البنية الإيقاعية في الشعر الكويتي

 خلال النصف الثاني من القرن 20

إنجاز الدكتور محمد العمري

كلية الآداب/الرباط

 

نشر هذا ال بحث ضمن أعمال مهرجان القرين  الثقافي الثامن،

 في كتاب بعنوان:

 الأدب الكويتي خلال نصف قرن 1950-2000م

(ص. 149-203)

مطبوعات المجلس الوطني. الكويت 2003.

 

 (أنجز بطلب من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب)

 

قرأه بالنيابة الأستاذ: علي أبو زيد.

وعقب عليه الأستاذ: سالم عباس خدادة

 



 

 

فهرس الموضوعات

 

تمهيد: الموضوع                                                 6 -

أ - مقدمات نظرية:                               6 -

الإيقاع مكون شعري غامض

         1 ـ  من الماهية إلى المكونات 

             2 ـ مكونات الإيقاع 

ب ـ  مسار المتن/ تداخل المنتظم والحر          11 -

(تصنيف)

الطابع العام: الاستمرار                                                       

ثلاثُ مَساراتٍ:                                                         

1 ـ مسار المنتظم                                                   

2 ـ المسار المزدوج/الخضرمة                                       

              والمزاوجة نوعان: انتقال واستمرار.

     1.2ـ مزاوجةُ انتقالٍ

   1.1.2ـ الحسـم

   2.1.2 ـ التردد (بين النظامين)

  3.1.2 ـ التغليب  

                2.2 ـ مزاوجة استمرار

         3 ـ المسار الحر                                                   18  -


ج ـ حوار النظم والنثر             19 -

مقدمات

1 ـ قطب النظم البسيط  21 -

         ثلاث مستويات

      آفة الانتظامِ الضروراتُ

             تقديم

             نماذج

2 ـ قطب النثـر                                              26 -

3 ـ حول المركز: حوار النظم والنثر 27 -

د ـ جاذبية التناسب الصوتي                     29 -

د.1 ـ أثر التراث التوازني العربي

                                                                 

د.2 ـ الترنم والأداء

         د.3 ـ التصادي والتوهيم

                د.1.3  ـ التصادي الداخلي

                د.2.3  ـ الأصداء الخارجية: التناص الإيقاعي

 

هـ ـ جاذبية التفاعل/ مقاومة التناسب           36 -

هـ.1. ـ الفراغات بالرجوع والحذف

             د.1.1 ـ  الرجوع  إلى السطر

             د.2.1 ـ علامات الحذف

هـ .2 ـ    مقاومة الاتساق

       - التدوير أو الخروج بحركة، و التذييل أو الخروج بكلمة

هـ.3  ـ   تنازع الشطر والتفعيلة

هـ.4 ـ   تراكب مؤشرات الوقف

 

 

و ـ تعويض الانتظام/ بالتوازي والحكي    42 -

و .1 ـ التـوازي النحوي
و. 2 ـ الحكي: تنازع الامتداد والرجوع

خاتمة: الفضاء التشكيلي                                             46 -


تمهيد: الموضوع

تبعا لهيمنة البحث في "الأصول" و"الريادة" وغياب البحث الأكاديمي المستقصي ـ اقصر اهتمام  دارسي الشعر العربي الحديث على الرواد وبيئاتهم الخاصة (في مصر والشام والعراق)، وصار من الصعب الالتفات إلى الخصوصيات الجهوية والفردية. وهذه عدوى انتقلت من المجال السياسي إلى البحث العلمي.

وكان من المفيد علميا المزاوجة بين الدراسات النظرية العمودية، انطلاقا من النماذج المكتملة، وبين الدراسات الاستكشافية القائمة على المسح والتنصيف (والمقارنة إن أمكن)، وصولا، من هذين الرافدين،  إلى الدراسة الشاملة للشعر العربي التي تبرز المشترك ولا تغفل الخصوصيات. فحينئذ فقط سيصح أن نطمئن إلى عناوين من قبيل: الشعر العربي الحديث، والأدب العربي الحديث.

أعتبر مساهمتي في دراسة المتن المقترح جهدا في هذا الاتجاه. ولذلك فهي عمل جزئي، سيأخذ معناه الكامل عند صياغة تاريخ عام للشعر العربي الحديث. ليس المهم إذن أن نصل في كل دراسة جزئية على حدة إلى الإعلان عن الخصوصيات ـ مع مشروعية ذلك وجدواه ـ بل من الأجدى تركها لمرحلة التركيب بين دراسات واصفة متعددة.

وهناك ملاحظة أخرى في باب الخصوص والعموم وهي أن تناول الشعر الحديث تناولٌ انتقائي، يهتم بالظاهرة، أي بالنظم الحر بشعبيه: التفعليلي والنثير، في حين يقتضي واقع الاستمرار، تعميمَ الدراسة على المتن كلِّه منتظما وحرا (والمنتظم بدوره شِعبان: قصيد، وموشح). إن ظهور الشعر الحر قبيل منتصف القرن العشرين لا يستلزم في منطق التطور الطبيعي للظواهر توقف الشعر المنتظم، أو رفع الشرعية عنه.

 

أ - مقدمات نظرية:

الإيقاع مكون شعري غامض

1 ـ "الإيقاع" مفهوم غامض. غير أن غموضه لم يصرف الدارسين عن استعماله برغم كل البدائل المقترحة حسب التوجهات النظرية. وهو في غموضه وإصرار الدارسين على استعمال شبيه بمفهوم الصورة الشعرية([1]).

من الماهية إلى المكونات

حين وصل مفهوم الإيقاع إلى درجة من الالتباس تعوق التواصل العلمي كف الباحثون المحدثون المنشغلون بالتحليل والتأويل عن البحث في جوهره وَوصْف أثره في النفس، وانصرفوا إلى رصد مكوناته (أو بعبارة أدق مظانه) في انبنائها وتفاعلاتها، فظهرت تعاريف من هذا القبيل:

"الإيقاع ( rythme)  ظاهرة معقدة ناتجة عن مكونات لسانية مختلة، فهو الطريقة التي تتوزع بها عناصر مترددة عبر القول. من هذه العناصر ما هو جوهري وهو النبر والوقف، ومنها ما هو ثانوي؛ قوامه، الوحدات الصوتية، والبنى التركيبية، والألفاظ المعجمية التي قد يساهم ترجيعها في خلق إحساس بإيقاع مَا"([2]).

بل هناك من فضل العدول عن كلمة إيقاع ( rythme) مستبدلا إياها ب"البنية الصوتية"، أو المستوى النظمي، كما هو شائع في الدراسات البلاغية المستلهمة لمستويات الدرس اللساني، ممن ذهبوا إلى ذلك جان كوهن في كتاب: بنية اللغة الشعرية. وهذا هو المسار الذي اخترناه في دراستنا للموازنات الصوتية في الشعر العربي القديم. ويبدو أن واقع الشعر الحديث والحاجة إلى التصنيف المستوعب الدال بدأت تفرض على الدراسات الشعرية المستلهمة للبحث السميائي التخليَ عن كلمة إيقاع نفسها لصالح كلمة أخرى ملتبسة ولكنها تستوعب معنى الأداء والإخراج معا، هي كلمة prosodie، ونترجمها بِ التطريز. يقول كريماس في مقال  له بعنوان : "نحو نظرية للخطاب الأدبي"[3]:

"يمكن أن نجمع تحت اسم المستوى التطريزي مختلف التجليات الفوق - تقطيعية لمستوى التعبير، ابتداء من نبر الكلمة مرورا بطبقات تشكل الملفوظ (القول)، وصولا إلى التموجات التنغيمية للجمل المعقدة والدورات الخطابية (الإلقائية) الخ".

وأعاد هذه المكونات إلى ثلاثة: مكونات تواضعية مستقلة عن نظام اللغة، مثل الوزن والإيقاع (كذا؟) والمقاطع، وتكون مدعومة بالقافية والتجنيس، وفي غياب هذه المكونات التواضعية يلعب التوازي النحوي التقطيعي والتركيبي اللغوي دورا أساسيا، وقد يتجلى التطريز في الإخراج الطباعي للنص مما يدخل في الفضاء البصري. . وهذا مجرد اجتهاد من المؤلف قصدا للتركيب والشمول، إذ نجد باحثا آخر داخل هذه المجموعة نفسها يجعل التطريز قسيما للصوت في عنوان: "المستوى الصوتي التطريزي"([4]).

وقد فضل مازاليغا وموليني في معجمهما عدم تعويض كلمة عروض métrique بكلمة تطريز prosodie حتى لا يؤدي ذلك إلى ضياع الدلالة الدقيقة لكلمة métrique في التقليد الشعري الفرنسي. واقترحا عطف واحدة منهما على الأخرى لتتكامل([5]).

برغم كل الاختلاف حول مفهوم الإيقاع فإن الدارسين يشيرون إلى قطبين متعارضين ينحل عندهما الإيقاع:

1 ـ قطب الائتلاف البسيط   (وسَنسميه لاحقـاً الانتظام البسيط)

2 ـ قطب الاختلاف البسيط   (وسنسميه لاحقاً الانتثار البسيط)

فحيث يعمُّ الائتلاف، ويصل إلى درجة الرتابة، وحيث يعم الاختلاف، ويهيمن النثر، يضيعُ الإيقاع الشعري. فالإيقاع بين القطبين.

وبذلك يبدو وكأن الإيقاع مكون يُعرف بغيابه([6] ويرصد من خلال أثره ومردوديته. غير أن هذا القدر من المعرفة إن كان مُفيداً في الرصد الأول فإنه لا يُغني عن الفحص الميداني للعناصر التي تجعل الإيقاع يظهر بين هذين القطبين المتباعدين ويختفي وراء كل منهما.

      مكونات الإيقاع

نعيد هنا مُقدمةَ مداخلة سابقة ـ في مناسبة مماثلة([7]) ـ لا نرى محيدا عنها لدفع ما يكتنف الموضوع من لبس:

1 ـ تنحصر معالجتي للموضوع في الإطار التاريخي؛ أي بالنظر إلى الأثر الشعري المنجز والمتلقي الواقعي، وتأبى الخوض في المطلق، أو الرحلة نحو سدرة المنتهى، فلذلك فرسانه.

1.2ـ وعلى ذلك أرى أن الإيقاع هو الملمح النوعي للشعر العربي منذ القديم، أو على الأقل هو الملمح الحاضر في كل النصوص التي لم يُنازع في شعريتها([8]). وحين أقول المميز لا أعني الكافي. بل أعني الشرط الضروري لدخول نصِّ ما منطقه الشعر، ثم تبدأ التركيبات الكيميائية حوله. ويبدو، لحد الآن، أنه عنصر غير قابل للتعويض إلا من طينته ومادته.

وربما أمكن تعميم هذا على حضارات إنسانية أخرى. فبعد نظر في البعد التاريخي والحضاري لتشكل الإيقاع وصل بول زمطور في كتابه مدخل إلى الشعر الشفوي إلى النتيجة العامة التالية: «يبقى أن الإيقاع، في جميع أنحاء العالم، حسب الكلمة المشهورة لـِ ماياكوفسكي، هو القوة المغناطيسية للشعر (للقصيد)"([9]).

2.2 ـ المكون المركزي في الإيقاع مكونٌ موسيقي صوتي([10])، وأقول المركزي ولا أقول الوحيد. وهذا مبرر نعت البنية الإيقاعية بموسيقى الشعر([11]) حينا و بالمستوى الصوتي([12]) حينا آخر... إلخ

من هنا فلا أرى من المناسب جعل العروض والقافية مُساويين للإيقاع، كما يفهم من العبارات الاختزالية لبعض الباحثين حين يقولون: الإيقاع أو الوزن أو القافية أو العروض عامة. بل إن الوزن نفسَه لا يعني، في تعريف المدققين من القدماء، الوزنَ العروضي المجردَ وحدَه. فقدامة ابن جعفر الذي طالما حُمِّل وزر تعريف الشعر باعتبار الوزن، يقول: "ومن نعوت الوزن الترصيع"([13]). والترصيع مكون شعري حرٌّ وشِبه حُرٍّ.

2. 3 ـ المُكون الصوتي في الشعر لا يشتغل "تراكماً" بل "تفاعلا" داخليا وخارجيا حضورا وغيابا. فالإيقاع في القصيدة العربية ذو أربعة أركان:

2 .3 .1 ـ البنية المجردة، وهي بنية سابقة على التحقق اللغوي. وهذا التجريد هو مبرر الحديث عن موسيقى الشعر، وهي ذات مستويين: مُسطَّح وتعبيري:

  ــ فالمستوى الكمي المُسطَّح، سابق عن الأجراس وألوانها، تستوي فيه صيغة "شَاعِر" (فاعل) وصيغة "مُتْـقِـن"(مفعل)، فمقابلهما العروضي واحد: 0 / / 0 /

 شــاعــرُنْ         مُـتـْـقِــنُنْ

    O  /   / o  /    =     /   /   O   / 0

فلا فرق عروضيا بين مَـدِّ الشين وسُكون التاء. ولذلك عُبِّر عنهما عروضيا بصيغة واحدة: فاعلن. وهذا إجراء ينطوي على اختزال ضروري لقيام علم شكلي (صوري) بحْت. ولذلك فهذا المستوى أميل إلى الانتظام والسكون وهو مصدر تهمة الرتابة.

ــ أما المستوى النوعي التعبيري: فتُعَبِّرُ عنه الأنساق التي تكونها الحركات والسكنات: التفاعيل. فعلى أساس هذه الأنساق ـ لا على أساس الكم أو المقاطع ـ مُيز بين البحور. وأعطيت أسماءُها التعبيرية: البسيط و المتقارب، والخفيف ..إلخ. وقد بذلت جهود كبيرة قديما وحديثا لاستكشاف الجوانب التعبيرية لهذا المستوى خاصة بالنظر إلى الأغراض والمعاني الشِّعْرية. وهذا مسعًى غير سليم في نظرنا، لأنه بحث عن المعنى قبل الخوض في اللغة. ولذلك لا حظ الدارسون انتقال هذا المستوى بين الحضارات دونما حاجة إلى معرفة اللغة المأخوذ منها([14]). 

2 . 3 . 2 ـ البنية المجسدة بالصوائت والصوامت؛ بنية لغوية تتخذ من البنية الأولى أو النسق الأول فضاء لتوزيعها، وهي مصدر الحركة لأنها تقوم على تفاعلات خارجية مع المكونات الأخرى الدلالية والنظمية. وهي تخالف  النسق التجريدي من حيث منطقُها ومنطلقها بكونها حرة وشبه حرة.. وإلا تحولت هي الأخرى إلى نسق منتظم، وفقدت حيويتها. إذ تصبح نظاما بديلا أي سجعا أو موشحاتٍ. وبالتفاعل بين المستويين (المجرد والمجسد) تبدأ عملية إنتاج المعنى الشعري.

و القافية جزء من البنية التوازنية، فمن الأجدى أن ننظر إليها نظرة شمولية باعتبارها تردُّداًا صوتيا في آخر الوحدات المتوازنة، منها مستوى منتظمٌ ومستوى حرٌّ وشبهُ حُرٍّ.

لقد وصلت القافية في الشعر القديم إلى حدود الانتظام التام، أي الإصرار على إبراز جميع الوحدات المتناظرة بنفس التردد الصوتي.

وإلى جانب هذا الإطار المنتظم الذي بلغ حدود التشبع مع لزوم ما لا يلزم، وحَّد العبث الهزلي مع الجناس المركب، هناك أنساق من القوافي الحرة غير المطردة أو التسجيع.

فهل السؤال مطروح في مستوى الأنساق أم في مستوى المبدأ الإيقاعي نفسه؟ إن قصيدة التفعيلة تطرح السؤال في المستوى الأول، أي مستوى النسق، في حين تحاول النثيرة نسف المبدأ نفسه[15]، ولكن لا يبدو أنها تقدِّر حجم الأنقاضِ التي ستنهالُ عليها.

وبعبارة أخرى: فهل يستطيع المستوى الحر وشبه الحر من الموازنات أن يكون بديلا للمستوى المنتظم دون أن يقع المنجز في إِسارِ النثر البسيط؟

ومن الملاحظ أن الحديث النقدي حول النثيرةِ لا يعير اهتماما كبيرا للبنية المجسدة بالصوائت والصوامت، وإلى أي حد يمكن استثمارها في إيجاد بديل نوعي للأنساق المنتظمة، المتهمة بالرتابة، دون الوقوع في السجع.

2 .3 .3 ـ  المستوى الثالث هو المستوى التأويلي مستوى الأداء. وقد كان هذا المستوى مهما قديما في القراءات القرآنية لأنه يتحكم في توليد الدلالات، وصار اليومَ أشدَّ أهميةً في الشعر الحديث لأنه يدخل في تأويل التداخل بين التمفصل الدلالي والتقطيع النظمي والتوزيع الفضائي لتوليد مستويات متعددة من الدلالة. فالراوي اليوم هو الورقُ والشاشةُ التي ستسمح بتشكيلات جديدة غير متوقعة.

4.3.2 ـ وبناء عليه فإن العنصر الرابع المعتبر في بناء الإيقاع هو العنصر الدلالي والتركيبي النحوي. وذلك باعتبارهما فضاء وعنصرَ مخالفةٍ مُبْرِزَةٍ.

5.3.2 ـ وأخيراً هناك الفضاء البصري الذي صار يتيح إمكانيات متعددة للتأويل الإنشادي.

ب - مسار المتن

تداخل المنتظم والحر

(تصنيف)

يغطي المتن المدروس مرحلة الانتقال من الشكل المهيمن في الشعر القديم، (ونسميه "المنتظم") إلى الشكل المهيمن في الشعر الحديث، (ونسميه "الحر"). المنتظم: قصيد وتوشيح([16])، والحر: تفعيل ونثير.

 

 

 

 

 


 الشعر

                          

الطابع العام: الاستمرار

حين يأخذ الدارس مجموع المتن الشعري المنجز في النصف الثاني من القرن العشرين في الكويت بعين الاعتبار يُحسُّ أنه أمام صورة ما لمجوع تجربة الشعر العربي الحديث؛ من البارودي، إلى أبي ماضي، إلى السياب ونزار قباني، ثم إلى ما بعد نزار قباني من تجارب النثير. وربما كان هذا حال الشعر في منطقة الخليج كلها، فهو حالٌ شبيه بحال الشعر الحديث في المغرب العربي، مع اختلاف في الانجذاب نحو التراث التوازني العربي أو نحو التجارب الحديثة وما رافقها من زخم نظري.

ثلاثُ مَساراتٍ

لا يستطيع المتتبع أن يُسجلَ تحولاً بزاوية حادة أو شبه حادة في المكون العروضي للمتن المدروس؛ لا في مستوى التجربة ككل، ولا في مستوى إنتاج الشعراء الذين غطوا المرحلة من أولها إلى آخرها، وتفاعلوا مع متغيراتها، مثل: علي السبتي، وأحمد العدواني، ومحمد الفايز.. فالتداخل بين المنتظم والحر واقع في مستوى التجربة الجماعية والفردية، بل في مستوى النصوص المفردة أيضا. لقد ظل الرصيد التوازني من التراث بما فيه من سجع وموشحات قنطرة تغطي الهوة المحتملة بين النظامين. وهذه القضية تستحق أطروحة كاملة.

بل يلاحظ المتتبع تذبذبا في مسار الانتقال من المنتظم إلى الحر، فقد نشطت حركة الحر في الستينات ثم استرجع المنتظم توسعه في السبعينات، ثم عاد الحر إلى التوسع في الثمانينات ثم توسع المنتظم في التسعينات ـ نعم في التسعينات ـ مزاحما حركة الحر التي بدأت تستقل مع جيل جديد من الشباب. وقد لاحظ سالم عباس خدادة جانبا من هذا المسار، فقال: "فالشعر الحر ـ مثلا ـ كان مسيطرا في الستينات، وتراجع في السبعينات، ثم عاد في الثمانينات"([17]). ولم يقدم تفسيرا موضوعيا لهذه الظاهرة، بل اكتفى بالقول بأن "الشكل الشعري لم يكن هاجسا مقلقا للشاعر في الكويت، لأنه لم يلهث وراء الأشكال والأساليب الشعرية التي أخذت تبرز على الساحة الشعرية العربية، ووصل بعضها إلى حد العبث، وإنما كان يفيد منها بقدر خدمتها لتجاربه".

ونحن نرى أن المسألة ذاتُ ارتباط بالواقع الثقافي والسياسي للشاعر، ليس في الكويت وحدها بل في منطقة الخليج العربي ككل. فلو بدأنا من الأخير، أي من ملاحظة عودة المنتظم في التسعينات لوجدنا بما لا يدع مجالا للشك بأن تلك العودة مرتبطة بالأزمة السياسية التي عرفتها المنطقة.  بحيث بدأ الإطار المنتظم أنسب للتعبير المباشر ومصاداة الآخرين. وينبغي أن نلتمس تفسير تردد الشعراء بعد مرحلة البدايات، أي بعد الستينات، في نكسة المد القومي الذي كان المحرك  القوي لشعراء المنطقة، بعد 1967. نقولُ هذا ونحن نضع في حسابنا عامل الاستيعاب الثقافي، فما كان لهذا العامل الظرفي أن يرجح الشكلَ المنتظم لو كان هناك تمثل ثقافي قوي للمسار الحداثي. إلى أي حد استوعب الشعراء مفاهيم ومغازي الشعر الحر، وهل وصل هذا الاستيعاب درجة تنافس استيعابهم للتراث العربي شعرا وسجعا، من جهة، ومدى توفر مُستمَع يتجاوب مع التجربة الحديثة؟ إن الانتقال من المنتظم إلى الحر ليس مسألة اختيارية. وسنؤيد هذه الدعوى بشتى الحجج لاحقا.

تعايشت في هذه المرحلة ثلاثة اتجاهات كبرى في التعامل حسب مسار الانتظام والانتثار:

 1) مسار المنتظم

 2) مسار المزاوجة/أو الخضرمة

3) مسار الحـر

وفيما يلي تصنيف أولي لهذه المسارات، قبل الانتقال إلى تتبع الطوابع والخصائص.

1 ـ مسار المنتظم

نقتصر في هذا العرض التصنيفي على الشعراء الذين اختاروا الشكل المنتظم لمجموع تجربة غنية ومتنوعة، ومن هؤلاء: أحمد السقاف، ويعقوب السبيعي، ويعقوب الرشيد، وخالد الزيد، وعبد الله العتيبي، وخزنة بورسلي.  وصولا إلى ضفة هذا المنحى مع فاضل خلف،  وعبد العزيز العندليب. 

من أغزر هؤلاء إنتاجاً فيما أعلم أحمد السقاف، وقد غطى شعره المرحلة المدروسة. فمن مجموع 75 قصيدة في ديوانه: شعر أحمد السقاف (1987)، و21 قصيدة في ديوانه: نكبة الكويت (1996)، نجد خمساً فقط "وزعت" بحَسب النظم الحر، والباقي منتظم.

ونجد مثل هذه النسبة عند يعقوب السبيعي. فعدد قصائد ديوانيه([18]) معا(الصمت مزرعة الظنون(..19)، وإضاءات الشيب الأسود(1997)) 42 قصيدة، ستٌّ منها فقط غير منتظمة (ثلاث في كل ديوان). ومن المهم تسجيل انتماء الديوانين إلى العقدين الأخيرين من القرن العشرين. وتصدق هذه الملاحظة على شعر يعقوب الرشيد في مجموع ديوانيه: غنيت في ألمي (1992)، ورفيقة الجراح (1997). وقد مال في   نموذجين أو ثلاثة إلى تنويع على غرار الموشح والمسمط (1992 ص 207،201).

أما ديوانا عبد الله العتيبي: مزار الحلم(1988)، وطائر البشرى (1993) فقد ضم الأول منهما أربعة نصوص وزعت بحسب الحر. وأجدها أقرب إلى الخُطب والمخاطبات السجعية المعتادة بين الأدباء في تاريخ الترسل([19])، في حين التزم الثاني الشكل المنتظم.

والتزمت الشاعرة خزنة بورسلي في ديوانها: أزهار آيار (بدون تاريخ) الشكلَ المنتظم.

ويتزايد عدد القصائد الحرة في دواوين خالد الزيد بوتيرة ضعيفة لا تنازع المنتظم هيمنته؛ ففي ديوانه الأول: صلوات في معبد مهجور (1970)، قصيدة واحدة حرة، وأخرى مختلطة (من المنتظم والحر)، و12منتظمة، وفي الثاني: كلمات من الألواح (1985)، ثلاث  قصائد حرة، وواحدة مختلطة، و12 منتظمة([20])، وفي الثالث: بين واديك والقرى (1992)، أربع قصائد حرة، وَ13 منتظمة .

نجمل هذه المعطيات في الجدول التالي:

غيره

المنتظم

الشاعر

5

6

10

-

-

-

-

96

42

37

%100   

%100

%100

%100

أحمد السقاف

يعقوب السبيعي

خالد الزيد

يعقوب الرشيد

فاضل خلف

خزنة بورسلي

عبد العزيز العندليب

 

2 ـ المسار المزدوج/الخضرمة

والمزاوجة نوعان: انتقال واستمرار.

1.2ـ مزاوجةُ انتقالٍ

هذا هو المنحى الذي سار فيه شعراء كبار غطوا المرحلة بإنتاج وافر. وقد سلكوا مسالك مختلفة: من الحسم، إلى التردد، إلى التغليب. نمثل لهذه المسالك بتجربة كل من خليفة الوقيان، ومحمد الفايز، وأحمد العدواني (والترتيب هنا لطريقة التعامل لا للشعراء)([21]).

1.1.2ـ الحسـم

تسعف مقدمات دواوين خليفة الوقيان ببياناتٍ مفيدة في الإحساس بمخاض الانتقال من المنتظم إلى الحر، ولذلك فسيلقي تقديمه هنا على غيره الضوءَ على الظاهرة. جاء في مقدمة أول دواوينه: "وحين يكون نظام التزام الشطرين ذنبا، فسوف أقر بارتكابي ذلك الذنب في معظم ما نظمت، لأنني لم اَعتسف اختيار الشكل، بل أترك القصيدة تختار هيئتها المناسبة، ولا فرق لدي في أن يكون من الشعر الحر أو المقفى"([22]).

هذا في الديوان الأول ثم استكملت التجربة دورتها وجاءت "المختارات" فميز الشاعر بين مرحلتين؛ مرحلة أولى يمثلها ما نشره في الديوانين الأول والثاني (المبحرون مع الرياح، وتحولات الأزمنة)، ومرحلة ثانية يمثلها ما نشره في الديوان الثالث والرابع (الخروج من الدائرة، وحصاد الريح). فالمجموع الأول يحمل ـ حسب قوله ـ أثرَ البدايات التي يَغمد الشعراء إلى تغييبها عند النشر بسبب "عدم النضج"، والحال أن لها قيمة الكشف عن مرحلتها، والمجموع الثاني أي أشعار الديوانين الأخيرين فهو يمثل "مرحلة مغايرة". الجدول التالي يبين الوجه البارز للمغايرة؛ أي التحول من المنتظم إلى الحر:

حصاد الريح

(1988-1995)

الخروج من الدائرة

(1983-1988)

تحولات الأزمنة

(1974-1982)

المبحرون مع الرياح

(1967 - 1973)

 

1

1

19

25

المنتظم

14

15

3

2

الحــــر

ولعل عنوان الديوان الثالث: الخروج من الدائرة، مرصود للتذكير بهذا الانتقال. يريد الإشعار بالخروج من دائرة العروض (أو من دوائر البحور).

واستعملت الشاعر سعاد الصباح المنتظـم في ديوانيها: أمنية (1971)، وإليك يا ولدي (1989)، متدرجة نحو إدماج الشطرين. مع تنويع القوافي في نصوص قليلة (ثلاثة). ومالت في بعض إنتاجها نحو الحـر([23]).

2.1.2 ـ التردد (بين النظامين)

يمثل تعاملُ محمد الفايز مع المنتظم والحر ظاهرة أخرى متميزة: بدأ بالحر ثم انصرف إلى المنتظم، ثم عاد إلى الحر ثم انصرف عنه ثم عاد إليه([24]).

حــر

منتظم

الديوان

20

5

-

-

-

-

24

-

-

؟

5

-

11

21

78

63

21

1

27

44

؟

-

1ـ مذكرات بحار

2 ـ النور من الداخل               (1964)

3 ـ الطين والشمس

4 ـ رسوم النغم المفكر

5 ـ بقايا الألواح

6 ـ لبنان والنواحي الأخرى        (1980)

7 ـ ذاكرة الآفاق                   (1980)

8 ـ حداء الهودج

9 ـ خلاخيل الفيروز

10 ـ كتابات فوق الأبواب القديمة

11 ـ تسقط الحرب                 (1989)

3.1.2 ـ التغليب  

أما أحمد العدواني فمن مجموع 158 قصيدة المتضمن في ديوانيه : أجنحة العاصفة، وأوشال، جاءت 96 قصيدة حرة، و68 منتظمة. والمسار العام حسب ما توفر من تاريخ القصائد هو مسار التحرر. وقد زاوج الشاعر بين الحر والمنتظم في كثير من القصائد([25])، متوسلا إلى ذلك بتليين البحور والاقتراب من أنساق السجع والموشح.

إن مجموع شعر العدواني يساعد في تتبع حركة الانتقال بين المنتظم والحر، وذلك بغناه وتنوعه الإيقاعي وتغطيته للمرحلة المدروسة بغزارة وقوة. وحسب الترتيب التاريخي لقصائده في ديوان: أجنحة العاصفة، فإن قصيدة: يا جيلنا(ص158)، تمثل بداية الخروج من المنتظم إلى الحر، وهي مركبة من عدة تشكيلات من مستفعلن / متفاعلن.

يا جيلنا!!                          مستفعلن

جيلَ الضياع والصراع والقدرْ!!   مستفعلن   مـ تَفعلن  مـ تَفعلن

ياجيلنا الذي كفـر..                مستفعلن   مـ تَفعلن

بكل أمجاد البشر!!!               مـ تَفعلن   مستفعلن

أما مطولته: شطحات في الطريق([26])، وهي أمُّ قصائده المنتظمة، فراها خاتمةَ مطاف تجربته في المنتظِم. فهي تمثل قمة التشبع، ليس بعدد أبياتها وحسب، بل بنفسها الفحولي المتجلي في إحكام التناسب بين التقطيع النظمي والتمفصل الدلالي. فهي خالية من العقادة التركيبية، ومن القلق الدلالي بل تعدو ذلك إلى تحقيق انسجام يصعبُ معه فصل الصياغة عن المعنى والمحتوى، على غرار البيتين الأولِ والثاني منها:

إن لم تكن للكأس ربَّ الدار
أبــدا ونحن الأهــلُ للأقمـار

 

هاتِ اسقنيها!! لستَ من سماري
هي بنتُ مَن؟؟ الشمسُ دارةُ أهلها

وفي هذا الاتجاه التلييني يمكن إدراج ديوان ليلى العثمان: همسات، وقد صنفت النصوص المنشورة فيه إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: "شعر"، ويضم: "قصائد نثرية"، والـ"نثر شعري"، والقسم الثاني: مقتطفات من وحي فكر الشاعرة، والقسم الثالث: أفكار وخواطر وهمسات([27]).

2.2 ـ مزاوجة استمرار

يمثل مسار على السبتي ظاهرة خاصة بحيث يمكن أن تنعت "مزاوجته" بالنكوص، فقد بدأ نظمه حرا وانتهى بتغليب الانتظام، كما يبين الجدول أدناه:

وعادت الأشعار

في الهواء الطلق

بيت من نجوم الصيف

 

24

8

2

المنتظم

26

21

35

الحــــر

%48

%27.5

%5.4

نسبة المنتظم

أضف إلى ذلك تداخل النظامين في القصيدة الواحدة: تبدأ حرة ثم تنتظم، كما في قصيدة : تفسير ما لا يفسر([28]). ودعما لهذا التداخل تخلى الشاعر في الديوان الثالث عن التوزيع الفضائي المتبع في تنسيق أسطر النظم الحر ـ كما هو الحال في ديوانيه الأول والثاني ـ مُعتمداً التوسيط بدون تمييز.  فهل لعنوان الديوان الأخير (وعادت الأشعار) علاقة بعودة المنتظم، أو تحقيق الاندماج بين النظامين؟

ومن الوجهة التاريخية يُعتبرُ ديوان علي السبتي: بيت من نجوم الصيف، بالنظر إلى تاريخ قصائده (الخمسينات والستينات) بداية قوية في التعامل مع الرصيد التراثي المنتظم وشبه المنتظمة، من جهة، وحركة التحرر من الانتظام من جهة أخرى.

نجد عنده أصداء الانتظام العَروضي، وأصداء تحرر التفعيلة الجديدة، وقد اختصرت المسافة بينهما باعتماد الرصيد العربي المذكور آنفا، حيث يتم الانزلاق عبره بين المجالين. لذلك تحضر أشطرٌ مجزوء الرجز والكامل مزاحمة بتقسيمات قافوية سجعية، تأتي خاصة للخروج من الانتظام العروضي.

وربما لعبت موهبة الشاعر غير المزاحمة برصيد نظري قوي ـ سواء في نظرية الشعر الحديث أو في العروض العربي القديم ـ دوراً في صياغة تجربة مُتميزة. وقد نبه ناجي علوش في مقدمة الديوان إلى هذا البعد العفوي قائلا:

"وأبو فراس، بعد هذا كله، وفوق هذا كله، لم يدرس عروض الشعر التقليدي. ومع هذا فنادرا ما يرتكب أخطاء عروضية... إن موسيقى شعره ليست موسيقى ناظم دَرسَ العروض، بل موسيقى شاعر مقياسُه حسُّه الشعري، وهذا دليل أصالة وموهبة وشاعرية.

وإذا كانت موسيقى شعره ناعمة وحادة ودفاقة، مع بعض الاختلال والثقل أحيانا، فإن تكنيكه الشعري بسيط؛ لا لعيب في شعره ولا لنقص فيه، بل لأنه اختار ذلك لغة وتكنيكاً وفكرة، ولأنه لا يعاني عقدة ثقافية، ولا يتبنى قضية غامضة... إن بساطة لغته مرتبطة ببساطة تكنيكه... وهذا وذاك مرتبطان بوضوح قضيته في نفسه"([29]).

هذه الملاحظة القائمة على الذوق، تجد تفسيرها علميا في اعتماد الشاعر على السجع والاقتراب من الموشحات. يمكن تبيُّن ذلك بوضوح بالرجوع إلى قصيدته: في عُشِّنا ثعبان. (ص 131-134)، حيث تهيمن القوافي وتوازن الأشطر. وفي قصيدة:  من ليالي تشرين، (ديوان: وعادت الأشعار ص7-10). حيث يُعطي التقسيم القافوي والموازنات هيكلا شبيها بالموشحات. وكذا الشأن في قصيدة: رباب. (بيت من نجوم الصيف. 44-49).

وتجد ليلى العثمان موقعا مريحا في هذا الاتجاه أيضا، فقد وظفت هي الأخرى الكثير من الإجراءات التوازنية والفضائية لتليين عَريكة القصيدة، فبقيت في موقف ملتبس بين النظامين.

 

3 ـ المسار الحر

ندخل في هذه الفئة الشعراء الذين استعملوا المنتظم في مبدأ أمرهم أو عرجوا عليه في مناسبة عابرة، دون أن يمثل جزءا دالا من تجربتهم، أو لم يتعاملوا معه أصلا. وتبدو المرأة رائدة في هذا المسار.

أ ـ تشير تواريخ قصائد غنيمة زيد الحرب في ديوانها الأول: "هديل الحلم" (1970 ـ 1983)، إلى بداية مزدوجة؛  من المنتظم والحر، غير أن الحر انحسر بوتيرة متسارعة دلت على عرضيته. فهو لم  يتجاوز في الديوان المذكور %25، (11 قصيدة حرة، و29 منتظمة). ثم نزل حضوره في الديوانين اللاحقين: أجنحة الرمال (ـ19)، وقصائد في قفص الاحتلال (ـ19)، إلى قصيدة منتظمة واحدة في كل ديوان. وهي نسبة غير دالة.

وممن عرجوا على المنتظم لمناسبة خاصة علي حسين محمد، ففي ديوانه: لمسات ضوئية (ـ19)، أي 5 قصائد منتظمة من مجموع 49 قصيدة قصيرة. فنسبة المنتظم فيه %10. وديوانه نموذج جيد لتضييق الشقة بين المنظم والحر، ذلك أن أجزاء كبيرة من قصائده الحرة معْلَمة الانتظام، بصياغة معانٍ مستقلة أوبقواف مزدوجة أو متعددة، هذا فضلا عن اعتماد المجزوءات والمشطورات في الغالب، مع التضمين الداخلي، وكل ذلك يُقربُه من ترتيب الرجز ومن النثرية عامة([30]). 

وتنزل نسبة المنتظم في ديواني جنة القرني: من حدائق اللهب(1988)، والفجيعة(1991)، إلى أقل من %5، (قصيدتان من41).

وفي ديوان سليمان الخليفي: ذرى الأعماق (1994)، قصيدتان منتظمتان، وقصيدتان مختلطتان والباقي حر (11 قصيدة).

ب ـ من الشعراء الذين خَلَت دواوينهم من المنتظم:

فترة الإنشاء

تا. النشر

الديوان

الشاعر

...91 ـ 92 ...

1992

     ليالي الألم

هاشم السبتي

1993 ـ 1994

1994 ـ 1996

1994

1997

أ ـ   دعوة عشق للأنثى الأخيرة

ب ـ وعاد من حيث جاء

إبراهيم الخالدي

1992 ـ 1997

1997

   نَحْوَِكِ الآن..كأني

صلاح دبيشة

 1978 ـ 1997

  ...؟...

1998

2000

أ ـ الإنسان الصغير

ب ـ مجرة الماء

نجمة إدريس

...99...

2001

   البحر يستدرجنا...للخطيئة

نشمي مهنا

 1989 ـ 1992

1993

   عناكب ترثي جرحا

عالية شعيب

دواوين خلت من المنتظم

...1993...

1994

تغيب...فأسرج خيل ظنوني([31])

سعدية مفرج

1989 ـ 1996

1997

إن تغنت القصائد أو انطفأت فهي بي([32])

ـ فوزية شويش السالم

إذا استثنينا الديوان الأول لغنيمة زيد الحرب نجد أن الحر لم يصبح مسلكاً وحيداً للشعراء إلا في العقدين الأخيرين من القرن 20.

ج ـ حوار النظم والنثر([33])

مقدمات

لكل شكل من الأشكال المصنفة في المسارات السالفة خصوصيات في التفاعل مع المكونات الأخرى للإيقاع (الموازنات، الفضاء، الدلالة...). وهذا التفاعل هو الذي  يُنتج الإيقاع، ولذلك لن نهتم باستعمال البحور(في المنتظم) ولا التفعيلات (في الحر) منفصلة عن المكونات الأخرى، ولا يتسع المقام لذلك.

بعد قراءة شاملة للمتن المصنف أعلاه ـ وهو ممثل ودال ـ  بدا لي من الممكن وضع مجموع المنتوج الشعري للمرحلة ـ فيما يخص الإيقاع طبعا ـ بين قطبين: النظم البسيط والنثر البسيط.

النظم البسيط امتداد خارج دائرة الشعر؛ وصورته المثالية استعمالُ الأوزان لغرض حفظ المعرفة الجاهزة وتقييدها قصد تذكرها، كما هو الحال في المنظومات العلمية([34]). وهذا هو النظم الذي أخرجه أرسطو قديما من حدِّ الشعر. والنثر البسيط هو الكلام العادي المستعمل في تداول المعارف والأخبار قصد تبليغ مضمون جاهز، كما نجد في قصاصات وكالات الأخبار.

في المسافة بين النظم البسيط والنثر البسيط درجاتٌ من التركيب، تقترب من هذا الطرف أو ذاك، حتى تلتقي في نقطة وسط يتفاعل فيها الطرفان في امتزاج، فهذا الملتقى هو،  في تصورنا، موقع إنتاج الكلاسيكيات. فمن المتن المدروس ما يقترب من النظم البسيط، ومنه ما يقترب من النثر البسيط، ومنه ما يقع في موقع من المواقع الموجودة بينهما.

يتم الابتعاد من البساطة النظمية ومن البساطة النثرية بدخول المكونات الإيقاعية (وهي صوتية أساسا) في تفاعل مزدوج: فيما بينها، وفي علاقتها مع المكونات الدلالية والتركيبية..الخ. إن الحديث عن محور مستقل للنظم والنثر مُجردُ خطوة تفكيكية غرضها التشخيص، إذ إن الانتقال نحو المنجز ـ وهو الذي يهمنا ـ  يقتضي استحضار المحور الدلالي الذي يتقاطع مع المحور الصوتي (محور الانتثار)، وبذلك يمكن افتراض مواقع شعرية متعددة.

          رسم

.......................................................

 

-   شعر المناسبات             -   شعر القضايا

 -   هيمنة المعارف                -   هيمنة الآراء

 والمعلومات

 

 

 

 

-   هيمنة الإيقاع                                             هيمنة التصوير

-   شعر الترنم                           (المجازي والتشبهي )

 

 

 

 

الانتـظـام

 

النـثر

    الشـعـري

  والشعـر

المنـثور

 

شعــر

الأصـوات

 

     حفظ

       المعارف  

   وتقرير

المعلومات

 

الــواقــع

 
 

مخالفة (التصوير)

التصوير

 

1 ـ
قطب النظم البسيط

ثلاث مستويات

بالقرب من قطب "النظم البسيط" وعلى مسافات متفاوتة منه يوجد قسم كبير من المتن المدروس، بحيث يشكل ظاهرة مثيرة للانتباه. يبدأ برصف معان جاهزة في قوالبِ بحر من البحور، دون الوصول إلى توليد حركية صوتية ـ دلالية أصلا، أو توليدها في حدود دنيا ثم يبتعد عنه قليلا بتحليه المعاني الجاهزة بتوازنات وتغييرات دلالية وصولا إلى درجة أكبر من التوهيم بالدخول في أجواء الفحول([35]).

1 ـ يمكن اعتبار شعر عبد الله العندليب مثالا دقيقا لما نقصده بنظم المعاني، حيث تبدو المسافة بينه وبين نظم المعارف قصيرة جدا. غير أن من الأجدى للدارس أن يبدأ التمثيل من نقطةٍ أدخلَ في حيز التفاعل بين مكونات الإيقاع. وفي هذا المستوى يقدم شعر أحمد السقاف مثالا لهيمنة الهيكل العروضي. فأكثر شعره، نظم معانٍ واضحة في ذهن الشاعر في انفصال عن الصياغة، خاصة حين يتعلق الأمر بشعر المناسبات، كقوله مخاطبا فتاة الكويت:

وأثيري الطموح في كل بيت
لا يلاقي السرور إما ارتقيت

 

انهضي للعلا فتاة الكويت
أنت للمجد قد خلقت ومن ذا

إننا هنا أمام خُطَبٍ مُؤطرة في قالب العروض؛ تغيب الموازنات المجسدة وتغيب "التغييرات" الدلالية المنشطة لها.

ولا جدوى من تعداد الأمثلة في هذا الصدد فهي تعلن عن نفسه من قصيدة لأخرى. والأجدى من ذلك البحث عن الإمكانيات التي تجعل بعضه قابلا للتلقي الشعري.

فقد يكون هذا النظم، على بساطته، سائغا، إما لاختيار البحر المعتاد فيه وهو الرجز، أو ما يماثله من البحور القصيرة، وإما لقيام النص على السرد أو الحوار وإما لاعتماد السخرية بشتى أنواعها، ولغير ذلك من آليات الإيهام والتعويض. وقد استعمل السقاف عدة آليات من هذا القبيل.

فمن استعمال الرجز قوله مخاطبا مؤتمر القمة الإسلامي (1987)([36]) :

لهم متى حاروا ضياءٌ من سُوَرْ
تَهدي إلى الحق وتُطفئُ الشررْ
وتمنـــعُ العدوانَ إن يوما بــدَرْ
وفي الصَّحيحين أحاديثُ دُرَرْ
جــــاء بها الهادي المعلمُ الأبرْ
فحكِّموها ساداتي فيما شَجـَـرْ.

فهذه الأرجوزة مرهونة بإنشادٍ غنائي يُبعدها عن أجواء البحور الكلاسيكية.

ومن التعويض بالحوار والقص قصيدة: أوجدت غيري، التي نقتطف منها الأبيات التالية([37]).

وملأت بالأشواك دربي
ومشغولا بكربي
مني إليك ودون ذنب
ودخلت إحساسي ولبي

 

أدميت بالهجران قلبي
وتركتني رهنا لآلامي
وصددت دون إساءة
أنسيت حين أتيتني؟

ومن بواكره، التي استثمرت السرد التاريخي بتوفيق، قصيدةُ: آثار سامراء([38]).

2 ـ هناك مستوى متميز قليلا في هذا المنحى النظمي وهو مستوى تحلية المعاني الجاهزة المنظومة بحدٍّ أدنى من التفاعل الصوتي الدلالي. من الشعراء الذين غلبوا النظم مع سعي لتحلية المعاني يعقوب السبيعي في ديوانه: الصمت، فأكثر هذا الشعر نظم لمعان  مبلورة قبل الشروع في الكتابة، نزِّلت بالتقديم والتأخير حسب كمِّها/أو حجمها لملاءمة مساحة البيت. والمتمرس بتاريخ الأشكال في الأدب العربي يعرف أن  الصورة المثلى لمثل هذا النظم قد هيمنت في بيئات البديع وشعر التورية والألغاز، خاصة في مناسبات الأنس وسياقاته، وفي المراسلات الإخوانية. فهناك شاع الحديث عن "سبك المعاني" الجاهزة في قوالب لفظية. ولذلك لم يَبْدُ هذا الإجراء مُستساغا حين استعمله الشاعر في الموضوعات الفكرية والعاطفية. وهو يبدو أكثر انسجاما وأقل ركوبا للضرورات في الموضوعات التي تحاكي ذلك التراث البديعي بما فيه من مراسلات وإخوانيات كما في قصيدته: إلى شفة الكويت التي يخاطب فيها الشاعر عبد الله العتيبي([39])، التي يقول فيها:

عودا إلي لتستقيم أموري
لأبثه شكوايا من ديجوري
ليجوز بي عسري إلى ميسوري
كيف الغياب وأنت مِلءُ حضوري
ويعود منك تواضعي بغروري

 

1.  ناديت فيك بشاشتي وسروري
2.  عودا بعبد الله فجرا ضاحكا
3.  ماذا أقول لمن أود وأصطفي
4. غاب الأحبة ما عداك، سلمت لي
5. تهفو إليك من البعيد مشاعر

3 ـ استطاع بعض شعراء هذا الاتجاه أن يرتفعوا ببعض شعرهم إلى مستوى البناء الكلاسيكي للشعر العربي القديم عند فحوله الكبار من حيث الملاءمة بين الوزن والتقسيم النحوي والموازنات الصوتية، في إطار من المعاني الكنائية والاستعارية التي تفتح باب الاستبدال واسعا أمام الشاعر، وتجعل المتلقي لا ينشغل بالتسلسل المنطقي للمعاني. من أمثلة ذلك قصيدة: بلى آذنتنا، للشاعر علي السبتي، فهي تجمع بين "التوازي الظاهر" وبين "إيهام التوازي"، كما هو حال المقتطف التالي منها([40]):

ولم نحسن الأمر الذي هو واقع
وهذا حديث السوق في السوق ذائع
إذا لم تصنه المحصنات الروادع
وما شبعت تلك النفوسُ الجوائع
وهذا من التثمين للسحب جامع
أما خزيت مما تشيع المخادع

 

بلى.. آذنتنا من قديم زعازعُ
بلى.. حادثات الأمس ليست بعيدة
شغلنا بجمع المال والمال سبة
وقد أثقلت أرضٌ ودجت لحودها
فهذا مدير يُشترَى بهدية
وهذي هلوك منهكات عروقها

ولا شك أن القارئ سيقف في قراءته بين مدخلين: هل يقرأ هذه القصيدة  كما يقرأ مثيلتها عند محمود سامي البارودي، أم يفترض تقمص الشاعر علي السبتي لشخصية الشاعر القديم مضمرا هذا الافتراض التالي: "لو تكلم أحد حُكماءِ الفحول القدماء في حال عصرنا لقال: .. "؟ أرجح المدخل الثاني، وهو مألوف كثيرا في المسرح بين الجد والهزل. ففي غياب برنامج قراءة من هذا القبيل سيجد القارئ من الابتذال إنزال "جزالة الفحول" هذه إلى مستوى المعجم والمرجعيات الحديثة، من قبيل: المدير والسوق([41]).

إن استعمال المنتظم بكفاءةٍ وتوفيق في هذا الفضاء الدلالي القديم وتعثره في الفضاءات الحديثة يطرح التساؤل التالي: هل المنتظم مجردُ شكل منفصل عن الزمن، أم إنه يحمل رؤية زمن مضى؟ الأكيد عندي أنه أنتج بكفاءة لغوية لم تعد متاحة([42]).

 آفة الانتظامِ الضروراتُ

تقديم

1. في اللقاء بين القالب النظمي المحدد سَلفاً بحرًا وقافية وبين المعاني المفترض فيها الانطلاق يحتاج الشاعر إلى مرونة لغوية وتخييلية. لغرض الوصول إلى صيغة يحس المتلقي معها بالإعجاب، أو في مرتبة أدنى لا يحس بالتعسف. وإلا فإن تعقيد التركيب ونشاز الدلالة الناتجان عن "ضرورة" الملاءمة بين المعنى والوزن يؤديان مباشرة إلى تشويش الإيقاع. وهذا هو العيب الذي يطارد النظم القريب من قطب البساطة.

2. ومرد ما ذكر إلى أن فشل البناء الصوتي في الاختلاط بالمسار الدلالي والتأثير فيه يؤدي إلى نفي الإيقاع، أو يقلل من فاعليته. إن المباشرة لا تترك للإيقاع حيزا يساهم فيه، فلا يبقى له سوى أن يحفظ المعرفة. ذلك أن التسلسل المنطقي الصارم للمعاني هو نقيض الشعر أصلا، لأن الشعر عمل في اتجاه المعرفة غير المتيسرة بالخطاب الطبيعي، والإيقاع جزء مهم من اللغة البديل. أضف إلى ذلك أن التسلسل المنطقي الصارم للمعاني يقلل إمكانيات الاستبدال، أي يفرض كلمة بعينها في موقع معين، هذا في حين يتطلب التوازن إرادَ كلمة مناسبة صوتيا لكلمة سابقة. يمكن أن ندعو ذلك: تنازع الموقع بين الدلالة والصوت؛ الدلالة تريد وضع كلمة دقيقة محددة، والصوت يريد وضع كلمة متوازنة مع أصوات سابقة تجنيسا أو ترصيعا. وتتم معالجة هذا التنازع عادة بتخفيض قوة التسلسل المنطقي وفتح باب التأويل والتوهيم، وبذلك قد تصير كلمة غير دقيقة من الوجهة الدلالية أكثر قوة بتجانسها مع غيرها. ولا مراء في أن الحالة المثلى هي التي يكون  فيها التمكن الدلالي مُساوقاً للتوازن الصوتي؟

وقد عانى الشعر القريب من قطب النظم البسيط من خلل الملاءمة بين مطلبي التمفصل الدلالي والتقطيع النظمي فعرف الكثير من منغصات الإيقاع، من اختلال حجاجي وعقادة تركيبية.

نماذج

ـ من أمثلة الخلل الحجاجي الناتج عن مراعاة التوازن الصوتي قول مبارك بن شافي الهاجري في وصف حال الأسير([43]):

صديق ورب السجن غير مهذب
بكفيه صوت الفاسق المتعصب

 

ويقاسي عذاب الأسر ليس يعوده
كأني به يرجو الخلاص ويتقي

فلا محل لكلمة "مهذب" في الحديث عن السجان، أي سجان، ولا معنى لكلمة "كأني" في الحديث عن تحرق السجين إلى الحرية، بل لا معنى لكلمة "الرجاء"، فهي ضعيفة جدا في هذا السياق.

ومن أمثلة ذلك أيضا قول السبيعي، في البيت السادس من قصيدةٍ مذكورة آنفا، وهي قصيدة اعتبرناها موفقة ([44]). 

إلا بقــايــــا... كــالزنــــــاد المــــوري

 

6. ذهـــب الهــوى بحمـاستــي وفتــوري

"فالموري" تتجاوب مع "فتوري" صوتيا، إلا أنها قلقةٌ دلاليا لأنها من الحقل الدلالي للحماسة، أي أنها غير مناسبة "للفتور". وبعبارة أخرى أبسطَ:  كلمة "الموري" مقرونةً بالزناد تصفُ طرفاً دون طرف من المُقدَّمين للوصف، وهما: الحماسة والفتور، ولذلك فهي قافية غير متمكنة، بل قلقة دلاليا قلقا يُفسد اللعبة الصوتية. وهذا يدخل فيما سماه قدامة "الإيغال"، غير الموفق، وذلك في مبحث التناسب بين المعاني والألفاظ، وهو مبحث جدير بأن يُعاد تعميقه وتدقيقه. وعموما فإن المنتظم يدفع الشاعر إلى "إيغالات" وقواف غير "متمكنة" دلاليا. وبذلك يحس القارئ/ المستمع بأن الكلام مُلفق.

ومن الضرورات الشائعة، بل المتحكمة في المنتظم القريب من البساطة: العقادة والحشو، كقول السبيعي:

جمحت ـ في نبضه متكئه([45])

 

كنت ألقاها بقلبي ـ كلما

فقد لقي الشاعر عنتاً في إدخال أطراف المعنى في قالب النظم، ويمكن تبين ذلك بالرجوع إلى نواة المعنى المراد صياغته:

كلما جمحت ارتفع نبض قلبي،

إذن: جموحها بعيداً عني هو حضور لها في قلبي

فقد بقي فعل "ألقاها" موزعا بين ظرفين: "بقلبي" و "في نبضي"، مفصولين بجملة اعتراضية. دون مزية ظاهرة. أما "متكئه" فتبدو بدون وظيفة دلالية، بل ربما هي نشاز، أحسن منها نقط الحذف.

ومع ذلك ففي شعر السبيعي مقاطع حققت درجة عالية من الانسجام بين الدلالة والوزن، مثل قوله في مطلع قصيدة بعنوان: العطش الأسود(([46]:

يمرُّ بلا غدها الأبدُ
إلى غدها.. قدر موصدُ
وأفرغها العطشُ الأسود
يرد الصدى: أين منا غدُ؟

 

تقول غداً... ويمر غدٌ
كأن الزمان الذي ينتهي
كأن الليالي خلت من غد
أصيح بها: أين منا غدٌ؟

غير أن ما يأتي بعد هذا المقطع لا يضيف جديدا، وبذلك يعود الوزن ليصير مجرد عبء.

ومن الدال أن يكون هذا المقطع الموفق، في نظري، استثناءً في احتوائه على علامات الترقيم، حيث تتردد فيه نقط الحذف والاستفهام على غير عادة في كل الديوان، ما عدا القصيدة الأخيرة  منه، وهي قصيدة استثنائية بعنوان: 40+.= (ص135).

ـ و من تشويش التوازي وضع كلمات لا تتجاوب دلاليا (مؤالفة أو مخالفة) في مواقع متقابلة. ويكون التنافر بين الموقعين ملحوظا بقدر وضوح التوازي، من جهة، وخلو النص من العيوب التركيبية، من جهة أخرى. نأخذ أمثلة لذلك من مقطوعة: انتشاء،  لـِِعلي حسين([47]). وقد بدت الألفاظ التي سنشير إليها ناتئة (أو ناشجزة) لأن المقطوعة مبنية على درجة كبيرة من التناسب بين مسار المعنى وتمفصله، وبين الفضاء العروضي الذي سُبكت فيه؛ مدعمة بتوازن صوتي ملحوظ:

أشرقت حبا لقلب هائم؟
يتجل سحرها للحالم

 

1 - روح من هذي التي أبصرها
2 - لم يصب أسرارها [ناءٍ] ولم
       اقتراح................    ..: [ صاح]

كلمة "ناء" هنا توازي كلمة "الحالم"، ولذلك فهي تطلب في المستوى العادي (شبه المعياري) كلمة "قريب"، لكي يتم "استقصاء الصفات". وإذا ما حاد الشاعر عن هذا المستوى العادي فينبغي أن يكون ذلك لـ "نكتة" ظاهرة، كالسخرية مثلا. ولكن الذي يظهر هنا هو أن كلمة "حالم" أختيرت للقافية بقطع النظر عن لفقها ("ناء"). ولكي تناسب المعنى العام (أي تعذُّر إدراك الأسرار في كل الأحوال) كان من مطالب الانسجام تعويض "ناء" بِ "صاح". ولسنا في حاجة إلى التدليل على أن التوازن والتقابل متآزران: كل منهما يبرز الآخر.

وليس هذا البيت استثناء حتى في القصيدة التي ينتمي إليها إذ نجد بعده مباشرة:

أم نداء تائه للقادم؟

 

3- هل هي الماضي الذي يعْبرنا

فالمقابلة في السؤال (طلبا للتمييز) بين "الماضي" و"القادم"، تقتضي وجود مناسبة بين مسنديهما، أي  بين "العبور" و"النداء"؛ فالماضي "يعبرنا" والقادم "ينادينا". وعلى القارئ أن يجد مناسبة بين الطرفين، ولعله يرجح "يجذبنا" ثم يتساءل عن مَغزى (أي مَطْلَبِ) انزياحِ الشاعر عنها(؟) ثم تختفي هذه النتوءات شيئًا فشيئاً:

بيدي يمرح كل العالم

سابح بين فضاء غائم
فأراني بانتشاء دائم؟
..../....

 

4 - حين تبدو.. فرِحاً أبدو.. أرى..
                                     [....]
5 - وأنا عنه بها منشغل
6 - أيُّ روح هذه تملكني

فمسألة التوازن والتقابل ليست كمية بل كيفية تفاعلية ذاتيا وفضائيا. أي أن الحكم على عنصر لا يستقيم إلا في سياق تفاعله مع عناصر أخرى من جنسه ومن محيطه.

2 ـ قطب النثـر

لرسم الحدود القصوى لمحور النثرية نهتم بديوان: رفيقة دربي، لعبد الله السريع، فهو تشخيص جيد لما نقصده بالاقتراب من قطب النثر البسيط. فقد بني هذا الديوانُ شاعريته على بساطة المعنى ومباشرته، في الأعم الأغلب، مع لمحات إيحائية تلمع من حين لآخر، مصدرها الوحيد "معجمٌ" مشحون في المجال الشعري عامة، كما سيأتي في التعليق.

غير أن هذه البساطة حين تُخذل، من الدعم الإيقاعي؛ في مستواه الأدنى ( الانسجام)، وفي مستواه الأعلى (التوازن التفاعلي)، تَسقطُ في عقادة تركيبية تُحوِّل يُسرها إلى عسر. مثال ذلك قصيدته: الأرض([48]).

الأرض

إن اعنيت بها

هي لك تعطي

وإن أهملتها

هي لا تفكر بك

ولا عنك تسأل

أو بك تدري

فالأرض أبونا آدم

من ترابها خلق

ومنذ أن خلق ولا يزال

هو لها يعطي ويعطي

وهؤلاء أبناؤها

ومن بعده

أبناؤه وأبناؤه

ثم أحفاده وأحفاده

ما يزالون

يعطون لساكني

الأرض حبا

وهي بالمثل لهم تعطي

والأرض إنما الله

خلقها لك يا ابن آدم

وإنها لتستمر لأجلك

عليك ألا تبخل

فالمتكأ الوحيد للقصيدة هو ألفاظ: الأرض، آدم، التراب، الخلق، الحب. مع محاولة أخذ لون   الوصية الدينية وإيحائها، في لغة الكتب المقدسة: "عليك ألا تبخل"، "الأرض إنما خلقها لك يا ابن آدم"...الخ

غير أن هذه الموارد المعجمية لا تأتي بأكثر مما يأتي به الصدى البعيد لنصوص كان لها لباس في لغاتها، فأصبحت في اللغة العربية بثوب خَلقٍ مرقّع بألوان متنافرة. فالتراكيب معقدة؛ فيها تقديم وتأخير غير وظيفي، وكأن النص ترجمة حرفية من لغة ذات بنية مخالفة لبنية اللغة العربية.

وربما يُفسر عسر التعامل مع اللغة العربية هنا بالتشبع باللهجة الدارجة من جهة ولغة أجنبية من جهة ثانية. ففي ديوان السبيع المذكور قصيدة بعنوان: الله يشافيك، (ص120-121)، وهي بلغة عامية مفصَّحة قابلة للإلقاء الدارج، بل تبدو معدة للغناء. فهي أكثر توازنا وأقل تعقيدا وضرورات من شعره الفصيح، منها:

الله يشافيك

وادعه من العافية

يزيدك

وتقوم تمشي

وتنزل

من سريرك

الله يشافيك

ويرفع عنك

أمراض نصيبك

واتوسله تعالى

يخليك

لكل من تعتبره

حبيبك

...الخ

إذا جمعنا بين أصداء الترجمة، المشار إليها، وبين هذا التوفيق الإيقاعي في بناء نص عامي أمكن التعميم بأن طابع النثرية ناتج عن تحكم هذين الموردين في ثقافة كثير من الشعراء الذين لم تعد الثقافة العربية الفصيحة ومواردُها القديمة مستحضرة عندهم بقوة.

إن هذا التوجه النثري أشبه في قربه من العامية بقرب الموشحات من الزجل واختلاطها به، في مناطق متفاوتة البعد من النثير الموزع في الفضاء الحر تُرصف مستويات من التركيب الصوتي الدلالي متوسلة بشتى الآليات التعويضية كما سيأتي.

3 ـ حول المركز: حوار النظم والنثر

 

حول مركز التفاعل بين نزوعي النثر والنظم تَرَكَّز الإنتاج الشعري الممثل بقوة للمرحلة المدروسة بما هي مرحلة تجاذب بين القديم والحديث. وإذا كان المخضرمون هم الممثلون النموذجيون نظريا لهذا التجاذب فإن واقع التجربة الشعرية يجعل الحدود بينهم وبين فئة من ملتزمي المنتظم والحر غير حاسمة، إذ الحدود شكلية في حالات كثيرة. ففي أحوال هناك قصائد لا دواوين، ومقاطع لا قصائد.

 

من القضايا التي طرحها الانتقال من الشفوية إلى الكتابة وزكتها حركة الشعر الحديث ـ بعد أن صار الشعر مرصودا للقراءة على الورق بقدر ما هو مُنشَد أو أكثر ـ الانتقال من الترنم إلى التأمل. الترنم يستهدف السمع من خلال التناغم والتأمل يستهده النظر والفكر من خلال المفارقات والتوهيمات الصوتية. والانطباع الذي يخرج به الدارس هو غلبة الترنم على النصوص القوية في المتن المدروس مع وجود مساع كثيرة ونماذج واضحة للانتقال نحو التأمل. ومعنى ذلك كله الانتقال من تحلية المعنى إلى إنتاجه. والشعراء الكبار يُلبِسون هذا بذاك، على نحو ما نجد عند أبي العلاء المعري، ولدى أحمد العدواني نصوص من هذه الكمياء.

ونظرا لأن مايأتي من خصائص عامة يهم هذه المنطقة في المقام الأول فنعتبر كل ما يأتي تمثيلا لها.

د ـ جاذبية التناسب الصوتي

ج.1 ـ أثر التراث التوازني العربي

من المفترض أن يكون يسار محور الدلالة (حيث يمتد محور الإيقاع نحو قطب الانتثار) مجالا للتأمل، كما يفترض أن يكون يمينه (حيث يمتد محور الإيقاع نحو قطب الانتظام) مجالا للترنم. غير أن عدم قيام حركة الانتقال على تطور محلي طبيعي، وعدم مواكبتها بحركة فكرية نقدية قوية جعل الانتقال شكليا في حالات كثيرة.

أشرنا في مناسبات سابقة إلى أن الكثير من الشعراء خاصة المخضرمين ردموا الهوة بين المنتظم والحر باستحضار التراث التوازني شبه المنتظم؛ من سجع وموشحات وما شاكلها من تنظيم توازني تجنيسي وترصيعي، ولذلك نجد نصوصا موزعة بحسب المنتظم وهي ذات بنية سجعية، ونجد نصوصا موزعة بحسب الحر وهي منتظمة أو تكاد، وقد كسب هذا الشعر بذلك طابعا ترنميا.

 يمكن أن نبرز جانبا من هذا التداخل من خلال قصيدة: الجسد الآخر، لعلي حسين محمد، فهي مثالٌ جيدٌ لجاذبية التناسب الصوتي حتى في الحر. ونظراً لاعتماده فيها على بحر الرمل كاملا، في أكثر المقطع الأول، ومشطورها في أكثر المقطع الثاني([49]) فقد استغنت عن علامات الترقيم من نقط وفواصل...الخ، واعتمدت على القوافي في  تسجيل الوقف.

حين ترميني لعينيكِ

صبايا الفكر

وتناديك بأعماقي

كهمس السَّحر

نجمة غافية تصحو بعيني

تلتقيني

زهرة بريةٌ مثل كياني

تحتويني

كل شيء يصبح الْآنَ

هنا يا قمري.

أنتِ... لكن ليس لي من أثرِ     

فلأكن إن شئتِ تذكاراً

ورسما من خيالِ

وليكنْ حُبْـي كما أحـسسْتِ

شيئاً كالمحالِ

أوَ لا تدرين أني

الجسد الآخر أني

فارْحلي إن شئتِ عني

منكِ أمضي أين.. مني

فهنا روحك تلهو

كانطلاق المطرِ

وهنا وجهك يزهو معبداً من زهرِ

تعطي كتابة القصيدة تبعا للمعالم القافوية النسق التالي:

ـكِ صبايا الفكــر
ــاقي كهمس السَّحر
ــحو بعيني تلتقيني
ــل كيانـــي تحتــوينــــي

حين ترميني لعينيــ
وتناديك بأعمــ
نجمه غافية تصـ
زهـــــرة بريـــــةٌ مثــــــ

 

كل شيء يصبح الْآنَ هنا يا  قمري.
أنتِ
لكن ليس لي من  أثـرِ

 

 ــاراً ورسما من خيالِ
ــسسْتِ شيئاً كالمحالِ

فلأكن إن شئتِ تذكـ
وليكنْ حُبْـي كما أحــ

 

أوَ لا تدرين أني 
الجسد الآخر أني
فارْحلي إن شئتِ عني  
منكِ أمضي أين.. مني

 

كانطلاق المطرِ
معبداً من زهرِ

فهنا روحك تلهو
وهنا وجهك يزهو

تكشف هذه الكتابة التوازنية عن وجود نسق عروضي متأثر بتنويعات الوشاحين. فالقصيدة متراوحة بين أعاريض الرمل مجزوءا ومشطورا وتاما. ومع هذه الكتابة تصبح "النقطة" الوحيدة الموجودة في النص أداةَ تأزيمٍ، قد لا تخلو من افتعال، لأنها فصلت بين شطرين متعاضدين توازنا ودلالة. كما يصبح الرجوع بعد "تلهو" وعدمه بعد "تزهو" مقاومة شكلية للتوازن غير مجدية.

والملائم لطبيعة الشعر الحر ألاَّ يصل الأمر إلى هذا القدر، إذ يكفي إشمام الانتظام وتغييبه بشتى الوسائل. فتردُّدُ التفعيلة كلا أو جزءاً في قصيدة يُشِمُّ مستوى من البحر الذي تكونه أو تهيمن عليه، وقد يتجاوز الشاعر هذا المستوى إلى إعطاء شطر أو أكثر على وزن من أوزان البحر مدعّماً بالوقف أو منزاحاً عنه. ويكون هذا الإجراء قويا حين يكون مطلعاً للقصيدة أو للمقطع. وهذا مستوى من التناص، وإلا فلا معنى عندي للحديث عن البحور في الشعر الحر، لأن البحر نسق، والحرُّ خروج من النسق.

 د.2 ـ الترنم والأداء

قال بول زمطور PAUL ZUMTHOR في كتابه القيم: مدخل إلى الشعر الشفوي : «إن الشوق إلى  الصوت الحي يَسْكنُ كل شعر يوجد في منفى الكتابة»(ص160). وبعد فحص تاريخي عاد إلى صياغة هذه الفكرة من زاوية أخرى، فقال: «يطمح كل شعر إلى التحول إلى صوت، يطمح إلى أن يسمع يومًا مَا: أن يمسك بالذاتي غير القابل للتوصيل، عن طريق ملاءمة بين الرسالة والمقام الذي يولِّدها، بشكل يجعلها تلعب فيه دورا محفزا، شبيها بالدعوة إلى الفعل"([50]).

 هذا في المستوى العام مستوى الظاهرة الإنسانية، أما في المستوى الصناعي العملي للغناء، باعتباره مماسة خاصة، فالحديث ينصرف إلى الأناشيد والأغاني المرصودة للتلحين  والغناء أصلا وابتداء، أو القابلة لذلك بحسب بنيتها الخاصة. أي أن هناك مستويان: شعر للغناء وشعر قابل للغناء. والذي يشغلنا كثيرا في هذا المقام هو تأثير هَمِّ الغناء في بناء القصيدة. ويمكن بيان طبيعة الاتجاهين من خلال تجربة كل من أحمد العدواني، وعبد الله العتيبي. فالأول جمع بين المستويين(القابلية والقصد)([51])، والثاني غلب عليه المستوى الثاني (القصد).

جاء في التعريف بالشاعر أحمد العدواني في مقدمة: أجنحة العاصفة، (ص4): "له قصائد كثيرة تغنّى". وقد ميز جامعا ديوانه: أوشال، ست قصائد نحت عنوان: أناشيدُ وأغانٍ كتبت بالفصحى([52]). ومنها النشيد الوطني الكويتي، وقصيدتان بتلحين رياض السنباطي وغناء أم كلثوم.

ويهمنا هنا أن الشاعر حين يمارس إنتاج النصوص للإنشاد والغناء، ويكون ذلك عن كفاءة واستعداد تنتقل العدوى إلى النصوص غير المرصودة للغناء، فتاتي قابلة للتلحين. من القصائد التي تعلن رغبتها في التلحين والغناء في ديوانه: أجنحَة العاصفة، (ولا ندري هل غنيت أم لا) قصيدةُ: ياغدنا الأخضر (ص151):

يا غدنا الأخضر!!
أزهاره عوالم من نورْ
تغازل البدور
يا غدنا الأخضر...
نحن هنا نشعلها ثوره
في أفق مغبر..  ..
وكل سيف مدرك دوره
في اللهب الأحمر..  ..
...الخ

وعموما فإن الطابع الترنمي الغنائي لشعر العدواني يقوم على تليين الانتظام بالميل إلى التوشيح وتكثيف الموازنات بالتجنيس والترصيع.

أما الشاعر عبد الله العتيبي فقد بنى قسما من شعره لغرض التلحين والغناء. نقرأ في آخر ديوانه: طائر البشرى: "معظم قصائد هذا الديوان قد تم تلحينها وإنشادها.."([53]). إلا أن هناك فرقا نوعيا بين ترنمية العدواني وترنمية العتيبي. فهما يلتقيان في اعتماد النسق التوشيحي أحيانا، ويختلفان في  مستوى الغني التجنيسي والترصيعي، فشعر العدواني ذو طبقات صوتية متعددة، في حين يسير شعر العتيبي في مستوى واحد([54]). ولذلك فأكثر ترنيمات العدواني قابلة للقراءة الفردية على الورق، في حين يصعب الانتقال بين مستويات بعض "أغاني" العتيبي دون تكييف تلفظي قوي([55]). وربما جازت المقارنة بين النوعين وبين النص المسرحي الذهني والمجسد على الخشبة، مسرح الكرسي القابل للتشخيص على الخشبة، ومسرح الخشبة غير القابل للقراءة على الكرسي. وقد أبدى مقدم: طائر البشرى،  ملاحظةً عامة تؤيد أو تفسر ما ذهبنا إليه حين اعتبر "البساطة والمباشرة" وعدم "التنميق" أو البحث "عن أسرار التعبير"  خاصية للديوان (ص12). كما اعتبر وجودَ ملحنٍ ومغنٍّ تكميلا للعمل، قال: "لكنه لم يأت وحده، جاء معه من بهما يكتمل العقد الثلاثي، شادي الخليج وغنام الديكان والعتيبي". (ص10-11).

وعموما فإن هم الإلقاء والترنم حاضر عند أكثر شعراء المرحلة، يبرز في نص ويتراجع في نص آخـر حسب المناسبة.

د.3 ـ التصادي والتوهيم

تسعى الكثافة الصوتية أحياناً إلى خلف أصداء تتردد إما في المجال النصي، أو في المجال الخارجي  للنص. غرضها إنتاج دلالات إضافية تغني المسار الخطي للمعنى بأنواع من التوهيمات والإيحاءات بحسب الكفاءة التأويلية للقارئ، وقد وعى بعضُ الشعراء هذه الإمكانية ووظفوها باقتصاد. وفي شعر المرحلة الكثير من النصوص التي تراهن عليها. غير أن الأمثلة المحكمة للأصداء الداخلية نجدها، مرة أخرى، في شعر أحمد العدواني. كما نجد عند سليمان لخليفي مثالاً توضيحيا للتصادي الخارجي.

د.1.3  ـ التصادي الداخلي

تستعملُ الموازنات الصوتية بكثافة أحيانا لخلق أجواء دلالية إضافية. وقد تصل تلك الكثافة إلى حد مضايقة المعنى الخطي وتقليص مساحته أو نفيه أصلا. وقد وجدنا أمثلة لذلك في النصوص القديمة والحديثة. وليس في المتن الذي درسناه تجارب تصل إلى هذا الحد. بل الغالب حدوث تنازع بين المسارين الدلالي والتوازني.

 ويمكن التمييز هنا بين مستويين: مستوى تراكم المكونات الصوتية  وتبلورها حول كلمة موجهة، ومستوى هيمنة كلمة بأصواتها ومعناها على مجمل النص.

 أ ـ من صور بلورة الكثافة الصوتية حول كلمة تهيمن في المواقع الحساسة من النص، قصيدة: طيفها، لأحمد العدواني([56]):

شطَّ عني مزارها
ملء نفسي اذكارها
أين مني نفارها؟
أين مني افترارها؟
وتبقى خمارها
قد تدجى اعتكارها
يتلظى أوارها
من هواها إيسارها
فعصاها اصطبارُها

 

 

طيفَها؟ أين دارُها؟
وتلبست بعدها
أين مني دلالها؟
أين مني وصالها؟
ذهبت نشوة الهوى
فإذا العيش ليلة
وإذا الشوق جمرة
من لنفس أسيرة
هتفْتُ باصطبارها

استعمل العدواني في قصيدة طيفها مجزوء الخفيف، مع قرار قافوي غني: "آرُها". فترتب عن ذلك بروز الترديدات الجرسية والتوازيات النحوية بقوة. وبدت القصيدة وكأنها ترنيمة سريعة تطارد الطيف([57]). فمن المجانسات والتوازنات القوية في هذا النص:

1ـ تصريع الأبيات الأربعة الأولى، وهو إجراء عفوي يجعل الشطرَ لا البيت الوحدةَ الإيقاعية الأساسية. فيضيق الفضاء وتشتد الكثافة.

هذا مع ملاحظة اِحتواء الشطر الأول من القصيدة على مادة القافية مرتين: "طيفها؟ أين دارها"؟ تكررت "ها" في القصيدة 33 مرة 21 منها في القافية. وقد ساعد الاستفهام في إبراز القوافي الداخلية. وهذه الكثافة توجه المتلقي في منحًى إيقاعي دلالي متعاضد في الضمير "ها": الأنوثة + صوت.  (الأنوثة مرجعيا وبالعدوى).

2 ـ ترديد جملة أين مني..؟ أربع مرات في أربعة أشطر متوالية. أضف إلى ذلك تكرار "فإذا" في مطلع بيتين مع دعمهما بالتجانس بين "العيش" و"الشوق"، وكذا تكرار "أو لم"، في أول بيتين.

3 ـ التقابل  بين كلمات في الشطرين من البيت (التصدير): أسيرة/ إسارها. اصطبارها / اصطبارها. حسرة / انحسار.

وهكذا تتصادى هذه التوازنات داخل ذلك الفضاء العروضي الضيق المسيج بقافية غنية ترد الأصداء.

وهنا يكون الإنشاد حاسما لكشف جمالية النص أو قبره، فالقراءة التعبيرية تجعل النص كاريكاتيريا، كما في حال البيتين التاليين:

(2) قد تدجى اعتكارها

 

(1) فإذا العيش ليلة
(3) وإذا الشوق جمرة

فالصدر(1) ينجذب بقوة نحو صدر البيت الموالي (3) أكثر مما ينجذب نحو عجزه(2)، رغم أنه يذيله دلاليا. ولذلك لابد للمنشد أن يجعل الوقف بعد البيت الأول "انتظاريا" إشعارا بوجود امتداد توازني([58]). 

ب ـ ومن أمثلة بناء إيقاع قصيدة على كلمة تنشر حروفها مجتمعة أو منفصلة في أركان قصيدة، أو في مقطع منها، حاملة معها معنى تلك الكلمة ومذكرة به بدون كلل([59]) قصيدة أوشال لأحمد العدواني. فقد هيمنت في المقطع الثاني من هذه القصيدة كلمة "الأراقم". (وأوشال هذه هي القصيدة التي تنشر عدواها على الديوان كله تبعا لقراءة جامعي شعره تحت عنوان "أوشال"):

آه من تلك الأراقمْ

آه مما اقترفته من جرائمْ

تتوارى في تجاويف القماقمْ

تنفث السم ولكنْ...

في قوارير البلاسمْ

فإذا نحن مطايا

لها ومطامعْ.

لهذا المقطع هيكل توازني مُنطلقُه كلمة "الأراقم" وما يتولد من حروفها ومجالها الدلالي من كلمات مثل: [القوارير، اقترفت، القماقم، جرائم]. وداخل هذا الهيكل توجد موازنات جزئية لتنشيط المخالفة:  السم/ البلاسم. المطايا/ المطامع.

ولهذا المقطع من أوشال إرهاص سابق، حيث بدأت القصيدة بكلمة: "قواقع" (حبسونا في قواقعْ). كما استعمل السَّطرُ التالي: "آه من تلك الأراقم"، في أول المقطعين 3،4،([60]). فللمقطع امتداد في القصيدة، وللقصيدة امتداد في الديوان كما سبق.

د.2.3  ـ الأصداء الخارجية: التناص الإيقاعي

فضلا عن الحضور العفوي لأصداء التراث التوازني، وهذا كثير قابل للرصد، يعمد بعض الشعراء إلى التناص مع نصوص قديمة ذات صدًى عالٍ، حيث تختلط إيحاءات المعنى بأصداء الأصوات، من ذلك قصيدة سليمان الخليفي: قراءة في الكويت([61])، التي بدأها بقوله:

إقرأ!

فباسم ربك([62])

الذي

خلقْ،

وحرفك

الذي

اتسقْ،

وأرضك

الساجية،

الشفق

تاريخ ما

ركبته

عن طبق

إلى طبق،

.......

توهم هذه القصيدة معارضة قوافي سور قرآنية خاصة سورة "إقرأ": "إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق". وسورة: "قل أعوذ برب الفلق، من شر ما خلق". وذلك بطريقة تستحضر أجواء المتنبئين الذين ساروا على نمط سجع الكهان. وقد سخر لذلك بحر الرجز الذي تعلن القوافي عن أنساق التامة والمجزوءة برغم التفتيت الفضائي. (قبل أن يقفز إلى السطح) غير أن هذا الإطار العام الموجه لخلق أجواء تنبئية يصادف في طريقه الكثير من العوائق والعراقيل الإيقاعية الكفيلة بتكسير الانتظام التفعيلي والمقاطيعي، كما يجد في طريقه كابحا دلاليا (يبعده عن المساق العجائبي) بالإعلان عن الأبعاد الرمزية للنص حيث يختلط الوطن الصغير بالوطن الكبير.

 

هـ ـ جاذبية التفاعل

مقاومة التناسب

من القضايا المبدئية التي لن نمل من تكرارها القول بأن الانتقال من الشفوية إلى الكتابة مسألة جذرية؛ غير سطحية. يجب رصدُ آثارها، والسير معها خطوة خطوة... ففي إطارها يمكن فهم تطور إيقاع الشعر العربي (مثل الشعر الغربي) من هيمنة الوظيفة التطريبية التي تتطلب أعلى درجات التناسب، إلى هيمنة وظيفة توليد المعاني، مع وجود هامش مُنافرة مشاكسٍ وصادم. وهذا جلي في شعر أبي تمام مثلا، فالكتابية رؤية متنامية حسب تصور المجتمعات.

ونظرا لأن الانتظام يشكل المعطى الأولي المتقدم في بنية الشعر العربي فإن الخطوة الأولى للابتعاد عنه نحو منطقة الاختيار تتمثل في مقاومته، في حين ستكون الخطوة الثانية والثالثة في التخلي عنه للدخول في نظام آخر. في هذا الأفق يلاقي الانتظام الوزني عند الشعراء المحدثين مقاومة منشطة من عنصرين متعارضين في طبيعتهما: الفراغ بالحذف والرجوع، فضلا عن التقنية القديمة القائمة على الاتساق الصوتي الدلالي، التي أدت إلى تنسيق وزن فوق وزن كما في الموشحات.

هـ.1. ـ الفراغات بالرجوع والحذف

هـ.1.1 ـ الرجوع  إلى السطر

في المرحلة الشفوية كانت "القافية" هي العلامة المخصصة لإعلان نهاية يتطلبها تساوي القرائن أو تقاربها. ومع شيوع الكتابة وفَّرَ الفضاءُ البصري إمكانية جديدة للتوزيع حسب إحساس الشاعر بالمعاني الشعرية التي يسعى إلى توليدها وأصبحت هذه الإمكانية محل تطبيق واسع مع الشعر الحر([63]). ولذلك فالرجوع يتوجه أساسا إلى الأداء. ومن الأكيد أن الشعر المركب من مستويات من الصنعة يفقد الكثير بغياب الأداء المناسب له. وما دام الأمر يتعلق بقراءة من القراءات فإن مواقع من النص تظل ملتبسة حتى على الشاعر نفسه. ومبحث الرجوع الفضائي جزء من مبحث "التضمين" الذي يهتم ب"التمفصل الدلالي والتقطيع النظمي"([64]).

الطابع العام للمتن المدروس، قبل التسعينيات، هو الاتساق بين: الوحدة الدلالية، والسطر، والتفعيلة، ولذلك كثيرا ما ألحَّ الشعراء على تسكين أواخر الأسطر. (ودفعا لأي سوءِ تفاهم ألحُّ على كلمة "العام"). وفي أماكن من هذا البحث نصوص ومناسبات تغني عن إيراد أمثلة هنا. والأجدى من ذلك الاتجاه إلى بيان بعض آليات الخروج من دائرة العموم).

وفي مرحلة لاحقة بدأ الرجوع يأخذ بعدا تعبيريا تمثل في زحزحة الأسطر، والكلمات/الأسطر عن  عن يمين الصفحة، سواء كونت سُلما من درجات، على نحو قول سعدية مفرج([65]):

فكان  انتشاؤك

حزني

    على جانبيه

        يسيل

           يسيل

             يسيل

أو كانت متداخلة متخارجة على نحو قول نجمة إدريس([66]):

أطلقُ النارَ

           على القافية

وأغرسُ السكينَ

           في لحمِ الوزنْ!       

أعدُّ عصيرَ الدم

          لوليمة المساءْ

يقص "الخليل "        

         مع "سوزان بيرنار"

على موسيقى "البوب"

                     ويعرُجْ!

وديوان فوزية شويش السالم (إن تغنت القصائد..) معرض تشكيلات مختلفة  من تنظيم الأسطر: بعضها متدرج، وبعضها متداخل، وبعضها متسق إلى اليمين، وبعضها بشكل الكتابة المسرحية.

ويبدو أنه كلما أوغل الشاعر في اتجاه الخروج من التناسب إلى التفاعل كلما وجد حاجة إلى توزيع فضائي متنوع بحسب الإحساس بالمعنى. يمكن التدليل على ذلك بتامل الفرق بين توزيع القصائد في دواني نجمة إدريس، حيث نجد الأسطر في الديوان الأول: الإنسان الصغير(1978 ـ 1997)، متراصة إلى اليمين إلا استثناء، في حين نجدها في الديوان الثاني: مجرة الماء(...2000)، وهو أكثر نثرية، تنزاحَ عن بعضها بعضها إلا استثناء.

غير أن غلبة التجريب على أعمال الكثير من الشعراء الشباب في غياب استيعاب ثقافي عميق يجعل الدارس في حاجة إلى الكثير من الحذر والاحتراس. فبخلاف المسار الذي سارت فيه نجمة إدريس، وهو المسار العام،  نجد إبراهيم الخالدي يوزع قصائد ديوانه الأول (دعوة عشق) منزاحةَ الأسطر، في حين يرُص قصائد ديوانه الثاني (عاد من حيث آتي) إلى اليمين مستندة إلى خط عمودي. وإذا كان الديوانان معا أنتج في الفترة 93-1996 ، مقتسمين قصائد 1994، فهل يرتبط اختلاف التوزيع بتطور التجربة أم الموضوع أم التقنية أم الموضة؟

هـ.2.1 ـ علامات الحذف

استعمل قلة من  الشعراء ـ في مسارهم العام، أو في جانب من إنتاجهم ـ علامات الحذف مع الرجوع الحر. واستعملها بعضُهم مع الرجوع المنتظم اِستثناء. من الشعراء الذين وظفوا علامات الحذف باعتدال أحمد العدواني (في ديوانه في العاصفة) ونشمي مهنا، وسعدية مفرج.

وتمثل ليلى العثمان في هذا الصدد ظاهرة متميزة قريبة من الاستثناء، فقد وظفت علامات الحذف في مجموع إنتاجهم منتظما وحرا بكثافة استثنائية. ولذلك يصلح ديوانها نموذجا لتوضيح الحدود القصوى لتوظيف هذه الآلية في مجموع شعر المرحلة دون إغفال خصوصيتها.

تلعب علامات الحذف في ديوان ليلى العثمان دورين رئيسيين:

1 ـ مقاومة الاندفاع الناتج عن  توالي التفعيلات في البحور القصيرة والمجزوءات والمشطورات. وهذا ما يلاحظ بقوة في قصيدة: غدا نصحو، حيث استعملت نقط الحذف بكثرة وتنوعٍ مثيرين (ثلاث و أربع نقط. والغالب في الديوان استعمال نقطتين). فالفراغات بالحذف تتآزر مع التوزيع الفضائي ومع عناصر أخرى في مقاومة جاذبية الوزن المطرد.

2 ـ الدعوة إلى تأمل الكلمات مفردة، ثم مركبة. غير أن هذا الدور لا يصل في الشعر الذي يغلب علية الترنم إلى درجة خلق الإشكال الدلالي عن طريق البتر الوظيفي للمقطع والجملة والكلمة كما نجد مثلا في دواوين شعراء أكثر ارتباطا بمفاهيم الحداثة الشعرية، حيث يهيمن السعي لتغليب التأمل على الترنم. نجد أمثلة لهذا التوجه التفاعلي التأملي عند سعدية مفرج مثلا.

 فمن بتر الجملة قولها (والمُعادِل المحتمَل لنقط موجود في الحاشية):

"تغيب...

        فأسرج خيل ظنوني

...

...

...([67])"

ومن بتر الكلمة تفتيتُ كلمة "يَتسرَّبْـن"، في المثال التالي للشاعرة نفسها ،  وتحويلها إلى "لحظات" للتأمل والتلذذ، سعيا  لتجسيد المعنى فضائيا([68]):

والفَتَيات الجَميلاتُ

يَتَـ...

   ... سَرَّ...

           ...بْنَ

                 نحو ثقوب الحياة السعيدةْ

وفي هذا النص تعاضد بين الحذف والرجوع. وهناك حذف أكثر تفتيتا بدون رجوع مثل قول سعدية مفرج([69]):

تتقطع موسيقاي

ت..ت..ق..ط..ع

أرمي جسدي. في زحام الأكتاف والأقدام.

هـ .2 ـ مقاومة الاتساق

كلما اندمج الشعراء في استراتيجية الحداثة الشعرية أو علقوا في أدبياتها كلما زادت مقاومتهم للتوازن باعتباره تأليا للشكل القديم. وهذه المقاومة إما اختيارية وإما تقصيرية. المقاومة الاختيارية نتاج اقتران الوعي الحداثي بالتشبع بتراث الانتظام، ولذلك فهي تفاعلية تناصية، وأقترح تسميتها مقاومة استحضار، أو الاستحضار فحسب. والمقاومة التقصيرية، بخلاف الأولى، ناتجة عن غياب ذلك الرصيد، واقترح تسميتها مقاومة الغياب، والأخيرة لا تهمنا هنا، وقد سبق في قطب النثر ما يمكن أخذه مثالا لها.

للاستحضار أوجه عدة نكتفي بصورة عامة منها، وهي: الخروج من نسق بعد انكشافه. إما عن طريق التدوير أو عن طريق التذييل: الخروج بحركة، والخروج بكلمة/تفعيلة:

- التدوير أوالخروج بحركة:

يقدم شعر محمد الفايز نماذج جيدة للتدليل على أن اعتماد الاتساق بين أنساق البحور (تام مجزوء منهوك) أو اعتماد التدوير (الذي يجعل التفعيلة موزعة بين شطرين) مسألة اختيار بالنسبة للشعراء المتمكنين. من الأمثلة التي تكشف سر هذه اللعبة السطران 3،4 من قصيدة القميص ودم الكذب([70]):

1) من الصعب أن تفهميني

2) فلا تسأليني

3) فليس لدي جواب يريحك

4) ليس لدي حديث يسرك

فمن البين أن الإنشاد الأنسب هو الذي يربط بين السطرين، إذ يتم مد الراء في "يريحك" انتظارًا لاستئناف القراءة، فهو يجمع بين مطلب التناسب العروضي والامتداد الدلالي. وقد ترجح عليه القراءة التعبيرية (أي الدلالية المحض)، فيقف المنشد عند نهاية الشطر (يريحك)، مع إبراز الفتحة في "يريحكَ" فيما يشبه التعجب والاستفهام، قبل أن ينتقل إلى الشطر الثاني، أما الإنشاد العروضي الصرف فقد ضرب الشاعر عنه صفحا، مع توفير إمكانية استحضاره بالنسبة للقارئ المترنم. فمن المغري، بالنسبة لمن ينشد الانتظام، أن يُصاغ الشطران على الشكل التالي:

فليس لدي جواب يريحْ  (أو يريحُ)

وليس لدي حديث يسرْ  (أو يسرُّ)

ففي كل سطرٍ شطرٌ من نسق المتقارب: فعول فعول فعولن فعل.

- التذييل أو الخروج بكلمة

وقد يكون الخروج من نسق البحر بإضافة كلمة/تفعيلة تصرف عن القصيد إلى الموشح من ذلك قوله في قصيدة: مغامرة تحت الوهج([71]):

الخضراء

أبعادك

في

يجـول

ما

أحس

الزرقــاء

عيونك

تقولـــــــــهُ

ما

أسمع

فالوقوف عند "أبعادك" و"عيونك" مرجح بثلاثة مؤشرات: اكتمال نسق الرجز، وتوفر القافية، وتوازي الوحدات الصوتية في الشطرين. ثم تأتي "الخضراء" و"الزرقا" لتخرجا القارئ من هذا النسق. ومن المعلوم أن الخروج لا يعني النسيان، بل يعني المنازعة المنشطة.

ولاشك أن محمد الفايز لم يصل إلى إلى هذه الكفاء في تشغيل الانتظام في الحر بالغياب حتى دخل وخرج من النظامين عدة مرات عبر عدة عقود.

هـ.2 ـ تنازع الشطر والتفعيلة

كما لعب الشكل دورا في حسم الوقف في نهاية السطر (حال السكون خدمة للتناسب وتدعيما للانتظام والترنم)، لعبَ دورا آخر في تعليقه (حال التحريك) كسراً لذلك التناسب وترجيحاً للتفاعل والتألم. وتكون للتحريك في آخر السطر قوةٌ وتأثير بقدر ما تلعب المؤشرات الوزنية والقافوية لصالح وقف كامل وقد وظف بعض الشعراء هذه الآلية بإصرار. من الأمثلة الموضحة لذلك السطران الأولان من المقطع التالي([72]):

تفجرْ                        //0/0/0      //0///0     //0/0    (في حال التسكين)

أيها الغضب المهجَّرُ          مفاعيـ/لن     مفاعلتن      فعولن

أيها الألق المُغيَّبُ           مفاعيـ/لن       مفاعلتن   فعاعلـ/تن ...الخ ( في حال التحريك)

في المدى المخنوقِ

في الأفق المعفَّرْ.

فالقافية والوزن (وهما مدعومان بالتجانس بين "تفجَّرْ" و"المهجَّر"، وبالتماسك الدلالي)  يدفعان المنشد إلى  الوقوف بالسكون على "المهجَّر" لصالح نسق بحر الوافر، في حين يَحسم تحريكُ آخر الكلمة لصالح الاستمرار في توالي تفعيلة: مفاعلتن، بحثا عن قافية للتفعيلة في موقع آخر أول السطر الموالي)، فهناك يبدأ تنسيق جديد بديل للقافية المعتادة: تأتي القوافي البديلة في أول الأسطر (2: أيْ، 2: في الْـ). وفي وسطها (ألْ)، كما تبين الحواجز التالية:

تفجرْ  أيْـ/ يُها الألق الْـ/ مُغيَّبُ في الْـ/ مدى المخنو/قِ في الأفق الْـ/معفَّرْ.

//0/0/0     / //0///0        /     //0///0     /     ///0/0/0 /  //0///0         / //0/0

ويأتي تسكين آخر السطر أحيانا لدعم لقافية مُكسِّرا تسلسلَ التفعيلات([73]).

هـ .3 ـ تراكب مؤشرات الوقف

يسعى الشاعر الحديث إلى الخروج من رتابة توالي التفعيلات بإيقاع أنماط متعددة من مؤشرات التقطيع بعضَها فوق بعض، ففي حين يكتفي البعض بالرجوع المُعلن فضائيا يُضيف البعض الآخر الفواصل والنقط وغيرها من علامات الترقيم، ثم تُحاور هذه المؤشرات كلها مؤالفة وخالفة بمؤشرات توازنية ترصيعية. يمكن تبين ذلك بتأمل هذا المقطع من قصيدة: تغيب... فأسرج خيل ظنوني، لسعدية مفرج([74]):

تغيب...

فتمضي التفاصيل، هذي التي نجهل كيف

تجيء نثيثا وكيف تروح حثيثا،   تغني

كسرب قطا عالق في شراك النوى ،  فتجتاح

صمتي هذا الغريب المريب،  تغالب وجديَ

هذا السليبَ،  تنوح ولا تنثني إذا مغرياتُ

القطا المصطفى عبر فيافي الضنى قد تلوحُ

بجبهة مهر  جموح صبوحْ.

يقدم هذا المقطع أربع مؤشرات للوقف، على القارئ / المنشد أن يراعيها ويدمجها ما وجد إلى ذلك سبيلا.

1)    الرجوع إلى السطر،

2)    الفواصل (،). وسط الأسطر خاصة. في آخر التفعيلة حينا وفي وسطها حينا،

3)    االتفعيلات العروضية. (فعولن)،

4)    الموازنات الصوتية.

والعنصر الذي يحتاج إلى بيان هنا ـ فيما يبدو ـ هو الموازنات الصوتية، ولذلك نستخرج بعض مكوناتها البارزة. مع الإشارة مسبقا إلى أنها تتخلل النص ولا تهيمن عليه تاركة الفرصة للمكونات الأخرى لتبرز بنفس المستوى، وهي: 1) تمتد من التوازي النحوي، إلى 2) المضارعة المقاطعية، إلى 3) الترصيع الصرفي.

أ ـ      كيف    تجيء    نثيثا

        وكيف   تروح   حثيثا،

     - فتجتاح  صمتي  هذا  الغريب   المريب،

        تغالب  وجديَ   هذا  السليبَ،

ب ـ   القطا المصطفى     - v - - v -       4 v ، 2- / 10 (باعتبار الطويل قصيرين)

      عبر فيافي الضنى   - v v -  -  v -    4 v ، 3- / 11

ج ـ    تلوحُ        =    فعول

       جموح       =    فعول

      صبوح.       =   فعول

و ـ تعويض الانتظام

بالتوازي النحوي والحكي

 

فضلا عن التوزيع الفضائي الذي عرضنا له من عدة زوايا اعتمدت القصيدة الحديثة في تعويض الانتظام العروضي، حين صار الابتعاد عنه واقعاً لا يدفع، على آليتين كبيرتين: التوازي والحكي

و.1 ـ التـوازي النحوي

لعب التوازي في القصيدة الحديثة دورا بديلا للوزن، وقد وقفنا عند هذه الظاهرة في كتابنا تحليل الخطاب الشعري بما يكفي من البيان، ويهمنا هنا أن نلاحظ كيف استثمر التوازي في الشعر المدروس. ولا نأخذ التوازي هنا بمفهومه العام، بل نقتصر على توازي المقولات في المواقع النحوية، وما يصاحبها من توازن صوتي وترتيب فضائي، كتوازي المطالع في قول نشمي مهنا في قصيدة بعنوان : يحبها أن...([75]) :

"...": أحبها أن تكون.. سلة لفاكهة الحلم

قرية    طينية يظللني سعفها

نجمة   أفرك أذنيها بإصبعي المبللين..

ثلجا    يجمد في قدمي وهنا القيلولة

لبؤة    أفترش أنوثتها، متى شئت.

حبة    خال تضيء ستائر غرفتي

سجادة  فارسية تكابر..وطء الأقدام

سدرة   تؤوي عصافير غضبي

أحبها أن...
 أحبها أن...
أغلق الباب خلفه لكن

تعثر في عتبات سؤال

كيف تحبه أن يكون؟

فهذه القصيدة من النماذج المبنية على ترديد نفس المواقع النحوية(الفاعلية، المفعولية، الظرف...) في نفس المواقع الفضائية (أول، وسط، آخر. قبل بعد، فوق تحت)، وبذلك ينال نفس التأويل الأدائي. وقد أُطِر هذا التوازي بمدخل تمهيدي ذي بنية مخالفة "أحبها أن.." وانتهت بمخرج مخالف.

ولا يتسع المقام لتتبع الظاهرة، وإيراد أمثلتها المختلفة. ولكن لا بد من الإشارة إلى أمرين: أولهما، وجود توجه إنشائي يعتمد الاستقصاء والتقليب فيكون التعاضد فيه قويا بين الاستكشاف الدلالي والتوازي النحوي، يدعم أحدهما الآخر. وثانيهما، أن غياب هذا التعاضد الدلالي التوازني يوقع في ازدواج بسيط آلي تفوح منه رائحة السجع.

و. 2 ـ الحكي: تنازع الامتداد والرجوع

من الإمكانيات المتاحة للشاعر الحديث سلوك طريق الحكي. وقد وظفها بعض الشعراء العرب على نطاق واسع كما في شعر منصف المزغني بتونس فيما أسماه "رؤيات" وفي المتن المدروس توظيف موفق لهذه الآلية يستحق أطروحة خاصة. همناك نصوص متفاوتة الطول مختلفة البناء أطولها فيما اطلعت عليه قصيدة الغزال لسليمان الخليفي (63صفحة)، قدمها بقوله: "في البدء ....الخ (ص135) وهي حوار بين زوجة وزوجها الممسوخ غزالا.

وقد زاوجت نشمي مهنا بين السرد الخالي الطليق والكثافة التوازنية. فقصيدة: باخوس والزمن المعتق، تنحو منحى سرديا، لِِ"وقائع" رمزية، مبتعدة عن كل مظاهر التوازن الملحوظ، مكتفية بالفضاء والرجوع([76]). وتبرز الخصائص السردية لهذه القصيدة جلية إذا ماقورنت مثلا بقصيدة: البحر يستدرجنا، من نفس الديوان، حيث تهيمن "القوافي الإطار" و"القوافي الحشوية"، وتوازن المطالع، إذ تبدو ك"أنشودة" ساعد البحر المتقارب في استدعاء التوازنات حسب المناسبة العاطفية التي دعت إليها. وتمثل قصيدتها: دليل لأنثى الأيائل (ص9)، تعاملا آخر مع الحكي، فهي حكاية طويلة بدون محكي ومحاورة بدون محاوَر؛ مفعمة بالأفعال الإنشائية، أهم ما يعترض مسار السرد فيها القوافي. وهي قواف بارزة أحيانا وخافتة أحيانا حسب البعد والقرب، منها:

على أي جنب ستغفو المراكب ليلا؟

وحضن الموانئ شوك ينز بعيني

ويقتات صبري

وهذي مصابيحكم

وسوسات تجول بصدر المدائن..

توهن في جدار اليقين

ألا خبؤوها

لليل سيأتي.. يواري رذاذ النشيج بأحضانكم

ومن نماذج التنازع بين المسار الحكائي وبنية الرجوع التقطيعي قصيدة: الساعة تشير إلى...،  لفوزية شويش السالم([77]). فقد أُعلِنَ عن  الطابع الحكائي من خلال تقسيم القصيدة إلى "مدخل" وستة "وقائع" بمتابة فصول مسرحية، ثم أعطيت الكلمة للرجوع متمثلا في استئناف الجمل بوتيرة قوية، خاصة في المدخل. وهي جمل قصيرة متفككة، أو مربوطة إلى محذوف مقدر؛ أي أنها بأسلوب مناف لمسار الحوار المسرحي. فالنص يتقدم في بنائه العام ويتأخر (أويتراجع) في بنيتة اللسانية. غير أن استبداد التوازي البسيط أو العاطل، وعدم بناء مسارات رمزية ثانوية للدلالة جعل التنازع الحكائي الترجيعي أقرب إلى الآلية([78]). 

وقد لا يكون الحكي شكلا مُعدّاً لتأطير فكرة كما في القصائد االمبنية على نمط المسرحية، بل يكون خميرة الديوان والهيكلَ الخفي لقصائده. أجد هذا الوصف مناسبا لديوان غنيمة زيد الحرب: أجنحة الرمال. فكل قصيدة منه تحكي واقعة أو حالة أو تصف مشاهدة..الخ وقد تصاحب القصيدة بمؤشرات  نصية مثل الزمان والمكان والجهات، مثل:

في مكانٍ

لَسْتُ أَدْري أَيْنَ كان

في زمانٍ

فَرَّ من سِفْر الزمانْ

في دروبٍ هَوَّمَتْ في اللاَّمكانْ

وتَدَلَّتْ

كالأَفاعي مِنْ سُقوف الهَذَيانْ.

***

كنتُ أرنو([79]).

ويبلغ هذا النمط من الحكي الخفي مستوى عاليا من المردودية الإيقاعية حين يتعانق فيه التوازني  والرمز الخفي. وهذا الوصف لمُحتفي مستوحًى من حال قصيدة لها قصيرة تفاعلت فيها هذه المكونات بيسر. عنوانها: استشهاد نخلة ([80]):

في هجيرٍ

تعشقُ الصحراء أظلالاً

وَرِياّ

طَرَّزَتْ أغصانُها

في الأرض فياّ

رَجَموها

أَمْطَرَتْ غقرانَها

شهداً جَنِيّا

شاهدَ الميلادِ كانت

ظَلَّلَتْ طفلا نبيا

***

وَأَدُوها

طفلةَ الصحراءِ

وانَّبْتَ اللبَرِيّا

خاتمة: الفضاء التشكيلي

نحصر الفضاء التشكيلي للقصيد هنا في أمرين:

1) الهيئة التي تتخذها بعض القصائد؛ حيث تكتب بشكل المحتوى الذي تعبر عنه، أو بشكل يحاوره قربا وبعدا،

2) الرسوم المصاحبة للنص، وهي من صنيع رسام في الغالب، يُساهم مع الشاعر في بناء "نص مركب" من شقين: لساني و تشكيلي.

وقد عرف الشعر العربي الحديث تجريب الكتابة التشكيلية للنص كما عرف الرسوم المصاحبة. أما المتن الذي ندرسه في هذه المناسبة فلم أجد فيه شيئا من محاولات الكتابة الفضائية. في حين استعمل قلة من الشعراء رسوما تشكيلية مصاحبة لقصائدهم، خاصة الشعراء ذَوُو النزوع الرومانسي مثل: خزنة بورسلي، وسعاد  الصباح في ديوانيها الأول والثاني، ويعقوب الرشيد في ديوانه: غنيت في ألمي، وكذا هاشم السبتي في: ليالي الألم. وألحقت بالديوان الثاني لأحمد العدواني: أوشال، رسوم. في حين خلا ديوانه الأول الذي نشر في حياته منها.

برغم كون الصور والرسوم المصاحبة للقصائد عناصر تناصية من المفروض تولُّدها (أو اختيارها انطلاقا من تأويل الدلالة، فإن علاقتها بالإيقاع وثيقة من زاويتين على الأقل:

1 ـ انتماؤها إلى الفضاء البصري للقصيدة المقروءة على الورق، وقد صار هذا الفضاء مكونا من مكونات إنتاج الإيقاع، حسب ما هو معروف في مبحث التضمين العروضي.

2 ـ كون الإيقاع نفسه مولَّدا للدلالة الإيحائية للنص، تلك الدلالة التي يأتي الرسم والصورة لمحاورتها بصور عدة، ولذلك فكُلما فُعِّل الإيقاع في إنتاج الدلالة، وكلما ابتَعد النص عن الدلالة المرجعية الواقعية، كلما قويت العلاقة بين الإيقاع والرسم. يمكن تمييز ثلاث مستويات من المباشرة والتجريد في استعمال الرسوم التشكيلية:

1 ـ إعادة المعنى

كحال الرسوم المصاحبة لقصائد: همسات، لِــليلى العثمان مثلا. فهي رسومٌ تشخيصية؛ لا تساهم في تعميق السؤال، بل تحسم المعنى، وتنهيه. (انظر القصيدة (ضياع. ص. 13). والأمر مفهوم  بالنظر إلى الطابع الرومانسي المباشر للديوان، وهو معلن من صورة الغلاف: طائران يتناجيان على غصن.

2 ـ إغناء المعنى

يصدق هذا على جزء من الصور الملحقة بديوان: أوشال، لأحمد العدواني.

3 ـ تأزيم المعنى

لم أطلع على أمثلة مُسعفة في هذا الصدد.


المراجع

أ ـ المتن الشعري

الخالدي إبراهيم

أ ـ دعوة عشق للأنثى الأخيرة. الكويت. 1994.

ب ـ عاد من حيث جاء. الكويت 1997.

الخليفي سليمان

ذرى الأعماق. شركة الربيعان. الكويت 1984

الرشيد يعقوب عبد العزيز

أ ـ غنيت في ألمي. 1993. دون ذكر الناشر.

ب ـ رفيف الجراح. دار الأخطل الصغير. بيروت. 1997.

الزيد خالد سعود

أ ـ صلوات في معبد مهجور. مكتبة الأمل. الكويت 1970.

ب ـ ديوان كلمات من الألواح. شركة الربيعان. الكويت 1985.

ج ـ بين واديك والقرى. شركة الربيعان. الكويت 1992.

السالم فوزية شويش

إن تغنت القصائد أو انطفأت فهي بي. سلسلة شرقيات. 31. 1997.

السبتي علي

أ ـ بيت من نجوم الصيف. ط2. شركة الربيعان. الكويت 1982.

ب ـ في الهواء الطلق. دار السياسة 1980.

ج ـ وعادت الأشعار. الكويت 1997.

السبتي هاشم

ليالي الألم. دار سعاد الصباح. الكويت 1992.

السبيعي يعقوب

أ ـ إضاءات الشيب الأسود. 1997. طبع بدعم المجلس الوطني للثقافة والفنون

ب ـ الصمت مزرعة الظنون. ط1.1989.مؤسسة الرياضي للطباعة العامة.

السريع عبد الله

رفيقة دربي. نواكشط. 1997.

السقاف أحمد

أ ـ شعر أحمد السقاف. بدون تاريخ النشر ومكانه.

ب ـ نكبة الكويت. دار قرطاس. الكويت. 1996.

السنعوسي هيفاء محمد

مقتطفات من الشعر الكويتي. 1995. دون ذكر الناشر ومكان النشر.  

الصباح سعاد عبد الله المبارك

أ ـ إليك يا ولدي. دار السلاسل. ط2. الكويت 1985.

ب ـ أمنية. دار السلاسل. ط3. الكويت 1985.

العتيبي عبد الله

أ ـ مزار الحلم. توزيع شركة الربيعان. 1988

ب ـ طائر البشرى. 1993 (لم يذكر الناشر)

العثمان ليلى عبد الله

همسات. مطبعة حكومة الكويت. 1972.

العدواني أحمد (احمد مشاري العدواني)

  أ ـ   أجنحة العاصفة. ط1. شركة الربيع. الكويت. 1980.

 ب ـ أوشال. إعداد خليفة الوقيان وسالم عبد الله خدده. المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب  الكويت 1996.

العندليب عبد العزيز

أ ـ شهداء الكويت. ج1. شركة مطابع محيمد العالمية. الكويت. 1997.

ب ـ أهازيج كويتية. الكويت. 1998.

الفايز محمد

أ ـ تسقط الحرب. دائرة النشر والتوزيع. الكويت. 1989.

ب ـ ذاكرة الآفاق. شركة الربيعان. الكويت. 1980.

القريني جنة

أ ـ من حدائق اللهب. شركة الربيعان. الكويت. 1988.

ب ـ الفجيعة. 1991. دون ذكر لمكان الطبع.

الهاجري مبارك بن شافي

نزيف أغسطس. شركة شبه الجزيرة. الكويت. 1994.

الوقيان خليفة

أ ـ المبحرون مع الرياح. شركة الربيعان. ط2. الكويت. 1980.

ب ـ تحولات الأزمنة. مكتبة دار العلوم. الكويت. 1983.

ج ـ الخروج من الدائرة. شركة الربيعان. الكويت. 1988.

د ـ حصاد الريح. مطبعة مقهاوي. الكويت. 1995.

هـ ـ ديوان خليفة الوقيان. مختارات. دار الآداب. بيروت. 1996.

برسلي خزنة

أزهار أيار. بدون تاريخ ولا مكان النشر.

عالية شعيب

عناكب ترثي جرخا. منشورات عالية. الكويت 1993.

علي حسين محمد

لمسات ضوئية. دار قرطبة. الكويت 1997.

غنيمة زيد الحرب

أ ـ قصائد في قفص الاحتلال. مطابع الخط. الكويت. بدون تاريخ

ب ـ أجنحة الرمال. مطابع الخط. الكويت 1993.

د ـ هديل الحلم. الكويت. 1993. ساعد في طباعته المجلس الوطني للثقافة.

فاضل خلف

25 فبراير. الشركة العصرية للطباعة. الكويت. 2000.

مفرج سعدية

تغيب...فأسرج خيل ظنوني. دار الجيل. 1994.

مهنا نشمي

البحر يستدرجنا... للخطيئة. دار الفارابي. بيروت. 2001.

نجمة إدريس

أ ـ الإنسان الصغير. 1998. (دون ذكر للناشر)

ب ـ مجرة الماء. نشر المدى. 2000.

 

ب ـ الخلفية  النظرية

المؤلفات التالية لصاحب هذه الدراسة محمد العمري، وما تحيل عليه:

1 ـ   تحليل الخطاب الشعري؛ البنية الصوتية في الشعر.الدار العالمية. الدار البيضاء.1990.

2 ـ   الموازنات الصوتية، في الرؤية البلاغية والممارسة الشعرية. ط2. إفريقيا الشرق.الدار البضاء/بيروت. 2001

3 ـ بنية التوازن والتقابل: قراءة في البلاغة العربية.

    مجلة كلية الآداب بفاس.العدد9.1987.(أعمال ندوة).

4 ـ مسألة الإيقاع في الشعر الحديث مفاهيم  وَ أسئلة

    ينشر ضمن أعمال الملتقى الشعري الأول. المنظم بتونس بين  23 ـ 25/9/1997.

    ظهر في مجلة فكر ونقد. بالرباط. ع 18. 1999.

5 ـ  الإيقاع تنظيرا وممارسة في أعمال محمود المسعدي.

    منشور ضمن أعمال ندوة تكريم الأستاذ محمود المسعدي بكلية الآداب منوبة بتونس 11ـ12/10/1997. تنظيم ونشر مؤسسة عبد الكريم بن عبد الله. تونس1997.

 



[1]  ـ والسبب في صمود هذين المفهومين، رغم غموضهما، هو كونهما يتقاسما البنية المميزة للشعر، أو جوهر الشعر، أو عُنصره المنسق. وهما يحاوران مكونين آخرين كبيرين: المكون النحوي والمكون التداولي (المكونان النحوي والتداولي مشتركان بين الشعري والخطابي)، ولذلك فكل قراءة دالة للشعر لابد أن تنطلق منهما، وإلا بدت أقرب إلى دراسة الخطابة أو الفلسفة. وكون الإيقاع والصورة بتلك الصفة هو الذي جعل الشعر يُختزل من حين لآخر (حسب الموجات الشعرية) في هذا العنصر أو ذاك؛ فيقال: الشعر تصوير، أو يقال: الشعر كلام موزون. ولكل من القسيمين نواة وأدوات، فنواة الصورة الاستعارةُ، ونواة الإيقاع الوزنُ بمفهومه العام. القابل لاستيعاب كل صور التنسيق الصوتي العروضي وغير العروضي.

[2] ـ - Catherine Kerbrat – Orecchioni. La connotation. P. 64J  .  

[3] _ "Pour une théorie du discours poètique" قدم به كتاب:Essai de sémantique poétique. وهو كتاب مشترك بين مجموعة من الباحثين. ص11.

[4] _ نقصد :

Jean - Claude Coquet..  في مقاله:  “Poétique et linguistique”. P. 32 ضمن المرجع أعلاه، وفي كتابه:       Sémiotique Littéraire.  Jean - Pierre Dlarge. Paris. 1973

[5]ـ   - Vocabulaire de la stylitique: prosodie

[6]  ـ بمعرفتنا للكلام غير الإيقاعي وهو "البسيط"  نتعرف على ما ليس منه وهو الكلام الموقع الذي يحتوي مؤالفة في مخالفة، ويبقى أن ندرس تجليات التفاعل بين العناصر ومدى تركيبها.

[7]  ـ  المناسبة المقصودة هي: الملتقى الأول للشعراء العرب بتونس، وقد نشرت هذه المداخلة بمجلة فكر ونقد. ع.   ص؟

[8] ـ للمقارنة: انظر مدخل بنية اللغة الشعرية. لجان كوهن.ص10-12. في محاولة لتحديد مجال المفهوم الحالي للشعر كظاهرة وصفة، انتهى جان كوهن إلى أن الشعر، باعتباره عملا لغويا، قابل للتحليل في مستويين: صوتي ودلالي. ومن ثم فإن الشعر قابل للإنتاج نظريا على أي من المستويين أو باجتماعهما. أما من حيث الواقع والممارسة فقد ظهرت أعمال «ذات اعتبار جمالي» في إطار ما عرف بقصيدة النثر. أما المقابل النظري الذي يمكن أن ندعوه قصيدة صوتية فلم ينتج عملا جيداً يمكن أن يعتد به. ومع ذلك فكيفما كانت قيمة ما ينتجه هذان المكونان منفردين «فالثابت أنهما استعملا معا على الدوام، في التقليد الشعري الفرنسي، وأنهما عندما يوحدان إمكانياتهما ينتجان هذه الأعمال التي يلتصق بها في أذهاننا اسم الشعر التصاقا مباشرا، مثل: أسطورة القرون، أو أزهار الشر. فهذه الأشعار التي تكون الفئة الثالثة هي التي تستحق أن نعطيها اسم «الشعر الصوتي ـ الدلالي» أو الشعر الكامل»(بنية اللغة الشعرية. ص12).

[9] ـ INTRODUCTION A LA POESIE ORALE. p. 156-157.

[10] ـ قارن بما ورد عند بول زِمطور  PAUL ZUMTHOR  في المرجع السابق.ص. 176-- 159

[11] ـ ألفت كتب وأنشئت مقالات كثيرة بهذا العنوان، منها: موسيقى الشعر. ت.س . إليوت ترجمة محمد النويهي. ضمن كتاب قضية الشعر الجديد. دار الفكر. وموسيقى الشعر لـِ إبراهيم أنيس. مكتبة الأنجلو المصرية1978. وموسيقى الشعر العربي.لـِ شكري عياد (مشروع دراسة علمية). دار المعرفة. 1978. 

[12] ـ اعتُمد التحليل بالنظر إلى المستويين الصوتي والدلالي من طرف البنيوية اللسانية كما سبق. وإذا رجعنا إلى البلاغة العربية القديمة وجدنا أكبر مشروعين بلاغتين فيها ينحيان أحد المنحيين: بلاغة متعددة المعاني ولا تعطي الأصوات إلا ما له بُعد دلالي مثل التجنيس المستوفي، وهي التي حفظ لهل عبد القاهر الجرجاني، وبلاغةٌ تنطلق من الأصوات قبل أن تضطر للتفتح على المعاني وهي التي حاولها ابن سنان الخفاجي في كتابه سر الفصاحة (انظر كتابنا الموازنات الصوتية في الرؤية البلاغية. وانظر الأسس المذهبية للاتجاهين في كتابنا: البلاغة العربية أصولها وامتداداتها (تحت الطبع)).  

[13] ـ نقد الشعر 40.

[14] ـ  انظرPaul Zumthor. Introduction à la poésie orale.p?. 

[15] ـ إن أصحاب التفعيلة حين يتصرفون في المستوى المجرد التعبيري يتصرفون في مستوى أنساق يحكمها التاريخ داخل اللغة العربية نفسها، في حين يحتفظون للغة الفصحى بنسقها الصوتي. أما ثورة النثيرة على التفعيلة نفسها ورفضها المستوى المسطح نفسه فهو تمرد على اللغة، على إمكانياتها الموسيقية الخصوصية التي تميزها عن اللغات الأخرى أو عن الدوارج، وفي هذه الحالة سيكون من المجدي تكسير الإعراب وتشغيل السكون على أوسع نطاق، أو اللجوء إلى النبر والتكميل الشفوي، كما هو الحال في الزجل. وفي غير ذلك تبدو المهمة مُستحيلة

[16]  ـ  ينبني هذا التقسيم على تصور كنا بسطناه في مناسبة سابقة بعنوان: حوار المركز والهامش في الشعر العربي، حيث اعتبرنا الموشحات امتداد للمفهوم القديم للرجز الذي كان يعتبر تليينا للشعر وهامشا يضم أشكالا عدة. (الملتقى الشعري بفاس. 1998)

[17]  ـ  الشعر العربي المعاصر في الكويت. معجم البابطين. 6/395.

[18]  ـ لم نطلع على ديوانيه: السقوط إلى الأعلى. 1979. و مسافات الروح. 1985.

[19]  ـ  منها هذا المقطع الموجه "برقية من مخطوف كويتي إلى خاطفه" (ص5):

 "يا عدو البشرية..يا صنيع الهمجية..

يا بقايا آدمي

لفطنة الآدمية

خاطفي..يا أيها المخطوف من كل مزية

يا أداة الموت..يا طعنة حقد تترية

لست حرا..أنت مخطوف معي في (الجابرية)

إنما واقعنا مختلف "الخ

[20]  ـ  واحدة منها متعددة البحور: متقارب/ رجز/بسيط/رجز. مع تصرف في تنسيق الرجز.

[21]  ـ  وقد سهل كل من الوقيان والفايز مهمة الدارس: الأول بترتيب دواوينه تاريخيا وتقديمها نقديا، والثاني بترتيب دواوينه تاريخيا وموضوعيا، فهي ليست مجاميع بل تجارب. أما شعر أحمد العدواني فمهمة رصد تطوره صعبة إذ جُمع أكثره بعد وفاته دون اهتمام بالتصنيف التاريخي. ومع ذلك يمكن اعتبار الديوان الذي نشر في حياته منتخبات دالة على الخيط العام لتطور التجربة.

[22]  ـ المبحرون مع الرياح 7.

[23]  ـ  لم تسمح ظروف إعداد هذا البحث بالاطلاع المباشر على كل أعمال الشاعرة، وسنتدارك هذا النقص قبل تقديمه للنشر. لها غير ما ذكر: فتافيت امرأة 1986. في البدء كانت الأنثى 1988. قصائد حب. آخر السيوف. امرأة إلى ساحل. حوار الورد والبنادق 1989. برقيات عاجلة إلى وطني 1990. (معجم البابطين. ومقتطفات من الشعر الكويتي)

[24]  ـ  هذا إلى حدود ديوان: تسقط الحرب.1989. لم نتمكن من الاطلاع على كل دواوين الشاعر، ولذلك اعتمدنا على الإحصاء الذي قدمه سعد مصلوح في مقدمة: تسقط الحرب. وقد غاب عن هذه المقدمة ، كما غاب عنا ديوان: كتابات فوق الأبواب القديمة، وقد أعلن عنه في ظهر غلاف: ذاكرة الآفاق.

[25]  ـ  انظر مثالا لذلك قصيدتيه: إلى رفيقة العمر، وتأملات ذاتية. (أجنحة العاصفة. ص. 8، 12). ولعل الشاعر وضعهما في أول الديوان توجيها للقارئ.

[26]  ـ ديوان: أجنحة العاصفة. 86-100. عدد أبياتها 72بيتاً. وهي تجمع تأملات الشاعر ومواقفه من جوانب كثيرة من حياة الإنسان، وآلامه وما يعيش من مفارقات. وقد أطرت هذه التأملات بذلك العنوان الساخر (شطحات في الطريق) الذي يحاكي عناوين توجيهية من قبيل : معالم في الطريق.

[27]  ـ لم نطلع بعدُ على شعر سليمان الفليج عدا مختارات، وهي إذ تشير إلى انتمائه إلى هذه الخانة لا تسمح لنا بالحسم. سنسعى لسد هذه الثغرة قبل تقديم هذا البحث للطبع.

[28]  ـ ديوان: عادت الأشعار ص. 135. 

[29]  ـ  بيت من نجوم الصيف ص 9-10. مؤرخ ب 1968.

[30]  ـ  سيأتي كشف مستوى من الانتظام في قصيدته: الجدسد الآخر، نموذجا. وأجد في ديوانه خطاطة أو أرضية للحوار بين الشاعر والقارئ على مستوى الإيقاع والمعاني.

[31]  ـ للشاعرة ديوانان آخران لم نطلع عليهما: آخر الحالمين 1990، والنخل والبيوت، "تحت الطبع". (انظر آخر ديوان: تغيب...).

[32]  ـ  للشاعرة مما لم نطلع عليه: في مرآتي يتشهين عصفور الذهب (1996). صورة غارقة ـ تجارب في قصيدة الهايكو اليابانية، ذكرت أنه تحت الطبع. انظر آخر: إن تغنت القصائد.

[33]  ـ ليس النزوعُ النثري وليدَ اليوم بل يدخل في منطق الصراع بين البنية ونقيضها على العموم، وبين البنية المتألية والبدائل النشيطة أو المنشطة. وبهذا المنطق فسر يوري تنيانوف والشكلانيون عامة فَعالية الإيقاع وما يصيبه من تجديد. فلا خوف من الكونية ولا جدوى كبيرة من إسقاط الوصفات الجاهزة .

[34]  ـ  من ذلك نظم صيغ البحور الشعرية نفسها:

عن المتقارب قال الخليل:     فعولن فعولن فعولن فعل

[35]  ـ مع أن مفهومنا للنظم لا ينحصر في نظام البحور فإن التزام أنساق مطردة الأبيات والقوافي هو مثاله النموذجي. وهو الذي استعمل فعلا في نظْم المعارف الجاهزة، وفيه تظهر الضرورات بقوة وجلاء، كما سيأتي. وليس النظام التفعيلي مُحصنا من بساطة النظم والضرورات النظمية. ولكنه يتوفر على عناصر تعويضية تخفف من حدة بساطته وتجعل كشفها أكثر صعوبة.

[36]  ـ  شعر أحمد السقاف ص31. وانظر أيضا قصيدة : يافتاة الكويت. في ديوان نكبة الكويت. ص61.

[37] ـ  شعر أحمد السقاف 458ـ 459. مؤرخة ب 1944.

[38] ـ  شعر أحمد السقاف ص:465ـ 474. مؤرخة ب 1941.

[39]  ـ  جاء تحت العنوان: "مهداة للأخ عبد الله العتيبي" . الصمت مزرعة الظنون.31.

[40]  ـ  وعادت الأشعار 94-97

[41] ـ ومع هذا التخريج لصالح النص فقد كان من المتوقع ـ لو بقي الشاعر في مستوى الرمز والكلمات العامة (الرئيس بدل المدير مثلا) ـ أن ينتقل المتلقي تلقائيا من أجواء القديم إلى زحمة الحديث، ويُسقط ذاك على هذا مستشعرا نشوة الاكتشاف.

[42] ـ  ولعل هذا ما جعل سالم خدادة يقول: "ومن الملحوظ أن قصيدة الشطرين ـ القصيدة العمودية ـ عادت قوية، ولكنها القصيدة العمودية الجديدة، أي التي تعبر عن الرؤى الجديدة وإن حافظت على تقاليد الوزن القافلية". (الشعر العربي المعاصر في الكويت. معجم البابطين.6395). ولعل هنا  التباسا بين الموضوع والرؤية.

[43] ـ  مبارك بن شافي الهاجري. نزيف أغسطس. ص67- 68

[44] ـ الصمت 33. ولا بد أن نشير إلى أن توفق النظم في "سبك" المعاني في المسار البديعي المشار إليه مرتبط بالمعاني المفردة المؤداة في أقل ما يمكن من الأبيات. انظر حلبة الكميت، مثلا، كما أن هذا المنحى ارتبط بالسخرية والهزل في الغالب.

[45] ـ الصمت: ص22.

[46] ـ  الصمت 42 ـ 43.

[47] ـ  ديوان: لمسات ضوئية 52.‏

[48]  ـ رفيقة دربي. 88-89. وقد صرح في مقدمة الديوان أن الأمر يتعلق ب "بخواطر شعرية أكثر منها شعرأ".

[49]  ـ اعتبرنا النقطة الوحيدة الموجودة في النص (وهي بعد كلمة "قمري") علامة على الفرق بين مقطعين، يرجح ذلك الفرق الكبير بين بنية الجزأين اللذين تفصل بينهما.

[50]  ـ INTRODUCTION A LA POESIE ORALE. . ص. 176- 159.

[51]  ـ من كبار الشعراء الذين حققوا لشعرهم مستوى أعلى من قابلية الغناء نزار قباني.

[52]  ـ  أوشال 520.

[53]  ـ  طائر البشرى. 155. وهذا الديوان حلقة من سلسلة دواوين بعنوان: أغاني الوطن.

[54]  ـ  انظر قصيدة غضب مثلا. (طائر البشرى.119).

[55]  ـ  انظر قصيدة الله أكبر مثلا. (طائر البشرى.45).

[56] ـ أوشال ص299.

 [57]  ـ وقد سعت "صورة المرأة" المرافقة للقصيدة (في الديوان) إلى الاقتراب من هذا الطيف المتسارع من خلال الأمواج الضوئية (أو الصوتية) المنتشرة من خيال المرأة/الصورة.

 

[58]  ـ ولا بد من التنبيه هنا إلى صعوبة التحكم في زمام  الكثافة التوازية والصمود أمام إغرائها؛ فليس التنافر وحده ما يفسد استراتيجية الإيقاع الكلاسيكي(المنتظم)، بل تفسدها أيضا المبالغة في التوازن مبالغة تلغي العروض وتضعف القافية (وجود قواف داخلية كثيرة). ومن ذلك نثرية الرجز والموشحات برغم قوة كثافتها الصوتية. لقد نشأت داخل العَروض نفسه أنساقٌ شبهُ منتظمة مثل التسميط.. انتهت إلى الموشحات وهي أنساق نازعت القصيد سلطته وقللت من هيبته.

فمن الطريف أن النزوع إلى التنافر المشاكس قد رافقه نزوع نحو التجانس الملغز، ورمز الظاهرتين هو أبو العلاء المعري نفسه الذي أوصل الأمور كلها إلى حدود الانفجار.

[59]  ـ  انظر تحليلنا لقصيدة الخنساء... في تحليل الخطاب الشعري.ص 190. وقد قدمناه بهذه الفقرة: "كثيرا ما يتخذ الشعراء، خاصة في القصائد الغنائية القصيرة والمقطوعات، أو في مقاطع من قصائدهم، نواة صوتية هي في الغالب النواة الدلالية للمقطوعة، وتمتد الأصوات والدلالات المتفرعة عنها في جنبات المقطوعة، أو في عدة أبيات منها في شبكات ذات أبعاد أفقية وعمودية.

وهذه الظاهرة أكثر وقوعا في قصائد الفقد (الرثاء الغزل الخ الخ) حيث يلعب التكرار دورا بنائيا في المستويين الصوتي والدلالي.

وتتوالد المعاني انطلاقا من نواة محددة توالد اشتقاق (اشتقاق بعض الكلام من بعض)، وتوالد ترميز (في مستوى الرمزية الصوتية).

وكان ديك دو فو كيير تحدث عن "الكلمة المولدة للتناغم"، وهي كلمة تخضع الكلمات الثانوية المجاورة لها لتبعية دلالية وصوتية. (Traité général. P.220. نقله كوتييه في Système. P45. والحاشية 12،13 ).

[60]  ـ  وهناك إيهام دلالي/صوتي: "مطايا" تتطلب "مطاعم"، فانزاح عنها الشاعر إلى "مطامع". ولولا تأكيدُ المقاطعِ اللاحقة على المطامع لظن القارئ أن الأمر يتعلق بخطأ مطبعي.

[61]  ـ ذرى الأعماق ص121ـ122 (مؤرخة 1983)

[62]  ـ  تبدو الفاءُ في: "فباسم"، زائدةً من أجل الوزن

[63]  ـ وهذا الذي نتحدث عنه غير التشكيل البصري للنصوص، ولا ينظر إلى البياض في حد ذاته.

[64]  ـ عنوان  فصل  من كتابنا: تحليل الخطاب الشعري، البنية الصوتية.

[65]  ـ تغيب ... فأسرج خيل ظنوني. 54.

[66]  ـ المقطع الأول من قصيدة بعنوان: من سفر الحداثة. ديوان: مجرة الماء.ص47.

[67]  ـ  أيكون الغياب، إذن شهوة للعذاب؟"

[68]  ـ تغيب ... فأسرج خيل ظنوني. 37.

[69]  ـ البحر يستدرجنا ...للخطيئة.ص 115.

[70]  ـ تسقط الحرب. 23.

[71]  ـ ذاكرة الآفاق. ص78.

[72]  ـ  خليفة الوقيان. الخروج من الدائرة. قصيدة: تعويذة في زمن الاحتضار. ص15.

[73]  ـ  انظر قصيدة:عالم من هباء ، لعلي السبتي. ...وعادت الأشعار. ص 37.

[74]  ـ ديوان:  تغيب... فأسرج خيل ظنوني ص:21. وقد أضفنا بعض الإجراءات الطباعية للتوضيح.

[75]  ـ  البحر يستدرجنا...للخطيئة. ص73

[76]  ـ نفسه. ص. 25-36. يبدأ النص بتقديم يحدد الفضاء المسرحي بمكوناته: الزمان، المكان، المشهد، الجماهير ..الخ

[77]  ـ إن تغنت القصائد ص29. ولهذا النزوع القصصي أصول في ديونها الأول هذيان االحلم، وامتداد مبتسر في ديوانها الثالث: فصائد في قفص الاحتلال.

[78]  ـ بعد الانتهاء من إنجاز هذا البحث قرأت في مقدمة الديوان (15) بقلم إدوار الخراط هذه العبارة: "ومع ذلك فإن هذه التعددية في الأصوات إنما تتجلى في الأكثر في "مضمون" أو في "رواية" الحدث النصي، أكثر من تجليها في تعدد أو تنوع "المعجم" اللغوي، أو الجرس أو الإيقاع الموسيقي، فهذه متقاربة أو متطابقة أو تكاد. وهو ما يخلق نوعا من  اللبس أو القلق في البنية، لا الصوتية فحسب، بل في الرؤية كذلك".

[79]  ـ  أجنحة الرمال. ص.93-94. وبعضها مصاحب بمؤشرات هيكلية (عناوين داخلية: كلمة "خاتمة" في آخر هذه القصيدة، مثلا).

[80]  ـ  أجنحة الرمال.ص.36-38. مؤرخة ب 1985.