بقلم الطَّلْبْ لحسن بن أحماد العطاوي[1]
المولود سنة 1885م
تفصيح: محمد العمري[2]
نشر بجريدة الاتحاد الاشتراكي
بتاريخ 18/10/2000
قال محققا هذه الوثيقة:
"... هي،
حسب علمنا، من النصوص المكتوبة النادرة ـ إن لم تكن الوحيدة ـ التي تورد رواية محلية
معاصرة لأحداث المقاومة في صاغرو وبوكافر".
قال الطَّلْبْ لحسن بن أحماد العطاوي:
"بسم
الله الرحمن الرحيم.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
الحمد لله وحده، والسلام على من لا نبي بعده،
وآله وبعد:
هذه قصة صاغرُو
رضي الله عن المسلمين أجمعين".
[القسم الأول:]
[مسار الأحداث]
[بداية الحصار]
وبعد، هذه نسخة مباركة من الوقائع التي جرت بين
المسلمين والكفار بما فيها من هجرة وغزوة. أي الهجرة التي ترك فيها المسلمون
النواحي القريبة من تافيلالت وما إليها، وتدغة إلى آخر تلك البلاد. والغزوة
المذكورة هي غزوة صاغرو. وقد أمر الله تبارك وتعالى الكفار بالخروج إلى تلك
النواحي المذكورة. فهاجر المسلمون منها بما قدروا عليه تحقيقا للسنة والفريضة حتى
اجتمعوا في جبل كنات وصاغرو ونواحيهما من
الجبال والأوطان. وجلسوا ما شاء الله، ثم اجتمعوا كلهم في صاغرو. وكان
النصارى يتقدمون إليهم بحروكهم وجنودهم كالجراد المنتشر. حتى وصلوا إلى بلاد ألنيف
فبنوا فيها (تحصيناتهم)، ثم تقدموا إلى بلدة أحصية وبنوا فيها هي الأخرى. ثم
تراجعوا بجنودهم وحروكهم حتى لم يتركوا إلا القليل في ذلك البنيان الذي بنوا في
ذلك الوقت. وقعدوا هناك ما شاء الله، ثم رجعوا بحروكهم وجنودهم وعساكرهم بأكثر مما
كانوا عليه في أول مرهم. وقصدوا بلاد صاغرو وضموا إليهم جنودهم من كل البلاد
التي أخضعوها. لا يعد عددهم ولا يحصيه إلا الله. تسلقوا جبل صاغرو من كل جهة،
وأحاطوا به حتى لم يتركوا للمسلمين مخرجا أو جهة يلتفتون إليها.
[القص الاشتباك]
وبعد إحكام الحصار بدأ الضرب بالبارود والقنابل
والرصاص والرشاشات والطائرات حتى ما عاد أحد يسمع أحدا من شدة الضجيج. وقد غنم
المسلمون في هذا اليوم الأول الكثير من البغال والقش والزرع، وقتل فيه قليل من الكفار
والمسلمين على السواء.
وفي اليوم الثاني استمر الضرب حتى صار المسلمون
في ضيق من مكرهم، وانكسر المسلمون الذين كانوا في جبل أمساعد، رضي الله عنهم، ومات
بعضهم، رحمهم الله. واستمر الناس في تسلق جبل بوكافر حتى لم يبق منهم في أوطانهم
أحد. وقصدهم النصارى في تلك الجبال، وقاوموا فقتلوا المئات من النصارى. وكان من
المسلمين رماة لا يخطئون الهدف أبدا، رضي الله عنهم. واشتبكوا أيضا ففعل المسلمون
في النصارى ما فعل الصحابة في الجاهليين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛
قتلوهم قتلا عظيما، قصدوهم وضربوهم.
وحزم النصارى أمرهم وهجموا على المسلمين وتصدى
لهم المسلمون ببسالة فقتلوا منهم عددا كبيرا من الضباط (بين فسيان وسرجان وقبطان
وكولونيل) وكبار الحكام وغير ذلك من كُومْgoumiers) ) وعساكر، بالإضافة إلى من
انضم إليهم من الأنصار("برطيزة بلغة أهل الوقت": partisans) . وأما عدد من قتل من اللفيف الأجنبي فلا يحصي عدده إلا الله.
[معاناة المقاتلين تحت الحصار]
وحاصل الآمر أن النصارى خافوا منذ ذلك اليوم، بل
ذعروا فلم يعودوا يتقدمون نحو المسلمين إلا اغتمادا على كثرة القنابل والطائرات و
وابل الرصاص، يضرب
ون من بعيد؛ لا يجرؤون على الاقتراب من المسلمين
رضي الله عنهم. وبقي المسلمون محاصرين بذلك الجبل يعانون من التعب وقلة الماء
والجوع. وصبروا على ذلك رضي الله عنهم، وجعل منازلهم في الجنة أحياء وأمواتاً. هذا
في حين كانت مؤونة النصارى متصلة من البحر إلى تلك الجبال ينقلونها بسيارات لا
يحصي عددها إلا الله. وكان من المسلمين من بقي بدون عشاء أو غذاء يعتبر ضرب العدو
لعنه الله أفضل من الأكل والشراب، رضي الله عنهم ونصرهم، حتى عجب النصارى لعنهم
الله وأذلهم من حال تلك الغزوة وصوروها بمصوراتهم
وبعثوها إلى بلدهم فرنسا. واستمر إطلاق النار في تلك الجبال مدة خمسة
وأربعين يوماً، ابتداءً من اليوم الذي غزوا فيه صاغرو. وكان المسلمون رضي الله
عنهم قد استنزفوا المؤونة التي كانت بين أيديهم، ومات البعض من الرماة وجرح
الآخرون ولا يحصي عدد الموتى فيهم إلا الله بل مات عدد كبير من النساء والصبيان
فضلا عن الشيوخ الأكبر سناً. وبقي الناس في ضيق من الحصار حتى لم يعد أحد يعرف
أحداً من كثرة الغبار الذي يثيره قصف الطائرات والقنابل والرصاص.
[نعم للموت، لا للاستسلام]
وبعثوا إليهم رسلاً يدعونهم للرجوع وقال لهم
المسلمون رضي الله عنهم سنضرب حتى نموت كلنا فذلك أفضل لنا من الحياة تحت حكمكم.
وضربوا حتى مات من النصارى والمسلمين معا أكثر مما مات أول مرة. ثم راسلوهم مرة
أخرى فوجهوا إليهم بعض الأنصار (برطيزة) الذين كانوا معهم واقترحوا على المسلمين
أن يأخذوا لهم الأمان إن هم قبلوا الرجوع. وقال لهم المسلمون رضي الله عنهم:
"لو قدمتم إلينا من دون أن نعطيكم الأمان التام لقتلناكم بدوركم، ولكن الله
أمرنا بالوفاء بالعهد". ورجع الأنصار فأخبروا الحكام النصارى، لعنهم الله،
وجعل منزلهم في جهنم، بأن المسلمين رفضوا الرجوع أحياء.
وهنا لجأ النصارى إلى تدبير حيلة تعيد المسلمين
بدون عناء كبير. وقالوا لجنودهم: "إياكم ثم إياكم أن يقدم أحد منكم إليهم.
اقعدوا في محلكم حتى يرجعوا من قلة المؤونة".
[نهاية المعركة]
وعندما
بلغت المعاناة بالمسلمين حدا لا يحتمل من خصاص في المؤونة وقلة الصريخ (قلة
الأنصار)، استفتوا علماءهم، فَ"فأجازوا لهم الرجوع بقلة المؤونة والنصرة، فذهب
الأمير(عسو وباسلام) ونزل المسلمون رضي الله عنهم".
بدأ إطلاق النار في صاغرو ابتداء من يوم السابع
من شوال، واتصل إلى اليوم الرابع من شهر الله ذي الحجة من عام إحدى وخمسين
وثلاثمائة وألف، هذا هو التحقيق بلا شك ولا ريب. ونسأل الله تبارك وتعالى أن يبدل
هذه الساعة بنصرة المسلمين، وكثرة الخير الجزيل، ويفرج على من كان في قلبه مثقال
ذرة من خرذل من الإيمان آمين.
[القسم الثاني:]
[ضخامة الحدث...]
[غزوة بوكافر أشبه بحنين]
حين جاء العدو غازيا قال الناس كلهم إنه لا قبل
للمسلمين، أعزهم الله، بملاقاة هذا العدد الكثير بعددهم القليل. ولكن الله تعالى
قال في كتابه العزيز: "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع
الصابرين". (البقرة246). وصدق أمر الله كما صدق في غزوة حنين، فانتصر
المسلمون على قلة عددهم على الكفار وكانوا
بعدد الجراد المنتشر. "ولكن الله أمرنا بالصدق، وأركان الدين كلها. فمن ترك
دينه لا يتقبل الله عمله، وقال الله تعالى في محكم كتابه الحكيم: "لقد نصركم
الله في مواطن كثيرة، ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا، وضاقت عليكم
الأرض بما رحبت ثم ولَّيتم مدبرين. ثم أنزل الله سكينته على رسوله، وعلى المؤمنين،
وأنزل جنودا لم تروها، وعذب الذين كفروا، وذلك جزاء الكافرين”. الآية(التوبة25-26). وكذلك كان حال غزوة
بوكافر في بلاد صاغرو فهي أشبه بغزوة حنين رضي الله عن المسلمين أجمعين. وكان فيهم
من الشجعان من يرمي على الهدف فلا يخطئه أبدا، رضي الله عنهم، ونفعنا ببركتهم
وبجهادهم. وقد امتثلوا لأمر الله حيث قال
مولانا جل وعز في كتابه: "وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله”. الآية(التوبة41).
[احتساب المال عند الله]
أضف إلى
ذلك أن الرجل من المسلمين كان يملك العدد الكبير من الماعز والغنم والإبل والبغال
والحمير فاحتسب المسلمون ذلك كله عند الله فتقبله منهم على نية الجهاد في سبيله،
ولم يحزنوا لذلك ولا اهتموا به، بل وهبوه لله تعالى تصديقا لقوله: "الذين
آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله، أولئك هم
الفائزون، يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان، وجنات لهم فيها نعيم مقيم ، خالدين فيها
أبدا، والله عنده أجر عظيم"(التوبة19-21).
[المرأة: إيمان وشجاعة]
ومثل الذي تقدم من صنع الرجال كان عمل النساء
اللواتي حضرن تلك الغزوة؛ لقد "فعلن كما فعل الرجال يوم القتال، ، رضي الله
تعالى عنهن. كن ينبهن الرجال في يوم القتال، يقلن: كونوا رجالا، واضربوا الكفار
لعنهم الله". كل هذا والقنابل والرصاص يتهاطل على المسلمين "ليلا
ونهارا. والأرض تضرب والسماء كذلك تضرب، مثله كمثل المطر إذا كان ينزل بكثرة.
ودخان الأنفاط والطيارات على المسلمين كمثل الغيوم السوداء، ولا يبالين بذلك، بل
يقلن للمسلمين: "اضربوا العدو، لا يبقى إلا وجه الله". تصديقا لقوله
تعالى: "كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام"(سورة
الرحمن 24-25). وإذا أقبل المسلمون على القتال قلن : "الصلاة والسلام عليك يا
سيدي يا رسول الله"، صلى الله عليه
وسلم. "فيدخل الخشوع في قلوبهم حتى [كأنهم] نسوا الدنيا وهواها، رضي الله
عنهم، ونفعنا ببركاتهم وبجهادهم آمين. والنساء ينبهن الرجال يقلن بلغة أهل الوقت:
"حَيْ حَيْ المسلمين، رضي الله عنهم ونفعنا ببركاتهم وجهادهم. والقرطاس
والكور عليهم ليلا ونهاراً لا يجدون من يلتفتون إليه سوى الله سبحانه لا إله إلا
هو، الحي القيوم". يذكرون الله لا حول لهم ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،
ويكثرون من سبحان الله ونعم الوكيل مع اسمه: "اللهم يا لطيف يا لطيف يا لطيف.
وهذا تسبيحهم في تلك الجبال حتى فعل الله في ملكه سبحانه ما أمر به، ولكن الله ذو
فضل على العالمين، وقال تعالى: "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له:
"كن فيكون" الآية (سورة ياسين 83).
[ماء من دماء]
ومع أن الماء اختلط بدم المجاهدين لم يعيفوه، بل
احتملوه في سبيل نصرة دين الإسلام، تصديقا لقول الله العظيم في كتابه الحكيم:
"يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" الآية (سورة
محمد8). "ورحم الله
تعالى من حضروا في تلك الغزوة، ومن أعانهم بالدعاء، ومن كانت في قلبه محبة
لله". أما المسلمون رضي الله عنهم وأعزهم كلهم فقد كانوا إخواناً متراصين في
غزوة بوكافر، تصديقاً لقوله تعالى: "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم
واتقوا الله لعلكم ترحمون" الآية (سورة الحجرات20). وبسبب ذلك التراحم والحنو الذي كان في قلوبهم
نصرهم الله على الكافرين لعنهم الله ودمرهم. وقد غنم المسلمون في تلك الغزوة
الكثير من البنادق الرباعية والتساعية، وسسبو الرقيق والغليظ، والرصاص حتى كان
منهم من غنم سبعة أو ثمانية أو عشرة، إلى أن قال المسلمون أعزهم الله: هذا نصر
الله، وقال الكفار ومن معهم في جنودهم: "هذا نصر من الله للمسلمين"،
وفقهم الله حتى أرعبوا النصارى وشتتوا شملهم في تلك الغزوة، وأرعبوا من كان معهم
من عساكر وأنصار. "كلهم يقولون: هذا هو الذي يسمى النصر، فتبارك الله على من
حضر في تلك الغزوة ومن أعانهم بالدعاء".
وقد قال المسلون: "الحمد لله وله الشكر على
هذه الغزوة التي هي أفضل من الدنيا وما فيها، والناس يتحدثون بما جرى من البارود
بين المسلمين والكافرين". وليس هناك ما هو أعظم من غزوة بوكافر هذه "في
الصبر الذي أعطاه الله لأهلها أي المسلمين الذين حضروا فيها وصبروا على الموت وقلة
المؤونة" وكثرة التعب والصعوبات والمحن، من قصف الطيران والقنابل والرصاص حتى
اختلط الماء الذي يسقون منه بدم المجاهدين والغنم، وكان كل ذلك عندهم كالعسل في
سبيل دين الله ورسوله فجازاهم خيراً آمين.
[اختلاف المجندين]
وكان الأنصار الذين حشدهم الكفار مختلفين: فيهم
من تعاونوا مع الكافرين بالقول والفعل والعياذ بالله منهم، وفيهم المسلمون الذين
لم يضربوا المجاهدين في يوم القتال، بل كانوا يوجهون طلقاتهم إلى السماء متلافين
جهة المجاهدين. وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: "من أعان دولة النصارى
ولو بفلس واحد فهو منهم". وروى الذين حضروا في تلك الغزوة ببوكافر أن
المسلمين فرحوا فرحاً شديداً رغم ما هم عليه من خصاص في المؤونة والنصرة لعلمهم
أنهم يقاتلون الكفار وجيوشهم "وأنهم كالصحابة في أيام رسول الله صلى الله
عليه وسلم"، فأنساهم قتال الكفار حُزنَهم وإحساسهم بالغبن.
وكان العدو يضرب بالطائرات والقنابل، لعنه الله،
وحين ظهر له عدم جدوى ذلك أرسل إلى المسلمين أعزهم الله متوسلا بالحيلة.
"وقالوا لهم: ارجعوا ولا تقتلوا أنفسكم ولا أولادكم. وقال المجاهدون أعزهم
الله: نحن أولياء الله نضرب حتى نموت ولا نرجع إليكم". مصدقين قوله تعالى:
"يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الأدبار"،
الآية (سورة الأنفال15).
"والله أعلم بتلك الغزوة المباركة المذكورة،
فقد حضر فيها أهل الله بغير شك ولا ريب". وعلامة ذلك أن المسلمين كانوا قلة،
قدر عددهم بسبعمائة رجل أو ثمانمائة، وكان الكفار لعنهم الله آلافاً مؤلفة أكثر من
سبعين ألفاً[3]. وقاتلهم
المسلمون بعون الله وحضور الصالحين والأولياء، وهذه أمارة النصر. قال تعالى:
"كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين" (سورة
البقرة246). وقال
تعالى: "إن يكن منكم عشرون صابرين يغلبوا مائتين" الآية (سورة الأنفال65).
[نهاية جبار: اسمه بسرنازيل]
وقد جاء النصارى لتلك الغزوة من كل مكان: من
البحر والبر. وكان فيهم كافر استعظم نفسَه وتعجب من فعله، لعنه الله، وكان يقال
له: برنازيل، لعنه الله، وجعل منزله في النار. وهو يسبق جنوده كلهم لا يخاف الموت.
تعرض له المجاهدون في الطريق إلى جبل بوكافر، كان يتقدم جنوده ويحثهم على الإقدام،
فضربه المجاهدون وقتلوه في ذلك الجبل فانقلب جنوده مدبرين أذلاء.. ولما مات ذلك
الكافر دهش جيوشُ الكفار ولم يعودوا يجرؤون على التقدم للقتال أذلهم الله ولعنهم
وعذبهم عذابا شديداً.
[اشتباك بالسلاح الأبيض تحت القصف]
"وكان في المجاهدين رضي الله عنهم وأعزهم
رجال لا يخافون، ولا يحسبون أن بارود النصارى يقتل"، يتقدمون حتى يختلطوا
معهم بالخناجر، رضي الله تعالى عن المسلمين. ومع ذلك يضرب النفط (القنابل) في
الأرض، والطيارة تضرب في السماء حتى يختلط الغبار المنبعث من التراب مع دخان
البارود في الهواء كمثل الغيوم والضباب، حتى لا يرى المجاهدون بعضهم بعضاً في ذلك
الدخان وهم يتقدمون إلى قتال الكافرين، وقد نسي المجاهدون طمع الدنيا ولم يحسبوا
قط سعادتهم فيها. بشرى لهم في الدنيا والآخرة، لقد امتثلوا لكتاب الله عز
وجل"(غيَّرنا كلمات قليلة). وحين يضرب المسلمون أعزهم الله الكافرين في ذلك
اليوم كان الناس يسمعون تلك الجبال تردد الأصداء من شدة القنابل والطيارات
والرصاص.
[الذين في قلوبهم مرض]
ومع ذلك فإن من كانت في قلبه حبة من خرذل من
الإيمان كان يدعو الله في نفسه أن ينصر المسلمين ويذل الكافرين، “ومن لم يكن في
قلبه إيمان” يفرح بكسرة المجاهدين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أحب قوماً
حشر معهم". وقال أيضاً: كل نفس تحشر مع هواها، من أحب الإيمان يحشر معه في
الجنان، ومن كان هواه في الكفر حشر معه في النيران.
[العبرة: اختلال في الوسائل]
ويتحدث الناس والله أعلم أن منطقة صاغرو وهذه
النواحي لم يسبق لها أن عرفت مثل تلك الغزوة من يوم دخل العدو هذه المنطقة، لقد
كان عدد المجاهدين قليلا وكان عدد الكفار كالجراد المنتشر، "وقد أظهر الله
النصر والعزة للمسلمين حتى قتلوا النصارى وغنموا من جنودهم الكثير من العدة
والرصاص وغير ذلك من الحوائج. وإن الله تبارك وتعالى سبق في علمه كل شيء"،
فقد ردت تلك العدة للعدو لتغلبه في الأخير بسبب قلة النصير وانقطاع المؤونة. فقد
أدى ذلك إلى إلقاء القبض عليهم بعد تطويقهم من كل جانب في تلك الجبال؛ أحاطوا بهم
كإحاطة الأسوار باقصور حتى لم يعد لهم من مهرب أو مخرج يلتفتون إليه، "لكثرة
الجنود والجيوش؛ مثلهم مثل الحجر في تلك الجبال. وكانت عندهم السيارات تمشي في
النهار مسيرة عشرة أيام أو أكثر، والطيارة تطير في الهواء وتأتيهم بالخبر مسيرة
عشرين يوماً، وقيل شهر كامل، وهذا بالتحقيق الصحيح. والمسلمون رضي الله عنهم لم
يكن عندهم ما يكفي من التجهيز من العدة والبارود والمؤونة، كان عندهم خصاص في ذلك،
لم يكن عندهم إلا الله سبحانه، والرسول صلى الله عليه وسلم، ودين الإسلام. فضربوا
حتى غلبوا، هكذا بما قدر الله تبارك وتعالى، سبحان من يعلم خائنة الأعين وما تخفي
الصدور، وقال سبحانه لا إله إلا هو: "لو اطلعتم على الغيب لوجدتم ما فعل ربكم
خيرا". وقال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: "كتب عليكم القتال وهو
كره لكم، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله
يعلم، وأنتم لا تعلمون" (سورة البقرة214). وقال أيضا في كتابه العزيز: "قل إن الأمر كله
لله"، (سورة آل عمران154). سبحان من فعل
في ملكه ما يشاء، سبحان العليم الحكيم، سبحان اللطيف الخبير، سبحان الذي يعلم ولا
نعلم، إنك أنت علام الغيوب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
انتهى بحمد الله وحسن عونه".
هوامش:
[1] ـ
"الطَّلْب" (أو الطالب)، هنا: هو حافظ القرآن، إمام مسجد ومعلم صبيان.
نشر
نص هذه الوثيقة التاريخية الحية بمجلة
هيسبيريس تمودا. العدد35 ، الجزء الثاني 1997 ص 73-93. بتحقيق ضاف
وافٍ للزميلين المجتهدين: محمد بوكبوط وأحمد البوزيدي، وهما مختصان مدققان في
التاريخ المغربي بكلية الآداب بفاس.
أشكرهما على العمل في حد ذاته، كما أشكرهما على إهدائي نسخة منه، وأهديهما هذه
القراء التفصيحية آملا أن يخرج المتن كله في كتيب، الأصل المخطوط والتحقيق
والتفصيح ، سيكون كبيرا جدا برغم صغر حجمه.
[2] ـ كتب الطالب لحسن
العطاوي "قصة" معركة بوكافر بعربية غير معربة مشوبة بما يتخاطب به الناس في تلك الجهة من
دارجة فيها عبارات غير مأنوسة اليوم. وقد
بذل المحققان مشكورين جهدا كبيرا لضبط النص وشرح بعض عباراته. وقد اعتمدنا على كل
ذلك في إخراج النص بصياغة عربية مقروءة دون الإخلال بروحه. ولذلك فكلما وجدنا عبارة
مستقيمة سلسة إلا أدرجناها بنصها أو بتغيير طفيف كتعويض كلمة بكلمة، فضلا عن تقويم
الإعراب، وكلما استحال الاحتفاظ بنص المؤلف احتفظنا بالمعنى وقدمنا وأخرنا. هدفنا
هو نقل الخبر كما وقع مشفوعا بالروح الإيمانية والوطنية التي تضمنها الحدث وعبر
عنها الواصف المتعاطف.ومن أراد الدلالة اللغوية والأسلوبية للنص فليعد إلى أصل
الوثيقة المحال عليه. لقد كان رائدنا إزالة كل العوائق التعبيرية التي تحول بين
النص وبين القارئ العادي. اهديها قامعةً رادعة لكل الذي يعتقدون أن الوطنية حق
مشاع. وإنما الأعمال بالنيات. إضافة: كما أهديها اليوم على الإنتيرنيت لبض الإخوة
في المشرق العربي يتحدثون عن المغرب من طرف اللسان.