح الذين قدموا لشروحهم بالتعريف بالشعراء، وعلى رأس هذه الشروح الغيث المسجم، في شرح لامية العجم ،لصلاح الدين الصفدي، الذي تعرض في مقدمة شرحه لأخبار الطغرائي. واعتنى المغوسي من المغاربة بترجمة الشنفرى مورداً ما تيسر من أخباره، مشيرا إلى أهمية قصيدته، وذلك في مقدمة شرحه للامية العرب المسمى إتحاف ذوي الأرب بمقاصد لامية العرب. وليس لدينا ما يدل على استفادة الإفراني من هذا الشرح، أو إطلاعه عليه عند تأليف المسلك السهل، وإن كنا لا نستبعد ذلك.

ونرى أن مقدمات كل من الغيث المسجم للصفدي، وإتحاف ذوي الأرب للمغوسي، وشرح البردة للأليوري، وغيرها من الشروح التي تيسر لنا الاطلاع عليها، ليس فيها من التنوع والغنى والتوجه نحو تعليل شاعرية الشاعر أو تفوقه ما يجعلها في مستوى المسلك السهل. وإذا كانت الخطة التي اتبعها الصفدي في حديثه عن الطغرائي، ثم عن العروض والقافية، قريبةً من خطة الإفراني، فهي مختصرة وغير هادفة  إلى غاية معينة.

[ص28]

كما أن مقدمات أغلب الشروح قبل الإفراني وبعده، ولا سيما شروح البردة و الهمزية، تميل إلى المبررات الغيبية في بيان فضل النص المشروح،  فتنسب لصاحبه من الكرامات ما يضيق به المنطق والذوق. وهذا ما جعلني أبحث عن مصادر أخرى تأثر بها المؤلف واستفاد منها في الإطار العام التاريخي والفني لهذا النـص.

فإلى جانب ميل المؤلف إلى التاريخ نرى أنه تأثر في المسلك السهل خاصة بأحمد المقري في كتابه نفح الطيب وأزهار الرياض، وذلك في اهتمام هذا الأخير بالظروف المحيطة بحياة ابن الخطيب في النفح، وبحياة القاضي عياض في الأزهار، وذلك ما أعطى كتابيه طابعا موسوعيا في تاريخ الأدب الأندلسي والمغربي. ويزكي ما ذهبنا إليه اعتماد المؤلف عليهما، ولا سيما نفح الطيب، في معظم المادة التاريخية والأدبية في مُقدمة المسلك السهل. وكان من نتيجة إعجاب الإفراني بالمقري أن خصه بترجمة عنوانها: الوشي العبقري في ضبط لفظ المقري، كما اطلع الإفراني على مقدمة ابن خلدون ونقل منها في المقدمة والشرح ناعتا صاحبها بـ "الشيخ الرئيس أعجوبة المؤرخين"[58]. وقد بينا أثناء الحديث عن الطابع الثقافي للعصر في كتابنا الإفراني وقضايا الثقافة أن الميل إلى الأدب والتاريخ يميز الأدباء الشبان في عصر المؤلف عن شيوخهم الذين يميلون أكثر إلى اللغة والتصوف والأمثال والحكم.

*             *           *

 

وفي تحديد الإطار الأدبي والفني للموشح لاحظ الإفراني باستغراب الإهمال الذي لحق الموشحات فقال: "والعجب أنه مع كونه من شدة الحاجة إليه بهذه المرتبة لم يتنزلوا لضبط قواعده كل التنزيل، ولم يسهلوا من أمره ما هو في غاية الحاجة إلى التسهيل، ويبسطوا من مسائله ما يصعب"[59].

فهناك إذن الحاجة إلى الموشحات، وهناك الدعوة إلى ضبط مسائلها، وتسهيل ما صعب منها.

[ص29]

غير أنه لم يكن بوسع الإفراني أن يقوم بهذا العبء وحده، فله فضل تصور المشكل والإحساس بالحاجة إلى معالجته، أما ما قدمه في أول السمط الثاني من تعريف التوشيح لغة وعرفا، مع ذكر عدد محدود من أسماء أجزاء الموشح كما نقلها ابن خلدون عن ابن سعيد، فليس كافيا للتعرف على تركيب الموشح وتقنيات بنائه.

وفي المبحثين الخاصين بالموسيقى والعروض والقافية، وهما: زهرة الريحان، في ذكر الطبوع والألحان و جملة كافية فيما يتعلق بالتوشيح من العروض والقافية، اكتفى الإفراني بالتنويه بالموسيقى والحديث عن الطبوع وعلاقتها بالطبائع، وأثر زرياب في تطوير الموسيقى بالأندلس، مؤكدا ضرورة العروض للشعر، ومحددا معنى القافية وما ثار حولها من خلاف بين القدماء، وغير ذلك من القضايا المعروفة المتداولة، معوضا التحليل والتنظير اللذين تقتضيهما المناسبة بإيراد الأخبار والنكت وغريب القوافي.. ولم يزد فيما يخص الموشح على تقطيع البيت الأول منه، وذكر الدائرة التي ينتسب إليها، والنغمة التي يجري عليها، وما كان له من شهرة واستحسان عند أرباب الموسيقى...

وقد سهل مُهمة الإفراني في هذا المجال كون موشح ابن سهل يجري على بحر من البحور الخليلية وهو الرمل. ولم يشر الإفراني إلى تنوع قافية الموشح.

 

 منحى الإفراني في الشرح: الذوق والبلاغـة

إذا نظرنا إلى عمل الإفراني في المسلك السهل بكامله، معتبرين الغاية التي يتوخاها من كل خطوة من خطوات التأليف وجدناه يهتم بثلاثة جوانب أساسية، يشكل كل جانب منها خطوة من خطوات الشرح ومرحلة من مراحله.

[ص30]

وأولى هذه الخطوات وضع النص المشروح في إطاره التاريخي والفني، وتبرير الاشتغال به دينيا، واستغرق هذا الجانب، كما تقدم، ربع الكتاب.

2ـ والخطوة الثانية فهمُ معاني الألفاظ وفحوى التراكيب في مطلبي اللغة والإعراب،  وفي جانب من مطلب المعنى. وقد برر الإفراني تقديم مطلب اللغة بكونه سبيلا لفهم ما بعده، ولم يبرر تأخير الإعراب وهو يؤدي المهمة نفسها. والظاهر أنه خضع في ذلك لتأثير أغلب الشراح في تأخيرهم لمطلب الإعراب ولتأثير ابن مرزوق مباشرة. وكان حَريا به أن يسلك سبيل الصفدي الذي جعل الإعراب بعد اللغة مباشرة، والأليوري الذي قدم مطلب الإعراب على المطلب البلاغي. والخطوتان الأولى والثانية تمهدان لتذوق جمال النص المدروس.

وفي الخطوة الثالثة التي نحللها هنا تناول المؤلف الجانب الفني في النص باذلاً قصارى جهده لإظهار جماله وتعليل هذا الجمال بلاغيا. ويشترك مطلب المعنى والمطلب البلاغي (المعاني، البيان، البديع) في تحقيق هذه الغاية؛ فيتم، في مطلب المعنى، "رفعُ القناع عن معنى التركيب، وتنزيلُ المعنى على الألفاظ، ونسق بعضها ببعض، حتى تصبح من حيث المعنى كأنها سبيكة إبريز، تشهد لصائغها بالتقدم في الصناعة والتبريز"[60].

فالهدف من (المعنى) إذن ليس تيسير الفهم فحسب، وإنما سبك المعاني حتى يظهر جمالها وتفوق صائغها.

ويعتبر المؤلف المطلب البلاغي ألطف المطالب وأعلاها، إذ به تتم المفاضلة والتقديم، فيقول: "ثالثها[61]: وَشيُ حلل البيت بسلك المعاني، ثم بجواهر البيان ثم بيواقيت البديع، وهذا ألطف المطالب وأعلاها وأغلاها، إذ هو مضمار ما يقع به التفاضل، وينعقد بين الأماثل في شأنه التسابق وَ التناضل"[62].

[ص31]

ولهذا كله تكون الخطوة الثالثة محطَّ رحال الشارح والهدف الأسمى للشرح.

ونشرع الآن في تلمس هذه الحقيقة من الشرح مباشرة فنضع بين يدي القارئ نموذجا من النماذج الموفقة في سبك معاني الأبيات، نقتطفه من شرح البيت الثالث، وهو: "كان في البيتين[63] قبله في مقام الغيبة، فتضاعف وجده، إلى أن استغرق في أوصاف جمال محبوبه، وفني في مشاهدة حسنه، فصار حاضراً لديه، مخاطبا له، فهو يحاوره، ويطارحه بما قاساه من هواه، ويقول: يا أيها القمر الذي كان طالعا في فلك القرب، حاضرا في سماء القلب، أنظر إليه، ثم غاب عني، وتحجب بالبعد والفراق، فسلك لهجرانه سبيلا عرض فيه عاشقيه للتهلكة، إذ بغيبة سواده عن سوادهم تغيب أرواحهم عن أجسادهم، فتهلك نفوسهم، ويقوى بوسهم، ويعيل صبرهم، فإن الفراق، عذاب لا يطاق"[64].  

وهكذا يرتفع الإفراني بمطلب المعنى عن المفهوم المتداول بين الشراح، وهو نثر البيت وإعادة ترتيب كلماته ترتيبا (معقولا) يُفرغها من جمالها الفني، ويجرهم إلى كثير من الحشو والفضول، فقد جعل "المعنى" تركيبا للجهد البلاغي في علاقته بالحالة النفسية، فنراه هنا يبحث عن الدوافع النفسية الكامنة وراء تغير اتجاه الكلام من "مقام الغيبة" إلى "مقام المشاهدة"، مستعينا بثقافته البلاغية في الالتفات، محاولا الاستغراق في النص ومشاركة ابن سهل في تجربته، فبقدر ما كان هذا الأخير "يستغرق في أوصاف محبوبه" و "يفنى في مشاهدة جماله"، كان الإفراني يستعيد التجربة ويستلذها في عملية نقد تأثري. وعندي أن الإفراني متأثر هنا بتجربة الغربة التي عبر عنها في أول المسلك، واعتبرها عائقا من عوائق التجويد في التأليف، تلك الغربة التي دامت عشر سنوات على الأقل. وهذه المعاناة والصدق جعلا الشارح ينظر إلى النص في وحدته، ويربط البيت بما قبله، وذلك نادر في الشروح التي تعتبر البيت وحدة مستقلة. وتقتضي هذه الطريقة في الشرح أول ما تقتضي، أن يكون الشارح مبدعا، [ص32]  قادرا على إعادة الخلق، وهو ما برهن عنه الإفراني هنا، سواء في تصور اللحظة والتأثر بها أو في أسلوبه الذي رفع التجربة إلى أجواء السمو الصوفي، مستعملا كلمات من نوع المقام والاستغراق، والفناء، والحضور، والأرواح، والأجساد، والنفوس.

ولا غرابة في ذلك، فالإفراني واحد من كتاب العصر وخطبائه المرموقين. وتجويد الأسلوب سِمة غالبة على هذا المطلب الذي يشيع فيه المجاز وانتقاء الكلمات المتجانسة، والمزاوجة بين السجع والاسترسال.

وقد يكون "المعنى" عبارة عن تخريج صورة مجازية على نحو ما نقرأ في البيت الثاني: "المعنى أن قلبه بسبب حمية الحبيب له، وإيقاده به نار الصبابة، هو في حرارة واحتراق، وأنه يضطرب ويحترق، فالنار مستعرة بحركته، لأنه كالنافخ لها. فحالته في ذلك كحالة المقباس إذا صادفته ريح فهي تقلبه ذات اليمين وذات الشمال. فأخبر أن قلبه يكابد غصص أمرين: الحرارة والخفوق"[65].

فمن السهل التمييز بين الشقين المكونين لهذا "المعنى"، ففي الأول يحاول الشارح تحديد طرفي الصورة، والكشف عن العلاقة بينهما، وفي الثاني، الذي يبتدئ من قوله: "فأخبر.."، يلخصُ المعنى على طريقة أغلب الشراح الذين يهدفون إلى الإفهام لا إلى التذوق.

غير أن تذوق الصور الشعرية، وربطها بالحالة النفسية للشاعر لا يتحقق إلا في الأبيات التي تصور حالة نفسية، أما الأبيات التي لا تحتوي على أكثر من أوصاف مرصوفة فهي لا تستحق، في نظر الإفراني إلا أن يقال فيها كما قال المتنبي[66]:

[ص33]

أساميــــاً لــــم تــــزده معرفـــــة

                            وإنمـــا لــــذة ذكرنـــــاهــــــا

وشأنها شأن الأبيات التي تقوم على أحكام عقلية جافة، كالبيت الثاني والعشرين الذي يُحتج فيه على خرق مبدأ قانوني:

ليـــت شعــــري أي شـــيء حرمـــا

                                     ذلك الــــورد علــــى المـغـتــــــرس

إذ لم يزد في "المعنى" على قوله: "لما أبان في البيت قبله أنه الغارسُ للورد في رياض الوجنات، ومن غرس شيئا فهو له، عجب من كونه لا يجد سبيلا لقطف ما غرسه، ولم يدر السبب الموجب لهذا الإبعاد"[67]، واقتصر في (البيان) على الإحالة على ما سبق: "تقدم ما يتعلق بالورد والغرس وما فيها من المجاز"[68]، ثم استطرد بشرح (التوجيه). ومِثْلُ ذلك صنيعه في (المعاني).

 

بعد فهم البيت وتذوق جماله على نحو ما سبق في مطلب (المعنى)، يتجه المؤلف لاستخراج ما فيه من صور بلاغية على ضوء علوم البلاغة الثلاثة، فيذكر ما فيه من نكت ومحسنات بلاغية. وكان الأمر يتعلق بمستويين لقضية واحدة: المستوى الأول تذوق مباشر، يتلقى فيه الشارح التأثير مباشرة من النص على طريقة النقاد التأثريين، وكأنه أعزل من علوم البلاغة ومبادئ النقد. والمستوى الثاني محاولة تعليل ذلك التأثير بلاغيا، بذكر القاعدة التي تحكمه، والشواهد التي تؤيده. فلا يكاد يذكر المحسن حتى ينطلق إلى بسط القواعد البلاغية، وإيراد الشواهد الشعرية والنثرية مبتعداً هذه المرة عن النص سابحاً في أجواء البلاغة والشعر، وهذا جلي في مطلب (البديع) أكثر من غيره، بينما يجنح في مطلب (المعاني) إلى التحليل والإحالة على الذوق، حاثا على التأمل.

ويتجاذب الإفراني قطبان: الأول قطب المعاني، والثاني قطب البديع. أما البيان فإن عمله فيه  عادي جدا. فهو يهتم في جانب المعاني بقيمة الكلمة في موقعها من التركيب فناقش دلالة أدوات العطف، والاستفهام، وأل، وأن،  وإذا، والفرق بين صفة اسم الفاعل واسم المفعول، كما ناقش التقديم والتأخير، والإضافة  والإظهار، والإضمار، والفرق بين الأزمنة، والتعريف و التنكير، والنداء، وصيغ الجمع، والاستئناف، والحال، ونكتاً بلاغية أخرى يستفيدها من الكتب التطبيقية كالكشاف للزمخشري.

[ص34]

إلى جانب القيمة التي تكسبها الكلمة من موقعها في التركيب، يهتم المؤلف بالملابسات التاريخية والاجتماعية التي تكسب الكلمة إيحاءً خاصا، وتجعلها متقدمة على غيرها في موضعها،   فكلمة "الصبا" في البيت الثاني تكسب قيمتها من ارتباطها باليُمن، واستدل لذلك بقول الرسول: "نُصرت بالصبا"[69]، ومن إرسال الشعراء لها، وانتشاقهم لأريجِ هبوبها لأنها غالبا ما تكون في الأسحار[70].

كما أن كلمة  "الحمى" تميز الظبيَ الذي أضيف إليها فتجعله أحسن الظباء لما توفره له من نعومة العيش وهناء البال، ويؤيد ذلك قولهم: "آمن من ظبي الحرم"[71].

ويقف الشارح عند تعبير الشاعر: "بأبي أفديه.." فيرى أن استعمال الأب صان الكلام من الاستهجان الذي يلحق به من ذكر الأم، وقد كان عبد الملك بن مروان يستهجن ذكر النساء والطعام في مجالسه[72].

وانتبه الإفراني كذلك إلى ما تفقده التعابير المجازية من قوة إيحائها نتيجة كثرة الاستعمال حين تتحول دلالة الكلمات من المجاز لتصبح "حقائق عرفـيـة"، نجد ذلك عند تعليقه عن الصور البيانية في البيت الأول:

هـل درى ظبــي الحِمــى أن قــــد حمــــى

                         قـلـــبَ صــــب حلـــه عــن مـكــنــس

بقوله: "وهذه الألفاظ صارت عند الشعراء حقائق عرفية وإن كانت في الأصل مجازا"[73].

وينجذب الإفراني بقوة التقليد  وذوق العصر نحو البديع كما سلف. ولا نجد في هذا المطلب تحليلا لقيمة المحسن في النص المشروح. إذ يكتفي المؤلف بذكر المحسن ثم ينطلق إلى شروح [ص35]  البديعيات يستقي منها مادة غنية من شواهد الشعر والنثر، والتقنينات ذات الطابع التعليمي حتى لكأن الأمر يتعلق بدرس في البديع، وكأن المؤلف لا يثق في ثقافة القراء. وهذا ما يقرب هذا المطلب من شروح "البديعيات"، التي تنطلق من أمثلة مصنوعة في البيت المشروح لتفصيل القواعد البديعية، وكان مجموع المحسنات التي تعرض لها المؤلف في هذا الشرح حوالي سبعٍ وعشرين محسنا، منها ما تكرر الحديث عنه عدة مرات  كالطباق والجناس والاقتباس. ونذكر هنا هذه المحسنات حسب ورودها أول مرة في المسلك السهل، وهي: الجناس، والمواساة، والتمثيل، والطباق، ومراعاة النظير، والجمع والتفريق، والتفسير، والإدماج، والمبالغة، والانسجام، والتكرار، وحسن البيان، و السهولة، والتعديد، والتورية، و الإرصاد، وحسن الاتباع، والتتميم، والتوجيه، والتنكيت، والتجريد، والاعتراض، وحسن الانتهاء. أدخل الإفراني ضمن البديع كلاما على التشبيه والتشبيه المركب[74].

وقد يجنح المؤلف إلى الاختصار في الحديث عن القواعد البديعية ويرتبط بالنص أكثر، ففي شرح البيت الثامن، اقتصر على مثال واحد في تعريف المحسن، ثم عاد إلى البيت يشرح موقع المحسن منه [75].، وهذا النحو قليل في مطلب "البديع".

 

 

*                 *               *

 

[ص36]

نرى بعد هذا أن الإفراني جمع في شرحه بين اتجاهين طالما اعتبرا مختلفين أو متباينين وهما اتجاه "المعاني" واتجاه "البديع"، فتركيزه على التراكيب والعلاقة بين الكلمات والقيمة التي تكتسبها اللفظة من موقعها مما يرجع إلى علم المعاني الذي تحددت معالمه من خلال جهود عبد القاهر الجرجاني في كتابه (دلائل الإعجاز) فيما سماه بالنظم. وأغنى الزمخشري هذه الجهود بتطبيقها على آيات القرآن في (الكشاف)[76]  وهذا الكتاب هو، في تقديري، المدرسة التي تخرج منها الإفراني في القدرة على التمييز بين التراكيب وإدراك قيمتها. يقول في شرح البيت الثاني: "..فإن قلت: ما وجه العدول للإتيان بالظروف في قوله: فهو في حر وخفق؟ وهلا قال: حار وخافق؟ قلت: وجهه مراعاة الأبلغية، ولا خفاء أن قولك: فلان في حزن أبلغ من حازن، وفي سرور، أبلغ من مسرور، وسبَـبُها واضح، فتأمل. وهذه لطيفة استفدتها من الكشاف في غير ما موضع"[77].

ولم يذكر الإفراني كتاب الكشاف من بين مصادره في أول المسلك السهل،  وإن أحال عليه أثناء الشرح. وسبب ذلك، فيما نرى، أنه لم ينقل منه نصوصا. على أن اهتمام الإفراني بالزمخشري يظهر من تلخيص أخباره في تقييد سماه: طلعة المشتري في التعريف بمحمود الزمخشري، عدا حديثه عنه في المسلك السهل. وفي أزهار الرياض من الأخبار والشعر وما يبرز اهتمام المغاربة وغيرهم بالجانب البلاغي من كتاب الكشاف، برغم ازورارهم عن آراء الزمخشري الاعتزالية[78].

أما المصدر الذي استفاد الإفراني منه في الاهتمام بقيمة الكلمة فهو شرح البردة للأليوري. وهو من مصادره المسطرة في أول الكتاب، فهذا الشارح يهتم اهتماما ملحوظا بقيمة الكلمة في موقعها على نحو ما نورده هنا في شرحه للبيت الأول:

أمــن تذكــر جيـــران بــذي سلـــم

                  مزجـت دمعـا جــرى من مقلـة بــدم

[ص37]

قال: استعمل لفظ "جيران، ولم يقل لفظ أحباب، والوزن يساعده،  فراراً من اللفظ المبتذل، لأن الأحباب لفظ مبتذل، لا يستعمله إلا ضعفة الشعراء. والقوي العارضة منهم، يجتنب الألفاظ المبتذلة، ويتحامى مَا يكثر ترداده على ألسنة العامة من الألفاظ"[79].

ويهتم الأليوري، مثل الإفراني، بالجانب النفسي، يحاول إبرازه من خلال تعابير الشاعر[80]، كما يهتم بالقيمة الموسيقية للكلمة أو التركيب، وفي هذا يرى أن "ذي سلم" في البيت اختيرت للمحافظة على الترصيع الذي يزيد به النظم حُسناً، زيادة على ما فيها من كناية[81].

وهذان المصدران، أي كتاب الكشاف وشرح البردة للأليوري، وربما غيرهما،  ساعدا الإفراني على الإفلات من سيطرة التيار البديعي في عصره، وأقاما توازنا بين المعاني والبديع في كتابه، بل إن أصالة الإفراني في هذا الشرح ظاهرة في جانب المعاني أكثر منها في البديع، بينما كان عمله في البيان يسيرا ومكملا للمعنى والمعاني كما سبق.

واعتمد الإفراني فيما أورده من تعريفات علم البديع وشواهده على مصدرين أساسين، هما خزانة الأدب لابن حجة، وهو شرح لبديعية من نظم المؤلف. وأنوار التجلي لعبيد الثعالبي، وهو شرح لبديعية صفي الدين الحلي. وضعهما الإفراني على رأس مصادره في البديع فقال في الأول: "بديعية ابن حجة وشرحها له، وما رأيت مثل شرحها في الأدب"، وقال في الثاني: "بديعية الصفي الحلي، وشرحها للثعالبي في مجلدة، وهو شرح حفيل".

وكانت البديعيات غاية ما انتهى إليه الاهتمام بالبديع. ظهرت في النصف الأول من القرن السابع من الهجرة، إذ يعتبر الإربلي المتوفى سنة 670هـ أول من نظم قصيدة حَرص على إيداع كل منها محسنا بديعيا. ثم نظم صفي الدين الحلي المتوفى سنة 750هـ مدحية نبوية ضمنها عدداً وافراً من المحسنات البديعية، واشتهرت لسلاستها وعذوبة ألفاظها. ومن أهم شروحها أنوار التجلي على ما [ص38]  تضمنته بديعية الحلي لعُبيد الثعالبي، وهو في جزأين، وما يزال مخطوطا. كما نظم ابن جابر الأندلسي المتوفى سنة 750هـ بديعية،  شرحها رفيقه أبو جعفر الرعيني. وقد تردد ذكرها في المسلك السهل. "غير أن بديعيته لم تظفر بالشهرة كما ظفرت بديعية ابن حجة الحموي المتوفى سنة 837هـ، وقد جعلها في مائة واثنين وأربعين بـيـتا"[82]. وعليها أقام شرحه خزانة الأدب المذكور، وحشد فيه من شواهد الشعر والنثر ما جعله خزانة أدب بحق. واعتمد الإفراني على هذا الشرح في المقام الأول، كما تقدم، فأخذ منه أغلب مادته في قواعد البديع وشواهده، وتبنى آراء ابن حجة في قضايا أدبية مثل الإعجاب بالمبالغة والتورية، وحملَ مثله على تشدُّد الصلاح الصفدي في محاسبة الشعراء وتتبع معانيهم بالنقد، وإغارته على معاني غيره.

واستمرت سيطرة البديع على الأدب والبلاغة طوال العصور التالية لعصر ابن حجة. فنظم فيه جلال الدين السيوطي (ت911هـ)، وعائشة البعونية (ت922هـ)، وصدر الدين بن معصوم الحسيني(ت1117هـ)، وعبد المغني النابلسي(ـ1143هـ). وهذان الأخيران معاصران للإفراني[83]. فكان من الطبيعي أن يتأثر الإفراني بهذه الثقافة التي تعتبر زينةَ العصر، ويبحث لها عن مكان في الكتاب. وكان النص المشروح مُسعفا، فخرج مطلب البديع شبيها بشرح بديعية من سبعة وعشرين محسنــــا. 

وقد أشرنا في مناسبة سابقة إلى تداخل مباحث علوم البلاغة أحيانا عند الإفراني، من ذلك حديثه عن التشبيه، والتشبيه  المركب في البديع والبيان في الوقت نفسه. ويرجع ذلك فيما نرى إلى أن اتساع البحث في البديع جعله يبتلع بعض المباحث التي اعتبرت من علم المعاني، ومن ذلك الإطناب والتكرار والتفصيل والتذييل والاستقصاء والإيجاز والبسط [84]. وهكذا تضخم البديع "ليشمل الصور [ص39]  البيانية، وكثيرا من صور علم المعاني"[85].

أما البيان فكان قد انكمش في تلخيصات المفتاح للسكاكي وشروحها، وأهمها المطول لسعد الدين التفتازاني الذي يعتبر من أهم مراجع الإفراني ومعاصريه. ولم يكن علم المعاني بموضوعاته المحدودة على أهميتها، ميدانا مسعفا لبسط القواعد وجلب الشواهد.

*             *           *

وينطلق الإفراني في شرحه لهذا الموشح من الإعجاب به، فيهتم بإظهار جماله، وتعليل ذلك الجمال. غير أن هذا لم يدفعه إلى التنويه بما لا يستحق التنويه من كلام ابن سهل، ولا إلى غض الطرف عما بدا له من مآخذ. فأخذ عن ابن سهل بعض تعابيِره، فرد عليه استعمال الواو في قوله: "وفؤادي" مرجحا عليها الفاء لإيذانها بالسببية، كما رجحها بعض أصحابه، فقال الإفراني: "المعاني: عبر بالواو في قوله: "وفؤادي". وقال بعض أصحابنا: إن التعبير بالفاء أحسنُ. وهو ظاهر لما فيها من الترتب على ما قبلها، أي فبسبب سكر جفونه وعربدته لا ينتبه فؤادي من رقدة سكره، وأما الواو فلا تخلُص في هذا المحل من قلق"[86].

وقدم الإفراني عبارةَ ابن الخطيب: "جال في النفس" على عبارة ابن سهل: "حل من نفسي"، فقال: "وعندي أن تعبير لسان الدين بن الخطيب في معارضته السالفة   بالمجال ألطف من تعبير ابن سهل بالمحل، وإن كان لسان الدين أخذ منه"[87].

على أن عدم احتفال الإفراني ببعض أبيات الموشح والاقتصار في شرحها على ما سبق، أو اعتبارها "أساميا لم تزده معرفة" على نحو ما سبق، يعتبر، في حد ذاته،  مأخذا عاما مهذبا.

[ص40]

ونرى، في الختام، أن موازنة الإفراني بين المعاني والبيان، من جهة، والبديع، من جهة أخرى، جدير بأن يثير الشك حول نظرية ابن خلدون في أن المغاربة أميل إلى البديع لسهولته على حساب البيان والمعاني الدقيقي المطلب والصعبي المأخذ[88]، كما يقلل من أهميته استثمار الدكتور بدوي طبانة لهذه النظرية لتجريد المغاربة من القدرة على الابتكار، والاكتفاء بالنقل عن المشارقة[89].

 
[ص41]
ج ـ تحقيق الكتاب

المخطوطات المعتمدة

 لقي كتاب المسلك السهل قبولا لدى الأدباء المغاربة جعل عدد النسخ المخطوطة منه تعد بالعشرات  (عدا الطبعة الحجرية التي صدرت بفاس). يوجد بالمكتبتين الملكية والعامة بالرباط وحدهما ثلاث وعشرون نسخة.  بعد المقارنة بين هذه النسخ تبين أن أحسنها وأصحها هي نسخة الخزانة الملكية بالرباط رقم 1761، تليها نسخة أخرى في الخزانة نفسها برقم 9918، وتليها نسخة الخزانة العامة رقم 171 ج. فاعتبرنا أن النسخة الأولى الأصل الأول المعتمد في التحقيق، والنسخة الثانية أصلا ثانيا مكملا للأولى،  واعتبرنا نسخة الخزانة العامة نسخة مساعدة. ورمزنا للأصل الأول بكلمة (الأصل)، وللأصل الثاني بحرف (ب)، وللنسخـة الثالثة المساعدة بحرف (ج).

1 ـ نسخة الأصل.

عدد أوراق هذه المخطوطة مائة وعشر ورقات. في كل صفحة منها اثنان وعشرون سطرا. وهي بخط مغربي معتاد جميل، يسير على وثيرة واحدة من أول الكتاب إلى آخره. ويستدرك الناسخ ما فاته من كلمات أو عبارات في الحواشي مع حرف (ط)، ويكتب الكلمات غير الواضحة  في المتن مع إشارة التصحيح "صح". كما استدرك في الورقة 77 ظ سهوا حين انتقل من مطلب "المعنى" في البيت الثالث عشر إلى البيت الرابع عشر، ثم عاد فشطب ذلك وكتب "المعنى".

وفي أول الورقة 25 ظ بياض استدرك المؤلف فيه بعض ما فاته حين تبييض الكتاب.

وعادة الناسخ أن يكتب أبيات الشعر في سطر مستقل إلا في حالات قليلة. ويكتب أبيات الموشح بالأحمر وكذا بعض العناوين.

وتوجد في أول هذه المخطوطة لائحة بمصادر التأليف بخط المؤلف. كما توجد بين البسملة والحمد في أول الكتاب العبارة التالية: "يقول العبد الحقير،  المخطئ الفقير، المرتجي عفو مولاه محمد [ص42]  الملقب بالصغير، بن محمد بن عبد الله الإفراني نجاراً، المراكشي داراً، تاب الله عليه، ووجه قلبه إليه". ونعتقد أنها (أي العبارة) من خط المؤلف، أو خط صاحبه محمد صالح الشرقي صاحب هذه المخطوطة. كما يوجد خط المؤلِّف بطرة الكتاب في أوله وآخره، ففي الورقة 2 ظ يعلق على عبارته: "وحقيقة تزري بشقائق ابن الشقيقة" بقوله: "ط ابن الشقيقة هو النعمان بن المنذر ". وفي طرة الورقة 4 ط تعليق على قول الشاعر:

خرجنــــا علـــــــى أن المـقـــــــــام ثلاثــــــــــــةٌ

                                             فطـــاب لنـــا حتــــى أقمنــــا بـــــــه شهـــــــرا

بقوله: "ط هذا البيت رأيته في منطق الطير غير معزو، ثم وقفت عليه في مقطعة ذكرها الشريشي الكبير، ونسبها للحسن، ولعله ابن هاني، إلا أنه قال: حتى أقمنا بها عشرا". وفي طرة الورقة 5 و بقايا كلامٍ من خط المؤلف نستعين في نقله هنا بالنسخة (ب) وهو يتعلق بنسبة بيتين في المتن جاء فيه: "البيتان لأبي روح الجزيري، إلا أنه قال أحنُّ إلى الخضراء، يعني جزيرة الأندلس". وفي طرة الورقة 8 و، تعليق على رأي أحد مشايخه في المتن جاء فيه: "ط هذا الذي قاله هذا الشيخ هو الذي كنت أقول به ولم أزل، قا...".

وفي الورقة الأخيرة من هذه النسخة في الزاوية اليمنى السفلى كتب المؤلف بخطه: "كان فراغي من تبييضه أوائل رجب من عام ثمانية وعشرين ومائة وألف بالمدرسة الرشيدية من مدينة فاس، قاله مؤلفه محمد....".

وقد أثبتنا هذه التعليقات في حواشي المسلك السهل حيث التحقيق، وهي تدل على أن المؤلف راجع هذه المخطوطة كلها أو بعضها، أو قرئت عليه، أو استشير في بعض قضاياها فعلق عليها بخطه.

وناسخ هذه المخطوطة من أصحاب الإفراني نسخها من مبيضة المؤلف، لقوله في آخرها: "وكان الفراغ منه من مبيضة جامعه ومؤلفه صاحبنا الفقيه النبيه السيد الصغير المراكشي حفظه الله ورعاه في النصف من رجب المبارك عام ثمانية وعشرين ومائة وألف....".

[ص43]

ويدل انتهاء الناسخ من النسخ في أقل من خمسة عشر يوما على أنه ربما كان يساير المؤلف في نسخ الكتاب فصلا فصلا، ويستعين به على ما يجده من صعوبات، ولا يبعد أن يكون هو الآخر من طلبة المدرسة الرشيدية التي أنهى فيها الإفراني تأليف المسلك السهل.

وكانت هذه النسخة في ملك محمد صالح الشرقي، ثم آلت إلى ابنه المعطي، ولا يبعد أن يكون هو ناسخها، ففي الزاوية اليمنى العليا من الورقة 1و منها العبارة التالية: "عارية من عواري الدهر بيد (....) وكاتبه (.......) بخط يده الفانية محمد المدعو بالصالح بن محمد الملقب بالمعطي الشرقي التادلي العمري الفاروقي،  عفا الله عنه"[90]. وفي المكان نفسه من الورقة 2 و "..المعطي بن الصالح بن محمد (.....) بن محمد الشرقي (.....) نسبا التادلي داراً (.....) تاب الله عليه، وعامله (.....) خير هو لديه هـ "[91].

ولكل المزايا السابقة اعتبرنا هذه النسخة الأصلَ الأولَ المعتمد في تحقيق الكتاب. وهي تكاد تغني عن غيرها لولا أن الأرضة عبثت بأطرافها فأتلفت كلمات وحروفا كثيرة، وما زالت تعيث فيها فساداً كما فقدت منها الورقة 40 ظ فاقتضى الأمر أن نبحث عن نسخة مكملة لهذه النسخة، فاخترنا مخطوطة الخزانة الملكية رقم 9918.

2 ـ مخطوطة الخزانة الملكية رقم 9918:(ب).

وهي مخطوطة عارية من تاريخ النسخ. عدد أوراقها مائة وورقتان،  في كل صفحة منها واحد وعشرون سطراً. وهي بخط مغربي معتاد واضح. وصفحاتها مؤطرة بخطين  أزرقين يحيط بهما خط أحمر. يميز كاتبُها بين النثر والشعر في الكتابة. كما يبرز الأبيات والعناوين بالألوان. وهو ناسخ متمرس، أمين، لا يتدخل في تغيير ما غمض عليه. وليس على هذه المخطوطة خطوط أخرى غير خط الناسخ، وهي كاملة وسليمة. نقل صاحبها  بعض تعليقات الإفراني التي كتبها بخطه في أول نسخة (الأصل) مع النص حينا على أنها "من خط المؤلف ". ونعتقد أنها نسخت من (الأصل ) [ص44]  مباشرة قبل أن تعبث به الأرضة، وذلك يجعلها أقدم النسخ بعد (الأصل) بقطع النظر عن تاريخ نسخها، كما يجعلها أحسنَ مكمِّل لهُ. فاعتبرناها لذلك أصلا ثانيا ورمزنا إليها بحرف (ب).

ولكثرة ما استدركناه منها من خروم في (الأصل) اكتفينا بحصر ما نقل منها بين معقوفين بدون إحالة. أما حين يكون التكميل من غيرها فإننا نحصرهُ بين معقوفين ونحيل على الأصل المنقول منه.

 3 ـ مخطوطة الخزانة العامة رقم 171 ج:(ج).

وإذا كانت المخطوطتان السابقتان تفصحان عن نفسيهما لمزاياهما الظاهرة، فإن اختيار النسخة الثالثة كلفني مقارنات مضنية بين النسخ الثلاث والعشرين.

عدد أوراق هذه النسخة مائة وثماني وعشرون ورقة، في كل صفحة منها ثمانية عشر سطرا. وهي بخط مغربي معتاد جميل وواضح. وصفحاتها مؤطرة بخطين أزرقين. انتهى منها الناسخ سنة 1265هـ، وقد كتب العناوين والتنبيهات بالأزرق. وليس عليها شيء من التعاليق المنقولة من خط الإفراني، فنعتقد أنها منقولة عن أصل آخر. وفيها بترُ حوالي ستَّ عشرة صفحة، يبتدئ من الصفحة السابعة والعشرين، ذهب بآخر السمط الأول من المقدمة، وحوالي صفحتين من أول السمط الثاني منها. وميزة هذه النسخة في سلامتها سلامة تامة من أخطاء النسخ المستفحلة في النسخ الأخرى، بل تتعدى ذلك لاقتراح حلولٍ لبعض الإشكالات الموجودة في الأصل، فيظهر أن صاحبها محمد الغماري الزجلي، الذي نسخها بخط يده لنفسه، كان عالما أديبا مُطلعاً على قضايا الشعر، ملما بالعروض، ولذلك اخترناها نسخة ثالثة مساعدة في التحقيق، ورمزنا إليها بحرف (ج)، كما تقدم.

ولم نتردد في الاستعانة بباقي المخطوطات كلما دعت الضرورة لذلك، غير أن قصارى ما استفدناه منها هو تسهيل قراءة بعض الكلمات الملتبسة في (الأصل). وأحسن النسخ بعد المخطوطات الثلاث السابقة هي مخطوطة الخزانة العامة بالرباط رقم 1692 ك، وهي منقولة لاشك عن نسخة  (الأصل)، ففيها تلك البداية التي امتاز بها الأصل و(ب) وهي قول الإفراني:"  يقول العبد الحقير..". ونقل ناسخها بعضَ تعليقات الإفراني على نسـخـة  (الأصل) ونص على أنها من خط المؤلف.

[ص45]

أما مطبوعة الكتاب، فقد طبعت بمطبعة البادسي بفاس سنة 1324 هـ طبعة حجرية على نفقة محمد بن القاسم البادسي، وتصحيح الفقيه أحمد بن العباس كما هو مبين في آخر هذه الطبعة. وعدد صفحات المطبوع مئتان. وليس فيه ما يمتاز به عن سائر المخطوطات، ولا يسمو بحال إلى كمال (الأصل) المخطوط المعتمد عندنا. وقد نظرنا في النسخة المطبوعة مرارا فلم نجد فيها ما يشفي الغليل في بعض الإشكالات التي استعصت على نسخ المخطوطة المعتمدة عندنا. وهي إلى ذلك مليئة بأغلاط الطبع.

والواقع أن المصادر التي نقل عنها الإفراني شواهد الشعر ونصوص الأخبار كانت الأصل الثالث الذي اعتمدنا عليه في التحقيق بعد نسخة  (الأصل) والنسخة (ب)، فهي وحدها التي أسعفتنا في الوصول إلى حلول لكثير من الإشكالات الناتجة عن أخطاء النسخ في نسخة (الأصل) ونسخة (ب) حينا، وعن تصرف الإفراني في بعض النصوص حينا آخر.

وإلى  جانب ما تقدم كانت قراءتي المستمرة والدائمة لمؤلفات الإفراني الأخرى، والتمرس بأسلوبه، وكذا التعمق في ثقافة العصر من جملة ما ساعدني على فهم الكتاب وحل إشكالات النسخ فيه.

 

طريقتنا في تحقيق الكتاب

 

انصب عملنا في المرحلة الأولى على استخراج نسخة قريبة من نــص الكتاب كما وضعه مؤلفه اعتماداً على المقارنة بين المخطوطات. ثم اتجهنا بعد ذلك إلى تخريج نصوص الشعر والنثر التي نقلها المؤلف من مصادر مختلفــــة ومتنوعة جدا اعتماداً على فهارس أولية لمادة الكتاب.

ثم سارت عملية التحقيق في خطوات وئيدة (أكثر من خمس سنوات موصولة) لتحقيق المطالب التالية:

[ص46]

1 ـ نسبنا النصوص المنقولة في المسلك السهل إلى مصادرها، لاسيما نصوص الأدب واللغة والبلاغة إلا ما نَدر، مع حصر ما نقله الإفراني منها بالنص بين أقواس مزدوجة، و الإشارة إلى الفروق التي توجه المعنى. وبالاستعانة بالمصادر الأصلية للنصوص المنقولة، وبمخطوطات المسلك السهل الأخرى، أمكن تصحيح الأخطاء الناتجة عن النسخ[92]، وتصحيح بعض الأسماء التي وقع فيها تحريف في المسلك السهل وفي بعض المصادر التي نقل عنها كذلك[93]،  وكذا أسماء بعض الكتب[94].

2 ـ ذكرنا في الحاشية تتمة بعض النصوص المنقولة في المسلك السهل وبينا ما وقع في بعضها من تحريف أدى إلى تغيير المعنى، وذلك حتى يسهل على القارئ فهمها في سياقها الأصلي ويرتفع عنها اللبس[95].

3 ـ أضفنا إلى متن الكتاب كلمات وعبارات يسيرة حذفها الإفراني من النصوص التي نقلها، وكان حذفها مخلا بالمعنى، الأمر الذي ساهم في حل كثير من الإشكالات المتبقية بعد النسخ والمقابلة[96] .

4 ـ رأينا في الكتاب أبياتا من الشعر مضطربة الوزن فاجتهدنا لتقويمها بالاستعانة بمصادرها الأصلية في دواوين الشعراء أو كتب الأدب، أو بالنظر إلى ما في النسخ الأخرى، وقد امتازت النسخة (ج) بتقديم حلول لبعض هذه الإشكالات[97].

[ص47]

5 ـ صححنا نسبة بعض الأبيات الشعرية التي وهِم الإفراني في نسبتها[98]. ونسبنا بعض ما لم ينسبه منها.

6 ـ شرحنا بعض الألفاظ الغريبة في الشواهد التي أوردها الإفراني، مع تجنب إثقال الحواشي. وقد رجعنا في ذلك إلى القاموس المحيط للفيروزابادي، وهو مصدر الإفراني الأول في اللغة،  والصحاح للجوهري، والأساس للزمخشري، ولسان العرب لابن منظور، وتاج العروس للزبيدي وغيرها. كما رجعنا إلى المعاجم الخاصة، مثل الروض المعطار ومعجم البلدان ومعجم دوزي، مع إثبات المعجم المعتمد في الحاشية في غالب الأحيان.

7 ـ شرحنا بعض النكت البلاغية التي قد تستغلق على بعض القراء، كـَ (التوجيه) بأسماء الكتب ومصطلحات العلوم. ولشيوع هذه الظاهرة البلاغية في الكتاب اقتصرنا على شرح المستغلق منها ليكون وسيلة لفهم ما دونه.

8 ـ عرّفنا بحوالي مائة علم من أعلام الأدب من عصور مختلفة، وصححنا ما وقع في أسماء بعضهم من تحريف على نحو ما سبق[99]، مع الاهتمام بالمغاربة والأندلسيين وأهل العصور المتأخرة، وذلك لما لهم من مساهمة في الثقافة التي يمثلها المسلك السهل، مع تحاشي التفاصيل غير  المفيدة، وأشرنا إلى أهم مصادر ترجمتهم.

9 ـ عرفنا ببعض الكتب والمؤلفات التي لها صيت ومكانة في عصر المؤلف وتردد ذكرها في المسلك السهل، لاسيما ما ليس مطبوعا أو متداولا منها.

10 ـ ضبطنا بالشكل آيات القرآن والأحاديث النبوية ونصوص الشعر وأواسط بعض الكلمات وأواخرها.

[ص48]

هذه نظرة موجزة عن عملنا في التحقيق، هدفْنا منها إلى تصحيح النص وتقريبه من الصورة التي أخرجه عليها المؤلف أو تمناها له، مع تصحيح ما فاته أو التبس عليه. والكمال لله وحده.

 



[1] ـ انظر ترجمة الإفراني في كتابنا الإفراني وقضايا الثقافة والأدب في مغرب القرنين 17، 18.ط الدار العالمية للكتاب. الدار البيضاء 1992.

[2] ـ انظر المرجع السابق.

[3] ـ انظر تفصيل ذلك في المرجع السابق.

[4] ـ 59.P.1944.HESPERIS

[5]ـ مؤرخو الشرفاء 217.

[6] ـ انظر دليل المؤرخ 1/277-278.

[7] ـ الإعلام 5/57.

[8] ـ دليل المؤرخ 1/164.

[9] ـ المسلك السهل 71.

[10] ـ الإعلام 5/54.

[11] ـ فهرس الفهارس 2/15.

[12] - مخطوط الخزانة الملكية بالرباط رقم 4294.

[13] - الإعلام. 5/54.

[14] - مخطوط الخزانة العامة بالرباط: ع 88 ج.

[15] - رحلة الوافد 197، وفهرس العميري. 81.

[16] ـ هي مدرسة الشراطين، أسسها الملك رشيد العلوي. انظر كتابنا الإفراني ص87-88.

[17] ـ  مخطوطة الأصل ص294.

[18] ـ المسلك السهل57.

[19] ـ المسلك السهل 434. من مخطوطة الأصل 293.

[20] ـ خطبة المسلك53.

[21] ـ مخطوطة الخزانة العامة رقم 157 د  ورقة 59 و.

[22] ـ  انظر المسلك السهل143.

[23] ـ نفسه.

[24] ـ المسلك السهل ص53.

[25] ـ نفسه268.

[26] ـ نفسه.

[27] ـ المسلك السهل 269.

[28] ـنفسه 413 .

[29] ـ الدر النفيس 377، والمسلك السهل ص415 والحاشية 1.

[30] ـالمسلك السهل 87.

 

 

 

[31] ـ وهو الديوان الوحيد المسجل في سجل الاستعارة بمكتبة ابن يوسف في أول القرن الثاني عشر الهجري 57  P 1944 HESPERIS.

[32] ـ انظر محاضرة للدكتور عباس الجراري بعنوان الأدب المغربي في المولد النبوي، في كتابه الأدب المغربي 1/ 150 وما بعدها.

[33] ـ مخطوطة خ. ع. ضمن مجموع رقمه 1372 د.

[34] ـ مخطوطة خ.ع. 895 ج.

[35] ـ مخطوطة خ. ع. 527 ج.

[36] ـ مخطوطة خ.ع  534 ج، 1135 ج.

[37] ـ مخطوطة خ.م 4198، 4260.

[38] ـ انظر كتابنا الإفراني وقضايا الثقافة.

[39] ـ توجد نسخ منه عديدة بالخزانة العامة بالرباط منها 142 ج، 877 ج  الخ.

[40] ـ الإعلام للمراكشي 5/54. وولد أبو الربيع سليمان الحوات بعد ثلاث أو أربع سنوات من موت الإفراني أي سنة 1160/1747، وتوفي سنة 1231/ 1816. (مؤرخو الشرفاء 242 ).

[41] ـ مؤرخو الشرفاء 89، وقد عاش ليفي بروفنسال في النصف الأول من هذا القرن ( 1894 - 1956م). انظر ترجمته في أول الترجمة العربية لكتابه مؤرخو الشرفاء نقلا عن مجلة ( أرابيكا 1956 فصلة 2 ).

[42] ـ الرياحين الوردية 67.

[43] ـ الدرر المرصعة 91.

[44] ـ التقاط الدرر 2 / 415.

[45] ـ الإعلام المراكشي 5 / 53.

[46] ـ مؤرخو الشرفاء 93.

[47] ـ النبوغ المغربي 1 / 298.

[48] ـ إظهار صدق المودة مخ. خ. ع رقم 1713 د  ورقة 10 ب. الجزء الأول.

[49] ـ شرح البردة مخ. خ. ع رقم 530 ج.ص4.

[50] ـ إتحاف ذوي الأرب مخ. خ.ع رقم 877 ج ص7.

[51] ـ الغيث المسجم 1/3.

[52] ـ المسلك السهل ص146. وانظر حديثنا عن الطرافة ومفهوم الأدب في هذه المقدمة.

[53] ـ نفسه61.

[54] ـ المسلك السهل 146.

[55] ـ نفس ه 146

[56] ـ نفسه 117.

[57] ـ نفسه 73.

 

[58] ـ المسلك السهل ص99.

[59] ـ نفسه49.

[60] ـ المسلك السهل ص56

[61] ـ يقصد الخطوة الثالثة من خطوات الشرح.

[62] ـ المسلك السهل ص56.

[63] ـ  الأبيات المحال عليها هي:

قـلب صـلـب حـلـه عـن مـكـنـس
لعـبـت ريح الـصبـا بالـقــبــس
غـررا تسـلــك فــي نـهــج الــغرر

 

هل درى ظبي الحِمى أن قـد حمـى
فـهـو في حـر وخـفـق مـثـلـمـا
يـا بــدورا أفــلـت يـوم الــنــوى

 

[64] ـ المسلك السهل ص184 ـ 185.

[65] ـ المسلك السهل ص167.

[66] ـ نفسه 346.

[67] ـ المسلك السهل ص389.

[68] ـ نفسه 393

[69] ـ المسلك السهل ص173.

[70] ـنفسه .

[71] ـنفسه 157.

[72] ـ نفسه 310.

[73] ـ نفسه 157.

[74] ـ المسلك السهل ص222.

[75] ـ نفسه 249.

[76] ـ البلاغة تطور وتاريخ 219 وما بعدها.

[77] ـ المسلك السهل ص174.

[78] ـ أزهار الرياض 3/282-325.

[79] ـ شرح البردة مخطوطة خ. ع. برقم 530 ج، ص 7.

[80] ـ المصدر السابق 7.

[81] ـ المصدر السابق 8.

[82] ـ البلاغة تطور وتاريخ 362.

[83] ـ المرجع السابق 363 - 366. انظر كذلك تظهور البديعيات وتطورها في كتاب علم البديع 46 - 64 لعبد العزيز عتيق.واستمر البديعيون في نظم البديعيات وشرحها إلى العقود الأولى من القرن العشرين ومنهم محمود صفوت الساعاتي (1298هـ) والشيخ طاهر الجزائري (ت1341/1922 ).

[84] ـ البلاغة تطور وتاريخ 359.

[85] ـ البلاغة تطور وتاريخ 366.

[86] ـ المسلك السهل ص333.

[87] نفسه 303.

[88] ـ مقدمة ابن خلدون

[89] ـ البيان العربي 137 - 138.

[90] ـ مابين قوسين أكل أرضة.

[91] ـ ما بين قوسين أكل أرضة.

[92] ـ انظر مثالا لذلك في الصفحة 323 الحاشية 3 والصفحة 135 الحاشية4. والصفحة 136 الحاشية1.

[93] ـ انظر أمثلة لذلك في الصفحة 236 الحاشية1، والصفحة 324 الحاشية 3، والصفحة 328 الحاشية 1، والصفحة 417 الحاشية3 والصفحة 423 الحاشية 5..الخ.

[94] ـ على نمط ما في الصفحة87 الحاشية 8.

[95] ـ انظر مثال ذلك في الصفحة 88 الحاشية 2، والصفحة 163 الحاشية 2 ، والصفحة 264 الحاشية 1، 2،3. والصفحة 116 الحاشية 1، والصفحة 415 الحاشية1.

[96] ـ من ذلك إسقاط عجز بيت من الشعر وصدر الذي يليه، وتكوين بيت كامل من صدر الأول وعجز الثاني في الصفحة83 الحاشية 4، والصفحة 115 الحاشية 2 وَ 4.

[97] ـ انظر مثالا لذلك في الصفحة 353 الحاشية 2، والصفحة 185 الحاشية1.

[98] ـ انظر الصفحة 399 الحاشية 3 وَ 4 الصفحة 319 الحاشية 1 وَ 3.

[99] ـ انظر الصفحة 136 ح: 2،3 ، 4 ، 5  وَ ص137 ح 1، والصفحة 196ح4. والصفحة197 ح5 و 358ح3.