الإيهـام والمغالطة
في الخطابة السياسية
فحص بلاغي لمقالات عبد اللطيف جبرو* المعنونة:
"الحقيقة أولا"
(
منشورة في جريدة "الأحداث المغربية"، بين 28/7/99 وَ 27/8/99.)
نشرت مقالاتنا في
جريدة النشرة . اباتداء من 17/10/1999.
نورد هنا القسم الأول والأخير من
هذه المقالات، مع فهارس بقسة الأقسام، في انتظار ظهور النص الكامل في كتاب بعنوان: دائرة الحوار ومزالق العنف. تم التعاقد بشأنه مع إفرقيا
الشرق. الدار البيضاء. بيروت.
وجهة
هذه القراءة
أول عنوان وضعته لهذا
التعليق البلاغي على حقيقة السيد عبد اللطيف جبرو هو: "الحقيقة أولُ
ضحية". ومع توالي الحلقات، وتكشف النيات والغايات، تذكرت حديث الإفك، عاد إلى
الواجهة بإلحاح. وقلت في نفسي: لماذا حضر هذا الحديث، ولماذا اختار القرآن الكريم كلمة الإفك للتعبير عن قذف
المحصنة، والحال أنه توعد قاذف المحصنة بما توعده به في الدنيا والآخرة؟ رجعت إلى
لسان العرب فعلمت السبب. ولذلك أدعو القارئ إلى تأمل المعاني العديدة المتقاطعة في
لفظة الإفك في المعاجم العربية. إنها اللفظة الوحيدة التي تستوعب شناعة الكثير من
التجاوزات الخطابية التي تطبع نوعا من الكتابة الصحفية التي ازدهرت في المغرب خلال
السنوات الأخيرة، وهي تلتقي في الغالب حول الإثارة دون إلقاء أي اعتبار للحقيقة
والإنصاف. نجد أدنى درجات هذه التجاوزات في الفضائحية المجانية القائمة على اختلاق
الأحداث بكل تفاصيلها وكشف العورات دون إلقاء أي اعتبار للضحية و القارئ معا،
و"أعلاها" استعمال الوسائل الخطابية المغالطية بتقنياتها القديمة
المبتذلة والحديثة المبتدعة في مجال الإشهار على وجه الخصوص.
وقد يستغرب القارئ إذا قلتُ بأن ظهور هذا النوع من الخطاب علامة
صحية، برغم كل ما ينطوي عليه من تجاوزات، علامة على نقل العنف من المستوى البدائي
ـ حيث تتخاطب الأجساد بالأسنان والرماح وغيرها من الوسائل الموجودة في ذلك
الامتداد ـ إلى مستوى أكثر تحضرا يقتنع فيه مُمارس العنف بتعذر تلك الطريقة وضرورة
اعتماد الإغواء والتضليل لنيل الآخرين أو النيل منهم: أخذ مالهم، أو حقوقهم، أو
مكانتهم …الخ
غير أن هذه النعمة تتحول
إلى نقمة إذا لم يصاحَب هذا الخطاب بالتحليل البلاغي والنقدي لكشف آلياته وإزالة
الأوراق الميتة التي تغطي فخاخه المنصوبة في كل جانب؛ تأتي المتلقي من حيث لا
يحتسب. وبهذا نساعد القارئ على تكوين مناعة ذاتية تجعله يكتشف الخدع ويعامل
أصحابها بنقيض قصدهم، ويرد كيدهم في نحرهم. وهذا الموقف يتضمن رفض أي وصاية على
القارئ تحت أي اسم جاءت، وعن أي رقيب صدرت.
سأساهم في هذا الاتجاه
التنويري بمحاولة كشف بعض الحيل
اللغوية وغير اللغوية المرصودة للإيهام بالحقيقة، وتثبيتها في الذهن قبل ظهورها
بالحجة في سلسلة مقالات السيد ع. جبرو المنشورة في جريدة "الأحداث
المغربية"، بين 28/7/99 وَ 27/8/99.
أ ـ
الاستراتيجية العامة
للبحث
عن "الحقيقة "
حددت
الحلقات الثلاث الأولى الإطار العام لاستراتيجية "الحقيقة أولا"، كما
كشفت بشكل جلي نوع الآليات "الحِجاجية" المستعملة للوصول إلى
"الحقيقة" أو الحقائق.
أ.1.1ـ
الاستدراج
بالصورة
والكلمة
تحت عنوان: "استراحة الصيف" بالصفحة التاسعة من جريدة الأحداث
المغربية تتربع هذه الأيام صورة كانت مألوفة صحفيا في مكان آخر، صورة الصحفي الكبير عبد اللطيف جبرو. أما
اسمه فيقبع مطمئنا إلى شهرة صاحبه
بين النص الموجِّه والحلقات التي تنشرها الجريدة تباعا( ابتداء من يوم
الأربعاء 28 يوليوز 1999) : المعروف لا يعرف.
نصل إلى تلك "الاستراحة" عن طريق لافتة نصبت في الصفحة الأولى من الجريدة في أقصى
اليمين هي أول ما تقع عليه العين تحت عنوان الجريدة؛ نحن إذن أمام أهم مادة في
الجريدة. وضع بداخل اللافتة شيء
أشبه بالطُّعم؛ طُعم اليوم الثالث مثلاً(30/7/99) صورة تهز القلب، صورة الشهيد عمر
بن جلون الذي زُج به في حرب مواقع ما كان ليخوضها مخيرا. أما في اليوم الأول فنجد
صورة أخرى مثيرة للأشجان الماضية والمنغصات الحالية، صورة السي محمد الفقيه البصري. وفي اليوم الثاني تخلي الصورة الموقع لجملة مثيرةٍ
(من صنف ما قال فيه القرآن الكريم: "كَبُرَتْ كَلِمَة تخرجُ من
أفْواهِهِم … ( الآية)"، جملة
منسوبة (تَكتيكيا) للفقيه البصري تتضمن القدح في الفقيدين المهدي وبوعبيد، الصورة لم تختف
نهائيا بل زُحزحت إلى الداخل، إنها
تنتظر القارئ في الاستراحة.
بعد هذه الحوافز الإشهارية (بل التشهيرية) نصل
إلى النص ـ اللازمةُ، النص المتكرر مع كل حلقات المسلسل. انتهى هذا النص بجملة
خطيرة غامضة تَجُبُّ (أي تمحو) كل ما قد يُراكمه المناضل مَهما ضحى وعانى، وهي
العَمالة. وهذه الجملة هي:
"بأي شروط بحث إدريس
البصري عن الفقيه البصري؟ هكذا أصبح البصري الفقيه منذ عام 1987 موضوعاً أو قضية
من القضايا التي تهتم بها وزارة الداخلية … وهذا جانب آخر من الحقيقة… حقيقة الفقيه البصري العائد إلى المغرب في بداية صيف 1995".
لك أيها القارئ أن تملأ الفراغات التي تركها لك الكاتب: إن كنت خالي الذهن ستفكر
في الخيانة، في بيع الرفاق، في العبور على أجساد الأحياء والأموات لتصل إلى المغرب… الخ، وإن كنت من المتابِعين
العارفين بحقيقة الوقائع، و وَضَاعَةِ
الدوافع، ستُصاب بحزن على ما آلت إليه الأمور في زمن الهرولة وحرب المواقع.
المهم أن الأستاذ جبرو لم يقدم أكثر من ذلك الفراغ الذي يطلب منا ملأه.
وظيفة النص اللازمة في هذه المناسبة هي
توجيهُ القراءة نحو الهدف المتوخى المحدد سلفا قبل الكتابة، يُتوخَّى منهُ
التعويضُ عن الخلل الحُجي، والتقليلُ من شأن الوقائع غير المسعفة التي قد يفرض السردُ ذكرها لأسباب متعددة
كالتظاهر بالموضوعية.
هذا هو المدخل إلى "الحقيقة"،
هاهي المسطرة قد اعوجت، وسنقيس بها برغم أنفك يا صاحب الريطورية، يا أرسطو. لقد
أُدخل المخاطب إلى الفخ، أو هكذا خيل للخطيب، فاحْشُر جندَ بلاغتك لإخراجه منه.
كان أرسطو، غفر الله له، قد نصح بعدم التأثير في القاضي حتى لا يحيد عن الحق، وإلا
كنا كمن "يعوج" مسطرة ثم يقيس بها. والمخاطب قاضٍ في مقام خطابه.
ومن المناسب أن نشير إلى أن اعتماد الصورة إلى جانب المكتوب لتكوين نص
كثيراً ما استخدم في تمرير معنى أو رسالة لا تجد طريقا مُعبَّداً لسبب من الأسباب،
كما يقع في الإشهار. وقد وقع هذا في الحلقة 18 وعنوانها: " بعد
"المؤامرة" بدأ الحديث عن مرحلة سياسية جديدة".
تخيل كل ما يمكن أن تتخيل وجوده من صورة مع هذا العنوان ولكنك لن تتخيل النص
الموازي التالي:
تواجهنا في الصفحة الأولى، مع عنوان الحلقة ، صورة لشاب أنيق في مقتبل العمر
نتصور أنه الشخصية الدالة في أحد شقي العنوان (المؤامرة + المرحلة السياسية
الجديدة)، فننتقل بسرعة إلى مسرح الأحداث إلى فسحة الصيف لنلتقي بالصورة مرة أخرى
وسط النص، نجدها أكثر إشراقا وأبهة، تجعل المرْءَ منا يحن إلى شبابه مردِّدا مع
الشاعر القديم:
ألاَ ليْت الشبابَ يعودُ يوماً فأُخـبرَه بـمـا فعـلَ
المشيـبُ
نقرأ تحت الصورة: "عبد اللطيف جبرو 24 سنة. أصغر المتهمين في
"مؤامرة" 1963". بالصورتين وبهذه الجملة يصل التشويق قمته فنتوجه
إلى مجمل النص، إلى المكتوب "أبيض على أسود" لإطفاء الغلة! ويستمر الشوق
من أول حرف إلى آخر حرف؛ لا نجد كلمة واحدة عن صاحب الصورة. ننتظر الحلقة المقبلة
متوقعين صدور اعتذار عن خطأ من المخرج (إدراج الصورة خطأ) فلا نجد ذلك فنعلم أننا
"زُطِّمنا" بلغة إشارية تنوب فيها الصورة عن المحتوى (المشاركة). سأسعد
بصدق يومَ يضع الأخ جبرو تلك الصورة مع نص يحكي تجربته ومعاناته في سيرة ذاتية
بعيدة عن ذلك السؤال الذي يصدر به حلقاته!
أنا، يا سيدي! أقرأ كل حلقة من حلقاتك الباحثة عن الحقيقة(!) في ضوء ذلك
السؤال الخبيث !! أبحث عن دلائل العمالة وخيانة القضية وأنت تعرض علي
"ألبومك"! هذا عبث!
(ليس غرض الكاتب طبعا هو الحديث عن أكبر متهم وأصغر متهم، لأن السياق يرفض ذلك من جهة، ولأن الأمر
إذا طُرح بجد احتاج إلى إثبات، وهيهات هيهات ! مع قمع أعمى انتشر من طنجة إلى ورزازات!
وإذا كانت هذه الصورة مجرد نشاز يمكن فهم سببه (التمسك بذيل القطار) فإن
الذي لا يفهم هو ما وقع في الحلقةٍ 20 من
التنافر بين العنوان والصورة لدرجة سوء الأدب .
في الإعلان عن الحلقة 20 في الصفحة الأولى نجد نصا من جملة وصورة:
1.
الجملة هي: "الفقيه
البصري يختار شهوده من الراحلين".
2.
الصورة المصاحبة: صورة أبي عمار رئيس دولة
فلسطين، أطال الله عمره.
هل هذا مجرد سوء تدبير و فال شؤم، أم إن له علاقة بشيوع خبر موت أبي عمار
منذ أسابيع قليلة. أتمنى أن لا يكون الصحفي الكبير قد ذهب ضحية تلك الأراجيف في
وعيه أو لاوعيه !
ب
ـ اللبس والتدليس
ب.1 ـ
البتر الكيدي
ج ـ حجية الأموات
د ـ التهويل والتقويل
د.1
ـ التهويل
د.1.1 ـ
أخطاء الذاكرة
د.1.1 ـ
أخطاء الذاكرة
د .1 . 2 ـ تهويل الاختلاف في
الرأي:
ها ـ تهافت
الاستنتاجات والأحكام
ها .1 ـ البناء الحجاجي العام
ها.2 ـ نماذج من الخلل في التركيب والاستنتاج
ها.2 . 1ـ
الاختيار السياسي ليس تَسَوُّقاً!
ها.2.2 ـ
تهويل لفظي:
البعض للكل والكل للبعض
هـ3 ـ الإعنات والتكذيب المجاني
ها3. 1ـ
استبدال المعطيات وتحويلها
و ـ المصادرة على المطلوب
وإعنات العارف
سؤال بدون
جواب:
ز ـ
استعمال سلطة غَيرُ مُخوَّلة
ح ـ اختلاطُ القيم
والمفاهيم:
مناضلون أم مُرتزقة؟
ط ـ فلتاتُ قلمْ
أم جهلٌ بمعاني الكلام
ط . 2 ـ سخرية البلاغة:
تأكيد المدح بما يشبه
الذم
وضع الكاتب سؤالا عريضا في
نهاية الحلقة الرابعة ليكون موضوعا للحلقة الخامسة وهو سؤال ظل معلقا طوال الحلقة الرابعة
نفسها لضمان كثير من التشويق، السؤال هو:
"كيف وصل الفقيه
البصري إلى مرحلة أصبح فيها مُحاورًا لملك البلاد باسم حركة المقاومة؟ وكيف أصبح
من الشخصيات الرسمية في فجر الاستقلال؟".
وهذا السؤال خطير لأنه سليل
واقعة بدأ بها الكاتب الحلقة الرابعة، وهي: "لم يكن المغاربة يعرفون شيئا عن
الفقيه البصري في 20 غشت 1956، اليوم الذي تم فيه لأول مرة في عهد الاستقلال،
إحياء ذكرى ثورة الملك والشعب. وبهذه المناسبة زكى القصر
الملك اقتراحا من هيئة المقاومة ليكون الفقيه البصري ناطقا باسمها في الحفل الذي
ترأسه المغفور له محمد الخامس…هكذا سمع المغاربة على أمواج الأثير لأول مرة
صوت رجل لا يعرفون عنه أي شيء سوى أنه متحدث باسم المقاومة".
هذا الكلام مختل من ناحيتين
:
قوله: لا يعرف المغاربة أي
شيء عن الفقيه البصري "سوى أنه متحدث باسم المقاومة" (!؟)
يثير هذا الحكم سؤالين
محيرين:
أولهما: هل كون المرء ناطقا باسم
المقاومة في بلد عريق ذي تقليد جهادي عتيد مثل المغرب يعتبر في مستوى لاشيء؟
لقد سخرت البلاغة من الذي
حاول أن يسخر منها، لم ينتبه الكاتب إلى أن عبارته من فلتات القلم التي تدخل في
المدح في معرض الذم، كما قال الشاعر:
ولا عيْبَ فيهمْ غيرَ أن
سُيوفَهم بهـنَّ فلولٌ من قـِراعِ
الكَتائبِ
وهذا النوع من الفلتات تقع
حين يصل الضغط السيكولوجي بالشخص درجة يجد فيها الماء الزلال مُـرًّا:
وَمَــنْ يَــكُ ذَا فَــمٍ مُرٍّ مَرِيــضٍ يَجِــدْ مُـــرّاً بِهِ
المَــاءَ الــزُّلاَلَ
إن النطق باسم المقاومة في
ذلك الزمن قبل ظهور البطائق العجيبة([1]) شرف عزيز المنال يكفي صاحبه أن يكون صديقاً
حميماً ونائبا للزرقطوني كما جاء في شهادة المقاوم عبد المكوني: "وكنا قد
التقينا قبل ذلك ذات يوم بالقريعة (كنا نسميها جبل قاف)، لأول مرة بالفقيه البصري
رفقة سي محمد الزرقطوني الذي قدمه لنا مؤكدا أنه صديقه الحميم ورجل ثقته وأنه
نائبه في كل شيء، ومهما كانت التطورات"([2]). وأن يصنف لدي الثقاة من المقاومين ضمن
القيادة الضيقة للمقاومة بعد الزرقطوني مباشرة كما ورد في شهادة المقاوم أمبارك
الورداني، الذي قال: "الواقع أن الجماعة كانت كثيرة ، والمعروف من عناصر هم
المسؤولون. فقد كانت ثَم جماعة،
مثلا، في درب الكبير، وأخرى في درب ليهودي، وثالثة في درب الشرفاء، وأخرى في درب
الفقراء…إلخ. من المؤولين الذين أذكرهُم، بعد السي محمد الزرقطوني طبعا، هم الفقيه البصري، وَ مولاي عبد السلام الجبلي،
عبد الله خربوش، المدني رحمه الله، محمد منصور… إلخ أي العناصر المشكلة لما يطلق عليه قيادة المقاومة"([3]). وبكفي فوق كل ذلك، وبعد كل ذلك، أن يكون
مُخاطِبَ الأبِ الروحي للمغرب الحديث محمد الخامس، باسمها وهو منها وإليها. نتمنى
ألا يطعن الكاتب في هذه الشهادات والوقائع وشهادات أخرى ووقائع أخرى يعلمها الكاتب
قبل غيره، وإلا اتسع الخرق على
الراقع.
وثاني السؤالين هو: ما هو
المقياس الذي استعمله الكاتب لتحديد مفهوم "المعرفة" بالنسبة لمقاوم
يعيش حياة سرية منذ هرب من مراكش؟ و
أين الاستمارة التي استطلع بها آراء "المغاربة" لمعرفة مدى شهرة الرجل؟
ط . 3 ـ
"استرجاع" ساخر في غير محله.
قد يحدث أن يرد شخص على آخر
في سجال شفوي باسترجاع كلمة له أو جملة. فهذه تقنية معروفة، بل حاول بعض الباحثين
المحدثين تعميمها لتفسير كل صور السخرية([4]).
وهذا المثال يراد منه
تطبيق صورة الصياد الذي يضع الفخ
فيقع فيه. ومنه الكثير من الشبلانيات المضحكة كالذي يرفع العصا لضرب الغير صَلفاً
وظُلماً فتنكسر وتقع على ظهره. يكمن المشكل في كون السخرية الأدبية الراقية آلية
دِفاعية ضِدَّ الظلم والاستبداد والادعاء الذي ينبغي أن يكون ملموسا للمتلقي لكي
يقبل رد الفعل العنيف القائم على التحقير والاستخفاف. وهذا الشرط لم يتوفر لدى
القراء بالنسبة للفقيه البصري الذي كان ومازال رمزا كَبيراً من رموز النضالِ الوطني والقومي، وأكثرُ
الحديث الذي عبَّر عنه في حواراتِه مُفعمٌ بالإحساس بالغبن، إن لم أقل بالاضطهاد.
لذلك لم أجد شخصيا، ولن يجد
أي قارئ نزيه حسب القواعد العامة للسخرية ـ
مناسبة لذلك العنوان الفاقع: "الفقيه يرمي حجرة في
"ذاكرته"! ". ومهما يكن من حجم ما نكنه للكاتب من تقدير فليس في
شخصه الكريم رمزيةٌ تسمحُ لنا بإخراج كلامه مَخرجَ الجَسارة ورفع التكلف بينه وبين
المتحدَّث عنه. إنها سخرية في مستوى "نكتة بائخة" كما يُقال. ومعرفة قدر
النفس واحترام القراء فضلا عن المناضلين جدير بأن يرفع الحديث فوق هذه
السوقية.
هل في الحديث عن شخص يحتل
من تاريخ اتحاد القوات الشعبية ما يسمح بهذا التلاعب بالألفاظ على هذه الشاكلة:
"بأي شرط بحث إدريس البصري عن الفقيه البصري؟ هكذا أصبح البصري الفقيه منذ
عام 1987 موضوعا أو قضية..". يقتضي هذا التلاعب اللفظي ألا تكون في الموضوع
عناصر مأساوية، والحال أن التمزق والتمزيق الذي تروج له "الحقيقة أولا"
ينطوي على مأساوية تصل إلى مستوى بعض الناس يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي الحاقدين
المتربصين.
لا تقل لي إنها مجرد وصلة
إشهارية من أجل الترويج، فهذا عذر أكبر من الزلة!
ـ ي ـ
تغييب الأسباب
وإحضار الأسئلة المشبوهة
..............................
.....................................
قال
علي بن أبي طالب في سياق الحديث عن الفتنة والتخاذل الذي فتت صفوف أصحابه:
"فَلَوْ
أن امرأً مُسلِماً ماتَ مِنْ دونِ
هذا أسَفاً ما كان فيه عندي مَلُومًا، بل كان به عندي جَديرًا".
(جمهرة خطب العرب 1/428).
[1]
ـ حين هيمن أوفقير على شؤون الداخلية المغربية متَّع الكثير من عُملائه ببطائق
المقاومة. استفادوا منها ماديا، ويحاولون فيما بعد استعمالها معنويا، فأثار ذلك
ردودَ فعل عنيفةً، واشتهرت منها بطاقة أحد الكوميسيرات، فسميت "أشهر بطاقة
مقاوم"، لله الأمر من قبل ومن بعد.
[2] ـ الاتحاد الاشتراكي /8/99.
[3] ـ الاتحاد الاشتراكي 3/8/99.
[4]
ـ انظر مقالنا: "بلاغة السخرية" في مجلة علامات. السعودية 1996.