محمد الإفراني

وأسئلة الثقافة في عصره

يمكن القول بأن الإفراني جسَّد، في عصره (بين القرنين 17 و18 بمراكش)، المفهومَ الذي نرتضيه اليوم في عصرنا للمثقف. لقد خلف من الأثر ما يتيح له لقب أديب أو مؤرخ أوفقيه. ولكنه خلف أيضا من الخبر ما يجعله أكثر من ذلك. فمن التقاء الأثر والخبر(أي الحضور والفاعلية) تتولد صفة المثقف. إن الثقافة اجتهاد في تفعيل المعرفة في الواقع في اتجاه إيجابي. فهي خلافُ البحث العلمي الدقيق محصورا بين الجدران، ونقيضُ المتاجرة بالمعرفة، وخصم عنيد لانتساخ الماضي على علاته.

لقد كان الإفراني أديبا مدافعا عن مفهوم الأدب ووظيفته: الأدب عنده عمل من صنع الخيال مبني على التسامح من وجهة الدين والمنطق معا. وما دام الأدب هو الطريق لاستكمال إنسانية الإنسان فإن من لا يتعاطاه ما هو إلا صورة ممثلة أو بهيمة مرسلة، كما قال.(انظر مقدمة المسلك السهل).

وكان فقيها مجتهدا حاول الرجوع إلى الأصول فتصدى لتدريس تفسير القرآن غير أن مبادرته أثارت زوبعة وسط علماء عصره الذين رفعوا أمره إلى القاضى ثم إلى باشا مدينة مراكش، وضايقوه ماديا ومعنويا حتى تدخل الحاكم فمنعه مما أقدم عليه ودعاه إلى الاقتصار على ما يتعاطاه الناس من العنعنات  والتغني باستظهار المحفوظات. وقد عالج الإفراني جانبا من هذه الإشكالية في كتيب سماه فتح المغيث بحكم اللحن في الحديث. (انظر خبره مع علماء عصره في رحلة الوافد).

حينما أعيت الإفراني مقارعة الواقع مباشرة  هاجر إلى زمن آخر هاجر إلى مغرب القرن الحادي عشر في كتابيه نزهة الحادي في أخبار ملوك القرن الحاي، وصفوة ما انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر. هل كانت الرحلة درسا لغيره أم انتقاما وإعناتا، أم كانت عملية علاج ذاتية وتسلية لمثقف وصل إلى الباب المسدود أمام قوتين لا قبل له بهما؟ أم كانت كل ذلك وغيره؟ الذي يهم الآن هو الأثر والعبرة.