حوار
شامل مع الدكتور محمد العمري
رحلة حياة بحثاً عن بلاغة عربية حديثة
أجرى الحوار محمد مرشد الكميم (باحث من اليمن)
نشر بالملحق الثقافي لجريدة الثورة اليمنية بين 25 أكتوبر
و 01 نونبر 2010 1ـ رابط الملحق الذي
نشر فيه الحوار: http://www.althawranews.net/attachedpaper.aspx?Date=10/25/2010 2- رابط الغلاف: http://www.althawranews.net/CMS/ATTATCHMENT/Monday/25102010//01.pdf 3- رابط الصفحتين الثامنة والتاسعة: http://www.althawranews.net/CMS/ATTATCHMENT/Monday/25102010//08.pdf 4-
رابط الصفحة العاشرة: http://www.althawranews.net/CMS/ATTATCHMENT/Monday/25102010//10.pdf |
محمد
مرشد الكميم ومحمد العمري بمدينة المحمدية. شهر رمضان سنة 2010. المغرب
ـــــــــــــ
محمد
الكميم:
إن مغامرة
الاقتراب من عقل مفكر وبلاغي وناقد عربي كبير بحجم الأستاذ محمد العُمَري يتطلب جهداً
قرائياً خرافياً؛ فهاجس الاقتراب من البلاغيين بالذات هاجس مخيف، ليس لأنهم
يمتلكون أجهزة إبلاغ أكثر قوة مما نمتلك فحسب، ولكن لأن قدرتهم على الظهور فيما
وراء سطورك وفي خبايا ما تفكر به وثنايا ما تسكت عنه، هي التي جعلت صحفيي السوق
السوداء يولونهم الظهور؛ فهؤلاء يدركون أنهم لن يستطيعوا قراءة عتبات عقولهم فكيف
بمحاورتهم ومناقشة آرائهم.
وبما أن
الأستاذ محمد العمري قد مسح، بمؤلفاته وترجماته وأبحاثه ومقالاته ومشاركاته
الأكاديمية والسياسية وتجربته في إصداره المجلات، خارطة العقل البلاغي العربي
والغربي، القديم والحديث وأضاف إليه، فقد استحق عن جدارة أن يكون البلاغي الأول في
مغرب اليوم، واستحق أن يكون مفكراً وبلاغياً عربياً متميزاً؛ هذا إذا لم أقل إنه
من الطراز الذي لا نظير له في علمه وفي تواضعه الذي استقبلنا به على مشارف مدينة
المحمدية في المملكة المغربية، وحملنا على أجنحة نبله إلى داره العامرة به، ليكون
لنا معه هذا الحوار البلاغي الذي ابتعد عن عبث الشفاهية ودخل أتون الكتابة
المسؤولة بمقتضى اتفاق مسبق، تحول على إثره الحوار الشفاهي إلى حوار إليكتروني
مكتوب هذا نصه:
سيرة ذاتية:
* لقد فصَّلت في سيرتك الذاتية (أشواق درعية)،
ما يغني عن السؤال: مَن هو محمد العمري. شهرتك العلمية ـ في العالم العربي ـ طبقت
الآفاق؛ ولكن إن كان لنا من سؤال فعن سيرتك الذاتية نفسها، لماذا كتبتها؟ ولماذا
عدت إلى الكتابة في الموضوع كما علمتُ؟
أولا أشواق
درعية جزءٌ أولُ من سيرتي الذاتية خاص بمرحلة الطفولة والمراهقة، والجزء الثاني
جاهز الآن للنشر، وهو أكبر حجماً بكثير، وأوسع مساحة زمنية. يتناول المرحلة
الجامعية طالباً ومدرساً. وفيه كل أنواع المعاناة الثقافية والسياسية. ولذلك
فعنوانه الموقت هو: ما بعد الأشواق، رفقة الزنابير في زمن الطلبة والعسكر.
أما كتابة
الأشواق فكانت عملية علاجية، كانت هروباً إلى الطفولة وأجواء الأمومة من واقع
خانق، انضم إليه المرض الخطير الذي ألمَّ بي وعاق مساري العلمي الأكاديمي والسياسي
لسنوات. لقد اقتنعتُ في لحظة ما أن التهاب الكبد الفيروسي c
العنيد قال كلمته القاسية، خاصة بعد أن فشلت الجولة الأولى من العلاج بسبب عدم
تحمل الدواء. الأشواق كانت نوعاً من التأبين، أو الحداد. ولأنني أفلتُّ من بين يدي عزرائيل، إلى حين، فقد اغتنمتُ الفرصة
لتصفية الحساب ـ في الجزء الثاني ـ مع ذلك الواقع الخانق، مع كل الزنابير الذين
ثاروا في وجهي.
أما لماذا نكتبُ سيرة ذاتية على العموم؟ فذلك سؤال نقدي
مطروح، لا يتسع هذا الحوار لتفصيل الكلام فيه. وقد أجبتُ عنه في مقدمة الجزء
الثاني. وعموما فإننا نكتبُ
لأسباب مُباشرةٍ عديدة، يمكن الحديثُ عنها بالنسبة لكل سيرة على حِدَه. ولكنَّنا
نكتبُ خلْفَ ذلك لسبب بعيد يحكُم كلَّ تلك الأسباب القريبة، هو السببُ نفسُه
الكامنُ وراءَ القراءة، هو لذةُ المعرفة. وما سوى ذلك هَذَرٌ، نقرأ لنعرِف ونكتب
لنعرِف ونُعرَف...
ـ من الذي يحق له أن يكتب سيرته
الذاتية؟
مبدئياً من حق كل من يجد رغبة في البوح أن يكتب سيرته الذاتية، أن يقدم
روايته لما وقع، فبخلاف ما كان سائداً في الماضي صارت السيرة الذاتية بدورها
ديمقراطية. ولكن نجاح السيرة الذاتية يتوقف على ما تنطوي عليه من
"غرابة"، وما تحويه من "عجيب" مُعجب. والغرابة تتعلق بالأحداث
كما تتعلق بالصياغة. وكمالُها في تعانقهما وتكاملهما. ومن الأكيد أنه كلما علا شأن
صاحب السيرة اجتماعياً أو أدبياً كلما زاد الاهتمام بسيرته. ومشكلتنا في العالم
العربي أن الفاعلين السياسيين والدينيين خاصة يفضلون الانسحابَ في صمت، أو تنصيب
من يقوم حارساً على ماضيهم حتى يبقى طي النسيان. السيرة تتطلب وضع مسافة بيننا وبين
الماضي، تتطلبُ أن نتحدث عن الآخر الذي كناه بروح وجودية لا قدرية، أن نتفرج مع
الآخرين على ماضينا بكل ما له وما عليه. فبدون هذه المسافة لا نستطيع أن نرى غير
صورتنا الآنية، وهي منغمرة مستعصية على الفهم.
سيرة علمية
* سبع سنوات في الماجستير وعشر سنوات في
أطروحة الدكتوراه ومثلها في مشروع: البلاغة العربية، الأصول والامتدادات. ألم تخش
من ذهاب العمر بين الأوراق؟
لم أُفكر
قطُّ في الزمن، استغراقي كله في الموضوع وما يقتضيه من أدوات. فحين تطلَّب بحثُ
البنية الصوتية، في الدكتوراه، ضبطَ البنيوية اللسانية وامتداداتها الشكلانية
توقفتُ الزمن الكافي لقراءة أعمال الشكلانيين، وفي هذا السياق تُرجم كتاب: بنية
اللغة الشعرية، لجان كوهن الذي تطلب سنتين، وفيه نظمت ندوة اللسانيات والنقد
الأدبي، نُشرت موادها في العددين الأول والثاني من مجلة دراسات أدبية، بل إن مجلة
دراسات نفسها نشأت داخل هذا الهم. وحين شرعت في كتابة تاريخ البلاغة العربية وجدتُ
أن الأدوات البنيوية التحليلية التي أشتغل بها لا تكفي للحم أطراف ذلك التاريخ،
ورد أعجازه على صدوره، ولذلك توجهت إلى نظرية التلقي والقراءة التي خصصنا لها
عددين من مجلة دراسات سميائية (7.6). وساهمت في تنظيم ندوة التلقي التي دامت أكثر
من اثنتي عشر سنة بتعاون بين كلية الآداب في الرباط ومؤسسة كونراد الألمانية.
وهكذا فإني لست من الصنف الذي يُغمض عينيه سنتين أو سنتين ونصف ليلفق شهادة بدون
وعي منهجي، ثم يخجل من نشرها، يقولون إنها شواهد لتسوية الوضعية المادية، ولكنها
شواهد قاتلة، لأن من شب على شيء شاب عليه. لقد حمدتُ السَّرى والحمد لله. ولولا
ذلك الصبر والعناء ما التقيت بكم وبعشرات الطلبة الباحثين الذين يتصلون بي من جميع
أنحاء الوطن العربي.
* علاقتك بمحمد مندور كانت منذ أيام
الطلب الأولى، فيا ترى ما الذي جمعك به، وهل من علاقة بين بحث إجازتك (محمد مندور
من التأثرية إلى الواقعية الإشتراكية) وبحث الأستاذ محمد برادة عنه؟ ولماذا ظل هذا
البحث حبيس أدراجك؟
البداية
كانت مع كتاب: النقد المنهجي عند العرب، الذي أحالنا عليه أستاذ النقد العربي
القديم العلامة أمجد الطرابلسي، قدوتي في كل شيء. ومن النقد المنهجي إلي الميزان
الجديد، ثم الشعر المصري بعد شوقي، حيث فوجئت بقدرته على مقارعة الكبار، أمثال
العقاد، وطه حسين وغيرهم ممن كنت أظن أنه لا يشق لهم غبار. واكتمل الإعجاب باطلاعي
على توجهه الجديد نحو الواقعية الاشتراكية. كنا ماركسيين سياسياً وفي حاجة إلى من
يُمركسُنا نقدياً فاكتملت الحلقة. ولا أخفيك أني
صُدمت حين وجدت أن أضعف أعمال مندور هو كتاب: قضايا جديدة، الذي يتخذ شاهداً لهذا
التوجه. مندور أزال من ذهني مبكراً وإلى الأبد خرافة الانفصال بين القديم والجديد،
الجدار الذي يختبئ وراءه العاجزون.
لم أكن أعلم
أن الأستاذ محمد برادة كان يهيئ أطروحة الدكتوراه في نفس الموضوع، وحين قرأت عمله
وجدتنا نسبح في فلكين مختلفين: أنا طالب وهو أستاذ. لم أنشر ذلك العمل لأني لم
أحتفظ بأي نسخة منه.
* الحداثة تتطلب معرفة واسعة بالعلوم
الإنسانية، بل بالتراث الإنساني وبالتراث العربي على وجه الخصوص. هذا ما استفدته
أنت من مندور؛ ولكن مفهوم الحداثة هذا يتنافى مع مفهوم الحداثة الغربي، الذي يعني
ـ حسب فهمي ـ القطيعة مع التراث. فما تعليقك على هذا القول؟
الحداثة كلمة تثيرُ أشد الحساسيات في بعض جهات الوطن العربي، وهي مخطوبة
ومحبوبة في جهات أخرى منه، لا يهجرها إلا عِنِّين. هي مثل العلمانية والديمقراطية،
تعاديها أصوليتان: أصولية دينية وأصولية سياسية، لأنها تربط الاستحقاق بالعمل.
ويزيد الأمر تعقيداً عند دارسي التراث التقليديين الكسالى العاجزين عن استيعاب
التراث الإنساني حيثُ يُسقطون القدسية على التراث، ويقدحون في المناهج الحديثة
باعتبارها إنتاجاً غربياً تجب معاداته. ومثل هؤلاء التراثيين العاجزين المصعِّدين
لعجزهم موجودٌ بين حاملي شعار الحداثة الجاهلين بالتراث الإنساني. والواقع أن
الدرس الأكاديمي الجدي في الدراسات الغربية
الحديثة الذي نستلهمه قام على فحص التراث الغربي القديم اليوناني واللاتيني فحصاً
نقدياً دقيقاً وبنى عليه، بل ظل لحد الآن يستعمل مصطلحاته، وأمامنا الأرسطية
الجديدة. لقد حسمت نظرية التلقي في هذا الإشكال: لا يمكن أن يُقرأ القديم إلا من
خلال أسئلة عصر القراءة، أي العصر الحديث، ولا يكتمل فهم الظواهر الإنسانية الحديث
إلا بمعرفة أصولها وإرهاصاتها القديمة. والعقل هو المحك، وهذا لا يقبله من حرمهم
الله من نعمته. فأين توجد القطيعة في الدرس البلاغي؟ البلاغة الجديدة هي بلاغة
أرسطو والجاحظ.
* كنت ممن وفق في مد الجسور بين التراث
والحداثة. كيف وجدت هذه التجربة؟ وما القناعات التي خرجت بها منها؟
إذا وُفقتُ
إلى ذلك، كما قلتَ، فقد كانت التجربة مُمتعة. مازالت تتردد في ذهني عبارتان من
لحظة مناقشة أطروحة الدولة؛ الأولى للعلامة أمجد الطرابلسي، قال أمجد رحمه الله:
"إذا كانت هذه هي البنيوية فمرحبا"، ونوه كثيراً باختيار النصوص
وتحليلها. والثانية للأستاذ المشرف محمد مفتاح الذي اعتبر أن الاختلاف بيننا متمثل
في إصراري على المسار الأرسطي، وهو الاختيار الذي مازالت الأيام تؤكد صلابته
وقابليته لاستيعاب التراث العربي.
وأقول
بالمناسبة أنني لم أندم على الانتظار سنة كاملة من أجل مشاركة العلامة أمجد
الطرابلسي في تقويم عملي ومناقشته. إن عملاً يَلقى مباركة عميد النقد القديم (أمجد
الطرابلسي)، وعميد البحث السميائي الأدبي في المغرب، (محمد مفتاح)، جدير بأن
يسعدني.
* لك في مسيرتك العلمية مساران، مسار مع
التراث ومسار مع الحداثة ومناهجها النقدية في لغاتها المختلفة، فلماذا انسحب
اهتماماتك بالتراث إلى التراث البلاغي بالذات؟
أولا المسار
واحد أوحدُ، وهو البحث عن بلاغة عربية حديثة من خلال الحوار بين التراث العربي
والمناهج والنظريات الأدبية الحديثة. أما الوقوف أحياناً من أجل ترجمة هذا الكتاب
أو تلك الدراسة فقد كان، كما سبق، في إطار إعداد العُدة وتوفير الأداة المنهاجية
لنا ولغيرنا من الباحثين. ويقال نفس الشيء عن كتابة تاريخ البلاغة العربية، فبدون
تلك الكتابة الشاملة يتعذر إدراك كل أبعاد المفهوم. وقد بدأت الثمارُ تظهر، في
نهاية المطاف، في كتاب البلاغة الجديدة بين التخييل والتداول. نحن اليوم أمام
تعريف جديد للبلاغة غريب عن المتداول في الدرس التعليمي والجامعي ولكنه يأخذ
مشروعيته من التراث البلاغي العربي ومن الدرس البلاغي الحديث، إنها بلاغة عربية
حديثة قابلة للتداول الكوني.
* لقد قمت بإعادة قراءة التراث البلاغي
العربي في ضوء المعطيات المنهجية الحديثة. كيف لك أن ترى الصلات والفوارق بين
تجربتك وتجربة غيرك من البلاغيين في المغرب والمشرق كـ(حمادي صمود، عباس أرحيلة،
محمدالولي، الأزهر الزناد، محمد مفتاح، شكري عياد، جابر عصفور، محمد عبد المطلب،
عبد القادر الرباعي، تامر سلوم) ؟
إذا كان
هناك فرق فأترك للقارئ المختص أن يستنبطه، أما القارئ العادي فلا اعتقد أنه سيسأل
عنه. لقد بينتُ في مقدمة كتاب: البلاغة العربية، أصولها وامتداداتها، مثلا، أن
عملي لبنة ثالثة تضاف إلى لبنة أولى وضعها العلامة شوقي ضيف، ولبنة ثانية أضافها
صديقنا الأستاذ حمادي صمود. ولكل من هذه اللبنات موقعها في البناء. لكل من الكتب
الثلاثة استراتيجية معلنة وفعالة لا يغني عنها الكتاب الآخر. وقُل نفس الشيء عن
بقية الكتب. المهم أنه لم يستهوني قط الخوضُ في موضوع مُستهلك. وإذا وجدتَ ما
ينافس كتاب: في بلاغة الخطاب الإقناعي، اليومَ فانظر ماذا كان في الساحة عند
تأليفه منذ حوالي ثلاثين سنة.
مؤلفــات:
* أردت أن تنبه إلى البعد الإقناعي
للبلاغة العربية في كتابك الأول (بلاغة الخطاب الإقناعي)، وذكرت أن هذا البعد كان
حاضراً عند الجاحظ على وجه الخصوص، بينما نفى حمادي صمود في كتاب التفكير البلاغي
عند العرب وجود مثل هذا البعد عند الجاحظ، حينما حصر الحدث الجاحظي بالوظيفة
الإبلاغية لا الإقناعية؛ أي أن دور البلاغة عند الجاحظ يتوقف عند الإفهام لا
التداول والحجاج والإقناع، وقد رأى أن القرآن والحدث الجاحظي هما من وجها البلاغة
العربية هذا التوجه. فما الذي تراه مجدداً في هذه القضية؟
حين نفصل
بين البلاغية والإبلاغية بحدة، ونتجهُ بالبلاغية نحو مفهوم "الأدبية"
بالمفهوم الذي صاغه الشكلانيون اللسانيون فإن المسافة بيننا وبين الجاحظ ستتسع حتى
يغيبَ عن مدى نظرنا. أما حين نترك ياكوبسون وجماعة الشكلانيين عامة ونقترب من
البلاغة الجديدة كما صاغها بيرلمان في إطار منطق القيم فإننا سنجد الجاحظ في قلب
المعركة البلاغية. وأنت تعرفُ الأعمالَ القيمة التي أنجزتها المجموعة التي يشرف
عليها الأستاذ حمادي صمود في مجال نظرية الحجاج والبلاغة الجديدة. والأعمال
الأساسية التي تساهم حالياً في نقلها إلى اللغة العربية. لقد مررنا جميعاً من
البحث عن الأدبية إلى البحث عن البلاغة العامة.
وأوضح
بالمناسبة أن الفصل الذي خصصته "للبيان" في كتاب البلاغة العربية كان
موجها لإبراز البعد الحجاجي في البلاغة العربية من جهة، ومحاورة مجموعة من
الدارسين الذين كانوا يبحثون عن مصطلحات نقد الشعر في كتاب البيان والتبيين.
* كتاب "دائرة الحوار ومزالق
العنف، دراسة في خطب حديثة"، ألا يعد امتداداً لكتاب بلاغة الخطاب الإقناعي؟
نعم، هو
امتداد للكتاب المذكور. ويلتقي معه في ملابسة أخرى وهي أنه أنتجته الظروف
الموضوعية. فكتاب: في بلاغة الخطاب ألإقناعي، محاضرات ألقيت على طلبة الإجازة
أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، حاولت فيها الخروج من تاريخ الأدب السيئ
السمعة (تاريخ التراجم والأخبار)، إلى تحليل النصوص في سياقاتها، في ضوء التاريخ،
فوجدت نفسي داخل الدرس البلاغي بالمفهوم المجدد للبلاغة القديمة. و"دائرة
الحوار"، بدأ بنقد بلاغي للخطاب الصحفي، وانتهى، تحت الطلب، إلى صياغة نظرية
للحوار تؤول خطاطة أرسطو وتنحو بها منحى مناسباً للنص العربي الحديث المكتوب.
* إن سعيك إلى إيصال البلاغة إلى نطاق
واسع من الجمهور يقف ضد أسسها ومرجعياتها الفلسفية والمنطقية والكلامية، فهذه
العلوم الواقفة وراءها تعد علوماً نخبوية.
حين نُنظِّر
أو نؤصِّل لا نستطيع إلا أن نخاطب النخبة، لا خيار لنا في هذا الأمر. وهذا ملحوظ
في كتاب: تحليل الخطاب، البنية الصوتية، إنه كتاب النخبة المختصة بامتياز، ويقال
نفس الشيء عن كتاب البلاغة الجديدة، ..الخ. أما حين نُعلِّم أو نُحاجج فإننا
ملزمون بمراعاة مقامات المخاطبين، وإلا كان مصير عملنا إلى الفشل. هناك عبارة
جميلة قالها صديقنا الأستاذ سعيد يقطين حين قدمتُ مفهومَ الحِجاج الذي صُدِّر به
كتاب دائرة الحوار، قال: "بهذا العمل يُنزل الأستاذ العمري البلاغة من الكراس
إلى الناس". فلكل عمل استراتيجيته. وأذكرُ أن دار النشر إفريقيا الشرق كانت
قد رفضتْ نشرَ كتاب تحليل الخطاب لأنه، كما عبَّر لي مستشارهم العلمي، مُفرطُ
التقنية، وكان ناشرٌ آخرُ قد استثقل الرسوم والشكل وكل وسائل الضبط التي استعنت
بها لإخراج الكتاب، فكتبتُ مقالاً مشهوراً هجوت فيه الناشر المغربي.
وقد سمحت لي
الظروف، أو فرضت علي، المزاوجةَ بين الكتابة الأكاديمية على الطريقة الفرنسية:
الكتابة النسقية، والكتابةَ الصحفية التي تعتمد الصور البيانية بل العتاد
المصطلحي، وتستهدفُ أوسع ما يمكن من الجمهور المتعلم دون إسفاف. فمن تعريفات
الكلام البليغ: ما يفهمه العامة ولا يستهجنه الخاصة.
* لقد أردت في أطروحة الدكتوراه أن تلفت
النظر إلى الجانب الإيقاعي لا الوزني في التراث البلاغي العربي، وامتد هذا الهاجس
إلى دراسات لاحقة. ما الذي أردت أن تؤسس له أو تؤصل له بالضبط؟ هل نستطيع القول إن
مغزاك كان إيقاع قصيدة النثر؟
الاهتمام
بالبنية الصوتية جاء في إطار التعرف على التحليل البنيوي اللساني للشعر، فالبنية
الصوتية قَسيم للبنية الدلالية عندهم. وقد يقع التوسع في التصنيف، كما في نظريات
علم النص وتحليل الخطاب، فيُميزُ بين أربع بنيات؛ بإضافة البنية التركيبية والبينة
التداولية. وكان اختيار البنية الصوتية خروجاً من الغموض المترتب عن استعمال عبارة
موسيقى الشعر حيث يقف الكلام عند الأوزان والقوافي. البنية الصوتية تضم الموازنات
التجنيسية والترصيعية كما تضم العروض و الأداء، أو
الإلقاء. كنت، في البداية، أتحاشى كلمة إيقاع أيضاً لغموضها. وقد عدتُ لاستعمالها
لاحقاً؛ حين تصديت لدراسة بنية الشعر الحديث التفعيلي والنثير حيثُ يلعب الفضاء
التشكيلي دوراً مهماً ويصعبُ أن تتسع له البنية الصوتية.
الذي كان
حاضراً عندي، في البداية، هو الشعر القديم؛ كنتُ أجد الحديثَ عن
"العروض" باعتباره "موسيقى الشعر" تضييقاً لمفهوم الموسيقى
وإفقاراً للشعر. خاصة حين يتبجح منظرو الشعر التفعيلي في السبعينيات بالحديث عن
الرتابة والسكون المترتبين عن اطراد الأوزان والقوافي. سعيتُ إلى إقامة الحجة على
أن حركة الإيقاع الشعري توجد في الموازنات الصوتية (التجنيس والترصيع) أساساً، وأن
الأوزان العروضية ليست أكثر من فضاء للتوزيع. كما بذلتُ جهداً لإبراز دور الدلالة
في تنشيط الإيقاع. لقد صرحتُ في ذلك الكتاب بأن خمساً وسبعين في المائة من شاعرية
الشعر القديم توجد في الموازنات الصوتية وتفاعلاتها الدلالية. وإذا استغنى الشعر
الحديث عن الأوزان المطردة ثم استغنى بعضه حتى عن الأساس التفعيلي فإنه لم يستغن
عن الموازنات الصوتية التي صارت تتوزع في فضاء بصري وتشكيلي. ولذا بدا توجهي نحو
الموازنات في إطار تصور تركيبي للإيقاع أشبه بمبادرة استباقية لمعالجة قضية إيقاع
قصيدة النثر، وليس الأمر كذلك في البداية. صحيح أن البنيويين اللسانيين والسميائيين
المهتمين بالشعر اعتبروا الموازنات (خاصة توازي البنيات النحوية) تعويضاً لغياب
الوزن، ولكن لم تكن تلك بدايتي.
* ولكن استعمالك لمصطلح (البنية
الصوتية) سيجعل الذهن ينصرف إلى قضايا أخرى لا ترتبط بالإيقاع فقط.
لا أعرف
بالتحديد ما هي القضايا غير الإيقاعية التي يمكن أن ينصرف إليها مفهوم
"البنية الصوتية" في سياق الحديث عن الشعر، والإنشاء عامة، فالفقهاء
يقولون: "الباب يُحرِز". ومع ذلك أقول بأن الأمر قد يتعلق بالمعنى الذي
نُعطيه للإيقاع. وقد قمتُ أخيرا بصياغة تعريف شامل للإيقاع قدمتُه في لقاء نظمه
"بيت الشعر" بالشارقة أوائل 2010، ومن المنتظر أن يصدر ضمن أعمال
الملتقى. أعتقدُ أن الاطلاع عليه سيرفع هذا اللبس، أو ينقل الاختلاف إلى مفهوم
الإيقاع نفسه.
* جمعت في كتاب (البلاغة العربية،
أصولها ومتداداتها) بين البنيوية والتلقي. ألم تخش من وجود تعارض في الأسس الإبستمولوجية
المكونة لكل منهما؟
البنيوية
تقدم أدوات فعالة في مستوى الوصف والتفكيك والتركيب. وهذا مستوى أول ضروري في
معالجة أي موضوع، عليه ينبني التأويل والتفسير، وهو الذي يعطي معنى للإحصاء. فقبل
أن نؤول يجب أن نعرف ما سنؤوله وقبل أن نحصي ينبغي أن نعرف ما نحصي. والكثير من
نتائج التأويل والإحصاء تبدو عبثية نتيجة عدم قيامها على عملية
بنيوية وصفية دقيقة. وقد حاول البنيويون الخروج، في مجال النقد الأدبي، من حدود
وصف البنية إلى تفسيرها فنشأ ما عُرف بالبنيوية التكوينية. والتلقي عملية تالية،
في تصوري، للوصف البنيوي، ومفتقر إليه. فأنت لا تستطيع أن تعتبر السكاكي قارئاً
للجرجاني قبل أن تفكك وتركب عمل كل منهما. ونفس الشيئ يقال عن ابن وهب والجاحظ،
وحازم وابن سنان الخفاجي. من الأشياء التي أثارت انتباهي حينما انتقلت إلى جامعة
الملك سعود بالرياض اهتمام المتجادلين بالمرجعيات والخلفيات على حساب الجوانب
التطبيقية. فقد تجد شخصاً لا يعرف شيئاً عن البنيوية ولكنه يفتي في خلفيتها
العقلانية المشبوهة، إنها نتاج غربي غريب على أقل تقدير. والحال أن أكبر بنيويين
في نظري ـ في تنظير الشعر ـ هما عبد القاهر الجرجاني وابن رشد.
* كلامُك الأخير سيدخلك في سياق
المناصرين لتكييف فكر العرب ونقدهم وبلاغتهم وفق إملاءات النظريات والمناهج
الغربية المعاصرة.
أعلم أن هذا
ليس رأيك الشخصي ـ وأنت المبتلى بالسميائيات ـ ولذلك سأقول بشيء من الحسم. العلمُ
ثمار العقل، زيتونةٌ لا شرقية ولا غربية، زيتُها يُضيئ في أي ظلام. من المؤسف أننا
نقبلُ اقتباس ثمار هذا النور في كل ما يتعلق بحاجاتنا المادية (في أكلنا ولباسنا
وعلاج أجسامنا ومساكننا ووسائل نقلنا وتواصلنا..الخ)، ونرفض أن يُومض نوره في
عقولنا. نريد الثمارَ المادية للعلم ونرفض أن نعاني أسئلته التي تزعزع سكوننا.
الأمر لا يتعلق بإخضاع بل بتفاعل مثمر، وفي أجوبة سابقة ولاحقة ما يوضح ذلك. أترك
لك أن تتخيل ما كان سيكون عليه حال البلاغة العربية (والفكر العربي عامة) لو انطلق
علماؤنا القدماء من مثل هذه الحساسية إزاء أرسطو وأفلاطون...الخ. الذين يرون أننا
لسنا في حاجة إلى كل ما داخل الفكر العربي بعد العصر الأموي لا يدخلون في
حيز اهتمامي.
*سعيت في ختام كتاب البلاغة العربية إلى
إعادة إعمار كتاب منهاج البلغاء وهيكلته هيكلة جديدة، توخيت من وراء ذلك محاولة
إعادة كتابة ما ضاع منه، وقد استعملت كل الوسائل الممكنة من أجل ذلك؛ ولكن هل كان
بالإمكان اكتشاف بعض ما ضاع من خلال إبداع حازم الشعري، على اعتبار أن إبداعه يعد
تجسيداً لفكره البلاغي ؟
بدل كلمة
إعمار أفضل كلمة "ترميم" تأسياً بعمل مُرممي الآثار القديمة، أي محاولة
إعادتها إلى الحالة التي كانت عليها قياساً للجزء الضائع منها على ما بقي ماثلاً للعيان.
يُستعمل الترميم أيضا في مجال المخطوطات. وهذا الترميم كان ضرورياً لاستخراج بنية
الكتاب (أو نسقه). فبدون الوصول إلى البنية لا يمكن الوصول إلى السؤال الذي طرحه
المؤلف، والمهمة التي انتدبَ نفسه للاضطلاع بها. ومع
ظهور البنية ظهرت ارتباطاته مع من سبقه، خاصة مع ابن سنان الخفاجي. وهذا يدعم
الجواب عن السؤال السابق مباشرة.
أما استخراج
الرؤية النقدية للمؤلف الموجودةِ في كتاب من كتبه اعتماداً على إبداعه الشعري
الخاص فليس مضمونَ النتائج، ولا مأمون العواقب. فالمتن الذي يُنظِّر له مؤلف ما قد
يكون سابقاً تاريخا أو اعتباراً على تاريخ إنتاجه، ومختلفاً عنه. والحجة على ذلك
هي حالة أبي تمام في الحماسة، فقد جاء المرزوقي واستخرج من اختيار أبي تمام
"عمود الشعر القديم" الذي أنتج أبو تمام ما يخالفه. وقد بينا ذلك في
الفصل الأول من الكتاب، في الحديث عن الاختيار الشعري والتنظير النقدي.
* في كتاب (البلاغة الجديدة بين التخييل
والتداول) عدت مجدداً إلى الأسئلة المدرسية عن ماهية البلاغة، وأين توجد؟ وهل هناك
بلاغة واحدة أو متعددة؟ وهل يمكن اكتشاف نسقها الجامع إذا ما كانت متعددة؟ فما هي
الحاجة التي دعتك إلى مثل هذه العودة؟
هذه ليست عودة،
بل هي جني لثمار سنوات طويلة من استكشاف التراث العربي في ضوء الدراسات البلاغية
الحديثة في مشاربها المتعددة: الشعرية والمنطقية واللسانية خاصة. وسؤال: ما
البلاغة؟ في هذه المرحلة المتأخرة ليس سؤالاً مدرسياً بل هو سؤال تنظيري، فيه غبطة
الاكتشاف، وفيه تحدٍّ لواقع الدارسين في هذا المجال. لقد عادت البلاغة في العصر
الحديث، عصر ثورة التواصل والحوار، لتصبح علماً كلياً كما نقرأ لحازم منذ عقود دون
أن ندري ما يقول، صارت، كما قال، علماً كلياً لعلوم الإنسان واللسان. السؤال
المدرسي هو السؤال الذي ينتظر جواباً متوافقاً عليه، على اعتبار أننا لا نقدم في
المدرسة المعلومات الجديدة المختلف فيها، أو التي لم يطلع عليها المعلمون بعد.
الذي يصدمني في الندوات التي تتناول فيها البلاغة، خاصة في الشرق العربي، هو أننا
نجد أنفسنا نتحدث عن أشياء مختلفة. مازالت الكلمة الفصل للسكاكي وملخصيه وشراحه،
في حين أن هؤلاء جميعاً لا يملكون أكثر من جزء من الجواب.
* في الفصل الأول من كتاب (البلاغة
الجديدة) حددت مفهوم البلاغة عند العرب، على أساس أنها تهتم بالتخييل والتداول،
وحددتها عند الغرب بثلاثة مفاهيم: المفهوم الأرسطي الذي يختص بالإقناع وآلياته،
والمفهوم الأدبي التخييلي الذي يبحث في صور الأسلوب، والمفهوم النسقي الذي يرى
البلاغة علماً أعلى يشمل التخييل والحجاج. هل يعني هذا أن البلاغة الجديدة عند
الأوروبيين انتهت إلى ما توصلت إليه البلاغة العربية؟
التراث
الإنساني متداخل ومتفاعل، ولحظاتُ تداخله وتفاعله ليست ماثلة حية أمامنا. وقد
أعدتُ أصول البلاغة العربية، كما تعلم، إلى خمسة أصول، اثنان منها على الأقل شديدا
التأثر بالتراث الأرسطي واليوناني عامة. أولهما: القراءة العربية لكتابي فن الشعر
والخطابة. وقد امتد أثر قراءة هذين الكتابين وما يتصل بموضوعيهما من كتب أرسطو
وأفلاطون إلى أهم كتابين في البلاغة العربية، وهما: أسرار البلاغة ومنهاج البلغاء،
وغيرهما. والثاني هو نظرية المعرفة والبيان التي تأسست في إطار الصراع بين الفرق
وظهرت آثارها في كتابي البيان والتبيين والبرهان في وجوه البيان..الخ، وللبلاغة
العربية، إلى ذلك، أصول محلية شعرية ونحوية وعقدية متأثرة، إلى هذا الحد أو ذاك،
بالتراث المنطقي والمعرفي اليوناني.
هذا من جهة،
ومن جهة ثانية نحن نعلم أن البلاغة الغربية الحديثة قامت على إعادة قراءة التراث
القديم قراءة فاحصة في أصوله اليونانية واللاتينية، وفي ما نقل إلى اللاتينية أو
العبرية من أعمال العلماء والفلاسفة المسلمين. فالتأثر والتأثير سنة حضارية
مستمرة. المشكل يكمن في أنهم انتبهوا إلى غنى التراث القديم فقاموا بإعادة قراءته
وتقويمه وبنوا عليه نظريات حديثة ثم جئنا نحن متأخرين نعيد اكتشاف غنى تراثنا من
خلال ما يقدمونه لنا من تصورات جديدة وأدوات بحث فعالة. وبعضنا يأكل النعمة ونسب
الملة.
* النسق البلاغي العام والمشترك بين
بلاغة التخييل وبلاغة التداول هو (الاحتمال). ألا يقترب هذا النسق من نسق علم
البيان، ومن نسق الإنشاء في علم المعاني، بينما يبتعد عن بقية أنساق المظاهر البلاغية
التي عرفت في باقي علوم البلاغة كـ(الخبر) على سبيل المثال؟
(أسايرك
لحظة قصيرة في طرح المسألة، فأسألك عن تعريف الخبر؟ لا شك أنك ستقول: "الخبر:
كلام يحتمل الصدق والكذب". أقول لك احذف المتضادين لأنهما مجرد محتوى (الصدق
والكذب)، فماذا بقي؟ بقي: "الخبر: كلام يحتمل..". ولو سألتك: "ما
الإنشاء؟ لقلت:"الإنشاء كلام لا يحتمل الصدق والكذب". فهذا بعكس ما
قلتَ. نسد القوس ونعود إلى الجوهر.)
المسالة
دقيقة، ولذلك نقول باختصار: مسألة الاحتمال تهم "عوالم الكلام"
و"مقاماته". فعالم الشعر هو عالم المُتخيل الذي لا يتطلب إقامة حجة من
الخارج، بل حجته فيه، كما قال عبد القادر الجرجاني. لا أعتقد أن أحدا على مدى ألف
سنة طالب أبا الطيب المتنبي بإقامة حجة على قوله:
الخيل
والليل والبيداء تعرفني
ولا شهرزاد
على حكاياتها المتعاقبة.
و"مقامات"
الخطاب التداولي (الخطابة) ترتبط بأهواء الناس ورغباتهم وقبولهم ورفضهم. فنحن
نراعي في الخطاب الحجاجي أحوال المُستمعَات (على وزن مجتمعات)، لا الحقائق
الرياضية أو المخبرية. هذا مَكمن الاحتمال حتى ولو استعملنا حججاً منطقية قطعية.
وقد بسطنا
فقلنا: الشعر (التخييل) كذب يحتمل الصدق، والخطابة (التصديق) صدق يحتمل الكذب.
يمكن أن يستعمل الخطيب حججاً منطقية ولكنها تظل احتمالية بسبب أحوال المتلقي.
* لقد فهمت الاحتمال على أنه الانفتاح
الدلالي.
وهو من ذلك:
الشاعر يفتح، (أو يدعي أنه يفتح) والمتلقي يحاولُ أن يُغلق باحثا عن معنى محدد،
والخطيب يُغلق (أو يوهم بأنه يُغلق) ولكن المستمَع (المتلقي) يفتح مُعترضا على
الادعاء بادعاء آخر.
* إذا كانت البلاغة العربية والبلاغة الجديدة قد
استوعبتا التخييل والإقناع والتأويل، فكيف يقول(بول ريكور): إنه ليس من الممكن
قيام علم يستوعب الشعرية والخطابية والتأويلية؛ أي التخييل والإقناع والتأويل؟
هذه وجهة
نظره، وأنا أتبنى، كما ترى، وجهة نظر أوليفيي غوبول المعارضة لها، أدعمها بواقع
البلاغة العربية التي تمد الجسور بين المجالين. أنا لم أُدخل التأويلية أصلاً في
النقاش، لأني لا أعتبرها في نفس السلم المنطقي الذي تتقابل فيه البلاغة (بالمفهوم
الأرسطي، أي الخطابية) والشعرية. الاتجاه
الحديث، نحو "علم الخطاب"، يقتضي استغلال المنطقة الواسعة التي تتقاطع
فيها الشعرية والخطابية لإنتاج علم يقف نِدًّا لعلم الطبيعة والرياضيات، علم
الاحتمال. وبهذا الأفق تتطلع البلاغة إلى أن تصير فلسفة العصر الحديث. العلم الذي
تتقاطع فيه كل العلوم وتستقي منه ما يمد الجسور بينها وبين الإنسان. ومن حق
فيلسوف، مثل ريكور ألا يوافق على هذا الطموح الإمبراطوري الزاحف للاستيلاء
على أراضي الفلسفة.
وعموما فقد
بسطنا المسألة حين قلنا بأن الشعر كذب يحتمل الصدق، والخطابة صدق يحتمل الكذب، كذب
وصدق على وجه الادعاء.
* إذا كان (بول ريكور) قد توصل إلى أن
هناك "خطابة في الشعر وشعراً في الخطابة (...)، وأن الشاعر لا يحاجج بمعنى
الكلمة؛ حتى وإن كانت شخصياته تحاجج. فالحجاج يساهم في حدود تنمية الحبكة"،
هل ينطبق قوله هذا على الشعر العربي الذي عرف من المحاججات أفناناً كثيرة؟
تداخل
الخطابة والشعر (التصديق والتخييل) ليس مما توصل إليه بول ريكور، بل تحدث عنه حازم
القرطاجني قبله بجلاء ووضوح، وقد استشهدنا برأيه مراراً، وينبغي العودة إلى تأمله
في منهاج البلغاء. اعتقد أنه لكي يسهل فهم كلام بول ريكور ينبغي استحضار الحجاج في
الشعر المسرحي، فهذا هو العالم الشعري الذي يفكر فيه، وتلك هي الشخصيات التي
يقصدها. أما الكلام المنظوم الذي لا يدخل في عالم المتخيل فلا يُستحضر في سياق
التنظير وإن وقع استيعابُه وتفسيره كظاهرة تاريخية، فهناك من يعتبر الشعر القديم،
ما قبل الرومانسية، شعراً خطابياً لم يع نفسه بعد. وقد قيل للكميت: ما أنت بشاعر
بل أنت خطيب. وذلك لاحتواء شعره على مرافعات. وقد عرضنا لهذا في أكثر من سياق.
* كأنك بدراستك لمختارات أبي تمام تريد
ـ وإن كان ذلك بشكل غير مصرح به ـ أن تدعم أطروحة إدريس بلمليح للدكتوراه أو تعدلها.
فإذا كان كلاكما قد اتخذ من التلقي منهجاَ للمعالجة، فإنك انتهيت إلى أن عمل أبي
تمام نقدي قرائي وعمل شارحه المرزوقي تأويلي؛ أي أنه تمكن من اكتشاف الأسس التي
قام اختيار أبي تمام عليها، بينما انتهي بلمليح إلى أن عمل أبي تمام تغريضي وعمل
المرزوقي تأويلي، فيا ترى أين ـ بالضبط ـ أردت أن تمسك بتلابيب الأستاذ بلمليح؟
ساهمتُ في
فحص ومناقشة أطروحة الأستاذ بلمليح حين تقدم بها لنيل الدكتوراه
بكلية الآداب بالرباط، وكانت لي وجهةُ نظر مخالفة في الكثير من موادها، عبرتُ عنها
في حينها، وكنتُ قد كتبت في الموضوع قبل ذلك بكثير، ولا أتذكر الآن أين التقينا
ولا أين اختلفنا. ومن عادتي، كما تُلاحظ في مجمل أعمالي، ألا أدخل في لجاجة مع مَن
أختلفُ معهم، بل أُقدم البديل الذي أراه مناسباً وأترك التقدير والحكم للقارئ. ولو
عرضتُ كل وجهات النظر التي أختلف معها، أو اعتبرها
غير وجيهة في مجموع القضايا التي عالجتها في كتاب: البلاغة العربية، لتضاعف حجمه،
ولكُنت شوشتُ على القارئ بما لا طائل منه. إن الكتاب يُفكك مثلا قضية التفاعل مع
التراث اليوناني دون أن يقف لوضع الإصبع على تهافت حجج القائلين بعدم التأثر ولا
القائلين بالتبعية المطلقة يقيناً مني بأن الخطابين فاسدان من الأساس (التأثير
والتأثر سنة كونية)، وأن القارئ سيكشف ذلك تلقائياً من خلال المعطيات.
* لقد رأيتَ أن المقصدات من المختارات
(الرواية) ترتبط بالتقاليد بينما ذهب أبو ديب في الرؤى المقنعة إلى غير هذا الرأي
حينما درس المفضليات وغيرها من المختارات. لقد وقعتُ في إشكال بينكما فكيف تخرجني
من هذا المزلق؟
لم أطلع على
وجهة نظر الأستاذ كمال أبو ديب لكي أعلق عليها. اِعْتبرْني مخطئاً، وتوكل على
الله، ما جعلَ عليك في العلم من حرج.
* ما رأيُك في النتيجة التي تقول: إن
المقصدات تؤسس لثقافة جماهيرية شعبية بينما المقتطفات أو المقطعات تؤسس لثقافة
نخبوية؟
هذا كلام
غامض، لم أفهم المقصود منه.
* أقصد أن المختارات التي تتبنى القصائد
تسعى إلى تأسيس أفق تلق واسع النطاق بينما التي تتبنى المقتطفات الشعرية تؤسس لأفق
تلق محصور في النخبة.
في هذه
الحالة أنا سأفترض العكس، وهو أن المختارات أكثرُ حظًّا في الوصول إلى أوسع جمهور.
فالاختيار يتجه إلى الأبيات والمقاطع الأقرب إلى لغة العاطفة والعقل بعيدا عن
الخصوصيات البيئية المرتبطة بعصر بعينه، يتجه إلى الحِكم والأمثالِ والتشبيهات
الموفقة ...الخ. وهذه هي النصوص التي يحفظها الناس ويتداولونها، أما النصوص
الكاملة فلا يتجشم عناءها غيرُ الباحثين المختصين. ما الذي نحفظه ونتداوله اليوم
من معلقتي زهير وطرفة مثلا؟ ما يتعلق بالحكمة والتأمل في الكون، وقل نفس الشيء عن
شعر أبي الطيب المتنبي. كل عصر يختار من الشعر القديم، والتراث عامة، ما يراه
قابلا للرواج على أوسع نطاق، وهو ما يوافق ذوق العصر ويترك ما سوى ذلك من خصوصيات
البيئة والبنية الفنية للدارسين، أي للنخبة. هذا ما أراه، والله أعلم.
ترجمات
* لقد كان هنريش بليث في كتابه الذي
ترجمته له (البلاغة والأسلوبية، نحو نموذج سيميائي لتحليل النص) أقرب إلى
الأسلوبية منه إلى السيميائية، خاصة أنه لم يكمل مشروعه بالجانب الدلالي ولا
بالجانب التداولي. فتركيزه على كيفيات التشكل اللغوي للأدب عطل عليه كيفيات إنتاج
الدلالة؛ أي أنه نظر إلى البلاغة نظرة تهتم بكيفيات اشتغال اللغة من زاوية محايثة
وتقنية فقط، فكيف نقول عن عمله بأنه سيميائي؟
تلك الدراسة
ملخصٌ لعمل ضخم، وقد نُشرت ضمن كتاب جماعي حول نظرية الأدب. وقيمة الدراسة كبيرة
جداً بالنسبة للباحث في البلاغة العربية، فهي ترسم خريطة طريق. قامت بتقديم مكونات
البلاغة القديمة وتوجهات الأسلوبية الحديثة مبينة غيابَ البعد التداولي في
الأخيرة، مناقشةً تهمة المعيارية في الأولى. وقد ترجمتها بدافعين: الدافع الأول
تقديم نموذج نقدي لقراءة البلاغة والأسلوبية، وهو
نموذج مفتَقد في العالم العربي. والثاني: تقديم
منظومة مصطلحية مقارنة بين البلاغتين. أما القول بقربها من الأسلوبية أكثر من
السميائيات فيتجاهل أمرين: أولهما افتقار الأسلوبية إلى البعد التداولي الذي
استعان الباحث بالبلاغة القديمة لتداركه، والثاني التركيز على العنوان الثانوي،
فالعنوان هو: البلاغة والأسلوبية، ثم تحته بخط رقيق:
نحو تحليل سميائي...الخ، فلكلمة "نحو" قيمة ودلالة، إنها إشارة في بداية
الطريق وليس في نهايته. وهذا العنوان الثانوي من اقتراح المترجم، وعليه وزره إن
كان فيه وزر، هو ترجمة للقسم الثالث من الكتاب الذي عنوانه: "نموذج أسلوبي
جديد: التحليل السميائي". (ص65).
* ولكن إسقاطه للبعدين الدلالي
والتداولي من التحليل هو ما جعلنا نفترض ذلك.
تحدث عن
"الصور الدلالية (أو الميطادلالة)" (ص80ـ95) مُنطلقا من تصور ياكوبسون
قائلا: "ونتيجة هذه العمليات هي: مجازات التشابه، أي الاستعارات، ومجزات
التجاور، أي الكنايات، وجميع المجازات الأخرى تابعة لهذين الصنفين
الأساسيين". وقد قارنا في الحاشية هذا التصور بتصوُّر لعبد القاهر الجرجاني
أورده في الدلائل. وتحدث عن "الصور التداولية.." (ص 99ـ105) قائلا:
"لقد حددت الصور التداولية باعتبارها انزياحا بالقياس إلى معيار التواصل
اللساني..". الكتاب اجتهاد في نقد البلاغة والأسلوبيةن وتقديم نموذج أسلوبي
جديد سماه: التحليل اليميائي.
* كيف تقيم ترجمة أحمد درويش لكتاب جان
كوهين (بنية اللغة الشعرية) مقارنة بترجمتك أنت والأستاذ محمد الولي للكتاب نفسه
بعد هذه السنوات؟
سمعنا
بترجمة الأستاذ أحمد درويش بعد الانتهاء من ترجمتنا لكتاب بنية اللغة الشعرية الذي
حصلتْ دار توبقال للنشر على حقوق نشر ترجمته العربية. وكان
من المنتظر أن يقوم الدارسون بالمقارنة بين الترجمتين لصالح القارئ. وقد نفذتْ
الطبعةُ الأولى من الكتاب منذ سنوات. لعلَّ المقارنة بين الترجمات من أحسن
الموضوعات التي يمكن أن تُتخذ بحثا للدكتوراه، ففي ذلك فليتنافس المتنافسون.
مُهمًّ جدا أن يكون المُترجم عالما
بنسق القضية التي يُترجمها. هذا ما ساعدني كثيراً في ترجمة القسم الأول من كتاب
بنية اللغة الشعرية، المتعلق بالانزياح في البنية الصوتية، إذ كُنتُ بصدد إنجاز
دكتوراه الدولة في نفس الموضوع، فكنتُ على علم بمراجع كوهن وخلفياته العروضية
واللسانية. وكان الأمرُ كذلك بالنسبة للأستاذ محمد الولي الذي ترجم القسم الثاني
المتعلق بالانزياح الدلالي؛ إذ كان قد قرأ كثيراً في الموضوع في إطار إنجاز دبلوم
الدراسات العليا في موضوع الصورة الأدبية، وقد بذل فيه جهداً كبيراً. ثم راجع كل
منا عمل صاحبه مراجعة دقيقة فيها الكثير من الحماس والتحدي، إذ كنا في بداية إثبات
الذات. فإن وفقنا فالحمد لله.
* لك مقترحات اصطلاحية لاقى بعضها حظه
من القبول والتداول كمصطلح (انزياح)، وبعضُها الآخر لم يلق قبولاً ولا تداولاً
كمصطلح (مسْتَمَع). ترى كيف يتخلق المصطلح؟ وكيف تتم صناعته لديك؟
"الانزياح"
واحد من عدة ألفاظ (مثل: العدول والفجوة والبعد...) اقترحها الباحثون العرب لترجمة
لفظ écart الذي قدمته الشعرية البنيوية اللسانية لتفسير الشعرية، كما في
كتاب بنية اللغة الشعرية لكوهن. حلَّ هذا المفهوم محل مفهوم "المحاكاة"
الأرسطية، وبُنيت عليه نظرية كاملة لتفسير الشعرية في مفهومها الواسع، وكان الوجهَ
الآخر لعملية الانزياح هو مفهومُ الغرابة étrangeté. وقد ساهمنا نحن، (في مجلة دراسات سميائية، وفي ترجمة كتاب كوهن
المذكور، وترجمة هنريش بليت: البلاغة والأسلوبية، وغيرهما،) في ترجيح هذا اللفظ
وتكريسه حتى نفى الألفاظ الأخرى من الميدان. وقد كانت مجلة دراسات أدبية قد خصصت
محوراً لنظرية الانزياح كان له أثر. لقد شاع المصطلح وترسخ لأن النظرية توضَّحت
وشاعت.
أما مُصطلح
"مُستمَع" فشأنهُ شأن مصطلح "خطابية" ومصطلحات أخرى، فمازالت في حاجة إلى وقت لكي تستقرَّ، أو يحلَّ محلها
ما سيُعتبر أصلحَ منها. لماذا؟ المغاربة يقولون: "لا يعرف ما في المزود إلا
من ضرب به". هناك تشقيقٌ لمجال دلالي دقيق تتنازعه عدة ألفاظ في اللغة التي
بنيت فيها النظرية، وهي بالنسبة إلينا الفرنسية ثم الإنجليزية. هذه الألفاظ هي: situation و contexte و auditoire.
الأول يترجم عادة، أو إجماعاً بـِ "مقام"، والثاني بِـ
"سياق". فبماذا نترجم الثالث؟. البعض يقول: المستِمع (بالكسر) وجمعه
المستمِعون، والمقابل لهذين اللفظين في الفرنسية التي أُحاورها هو: auditeur(s). فكيف أصنع حين يَرِد اللفظان في
جملة واحدة؟ (الخبازون يقولون: الأمرُ هين اخبزها في إناء واحد). وهناك من يقول:
الجمهور، وهذا لا يستحق التعليق، لأنه خرج عن مجال اشتقاق اللفظ. هناك من لا يفرق
بين situation و auditoire ونحن لا نعتقد أن العلماء الفحول، من طينة بيرلمان،
كانوا يعبثون حين فرقوا بينهما. لن نفكر في الحل حتى نحس بالسؤال، لن ينتشر هذا
المصطلح أو ما يحل محله حتى يتم الوعي العميق بنظرية الحجاج. كلمة
"مستمَع"، مثل auditoire، تجمع بين الأصوات التي تدل على السمع، وبين الصيغة الصرفية التي
تعني المكان، والاستماع في مكان يستدعي الزمن. فالمستمع ببساطة مُخلة هو جمهور
يستمع في سياق زمني ومكاني محددين، على درجات من العمومية والخصوصية. وهنا بحث عن
المستمع الكوني حيثُ يُهيمن العقل ويسود المنطق بدل هيمنة السيكولوجية
والانفعالات: الإيطوس والباطوس.
مصطلح "الخطابية" لا مفر منه لمن ينقل لفظ "rhétorique" للغة
العربية. لأن هذا اللفظ لا يعني ما تعنيه كلمة بلاغة في اللغة العربية في جميع
سياقاته. فهو يعني في السياق الأرسطي فن الخطابة في مقابل فن الشعر. وذلك ما فهمه
المترجم العربي القديم. ولذلك فمن الدقة أن نفعل مع ريطورية أرسطو ما فعلناه مع
شعريته دفعاً لكل غموض: فنقول شعرية وخطابية.
الفرانكوفونيون والأنكلوفونيون لا يجدون صعوبة في الانتقال من معنى إلى معنى حسب
السياق، ونحن نخبط خبطَ عشواء. فمنا من يترجمها "بلاغة"، ومنا من
يتحرَّج فيترجمها "خطابه" فيزيد المعنى عماء، ومنا من يقول "بلاغة
الخطاب الإقناعي"، ومنا من يقول "بلاغة الحجاج" ..إلخ. ما لم يُدرك
النسق لن يدرك الغرض من المصطلح ونحن متسرعون نفضل الانتقاء والقشور.
* هل لك أن توضح لنا الفارق بين سكك
لمصطلح (الإنشائية)، الذي يعني عندك (الشعرية)، وبين سك الدكتور فهد عكام للمصطلح
نفسه في ترجمته لمفهوم (الأدبية) حينما نقل كتاب جان لوي كابانس (النقد الأدبي
والعلوم الإنسانية) إلى العربية؟
الذي قمتُ
به أنا هو مجرد إعادة الاعتبار لمصطلح قديم أصابه شيء من الابتذال حين استُعمل في
المجال البيداغوجي: تمرين التلاميذ على التعبيرالكتابي. فحين نبحثُ عن بلاغة عامة
نحتاج إلى لفظ عام يدل على ما يقوم به الشاعر والكاتب والخطيب،. فنحن نقول: الشاعر
والخطيب والكاتب والروائي والسيناريست وكاتب النص المسرحي...الخ. ثم نحتاج إلى
اللفظ الذي يجمع كل هذه الممارسات لكي نصوغ حوله بلاعة عامة. الفرنسيون يستعملون
لفظ "إنتاج": إنتاج النص la production du
texte،
ويستعملون لفظ المؤلف: auteur للدلالة على الذي يقوم
بهذا الإنتاج. ووضعنا في العربية أحسن لأننا سنشتق الفاعل من الفعل نفسه، فنقول: الإنشاء والمنشئ. ولذلك
فإنني لم استعمل الإنشاء مقابلا للشعرية، بل الإنشاء يضم الشعرية والخطابية وكل
إنتاج بلاغي. وهكذا يقترب لفظ "إنشاء" من المعنى الفلسفي للبوتيكا عند
أرسطو في نظر من يجعلونها قسماً من الأقسام الكبرى في نظريته المعرفية، وليست تلك
البويتيكا التي تحدث فيها عن الشعر الملحمي غير جزء منها، فانتبه على هذا الفرق.
أما جعل
الإنشائية مقابلا للشعرية فوجهةُ نظر لا مشاحَّة فيها. قد تصطدم بالمفهوم الدقيق
للأدبية الذي يعني جوهر الشعرية. وقد نبه بعض الدارسين إلى عدم دقة الترجمة
الفرنسية والإنجليزية للكلمة الروسية التي ترجموها بلفظ littérarité،
وترجمناها نحن حرفيا بالأدبية. وليس لدي ما يسمح بالحسم في الموضوع، ولكن السياق
العام لعمل الشكلانيين ينصرف إلى الخصوصيات الشعرية، وأنا أريد من الإنشاء أن يدل، كما
سبق، على كل إنتاج بلاغي قبل الدخول في الخصوصيات الشعرية والسياقية وغيرها.
فاستبقوا الخيرات.
* التعصب للمصطلحات المسكوكة في المغرب
العربي كـ(السيمياء)، ما مسوغاته؟
لا علم لي
بأي تعصُّب في هذا الميدان: مَن المتعصب وضد من؟. هناك فراغٌ يجتهد الباحثون في
مَلئه، والبقاءُ للأصلح. الذي أعلمُه هو أن المغاربة استعملوا لفظ السميائيات
(وأنا أحذف الياء الأولى تخفيفاً، كما في عنوان مجلة: دراسات سميائية) قياساً على
اللسانيات والتداوليات...الخ. فمن المفيد أن تكون الصيغ الصرفية للعلوم المتجاورة
متقاربة. وحين يقتضي المقام استعمال اللفظ الآخر المنافس فإنه يُستعمل بدون حرج،
كما وقع حين ترجمنا دراسة لِـمارسيلو داسكال تحت عنوان: الاتجاهات السِّميولوجية
المعاصرة. فقد احتفظنا باللفظ الذي استعمله المؤلف. واستعمال السميائيات بدل
السميولوجيا قد يكون مبرراً باتجاه دولي بدأ أواخر الستينيات، لا يتسع المجال
للخوض فيه.
*أنا أشير بذلك إلى ورود هذا المصطلح
عند ابن خلدون. أما عن صلاحية مصطلح السيمياء فهناك من يتهمه بالعجز عن الإشارة
إلى الفارق بين السيميولوجيا والسيميوطيقا.
ربمـا.
*كيف تختار ما يجب أن يترجم؟
كل ما
ترجمتُه داخلٌ في أسئلة حارقة في وقتها: البحثُ عن المنهج. وكانت المناهج تمر
بسرعة خارقة في الجامعة المغربية خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
أترجم لأتعلم أولاً، لأدخل في حوار جدي مع الآخر. اقتنعتُ مبكراً بأن القراءة
العابرة لن تعطي شيئاً بالنسبة لمُعرَّبٍ مثلي مُشبع بثقافة عربية وإسلامية منغلقة
على نفسها. فأنا خريج معهد إسلامي كانت نوافذه كلها إما مغلقة أو مفتوحة نحو رطوبة
الداخل ودهاليزه. كان علي أن أقوم بثورة على نفسي أولاً. بذلت جهداًً كبيراً في تملك لغة أخرى ثم الحوار معها عن طريق
الترجمة. عن طريق الترجمة اكتشفتُ قيمةَ الفكر النسقي، واكتشفتُ أني لم أكن مخطئاً
في عدم اقتناعي بالكثير مما يكتب في النقد الأدبي العربي الحديث. أسير نحو هدف،
استغل وقتي كله، ولا أهتم بالزمن.
من وحي
مؤلفاتك:
* كثير من الكتاب المغاربة، وأنت واحد
منهم، متأثرون بنظرية غرامشي عن المثقف العضوي، فما هو السر وراء هذا الزخم
المعرفي الذي يلامس معظم العلوم، إنسانية كانت أم طبيعية، كما يلامس الواقع من
خلال حراككم الثقافي والسياسي الفاعلين في الحياة والناس؟
هناك سياق
تاريخي معقد أدى إلى حدوث شرخ بين ما نسميه في المغرب المخزن وبين القوات الحية
التي قادها القوميون السلفيون (مثل علال الفاسي) قبل أن يتسلم زمامها القوميون
الاشتراكيون (مثل المهدي بن بركة والفقيه البصري). كان رجال التعليم من الابتداء
إلى الجامعة يشكلون العمود الفقري لقوى المعارضة. هذه هي البيئة التي تشبعنا فيها
بالفكر الثوري الجماهيري والوجودي التحرري. وليس غرامشي غير تفصيل من تفاصيل هذا
التوجه. أنا شخصياً انبهرت في المرحلة الجامعية بلينين وسارتر وإينجلز، ولم استطع
أن أنسِّبهم (أي أضعهم في سياق التطور التاريخي) إلا في مراحل متأخرة.
وأنا أفضل
الآن أن أنسب إلى فئة من العلماء القدماء، عرف المغرب نموذجاً رائعاً، منهم على أن
أُنسب إلى غرامشي أو غيره ممن في سياقه. تلك الفئة من العلماء التي تجمع بين
صفتين: الدراية والعمل. أفضل أن أكون عالماً عاملاً، وأميل إلى الدراية والنقد بدل
الرواية وتركيم المعارف. العالِم الذي أشرت إليه هو أبو علي الحسن بن مسعود
اليوسي، فقيه متصوف، كان أنبغ معاصريه، عاصر السلطان إسماعيل وقارع جبروته في
رسالتين مشهورتين. وقد كان هذا العالم سندي في فترة الاعتقال والتوقيف عن العمل.
لم تكن صورته تفارقني. وقد احتفلت بهذا العالم في مناسبات عدة.
*هل لك أن تحدثنا عن ملابسات هذا
الاعتقال والمدة الزمنية التي قضيتها في السجن؟
وقعَ
الاعتقال والمحاكمة في إطار إضراب رجال التعليم سنة 1979. كنتُ عضوا
في المجلس الإقليمي للنقابة الوطنية للتعليم بالدار البيضاء. كان يهمن عليها
مناضلو الاتحاد الاشتراكي وفلول الجبهة الماركسية الذين أفلتوا من اعتقالات سابقة،
كانت الوضعية حرجة. قضيتُ ثلاثة أشهر في السجن المدني بالدار البيضاء، وتم توقيفي
عن العمل مدة سنتين. وقد أعيد إلي الاعتبار سنة 2000 ضمن ملف
الإنصاف والمصالحة.
* ألا يذكرك
غيابُ الجزء الأول من كتاب حازم القرطاجني بغياب الجزء الخاص بالشعر الغنائي عن
كتاب أرسطو؟ وهل يعني هذا أن للأعمال العظيمة مصائر متشابهة؟
هذه ملاحظة
لطيفة، تدعو إلى التأمل: كيف يحدُث أن تُبتر كُتب بهذه القيمة ويتناسخ الناس
مئاتٍ، بل آلافاً من الصفحات من كتب أقلَّ قيمة، بل من كتب سخيفة؟! هل هي كتب صدرت قبل
أوانها، وكان عليها أن تنتظر قروناً لكي تجد من ينتبه إليها ويحفظ ما بقي منها، أم
هناك أسباب أخرى؟ لست أدري. إنها، على كل حال، كتبُ دراية، وليست كتب رواية تستهوى
الجمهور.
أضف إلى هذه الحالة الطريقةَ التي وصل بها
كتابان مؤسِّسان للنحو القديم واللسانيات الحديثة، هما: الكتاب لسيبويه،
واللسانيات العامة لدي سوسير.
* في خضم النظريات والمناهج والمصطلحات
الكثيرة والمتلاحقة لم نعد نستطيع تمييز الخط الفاصل بينها؛ بسبب تداخلها
وتعانقها، هذا إذا لم نقل تصالبها، وليس هناك من دليل على ذلك أوضح مما قدمته أنت
عن العلم الشامل للخطاب، الذي وجدناه في علم النص وسيميائيات النص والبلاغة الجديدة.
من وجهة نظرك كيف نستطيع الخروج من بلبلتها وتشابهها الذي يصل إلى حد التماهي؟
لا بد من
الاعتراف بأن النظريات الأدبية والبلاغية قد تطورت في الغرب في ظل نظريات علمية
(سوسيولوجية ولسانية ونفسية ومنطقية...الخ) وتوجهات أيديولوجية (يمينية ويسارية)،
قد نستحضر جوانبَ منها وقد لا نستحضرها، الكل يحاول أن يبسط نفوذه على مجال
الخطاب. ومع ذلك فإن العلم يجتهد دائماً للخروج من إسار الضرورات والإكراهات
الخارجية والاتجاه نحو خصوصياته الذاتية؛ قد يفعل ذلك بشكل متشنج فينتقل من النقيض
إلى النقيض: فقد نشأت الشكلانية في روسيا معتمدة اللسانيات كرد فعل على الهيمنة
السوسيولجية الماركسية، وقد يفعل ذلك بشكل هادئ،
وتلك هي القاعدة. وبذلك تسافر المذاهب بين البيئات المختلفة، فتتعانق الشكلانية مع
الأنطروبولوجية مثلا (ياكوبسون وليفي ستراوس).
ولكي نميز
المنهج الإجرائي ينبغي مبدئياً تحديد خصوصية الموضوع، وهذا ما يجعلني أعودُ في آخر
المطاف إلى تعريف البلاغة مشيراً إلى معناها الأول كصفة لخطاب محدد، أي للإنشاء،
ومعناها الثاني كعلم يتخذ الإنشاء موضوعاً له. حين نحدد الموضوع بهذا الشكل سنجد
أن سميائيات النص وعلم النص لا يقفان عند الخطاب البلاغي الذي يتصف بصفتي
"الاحتمال" و"التأثير"، بل يخوضان في قضايا لسانية وسميائية
عامة، وهذا يشوش على الوظيفة البلاغية.
علم النص
امتداد لساني إلى المجال البلاغي وسميائيات النص امتداد سميائي، وكلاهما يعتبر
المجال البلاغي هامشاً ملحقاً بمجال اختصاصه. من حقهما ذلك، ولكن البلاغة شيء أكبر
من ذلك. إنها علم الخطاب الاحتمالي المؤثر تخييلاً أو تصديقاً، إنها علم قائم
الذات.
* إن كتابك بلاغة الخطاب الإقناعي يثير
في نفسي تساؤلاَ لم يتطرق إليه الكتاب، هذا التساؤل يقول: ما الذي جعل الخطابة
اليوم غير مقنعة، رغم أنها تتوسل بكل أدوات
الإقناع التي عرفت في الخطابة القديمة وبغيرها من الأدوات الإقناعية التي استجدت؟
العالم
اليوم ضحيةُ الخطابة!
الشعبُ الأمريكي كله مُضلَّل الخطابة الدعائية الصهيونية (اليهودية والمسيحية).
العالم يبكي على جندي معتدٍ من جنود الاحتلال اسمه شاليط ولا
يلتفتُ بتاتاً إلى أكثر من عشرة آلاف من المواطنين الفلسطينين المعتقلين في
إسرائيل بفعل تلك الدعاية. الرأي العام يُصنع اليوم صنعاً بفعل الخطابة. ولو لم
يكن للخطابة تأثيرٌ لما أنفقت عليها كبريات الشركات العالمية ملايير الدلارات.
الدعاية الخطابية الإشهارية التي تضرب على رأس المواطن العربي ليل نهار هي التي
تجعله لا يثق في شيء، حتى في نفسه. إننا في عصر الخطابة.
* أنا أنظر إلى الخطابة على أنها جزء من
الدعاية، كما أنني قصدت الخطابة في بعدها الشفوي وفي نطاقها العربي.
الدعاية تتم
من خلال الخطاب، الدعاية وظيفة من وظائف الخطابة. الخطابة العربية الحديثة فعالة
في التضليل.
* هل يمكن
القول: إن الخطابة تعد نتاجاً يتلاءم مع المجتمعات الديمقراطية، وإن الشعر ـ
وبالذات الغنائي ـ يعد من الإفرازات التي تتواءم مع المجتمعات الديكتاتورية؟
ضع السؤال
على التاريخ وسيجيبك بأنْ ليست هناك قاعدة مطردة في هذا المجال. ربما ارتبطت
الخطابة القضائية بظروف سيادة القانون والحوار، كما وقع عند اليونان بعد انهزام
الطغاة، ولكن قد تزدهر خطابة سياسية قائمة على المنافرة في ظرف سياسي غير
ديموقراطي كما وقع في العصر الأموي، العصر الذهبي للخطابة العربية. وقد تزدهر خطابة
استهوائية في جميع البيئات كما هو الحال اليوم، خطابة الإشهار، الخطابة حاجة
اجتماعية.
أما الشعر
فحاجة نفسية مثل الموسيقى والرقص يفيض في كل بيئة بلون. ولا أعتقد أن الشعراء
الذين أنتجوا الموشحات الأندلسية كانوا يستحضرون أية دكتاورية...الخ ونفس الشعر
يقال في الأراجيز والرعويات الأموية: ذو الرمة والعجاح...الخ. عندما مدح ذو الرمة
عبد الملك بن مروان بقصيدة انشغل فيها بناقته إلى البيت ما قبل الأخير حيث أشار
إلى أنها بلغته إلى الخليفة، اسأل علم النفس عن هذا السلوك، وعن غضب الخليفة
وقوله: "ما مدحت بهذه القصيدة إلا ناقتك، فخذ منها الثواب".
* لقد وجدتُ تطابقاً يكاد يكون شبه تام
بين عمل إدريس بلمليح في كتاب الرؤية البيانية عند الجاحظ وبين عمل محمد الصغير
بناني في كتابه الموسوم بالنظريات اللسانية والبلاغية عند العرب، ورغم تقدم الأخير
على الأول إلا أننا وجدناه لم يشر إليه بتاتاً.
ليس لدي
تعليق. يحسن أن يُسأل المعنيان بالأمر. ربما وقع الحافر على الحافر! اللهم لا توقع
حافرنا على حافر غيرنا
*لقد ظلم السكاكي كثيراً حينما حملوه
إثم تجزيء البلاغة العربية، ولكنه في الحقيقة كان صاحب مشروع متكامل، قدم من خلاله
الأدوات التي يجب على الناقد أن يتسلح بها حينما يأتي إلى تحليل أي نص. هذا ما
يستوحى من كلامك عن السكاكي فما مدى تأكيدك لهذا الرأي؟
الذي
وضَّحتُه في كتاب البلاغة العربية، ومازلت أعتقده، هو أن السكاكي قرأ عمل الجرجاني
في الأسرار والدلائل من آخره، أي ابتداء مما استقر عليه الجرجاني في الدلائل، وهو
موضح في الكتاب. وقد وضحتُ أيضاً أن بلاغة الجرجاني جاءت ضمن سؤال بسط في المقدمة،
وهو البحث عن "علم للأدب". ونحن نعلم اليوم من استقصاء تاريخ البلاغة
العربية أن هناك مشروعاً بلاغياً آخر كان ينطلق من نقطة مضادة لنقطة انطلاق الجرجاني
هو مشروع ابن سنان الخفاجي الذي سيستوعبه حازم القرطاجني في منهاجه. مشروع
الجرجاني ينطلق من المعنى، ومشروع ابن سنان ينطلق من الأصوات، الأول من خلفيات
أشعرية تتبنى قدم القرآن وإعجازه والثانية تقول بخلقه وتتبنى الصرفة، إلى غير ذلك
من الفروق المذكورة في الكتاب المذكور. معنى هذا أن السكاكي يمثل رافداً واحداً من
روافد البلاغة العربية، رافد الشعر والإعجاز القرآني، في حين يبقى الرافد الآخر
الممتد من الجاحظ إلى ابن سنان إلى حازم خارج التغطية. إن استعمال الدارسين اليوم
لمصطلحات السكاكي يشوش على التصور العام للبلاغة: فالبيان مصطلح يعني شيئاً آخر
عند الجاحظ، والبديع يعني شيئاً آخر عند ابن المعتز ومن سار في طريقه من أصحاب
البديعيات.
* لم تلتفت كثيراَ في كتاباتك البلاغية
إلى البلاغيين المغاربة، كابن البناء المراكشي والولالي والسجلماسي. و اكتفيت
بالإفراني. فما السر الكامن وراء غيابهم
عن كتاباتك البلاغية؟
ليست لدي
استراتيجية إقليمية في أي عمل إلا ما شاب اختيار المسلك السهل من رغبة في إبراز
نموذج متفرد من البلاغة التطبيقية. التقتْ قيمتُه البلاغية مع رغبت أستاذي الدكتور
عزة حسن، متعه الله بالصحة، فقد كان يرى أن من واجبنا تحن الطلبةَ المغاربة
الباحثين تحقيقُ تراثنا المحلي الذي كان ما يزال مطموراً. أما بقية الكتب فقد
أنتجت داخل استراتيجية تنظيرية وتطبيقية تُعطي الكلمة لمن رفع إصبعه عالياً. ففي
كتاب البلاغة العربية أصولها وامتداداتها، لا تجد حضوراً لكتاب مشهور في البلاغة
العربية، وهو العمدة لابن رشيق. لأن كتاب العمدة كتاب رواية وتراكم، وليس كتاب
دراية: ليس هناك مشروع ومنجز كما في البيان والتبيين للجاحظ، ونقد الشعر لقدامة،
والأسرار والدلائل للجرجاني، وسر الفصاحة لابن سنان، والمفتاح للسكاكي، والمنهاج
لحازم. وقل مثل ذلك عن كتاب المثل السائر، لابن الأثير...الخ.
أما
السجلماسي وابن البناء فقد وضعتهما في مكانهما من تطور البديع: محاولة تنسيق
البديع بعد الفوضى العارمة التي وقع فيها نتيجة غياب النسق الجامع بين الصور. إلا
أن النسق الذي اقترحاه كان قسرياً، لا ينطلق من جوهر البلاغة وأسئلتها الأساسية،
كما فعل الجرجاني مثلاً. والنسق البنائي الرائع لصور البلاغة هو الذي وضعه ابن رشد
في تلخيص فن الشعر، وقد أبرزناه في مكانه. أما الولالي فواحد من الشراح يصدق عليه
ما يصدق عليهم مما سجلته في مبحث البلاغة المأسورة. أنا أسعد بكل فكرة جميلة ولست
مستعداً للي عنق الحقائق لكي استسمن ورم أحد لأسباب غير علمية.
*
لم يخضع كتاب حازم القرطاجني ـ كما قلت أنت ـ للشروحات والإيضاحات
والتماتن. هل لفكرة الهامش والمركز في الثقافة العربية دور في إهمال صنيع حازم؟
إذا قارنا
بين مصير المنهاج والمفتاح، وهما كتابان نسقيان، ربما توضحت لنا الأمور قليلا:
لماذا نال أحدُهما عناية منقطعة النظير، وأصاب الثاني إهمال مريب؟
افترضُ،
كبداية للتفكير في الموضوع، أن كتاب حازم عانى من عدة عوائق:
أولُها،
صرامته المنطقية التي انعكست على صياغة جمله التي بلغت أحياناً حداً من التعقيد يثبط
همة القارئ.
وثانيها،
خلوه من الأمثلة الموضحة التي تتكامل مع الصياغة النظرية في إبراز المقصود. وقد سبق لبض لمتلقيه تسجيلُ هذه الملاحظة.
ثالثها
بالمقارنة مع المفتاح، كون المفتاح امتداداً للبحث في نظرية الإعجاز التي برز فيها
عمل عبد القاهر، في حين أن عمل حازم سار في مسار ابن سنان بعيداً عن هذه النظرية.
وبمكن أن
نضيف عنصراً رابعاً ما دام الأمر يتعلق بالمقارنة، وهو كون المنهاج اعتمد المنطق
أساساً والسكاكي اعتمد النحو.
والله أعلم.
* هل يمكن لنا الحديث عن بلاغة كونية،
أي هل بالإمكان الحديث عن سيمياء لبلاغة الكون والحياة والطبيعة والمجتمع والأديان
... الخ؟
سأتحدث
بعيداً عن كلمة "سيمياء" لأني أعتقد أن البلاغة مكتفية بنفسها. نعم هناك
نزوع نحو بلاغة كونية، هي البلاغة نفسها التي قصدها ابن رشد حين بحث في عمل أرسطو
عن المشترك بين الأمم أو أكثرها متخلصا مما هو محلي يوناني. وهي البلاغة نفسها
التي تحدث عنها حازم صراحة وسماها "العلم الكلي" لعلوم الإنسان واللسان. البلاغة الكونية هي التي تقدم تفسيراً بنيوياً نسقياً
للظاهرة الخطابية في كليتها أو في جانب من جوانبها، مثل نظرية المحاكاة، ونظرية
الانزياح..ونظرية المقامات الخطابية...الخ
والبلاغة
الجديدة عند بيرلمان ومدرسته وعند منظرين آخرين في امتداده، مثل مايير، تكاد تكون
فلسفة للعصر الحديث. إنها علم ترتيب القيم، علم تقنين المرونة الإنسانية في الحوار
والفن، قبول الاختلاف واللعب والمجاز. لذلك يخشاها المستبدون والأصوليون.
* كيف ترى استثمار كمال أبي ديب لمباحث
البيان في دراسة الشعر الحديث والمعاصر في بحثه أنهاج التصور والتشكيل؟
مع الأسف لم
أطلع عليه، وسأسعى إلى ذلك. وبالقياس إلى اجتهادات الرجل السابقة فظني هو أن العمل
سيكون مفيداً.
* سؤال يلح عليَّ بقوة ولم أجد له
إجابة، لماذا أخرج الجرجاني الكناية من أسرار البلاغة وأوردها في دلائل الإعجاز،
أو بالأحرى لماذا أخرجها عن البيان وأدخلها في المعاني؟
الوجه
الثاني للسؤال غيرُ وجيه، في نظري، لأن كتاب الدلائل استرجع كل مادة الأسرار
وكملها بمبحث الكناية قبل أن يدخل في الحديث عن النظم، وقد بينا هذا بوضوح في كتاب
البلاغة العربية.
أما لماذا
لم يتناول الكناية في الأسرار فراجع في يقيني ـ والله أعلم ـ إلى أن عمله في
الأسرار قائم، كما بينا في المرجع المذكور، على صياغة نظرية المحاكاة كما تأولها
الفلاسفة المسلمون: التشبيه والثمثيل والاستعارة.
* هل يمكن أن ندرس تلقي كتاب فن الشعر
لأرسطو من خلال الترجمات العربية القديمة والحديثة؟ وكيف؟
"دراسة
تلقي" كتاب فن الشعر من خلال ترجماته أمرٌ مشروع وعادي، كدراسة تلقي أي كتاب
آخر. فالترجمةُ نوعٌ من التأويل تتناسب قوتُه مع مدى التباس العمل المترجم سواء
كان عملاً تخييلياً أو نظرياً. وللتأويل سياقه وبيئاته؛ فكل مؤول محكوم بخلفيته
المعرفية الشخصية والإمكانية التي تقدمها الثقافة التي ينقل إليها. ونحن نعرف مدى
الجدل الذي أثارته الترجمة العربية للتراجيديا والكوميديا، ونعلم كيف سعى
الملخصون، فيما بعد، ـ والتلخيص نوع من الترجمة ـ إلى تخليص الكتاب من المحليات
اليونانية وإحلال محليات عربية محلها. هذه قضايا عالجناها في فصل خاص من كتاب:
البلاغة العربية، قمنا فيه ببيان كيف حول القارئ العربي مركز الكتاب من المحاكاة
إلى التخييل. وحين تقرأ بعض الترجمات الفرنسية الحديثة للكتاب تجدها تحككه لفظاً
لفظاً، لكل لفظ حاشية تبين الاحتمالات الممكنة للمعنى. حتى لفظ محاكاة اقترحت إحدى
الترجمات استبداله بلفظ "تمثيل" représentation.
بل الأمر يعدو "دراسة القراءة" إلى
"فهم الكتاب"، فحتى لو كنتَ تعرف اللغة اليونانية فإنك لا تستطيع أن
تستغني بقراءة أصل الكتاب ـ كما يعتقد البعض ـ عن ترجماته وتلخيصاته. فالكتاب
ينتمي إلى نسق فلسفي منطقي وبيئة علمية معقدة أكثر من انتمائه إلى اللغة باعتبارها
معجماً وتركيباً...الخ.
* من التحقيق إلى الترجمة إلى الدراسات
البلاغية إلى التحرير كيف استطعت اكتسابَ كل هذه المهارات؟ وكيف استطعت المزاوجة
بين كل هذه الحقول؟
سبق ما
يُلقي بعضَ الضوء على الظروف التي أَنتجتْ بعضَ أعمالي، وهي تتعلَّق في الغالب
بظروف التعُّلم والاطلاع وتحقيق الذات، خاصة الترجمة والتحقيق. وبعدَ ذلك بدأ
يتوضَّح ما ينبغي عملُه من أجل مد الجسور بين تراثنا وحاضر المعرفة الإنسانية.
أعتقدُ أن الجزء الثاني من سيرتي الذاتية يجيبُ عن هذا السؤال من زاوية أخرى، من
خلال العوائق والعراقل التي كان يجب اجتيازُها لإنجاز كل عمل. لقد كنتُ أيضا
حيواناً سياسياً مجروحاً، كنتُ من الذين يعتبرون أن الاستقلال قد سُرق منا، ولم
نكدْ نُنهي معركتنا مع نظام الحكم العتيق (القروسطي) حتى ظهرت الحركة الأصولية
ساعية لإزاحتنا عن الساحة. كان الجو مشحوناً بالتحدي ولذلك سارتْ جهودي في عدة
واجهات، بين البحث الأكاديمي والكتابة الصحفية
السياسية والاجتماعية بالإضافة إلى التنشيط العلمي والثقافي (مجلات وجمعيات
وندوات)..الخ. رغم أني كنت أعلم أني أتحرك داخل منطقة الخطاب فقد كنتُ أخشى أن
أكون "كالمُنبث، لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى"، ولكن شاء الله أن يصُب
كل ذلك (الأكاديمي والثقافي) في هذا العلم الكلي: البلاغة... قلَّ أن أُبدي
احتفالاً بشيء يتعلقُ بالمال والوجاهة ولكن عندما جاء الاعتراف بمجهودي البلاغي من
خلال الحصول على جائزة الملك فيصل العالمية (2007) لم أستطع
أن أكتم فرحي، سعدتُ بهذا الاعتراف كثيراً. وقبل ذلك وقع الاعتراف بكتاب تحليل
الخطاب البنية الصوتية بتحليته بجائزة المغرب (1990).
* ما الانطباع الذي خرجت به من تجربتك
الواسعة في مجال التدريس في مختلف الجامعات (فاس- الرباط- الملك سعود)؟
اعتقد أني
خُلقت معلماً، فلا أتصور الآن أني أصلح لحرفة أخرى غير التعليم. وقد مارست التعليم
بحيوية في المدارس الثانوية قبل الالتحاق بالجامعة. ولكن اللعبة لا تمارس من طرف
واحد. فالحيوية التي كانت تعيشها الجامعة في السبعينيات والثمانينيات قد انتقلت
إلى المعاهد والمدارس العليا العلمية والتقنية، في التعليم الرسمي والحر. ولا يبقى
للكليات المفتوحة ذات الاستقطاب العام (وعلى رأسها كليات الآداب) غيرُ الطلبة
الذين أخطأهم الانتقاء، وهم يشعرون أن مستقبلهم العملي (الوظيفي) بين قوسين. لذلك
صار العمل في هذا الجو صعباً، فغادرتُ الجامعة مع أول فرصة حفاظاً على رصيدي. هذا
عن المغرب.
* وماذا عن المشرق؟
أهل مكة
أدرى بشعابها. وإن شئت قلتَ: كلنا في الهم شرقُ.
* لا كرامة لنبي في بلده، جائزة واحدة
من بلدك وأخرى من السعودية، أشعر أن الأستاذ محمد العمري لم يعط حقه بعد من قبل
القائمين على تثمين الأفكار والرجال، وأرجو أن أكون مخطئاً.
حصلتُ على
جائزة المغرب للكتاب سنة 1990، ولم أكن أعلم أني
مرشح لها، ولذلك اعتبرتها ثمينة، وفي سنة 1992 أقصي كتاب:
الإفراني في المرحلة الأخيرة من المداولات بسبب قانوني لا علمي: عدم مرور خمس
سنوات على الجائزة الأولى، ولذلك اعتبره حاصلاً عليها. وبعد ذلك أُقصي كتاب
البلاغة العربية، بطريقة متعمدة مُتعسفة، إذ بلغني أنه ظل يتنقل بين لجنة النقد
الأدبي ولجنة العلوم الإنسانية: لم يقترح للقراءة أصلاً. اعتبر الحصول على جائزة
الملك فيصل إنصافاً كبيراً، لمصداقيتها.
*هل كانت تسعة أشهر كافية لأن تكره
بلدان المشرق العربي؟
لا يتعلقُ
الأمر بالكره والحب بتاتـاً. إنني لم أعش في وسط جامعي مهادن ومحتضن مثل الذي
عشتُه مع الزملاء في شعبة اللغة العربية بجامعة الملك سعود بالرياض، على اختلاف
ألوانهم ومشاربهم الفكرية. أُحس أنني كنت مقبولاً على علاتي من الغالبية، إن لم
أكن محبوباً. تأكَّد لي هذا من خلال استمرار علاقة الود مع الكثير منهم، ومن
الاستقبال الحار الذي خصصوه لي عندما عدت إلى الرياض سنة 2008، للاحتفال
بالذكرى الثلاثين لجائزة الملك فيصل. فأين يكمن المشكل إذن؟
يكمن المشكل في أنني، كما قلتُ سابقاً، حيوانٌ سياسي مشاغب، كثير الانتقاد
للأوضاع التي تبدو لي غير منطقية، وهي كثيرة في واقعنا العربي. ويزيد من تعقيد
المسألة أن المتنفس الذي اعتدنا عليه في شمال إفريقيا ـ عدا ليبيا ـ وهو اشتراك
المثقفين من أوطان مختلفة في انتقاد المجتمعات والحكام غيرُ مستساغ في منطقة
الخليج، فتلك شؤون داخلية يتحدث فيها أبناء البلد فيما بينهم. لقد أحسستُ بضياع
الجزء المهم من شخصيتي، وهو المساهمة في تقويم المحيط الذي أتحرك فيه. لدي الكثير
مما يمكن قوله ولكني اتخذت قرارا بعدم الخوض في شؤون الآخرين إلا ضمن الحديث العام
عن القيم الإنسانية. وأتمنى أن يخوض أبناء المنطقة أنفسهم في الكثير من الأسئلة
التي يطرحها استقبال الأجنبي في المنطقة، الأمر أحوج إلى دراسات سيكولوجية
وسوسيولوجية قد تتحمل الرواية جزءا من تقديمها.
كنت أحب أن استدرجك بأسئلتي إلى منطقة
ملغومة، ولكنك قطعتَ علي الطريق.
الأجدر بكل منا أن يبدأ بإصلاح نفسه ومحيطه.
تجربة إصدار
المجلات:
*كانت مجلة دراسات أدبية لسانية، ومن ثم
مجلة دراسات سميائية أدبية لسانية اللتين كنت مسؤولاً عنهما، وسائل لردم الهوة
القائمة بين التراث والحداثة. فلماذا لم تستمرا ؟ وهل هما امتداد لبعض؟ وما قصة
العنونة الملبسة بينهما؟
نشأت مجلة
دراسات من مجهود مجموعة من قدماء طلبة كلية الآداب بفاس (1972ـ1973)، عادوا إلى
الكلية أساتذة مساعدين بعد عشر سنوات من تخرجهم (1980ـ1983). هم محمد
العمري وحميد لحميداني ومحمد الولي ومحمد أوراغ. وكان العمل قد بدأ قبل ذلك
بلقاءات علمية بحضور زملاء آخرين لم يسايروا المشروع إلى نهايته. كانت المجلة
فصلية أكاديمية. وبعد صدور ستة أعداد ظهر شبه فتور من بعض الأعضاء في تقدير
الآخرين، فقرر محمد العمري وحميد لحميداني ومحمد الولي توقيف المجلة وإصدار مجلة
أخرى باسم الثلاثة. في الأخير انسحب محمد الولي دون إبداء سبب، بعد أن اتفق مع
الآخرين على كل الإجراءات ومن ضمنها الاسم.
صدرت مجلة
دراسات سميائية باسم محمد العمري مديراً، وحميد لحميداني رئيس تحرير (وأمين مال،
كما كان في دراسات أدبية). الشيء الوحيد الذي أضيف هو كلمة "سميائيات"
كإجراء قانوني للتميز عن العنوان القديم الذي احتفظنا بجميع ألفاظه. وكنت شديد
التحفظ على الكلمة إشفاقاً على نفسي من أن يظن من يراني مديراً لها أني اسم على
مسمى، أحد أعلام السميائيات.
توقفت مجلة
دراسات بسبب غباء الحكومة المغربية المتأصل، فبجرة قلم فرضوا الضريبة على المجلات
الثقافية التي تعيش من تطوع الكاتب والمحرر والمشرف على الطبع..الخ. أَوقف الموزعُ
حصة المجلة من المبيعات مطالباً بتكوين مجلس إداري، ورقم ضريبي (الباطانت)..الخ.
لم يكن من سبيل لذلك. لقد كان يلزم أن تتحول المجلة، بعد صدور منشوراتها، إلى
مؤسسة بجهاز إداري، ولو صغير، يسهر على تدبير مرجوعاتها ومتابعة حساباتها، ولكننا
لم نبادر إلى ذلك، فتوسع الخرق على الراقع. بصعوبة استطعنا استخلاص المستحقات
المادية وتوقفنا.
وأنا أرجح
اليوم أن هذا القرار ـ وقد تم التراجع عنه فيما بعد ـ كان إجراء أمنياً لا
اقتصادياً، وقد سبقه قرار أكثر تغليفاً، وإن كان بدوره قاتلاً، حين بادر الموزع
إلى رفع حصته من ثمن المبيعات من طرف واحد: من 35 في المائة إلى 45، مرة
واحدة. وقصة قمع ما ينشره المثقفون، وهم محسوبون على اليسار، تعودُ إلى سنة قبل
منتصف الثمانينيات حين أوقفت الداخلية ثماني مجلات ثقافية وعلمية باعتبارها منشورات تحريضية. كان صدور مجلة دراسات سنة
بعد ذلك تحدياً اقتضى استدعاء وتحقيقاً من الجهات الأمنية
معارك
أدبية:
*معركة أدبية طاحنة تلك التي ناجزتَ
فيها زميلك ورفيقك وصديقك الأستاذ حميد لحمداني بالمنطق والحجاج العلمي، ترى ما
خلفياتها، وهل من معارك غيرها، معه أو مع غيره؟
النقاش الذي
دار بيني وبين الأستاذ لحميداني محكوم بالمعطيات
النصية الموجودة في متنه، وما يخصني من ذلك المتن موجود على الأنتيرنيت. وربطها
بأي خلاف آخر لن يلقي عليها الضوء في أي مستوى. وقد أشارَ هو في أحد ردوده إلى أن
الكل يعلم أن بيننا خلافاً، أو سوء تفاهم، فوضعتُ أنا في مقالي اللاحق نقطة نظام،
ودعوته إلى البقاء فيما يمكن أن يسايرنا الناس فيه، أي الأفكار البلاغية والنقدية.
سيقرأ الناس في الجزء الثاني من سيرتي الذاتية
تفصيل تلك الملابسات. وسيجدون، على غير توقع، أنني أشكر الأستاذ لحميداني جزيل الشكر على دفعي بقوة، بل بعنف، إلى تأسيس
"وحدة التواصل وتحليل الخطاب"، ثم "وحدة البلاغة الجديدة والنقد
الأدبي"، وما ترتب عن ذلك من نعم. لقد منع مائي من المرور في جدول صغير هامشي
بوحدة النقد الحديث التي كان سيشرف عليها، بعد عودتي من الرياض، فنحت مجراي الواسع
في السفح الآخر من الجبل. كونوا كالماء.
هناك حوار
آخر مع إبراهيم بن منصور التركي استمر زمناً في جريدة الرياض إلى أن غادرتُها، دار
حولَ وظيفة النقد. وكان المحاور عاقلاً ومنصفاً.
أما غير ذلك
فإني لا أجد، في الغالب، من يرد علي الصدى، خاصة في الموضوعات الاجتماعية
والسياسية حيث أوظف السخرية في الحجاج. أمثلة كثيرة من ذلك في كتاب: دائرة الحوار،
وفي كتاب: منطق المخزن وأوهام الأصوليين.
ختام
*دعني أمارس معك لعبة الأسئلة العبثية
وأقول: ما الأسئلة التي ما زالت بدون إجابة لديك؟ وما الأسئلة التي لم تسألها
بعد؟
الأسئلة
التي طرحتَها ناتجة عن قراءة ذكية مستوعبة ولذلك وجدتني مستغرقا في الجواب عنها
دون الانشغال بالتفكير في غيرها. ولم أشعُر في أية لحظة ـ وهذا نادرا ما يقع
ـ أن هناك وجها آخرَ أنسبَ لطرح السؤال.
من الأكيد أن استراتيجية أخرى في الحوار ستثير أسئلة أخرى لا مناسبة لإقحامها هنا.