رسالة
مفتوحة
إلى
المهدي
المنجرة
نشر
بجريدة
الاتحاد
الاشتراكي يوم 03/03/2007 http://www.alittihad.press.ma/def.asp?codelangue=6&ref=2 |
المحترم
الأستاذ
المهدي المنجرة.
كنت قرأت
الكثير من
الحوارات
التي نشرتَها
في عدد من
الصحف
الورقية
والمواقع
الإلكترونية،
وقد تركت لدي
هذه
الحوارات
انطباعات
صُغتها في شكل
رسالة. بقيت الرسالة فوق مكتبي
شهورا حتى
بردت الرغبة
في نشرها،
وعندما قرأت
الحوار
الأخير الذي
خصصت به
إحدى
اليوميات
المغربية
رأيت من
المفيد للقراء
إطلاق
سراحها، وهذا
نصها:
اشتكيتَ
كثيرا من
المنع من
الكلام، وأنا
معك من حيث المبدأ،
غير أن لدي
تقييدا بهذا
الخصوص، أصوغه
كما يلي:
يُسيئُ
إلى الحرية
والثقافة من
يمنع الناس من
الحق في
التعبير،
ويسيءُ إليها
أكثر منه من
يلوث المجال
الثقافي
بالكلام
الفاحش
والتحريض العشوائي
والنرجيسية
المرضية.
أن تأخذ
الكلمة لمجرد
أن تقول: "دوزيم
صهيونية
استعمارية"،
هكذا على
الإطلاق ودون
بيان، وأن
تأخذ الكلمة لتقول:
"ياسر عرفات
خائن"،
وهومحاصر من
طرف شارون ـ
الذي صرح
وقتها أن
عرفات لن يخرج
من رام الله
إلا إلى
القبر، وعمل
كل ما يلزم
للبر بقسمه ـ
فأنت بذلك تضع
نفسك في مكان
لا يليق بالصفة
التي تدعيها. لا شك أن
الصهاينة قد
صفقوا لك
ولأمثالك من
النهاشين،
ولا شك أن بصيرتك
المستقبلية
قد غاصت في
الضباب.
بمثل
هذا الكلام
وحده يمكن أن
نصدق ادعاءَك
بأنك تقول ما
لا يجرؤ
الآخرون على
قوله، بل تقول
ما لا يمكن أن
يصدر عن عاقل
في مثل سنك
وما يُفترض من
علمك وتجربتك.
ستجد
دائما من يصفق
لك داخل شباب
ناقم على وضع
يسحقه، ولكن
هل فكرت في
جدوى خطابك في
هذا الشباب،
إنك أشبه
بمغامر يثير
الفوضى في
سفينة
تتقاذفها
الأمواج، إن
لم يسرع
العقلاء لشد
وثاقه كانت
الكارثة.
إن
مثلك، يا
سيدي، أخطر
على الحرية
بدرجة لا تقل
عن خطورة
العقلية
المخزنية وكل
من يتبناها من
القوى
الرجعية التي
أرعبها بصيص
النور الذي
بدأ يلوح من
أعماق النفق
المظلم الذي
عِشتَ فيه
سعيدا عقودا
عديدة دون أن
تقلقك رطوبته،
أم تُرى هذا
البصيص
الضعيف أعشى
بصرك المستأنس
بالظلام؟
تفتح
فمك "اليوم"
عريضا لتقول
بطرف لسانك
"ما لا يقوله
غيرك"، فأين
كنت يوم كان
الناس يقولون
بأجسادهم
التي مزقت على
آلات التعذيب
الجهنمية؟
كنت في المحيط
المخزني
المنتفع المتفشش
الذي يبيع
صمته، أو في
نزهات وظيفية
دولية بعيدا
عن نار ذلك
الزمن الأسود.
لم يأت منك
أضعف الإيمان:
لم يصدر عنك
حتى بيان
استنكار
للمجزرة
الهمجية التي
مارسها
المخزن الذي تتحداه
اليوم فتدعوه
إلى اعتقالك،
عجبا لك !
أقَلُّ
ما يقال لك,
وأنت العليم:
لقد جئت متأخرا،
جئت بعد أن
شاخ المخزن
وتسوست
أنيابه، وصارت
تصول عليه
نادية ياسين
وأمثالها
فيطلب "السلة
بلا عنب", أنت
تعلم أنك لو
طلبت هذه "المِنَّةَ"
بالأمس
القريب لما
رُدَّ طلبك،
ولذلك لزمت
الصمت طوال
نصف قرن:
فأنت،
ياسيدي، لم
تسمع لا
بالاختطافات
ولا المعتقلات
السرية ولا
محاكمات
العمال والنقابيين
وإيداعهم
السجون لأتفه
الأسباب، لم تسمع
لا بأفقير ولا
بإدريس
البصري!.وما
صدمك الوعي،
عجبا لك،
إلا يوم أصبح
الأشعري
وزيرا
للثقافة،
فصحت صيحة
البسوس: "وا
ذلاه، أيكون
الأشعري
وزيرا
للثقافة!".
وأنت
اليوم كما كنت
بالأمس ما زلت
أَحكَمَ الناس
في تلافي غضب
المخزن؛ إما
غاطسا في
تجوالك أو
ضاربا في
الهوامش( الهجوم
على دوزيم,
وزارة
الثقافة،
البعثة
الفرنسية...).
فهلا توجهت
قليلا نحو
"المركزِ"،
ونحو علة
العلل، هلا
تحدثت عن
الدستور ونظام
الحكم بمنطق
الحداثة
والعصر، ودعك
من المستقبل
والمستقبليات،
لا يكلف الله
نفسا إلا
وسعها.
تواجه
المخزن
والأحزاب
والتيارات
التي تقبل
المشاركة في
الحكم،
وتستعدي
المثقفين، كل هذا
تحت شعار:
"بركا دون
حركة"، يالك
من دانكيشوت
مجنح، طويل
السيوف
والرماح.
قالت إحدى
الأمهات المكلومات
في شهادتها عن
زمن ثابت ـ في
جلسات
الإنصاف والمصالحة
ـ ما تعريبه:
"لم يَهُشَّ
أحد الذباب عن
وجهه، في ذلك
الزمن
الأسود، إلا
وجد نفسه بين
يدي
الجلادين". إن ما
حظيتَ به
من عنايةِ
المخزن، طوال
ذلك الزمن
الأسود، ليدل
قطعا على أنك
لم تكن تهش
الذباب عن
وجهك، فقد
خرجت من ذلك
الزمن كما
تُسل الشعرة
من العجين، لا
لك ولا
عليك.
تقول
وتكرر على كل
منبر مكتوب
ورقمي: "أنا لا
أباع ولا
أشترى"، "أنا
تربيت على قيم
أصيلة"، أنا
أول مدير
للإذاعة،
أنا عملت في
اليونيسكو،
أنا اشتركت مع
عالم يباني،
أنا ألقيت كذا
محاضرة... إلى
آخر الآنانيات.
ما
الغرض من
اجترار كل هذا
المعجم من
الصفات والخدمات؟
هل تريد أن
تقول:
"أضاعوني وأي
فتى أضاعوا!".
هل تريد
حضور عرس لم
تُدعَ إليه،
لا من أهل
العريس ولا من
أهل العروس؟ أبسط
الأمور أن
تزكية النفس
غير محمودة:
"فلا تزكوا
أنفسكم، هو
أعلم بمن
اتقى". ألم
تسمع بمأثور
الكلام القائل:
"شكارْ نفسو ما
فيه خير".
إن
الفرص التي
أتاحها لك
المغرب، على
علات نظامه ـ
داخل المغرب
وخارجه ـ
لتفرض عليك أن
تكون في مستوى
الرزانة
العلمية
والرؤية
النقدية
المؤسِّسة
عند عبد الله العروي
الذي فرض
احترامه على
من اتفق معه
ومن خالفه دون
أن يحيد عن
مساره النقدي
المتميز الذي
خالف دائما
أهواء ورغبات
أطراف متعددة
نافذة في
اليمين
واليسار، أو
في مستوى
الفعالية
الثقافية
والسياسية
للجابري الذي
صار مؤسسة
علمية قائمة
الذات يفخر بها
المغرب،
ولكنك ظللت
كالساحر الذي
لا ينفع نفسة
وأهله. ما هو
تصورك، يا
سيدي لحل
قضية الصحراء
مثلا؟ حين
سئلت عنها
قلتُ إنك
لا تملك
المعطيات. ما
أسخفه من
جواب: "عذر
أقبح من زلة".
تعادي
حقوق الإنسان
لأنها من
الغرب كأي
أصولي متخلف
عاجز عن فهم
مسار
التاريخ،
وتتمشدق كأي
سلفي أعور
الفكر
بتقاليد "نا"!
وتقاليد"نا"، إن لم
تكن تعلم، هي
السيبة
والاستبداد
وسلخ الجلود
وتعليق رؤوس
المعارضين
على الأسوار، وسَمْلُ
عيون العلماء
والقتل صبرا،
أي تجويعا.
اتق الله يا
أسير"نا" في
شبابنا. ألم
تعلم بعدُ أن "نَاءَنا"
قد ظلت مصادرة
طوال عصور
يشحنها
المستبدون بما
يريدون.
تأسفتَ لتراجع
المغاربة عن
قانون
"احتكار
الدولة للإعلام"،
ذلك الاحتكار
الذي تفتخر
باقتراحه عندما
كنت مديرا
للإذاعة،
وهذا وحده
كافٍ للدلالة
على نوع
الحرية التي
تفكر فيها.
ومثل
ذلك حصرك
تاريخ اتحاد
كتاب المغرب
في المرحلة
التي أشرف
عليها
المرحوم عزيز
لحبابي، فهو
يدل على نوع
الثقافة
المستقبلية
التي تمتلكها.
ثقافة لم
تسعفك, على كل
حال، في معرفة
ما سيؤول إليه
الأمر في
المغرب،
فبقيت كأي
أصولي متخلف تتخبط
في أكفان ماض
لو عاد لرفضك
وتبرأ منك.
لقد
أعجبك ما
ذكرَتْه لك
إحدى
الجمعيات من
أن السلطة
تعتبرك
"زوبعة"،
وذلك دون أن
تفكر في
المدلول
القدحي
للزوبعة. الزوبعة،
يا سيدي، يا
نبيه، اضطراب
جوي عابر يثير
الغبار فيعمي
الرؤية، لا
نفع من ورائه،
وأحرَصُ ما
يحرِص عليه
العقلاء هو أن
لا تكون
مبادراتهم
عبارة عن
زوبعة: حدث
أعمى عابر.
عبرت عن
خيبة كبيرة
إزاء "مثقفي
وكتاب هذ البلد"
قائلا: "أما
الأساتذة
والمثقفون
بصفة عامة،
فهم الصدمة
الكبرى في
حياتي، لأن
تسعين في
المائة منهم مرتزقة
وباعوا
أنفسهم بثمن
بخس". ولم
تسأل نفسك:
لماذا يقف
المثقفون منك
هذا الموقف،
هل تريد أن
يدافع
المثقفون
والكتاب عن
زوابع الغبار
العابرة؟؟
أتمنى
أن تنبهك هذه
الرسالة الموجزة
إلى ما يفكر
فيه بعض
الأساتذة
والمثقفين
الذين
استمعوا إليك
محاضرا(في
مكناس والمحمدية
وأماكن أخرى)،
أو قرأوا
بكائياتك المكرورة
على صفحات
الجرائد.
وللكلام بقية.
ذيـل
قرأت
أخيرا ـ بعد
شهور من تحرير
هذه الرسالة ـ
في إحدى
الجرائد التي
"تقعقعُ لك
بالشِّنان":
"أعلن خبير
المستقبليات
الدكتور
المهدي المنجرة
مقاطعته
لفعاليات
المعرض الدولي
للكتاب
والنشر
بالبيضاء، في
دورته الثالثة
عشرة".
ذكرني
موقفك هذا
بإعلانك، في
مرة سابقة،
مغادرة
المغرب إلى
اليابان. هوِّن
على نفسك، يا
سيدي، فسفينة
المغرب تمخر
العباب
يقودها الشباب،
والمنتظر من
كل المنهكين
مثلي ومثلِك
أن يبقوا في
المغرب
ويزوروا معرض
الكتاب، ويطبقوا
قول الحبيب:
"إذا نطق
أحدكم فليقل
خيرا أو فليصمت".
أطال الله
عمرك، ومتعك بالصحتين،
وإلى مكاتبة
أخرى.
انظر تعليقنا على كلامه في ندوة "الانتفاضة والشارع العربي". المحمدية 2001. على الرابط التالي http://medelomari.free.fr/lamnajra.htm